[مريم : 72] ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا
72 - (ثم ننجي) مشددا ومخففا (الذين اتقوا) الشرك والكفر منها (ونذر الظالمين) بالشرك والكفر (فيها جثيا) على الركب
يقول تعالى ذكره : ثم ننجي من النار بعد ورود جميعهم إياها، الذين اتقوا فخافوه ، بأداء فرائضه واجتناب معاصيه "ونذر الظالمين فيها جثيا" يقول جل ثناؤه : وندع الذين ظلموا أنفسهم ، فعبدوا غير الله ، وعصوا ربهم ، وخالفوا أمره ونهيه في النار. جثياً، يقول : بروكاً على ركبهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة "ونذر الظالمين فيها جثيا" على ركبهم.
حدثنا الحسن بن يحيى، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة "ونذر الظالمين فيها جثيا" على ركبهم.
حدثني يونس، قال : أخبرنا ابن وهب، قال : قال ابن زيد في قوله "ونذر الظالمين فيها جثيا" قال : الجثي : شر الجلوس ، لا يجلس الرجل جاثياً إلا عند كرب ينزل به.
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد، قال : ثنا سعيد، عن قتادة، قوله "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا" إن الناس وردوا جهنم وهي سواء مظلمة، فأما المؤمنون فأضاءت لهم حسناتهم ، فأنجوا منها . وأما الكفار فأوبقتهم أعمالهم ، واحتبسوا بذنوبهم.
قوله تعالى: " ثم ننجي الذين اتقوا " أي نخلصهم " ونذر الظالمين فيها جثيا " وهذا مما يدل على أن الورود الدخول، لأنه لم يقل: وندخل الظالمين. وقد مضى هذا المعنى مستوفى. والمذهب أن صاحب الكبيرة وإن دخلها فإنه يعاقب بقدر ذنبه ثم ينجو. وقالت المرجئة: لا يدخل وقالت الوعيدية: يخلد وقد مضى بيان هذا في غير موضع وقرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة ثم ننجي مخففة من أنجى. وهي قراءة حميد ويعقوب و الكسائي . وثقل الباقون. وقرأ ابن أبي ليلى ثمة بفتح الثاء أي هناك. و " ثم " ظرف إلا أنه مبني لأنه غير محصل فبنى كما بنى ذا، والهاء يجوز أن تكون لبيان الحركة فتحذف في الوصل، ويجوز أن تكون لتأنيث البقعة فتثبت في الوصل تاء.
قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن حرب , حدثنا غالب بن سليمان عن كثير بن زياد البرساني عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود فقال بعضنا: لا يدخلها مؤمن, وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً, ثم ينجي الله الذين اتقوا, فلقيت جابر بن عبد الله فقلت له: إنا اختلفنا في الورود, فقال: يردونها جميعاً, وقال سليمان بن مرة : يدخلونها جميعاً, وأهوى بأصبعيه إلى أذنيه, وقال: صمتاً إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "لا يبقى برولا فاجر إلا دخلها, فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت النار على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجاً من بردهم, ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثياً" غريب ولم يخرجوه.
وقال الحسن بن عرفة : حدثنا مروان بن معاوية عن بكار بن أبي مروان عن خالد بن معدان قال: قال أهل الجنة بعد ما دخلوا الجنة: ألم يعدنا ربنا الورود على النار ؟ قال: قد مررتم عليها وهي خامدة, وقال عبد الرزاق عن ابن عيينة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال: كان عبد الله بن رواحة واضعاً رأسه في حجر امرأته, فبكى فبكت امرأته, فقال: ما يبكيك ؟ قالت رأيتك تبكي فبكيت, قال: إني ذكرت قول الله عز وجل "وإن منكم إلا واردها" فلا أدري أأنجو منها أم لا ـ وفي رواية, وكان مريضاً.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا ابن يمان عن مالك بن مغول عن أبي إسحاق كان أبو ميسرة إذا أوى إلى فراشه قال: ياليت أمي لم تلدني, ثم يبكي, فقيل له: ما يبكيك يا أبا ميسرة ؟ قال: أخبرنا أنا واردوها ولم نخبر أنا صادرون عنها, وقال عبد الله بن المبارك عن الحسن البصري قال: قال رجل لأخيه: هل أتاك أنك وارد النار ؟ قال: نعم, قال: فهل أتاك أنك صادر عنها ؟ قال: لا, قال: ففيم الضحك ؟ قال: فما رئي ضاحكاً حتى لحق بالله. وقال عبد الرزاق أيضاً: أخبرنا ابن عيينة عن عمرو , أخبرني من سمع ابن عباس يخاصم نافع بن الأزرق فقال ابن عباس : الورود الدخول, فقال نافع : لا, فقرأ ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون" وردوا أم لا, وقال: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" أوردها أم لا, أما أنا وأنت فسندخلها. فانظر هل نخرج منها أم لا ؟ وما أرى الله مخرجك منها بتكذيبك, فضحك نافع .
