[مريم : 9] قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا
9 - (قال) الأمر (كذلك) من خلق غلام منكما (قال ربك هو علي هين) أي بأن أرد عليك من قوة الجماع وأفتق رحم امرأتك للعلوق (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا) قبل خلقك ولإظهار الله هذه القدرة العظيمة ألهمه السؤال ليجاب بما يدل عليها ولما تاقت نفسه إلى سرعة المبشر به
يقول تعالى ذكره : قال الله لزكريا مجيباً له "قال كذلك" يقول : هكذا الأمر كما تقول من أن امرأتك عاقر، وأنك قد بلغت من الكبر العتي ، ولكن ربك يقول : خلق ما بشرتك به من الغلام الذي ذكرت لك أن اسمه يحيى علي هين ، فهو إذن من قوله "قال ربك هو علي هين" كناية عن الخلق.
وقوله "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا" يقول تعالى ذكره وليس خلق ما وعدتك أن أهبه لك من الغلام الذي ذكرت لك أمره مند مع كبر سنك ، وعقم زوجتك بأعجب من خلقيك ، فإني قد خلقتك ، فأنشاتك بشراً سوياً من قبل خلقي ما بشرتك بأني واهبه لك من الولد، ولم تك شيئاً، فكذلك أخلق لك الولد الذي بشرتك به من زوجتك العاقر، مع عتيك ووهن عظامك ، واشتعال شيب رأسك.
قوله تعالى: " قال كذلك قال ربك هو علي هين " أي قال له الملك " كذلك قال ربك " والكاف في موضع رفع، أي الأمر كذلك، أي كما قيل لك: " هو علي هين ". قال الفراء : خلقه علي هين. " وقد خلقتك من قبل " أي من قبل يحيى. وهذه قراءة أهل المدينة والبصرة وعاصم. وقرأ سائر الكوفيين وقد خلقناك . بنون وألف بالجمع على التعظيم. والقراءة الأولى أشبه بالسواد. " ولم تك شيئا " أي كما خلقك الله تعالى بعد العدم ولم تك شيئاً موجوداً، فهو القادر على خلق يحيى وإيجاده.
هذا تعجب من زكريا عليه السلام حين أجيب إلى ما سأل وبشر بالولد, ففرح فرحاً شديداً, وسأل عن كيفية ما يولد له والوجه الذي يأتيه منه الولد, مع أن امرأته كانت عاقراً لم تلد من أول عمرها مع كبرها, ومع أنه قد كبر وعتا, أي: عسا عظمه ونحل, ولم يبق فيه لقاح ولا جماع, والعرب تقول للعود إذا يبس: عتا يعتو عتياً وعتواً, وعسا يعسو عسواً وعسياً, وقال مجاهد : عتيا يعني نحول العظم, وقال ابن عباس وغيره: عتيا, يعني الكبر, والظاهر أنه أخص من الكبر.
وقال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا هشيم , أخبرنا حصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: لقد علمت السنة كلها غير أني لا أدري أكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الظهر والعصر أم لا, ولا أدري كيف كان يقرأ هذا الحرف "وقد بلغت من الكبر عتيا" أو عسيا, ورواه الإمام أحمد عن سريج بن النعمان وأبو داود عن زياد بن أيوب كلاهما عن هشيم به, "قال" أي الملك مجيباً لزكريا عما استعجب منه "كذلك قال ربك هو علي هين" أي إيجاد الولد منك ومن زوجتك هذه لا من غيرها, "هين" أي يسير سهل على الله, ثم ذكر له ما هو أعجب مما سأل عنه, فقال "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً" كما قال تعالى: "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً".
ثم أجاب الله سبحانه على هذا السؤال المشعر بالتعجب والاستبعاد بقوله: 9- "قال كذلك قال ربك" الكاف في محل رفع: أي الأمر كذلك، والإشارة إلى ما سبق من قول زكريا، ثم ابتدأ بقوله: "قال ربك" ويحتمل أن يكون محله النصب على المصدرية: أي قال قولاً مثل ذلك، والإشارة بذلك إلى مبهم يفسره قوله: "هو علي هين" وأما على الاحتمال الأول فتكون جملة "هو علي هين" مستأنفة مسوقة لإزالة استبعاد زكريا بعد تقريره: أي قال هو مع بعده عندك علي هين، وهو فيعل من هان الشيء يهون إذا لم يصعب ولم يمتنع من المراد. قال الفراء: أي خلقه علي هين "وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً" هذه الجملة مقررة لما قبلها. قال الزجاج: أي فخلق الولد لك كخلقك، والمعنى: أن الله سبحانه خلقه ابتداءً وأوجده من العدم المحض، فإيجاد الولد له بطريق التوالد المعتاد أهون من ذلك وأسهل منه، وإنما لم ينسب ذلك إلى آدم عليه السلام لكونه المخلوق من العدم حقيقة بأن يقول: وقد خلقت أباك آدم من قبل ولم يك شيئاً، للدلالة على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشاء آدم من العدم. قرأ أهل المدينة وأهل مكة والبصرة وعاصم وابن عامر "وقد خلقتك من قبل" وقرأ سائر الكوفيون " وقد خلقتك من قبل ".
9 - " قال كذلك قال ربك هو علي هين " ، يسير ، " وقد خلقتك " ، قرأ حمزة و الكسائي " خلقناك " بالنون والألف على التعظيم ، " من قبل " ، أي من قبل يحيى ، " ولم تك شيئاً " .
9ـ " قال " أي الله تعالى أو الملك المبلغ للبشارة تصديقاً له "كذلك" الأمر كذلك، ويجوز أن تكون الكاف منصوبة ب " قال " في: " قال ربك " وذلك إشارة إلى مبهم يفسره. "هو علي هين" ويؤيد الأول قراءة من قرأ ((وهو على هين)) أي الأمر كما قلت، أو كما وعدت وهو على ذلك يهون علي، أو كما وعدت وهو علي هين لا أحتاج فيما أريد أن أفعله إلى الأسباب، ومفعول قال الثاني محذوف.
"وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئاً" بل كنت معدوماً صرفاً، وفيه دليل على أن المعدوم ليس بشيء، وقرأ حمزة والكسائي ((وقد خلقناك)) .
9. He said: So (it will be). Thy Lord saith: It is easy for Me, even as I created thee before, when thou wast naught.
9 - He said: so (it will be): thy Lord saith, that is easy for me: I did indeed create thee before, When thou hadst been nothing!