[مريم : 76] وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا
76 - (ويزيد الله الذين اهتدوا) بالإيمان (هدى) بما ينزل عليهم من الآيات (والباقيات الصالحات) هي الطاعة تبقى لصاحبها (خير عند ربك ثوابا وخير مردا) أي ما يرد إليه ويرجع بخلاف أعمال الكفار والخيرية هنا في مقابلة قولهم أي الفريقين خير مقاما
يتول تعالى ذكره : ويزيد الله من سلك قصد المحجة، واهتدى لسبيل الرشد، فآمن بربه ، وصدق بآياته ، فعمل بما أمره به ، وانتهى عما نهاه عنه هدى بما يتجدد له من الإيمان بالفرائض التي يفرضها عليه ، ويقر بلزوم فرضها إياه ، ويعمل بها، فذلك زيادة من الله في اهتدائه بآياته هدى على هداه ، وذلك نظير قوله "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون" [التوبة : 124]. وقد كان بعضهم يتأول ذلك : ويزيد الله الذين اهتدوا هدى بناسخ القرآن ومنسوخه ، فيؤمن بالناسخ ، كما آمن من قبل بالمنسوخ ، فذلك زيادة هدى من الله له على هداه من قبل "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا" يقول تعالى ذكره : والأعمال التي أمر الله بها عباده ورضيها منهم ، الباقيات لهم غير الفانيات الصالحات ، خير عند ربك جزاء لأهلها "وخير مردا" عليهم من مقامات هؤلاء المشركين بالله ، وأنديتهم التي يفتخرون بها على أهل الإيمان في الدنيا.
وقد بينا معنى الباقيات الصالحات ، وذكرنا اختلاف المختلفين في ذلك ، ودللنا على الصواب من القول فيه فيما مضى بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا عمر بن راشد، عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ، قال: "جلس النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم ، فأخذ عوداً يابساً، فحط ورقه ثم قال : إن قول لا إله إلا الله ، والله أكبر، والحمد لله وسبحان الله ،تحط الخطايا، كما تحط ورق هذه الشجرة الريح ، خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن، هن الباقيات الصالحات ، وهن من كنوز الجنة"، قال أبو سلمة : فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال : لأهللن الله ، ولأكبرن الله ، ولأسبحن الله ، حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون.
قوله تعالى: " ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " أي ويثبت الله المؤمنين على الهدى، ويزيدهم في النصرة، وينزل من الآيات ما يكون سبب زيادة اليقين مجازاة لهم. وقيل: يزيدهم هدى بتصديقهم بالناسخ والمنسوخ الذي كفر به غيرهم، قال معناه الكلبي و مقاتل . ويحتمل ثالثاً: أي " ويزيد الله الذين اهتدوا " إلى الطاعة " هدى " إلى الجنة، والمعنى متقارب. وقد تقدم القول في معنى زيادة الأعمال وزيادة الإيمان والهدى في ((آل عمران)) وغيرها. " والباقيات الصالحات " تقدم في ((الكهف)) القول فيها. " خير عند ربك ثوابا " أي جزاء: " وخير مردا " أي في الآخرة مما افتخر به الكفار في الدنيا. و المرد مصدر كالرد، أي وخير رداً على عاملها بالثواب، يقال: هذا أرد عليك، أي أنفع لك. وقيل: " خير مردا " أي مرجعاً فكل أحد يرد إلى عمله الذي عمله.