وروى ابن جريج عن عطاء قال: قال أبو راشد الحروري وهو نافع بن الأزرق "لا يسمعون حسيسها" فقال ابن عباس : ويلك, أمجنون أنت ؟ أين قوله: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" "وإن منكم إلا واردها" والله إن كان دعاء من مضى: اللهم أخرجني من النار سالماً, وأدخلني الجنة غانماً. وقال ابن جرير : حدثني محمد بن عبيد المحاربي , حدثنا أسباط عن عبد الملك عن عبيد الله عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فأتاه رجل يقال له أبو راشد وهو نافع بن الأزرق , فقال له: ياابن عباس أرأيت قول الله: "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً" ؟ قال: أما أنا وأنت ياأبا راشد فسنردها, فانظر هل نصدر عنها أم لا ؟
وقال أبو داود الطيالسي : قال شعبة : أخبرني عبد الله بن السائب عمن سمع ابن عباس يقرؤها " وإن منكم إلا واردها " يعني الكفار, وهكذا روى عمر بن الوليد الشني أنه سمع عكرمة يقرؤها كذلك " وإن منكم إلا واردها " قال وهم الظلمة كذلك كنا نقرؤها, رواه ابن أبي حاتم وابن جرير , وقال العوفي عن ابن عباس : قوله: "وإن منكم إلا واردها" يعني البر والفاجر, ألا تسمع إلى قول الله لفرعون: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" الاية, "ونسوق المجرمين إلى جهنم ورداً" فسمى الورود على النار دخولاً وليس بصادر.
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن عن إسرائيل عن السدي , عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود "وإن منكم إلا واردها" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يرد الناس كلهم ثم يصدرون عنها بأعمالهم" ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله عن إسرائيل عن السدي به. ورواه من طريق شعبة عن السدي عن مرة عن ابن مسعود موقوفاً, هكذا وقع هذا الحديث ههنا مرفوعاً . وقد رواه أسباط عن السدي عن مرة عن عبد الله بن مسعود قال: يرد الناس جميعاً الصراط, وورودهم قيامهم حول النار, ثم يصدرون عن الصراط بأعمالهم, فمنهم من يمر مثل البرق, ومنهم من يمر مثل الريح, ومنهم من يمر مثل الطير, ومنهم من يمر كأجود الخيل, ومنهم من يمر كأجود الإبل, ومنهم من يمر كعدو الرجل حتى إن آخرهم مراً رجل نوره على موضع إبهامي قدميه, يمر فيتكفأ به الصراط, والصراط دحض مزلة عليه حسك كحسك القتاد, حافتاه ملائكة معهم كلاليب من نار يختطفون بها الناس. وذكر تمام الحديث رواه ابن أبي حاتم .
وقال ابن جرير : حدثنا خلاد بن أسلم , حدثنا النضر , حدثنا إسرائيل , أخبرنا ابو إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: الصراط على جهنم مثل حد السيف, فتمر الطبقة الأولى كالبرق, والثانية كالريح, والثالثة كأجود الخيل, والرابعة كأجود البهائم. ثم يمرون والملائكة يقولون: اللهم سلم سلم, ولهذا شواهد في الصحيحين وغيرهما من رواية أنس وأبي سعيد وأبي هريرة وجابر وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم. وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية عن الجريري عن أبي السليل عن غنيم بن قيس قال: ذكروا ورود النار, فقال كعب : تمسك النار الناس كأنها متن إهالة حتى يستوي عليها أقدام الخلائق: برهم وفاجرهم, ثم يناديها مناد: أن أمسكي أصحابك ودعي أصحابي, قال فتخسف بكل ولي لها, وهي أعلم بهم من الرجل بولده, ويخرج المؤمنون ندية ثيابهم. قال كعب : ما بين منكبي الخازن من خزنتها مسيرة سنة, مع كل واحد منهم عمود ذو شعبتين, يدفع به الدفع فيصرع به في النار سبعمائة ألف.
وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو معاوية , حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر , عن أم مبشر عن حفصة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية قالت: فقلت أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها" قالت: فسمعته يقول "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً " " . وقال أحمد أيضاً: حدثنا ابن إدريس , حدثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر , عن أم مبشر امرأة زيد بن حارثة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت حفصة فقال: "لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية قالت حفصة : أليس الله يقول "وإن منكم إلا واردها" ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثم ننجي الذين اتقوا" الاية " , وفي الصحيحين من حديث الزهري عن سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد تمسه النار إلا تحلة القسم".
وقال عبد الرزاق قال معمر أخبرني الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من مات له ثلاثة لم تمسه النار إلا تحلة القسم" يعني الورود, وقال أبو داود الطيالسي حدثنا زمعة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار إلا تحلة القسم" قال الزهري كأنه يريد هذه الاية "وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا". وقال ابن جرير حدثني عمران بن بكار الكلاعي حدثنا أبو المغيرة حدثنا عبد الرحمن بن يزيد بن تميم حدثنا إسماعيل بن عبيد الله عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: " خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يعود رجلاً من أصحابه وعك وأنا معه ثم قال إن الله تعالى يقول: هي ناري أسلطها على عبدي المؤمن لتكون حظه من النار في الاخرة" غريب ولم يخرجوه من هذا الوجه.
وحدثنا أبو كريب , حدثنا ابن يمان عن عثمان بن الأسود عن مجاهد قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار ثم قرأ "وإن منكم إلا واردها". وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات, بنى الله له قصراً في الجنة فقال عمر : إذاً نستكثر يارسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكثر وأطيب" وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من قرأ ألف آية في سبيل الله كتب يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين, وحسن أولئك رفيقاً إن شاء الله, ومن حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً لا بأجر سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم". قال تعالى: "وإن منكم إلا واردها" وإن الذكر في سبيل الله يضاعف فوق النفقة بسبعمائة ضعف. وفي رواية بسبعمائة ألف ضعف.
وروى أبو داود عن أبي الطاهر عن ابن وهب عن يحيى بن أيوب , كلاهما عن زبان عن سهل عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الصلاة والصيام والذكر يضاعف على النفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف" وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: هو الممر عليها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: ورود المسلمين المرور على الجسر بين ظهرانيها وورود المشركين أن يدخلوها, وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الزالون والزالات يومئذ كثير وقد أحاط بالجسر يومئذ سماطان من الملائكة دعاؤهم يا ألله سلم سلم" وقال السدي عن مرة عن ابن مسعود في قوله "كان على ربك حتماً مقضياً" قال: قسماً واجباً. وقال مجاهد : حتماً, قال قضاء, وكذا قال ابن جريج .
وقوله: "ثم ننجي الذين اتقوا" أي إذا مر الخلائق كلهم على النار وسقط فيها من سقط من الكفار والعصاة ذوي المعاصي بحسبهم, نجى الله تعالى المؤمنين المتقين منها بحسب أعمالهم, فجوازهم على الصراط وسرعتهم بقدر أعمالهم التي كانت في الدنيا, ثم يشفعون في أصحاب الكبائر من المؤمنين, فيشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون فيخرجون خلقاً كثيراً قد أكلتهم النار إلا دارات وجوههم وهي مواضع السجود, وإخراجهم إياهم من النار بحسب ما في قلوبهم من الإيمان, فيخرجون أولاً من كان في قلبه مثقال دينار من إيمان, ثم الذي يليه, ثم الذي يليه, ثم الذي يليه, حتى يخرجون من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان, ثم يخرج الله من النار من قال يوماً من الدهر: لا إله إلا الله وإن لم يعمل خيراً قط, ولا يبقى في النار إلا من وجب عليه الخلود كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولهذا قال تعالى: "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً".