لما ذكر تعالى إمداد من هو في الضلالة فيما هو فيه وزيادته على ما هو عليه, أخبر بزيادة المهتدين هدى, كما قال تعالى: "وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً" الايتين. وقوله: "والباقيات الصالحات" قد تقدم تفسيرها والكلام عليها وإيراد الأحاديث المتعلقة بها في سورة الكهف "خير عند ربك ثواباً" أي جزاء "وخير مرداً" أي عاقبة ومرداً على صاحبها. وقال عبد الرزاق : أخبرنا عمر بن راشد عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: " جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فأخذ عوداً يابساً فحط ورقه, ثم قال: إن قول لا إله إلا الله, والله أكبر, وسبحان الله, والحمد لله, تحط الخطايا كما تحط ورق هذه الشجرة الريح, خذهن يا أبا الدرداء قبل أن يحال بينك وبينهن, هن الباقيات الصالحات, وهن من كنوز الجنة" قال أبو سلمة : فكان أبو الدرداء إذا ذكر هذا الحديث قال: لأهللن الله, ولأكبرن الله, ولأسبحن الله, حتى إذا رآني الجاهل حسب أني مجنون, وهذا ظاهره أنه مرسل, ولكن قد يكون من رواية أبي سلمة عن أبي الدرداء , والله أعلم, وهكذا وقع في سنن ابن ماجه من حديث أبي معاوية عن عمر بن راشد عن يحيى عن أبي سلمة عن أبي الدرداء , فذكر نحوه.
ثم لما أخبر سبحانه عن حال أهل الضلالة، أراد أن يبين حال أهل الهداية فقال: 76- "ويزيد الله الذين اهتدوا هدى" وذلك أن بعض الهدى يجر إلى البعض الآخر، والخير يدعو إلى الخير، وقيل المراد بالزيادة العبادة من المؤمنين، والواو في ويزيد للاستئناف، والجملة مستأنفة لبيان حال المهتدين، وقل الواو للعطف على فليمدد، وقيل للعطف على جملة من كان في الضلالة. قال الزجاج: المعنى أن الله يجعل جزاء المؤمنين أن يزيدهم يقيناً كما جعل جزاء الكافرين أن يمدهم في ضلالتهم "والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً" هي الطاعات المؤدية إلى السعادة الأبدية، ومعنى كونها خيراً عند الله ثواباً، أنها أنفع عائدة مما يتمتع به الكفار من النعم الدنيوية " وخير مردا " المرد ها هنا مصدر كالرد، والمعنى وخير مرداً للثواب على فاعلها ليست كأعمال الكفار التي خسروا فيها، والمرد المرجع والعاقبة والتفضل للتهكم بهم للقطع بأن أعمال الكفار لا خير فيها أصلاً.
76 - قول عز وجل : " ويزيد الله الذين اهتدوا هدىً " ، أي إيماناً وإيقاناً على يقينهم ، " والباقيات الصالحات " ، الأذكار والأعمال الصالحة التي تبقى لصاحبها ، " خير عند ربك ثواباً وخير مرداً " عاقبة ومرجعاً .
76 -"ويزيد الله الذين اهتدوا هدى" عطف على الشرطية المحكية بعد القول كأنه لما بين أن إمهال الكافر وتمتيعه بالحياة الدنيا ليس لفضله ، أراد أن يبين أن قصور حظ المؤمن منها ليس لنقصه بل لأن الله عز وجل أراد به ما هو خير له وعوضه منه ، وقيل عطف على فليمدد لأنه في معنى الخبر كأنه قيل من كان في الضلالة يزيد الله في ضلاله ويزيد المقابل له هداية ." والباقيات الصالحات " الطاعات التي تبقى عائدتها أبد الآباد، ويدخل فيها ما قيل من الصلوات الخمس وقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر. " خير عند ربك ثوابا " عائدة مما متع به الكفرة من النعم المخدجة الفانية التي يفتخرون بها سيما ومآلها النعيم المقيم ومآل هذه الحسرة والعذاب الدائم كما أشار إليه بقوله :" وخير مردا " والخير ها هنا إما لمجرد الزيادة أو على طريقة قولهم الصيف أحر من الشتاء ، أي أبلغ في حره منه في برده.
76. Allah increaseth in right guidance those who walk aright, and the good deeds which endure are better in thy Lord's sight for reward, and better for resort.
76 - And God doth advance In guidance those who seek Guidance: and the things That endure, Good Deeds, Are best in the sight Of thy Lord, as rewards, And best in respect of (Their) eventual returns.