72- "ثم ننجي الذين اتقوا" أي اتقوا ما يوجب النار، وهو الكفر بالله ومعاصيه، وترك ما شرعه، وأوجب العمل به. قرأ عاصم الجحدري ومعاوية بن قرة "ننجي" بالتخفيف من أنجى، وبها قرأ حميد ويعقوب والكسائي، وقرأ الباقون بالتشديد، وقرأ ابن أبي ليلى " ونذر " بفتح الثاء من ثم، والمراد بالظالمين الذين ظلموا أنفسهم بفعل ما يوجب النار، أو ظلموا غيرهم بمظلمة في النفس أو المال أو العرض، والجثي جمع جاث، وقد تقدم قريباً تفسير الجثي وإعرابه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل "ما يمنعك أن تزورنا أكثر مما تزورنا؟ فنزلت "وما نتنزل إلا بأمر ربك" إلى آخر الآية". وزاد ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم، وكان ذلك الجواب لمحمد. وأخرج ابن مردويه من حديث أنس قال "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي البقاع أحب إلى الله، وأيها أبغض إلى الله؟ قال: ما أدري حتى أسأل، فنزل جبريل، وكان قد أبطأ عليه، فقال: لقد أبطأت علي حتى ظننت أن بربي علي موجدة، فقال: وما نتنزل إلا بأمر ربك". وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عكرمة قال: "أبطأ جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم أربعين يوماً ثم أنزل، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما نزلت حتى اشتقت إليك، فقال له جبريل: أنا كنت إليك أشوق، ولكني مأمور، فأوحى الله إلى جبريل أن قل له "وما نتنزل إلا بأمر ربك"" وهو مرسل. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: أبطأت الرسل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أتاه جبريل فقال له: "ما حبسك عني؟ قال: وكيف نأتيكم وأنتم لا تقصون أظفاركم ولا تنقون براحمكم ولا تأخذون شواربكم ولا تستاكون؟ وقرأ " وما نتنزل إلا بأمر ربك "" وهو مرسل أيضاً. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير "له ما بين أيدينا" قال من أمر الآخرة "وما خلفنا" قال: من أمر الدنيا "وما بين ذلك" قال: ما بين الدنيا والآخرة. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة "وما بين ذلك" قال: ما بين النفختين. وأخرج ابن المنذر عن أبي العالية مثله. وأخرج البزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبراني والبيهقي والحاكم وصححه عن أبي الدرداء رفع الحديث قال: ما أحل الله في كتابه فهو حلال، وما حرم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله عافيته، فإن الله لم يكن لينسى شيئاً، ثم تلا "وما كان ربك نسياً". وأخرج ابن مردويه من حديث جابر مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن عباس في قوله: "هل تعلم له سمياً" قال: هل تعرف للرب شبهاً أو مثلاً. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في الشعب عنه "هل تعلم له سمياً"؟ قال: ليس أحد يسمى الرحمن غيره. وأخرج ابن مردويه عنه أيضاً في الآية قال: يا محمد هل تعلم لإلهك من ولد؟ وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "ويقول الإنسان" قال: العاص بن وائل، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "جثياً" قال: قعوداً، وفي قوله: "عتياً" قال: معصية. وأخرج ابن جرير عنه في قوله: "عتياً" قال: عصياً. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "ثم لننزعن" قال: لننزعن من أهل كل دين قادتهم ورؤوسهم في الشر. وأخرج ابن أبي حاتم والبيهقي في البعث عن ابن مسعود قال: نحشر الأول على الآخر حتى إذا تكاملت العدة أثارهم جميعاً، ثم بدأ بالأكابر فالأكابر جرماً، ثم قرأ "فوربك لنحشرنهم" إلى قوله: "عتياً". وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صلياً" قال: يقول إنهم أولى بالخلود في جهنم. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي عن أبي سمية قال: اختلفنا في الورود، فقال بعضنا لا يدخلها مؤمن، وقال بعضنا يدخلونها جميعاً "ثم ننجي الذين اتقوا" فلقيت جابر بن عبد الله فذكرت له، فقال وأهوى بأصبعه إلى أذنيه صمتاً إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يبقى بر ولا فاجر إلا دخلها فتكون على المؤمن برداً وسلاماً كما كانت على إبراهيم حتى إن للنار ضجيجاً من بردها "ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً"". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وهناد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عن مجاهد قال: خاصم نافع بن الأزرق ابن عباس، فقال ابن عباس: الورود الدخول، وقال نافع لا، فقرأ ابن عباس "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون"، وقال: وردوا أم لا؟ وقرأ: "يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار" أوردوا أم لا؟ أما أنا وأنت فسندخلها فانظر هل نخرج منها أم لا؟. وأخرج الحاكم عن ابن مسعود في قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: وإن منكم إلا داخلها. وأخرج هناد والطبراني عنه في الآية قال: وردوها الصراط. وأخرج أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي وابن الأنباري وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله: "وإن منكم إلا واردها" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليرد الناس كلهم النار، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كالراكب في رحله، ثم كشد الرحل، ثم كمشيه"، وقد روي نحو هذا من حديث ابن مسعود من طرق. وأخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية، قالت حفصة: أليس الله يقول: "وإن منكم إلا واردها" قالت: ألم تسمعيه يقول: "ثم ننجي الذين اتقوا"". وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فليلج النار إلا تحلة القسم" ثم قرأ سفيان "وإن منكم إلا واردها". وأخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأبو يعلى والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من حرس من وراء المسلمين في سبيل الله متطوعاً لا يأخذه سلطان لم ير النار بعينيه إلا تحلة القسم، فإن الله يقول: "وإن منكم إلا واردها""، والأحاديث في تفسير هذه الآية كثيرة جداً. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "حتماً مقضياً" قال: قضاء من الله. وأخرج الخطيب في تالي التخليص عن عكرمة حتماً مقضياً قال: قسماً واجباً. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ونذر الظالمين فيها جثياً" قال: باقين فيها.
72 - " ثم ننجي الذين اتقوا " ، أي اتقوا الشرك ، وقرأ الكسائي " ننجي " بالتخفيف ، والباقون بالتشديد ، " ونذر الظالمين فيها جثياً " ، جميعاً . وقيل : جاثين على الركب ، وفيه دليل على أن الكل دخلوها ثم أخرج الله منها المتقين ، وترك فيها الظالمين ، وهم المشركون .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب عن الزهري ، أخبرني سعيد بن المسيب و عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبرهما أن الناس قالوا : يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ قال : " هل تضارون في القمر ليلة البدر ليس دونه سحاب ؟ قالوا : لا يا رسول الله ، قال : فهل تمارون في الشمس ليس دونها سحاب ، قالوا : لا ،قال : فإنكم ترونه كذلك ، يحشر الناس يوم القيامة فيقول : من كان يعبد شيئاً فليتبعه ، فمنهم من يتبع الشمس ، ومنهم من يتبع القمر ، ومنهم من يتبع الطواغيت ، وتبقى هذه الأمة فيها منافقوها ، فيأتيهم الله عز وجل فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا جاء ربنا عرفناه فيأتيهم الله فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا فيدعوهم ، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم ، فأكون أول من يجوز من الرسل بأمته ، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ، وكلام الرسل يومئذ اللهم سلم سلم ، وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان هل رأيتم شوك السعدان ؟ قالوا نعم قال فإنها مثل شوك السعدان غير أنه لا يعلم قدر
عظمها إلا الله ،تخطف الناس بأعمالهم ، فمنهم من يوبق بعلمه ، ومنهم من يجردل ثم ينجو ، حتى إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار أمر الله الملائكة أن يخرجوا من كان يعبد الله ، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود ، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود ، فيخرجون من النار ، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود ، فيخرجون من النار قد امتحشوا ، فيصب عليهم ماء الحياة فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل ، ثم يفرغ الله من القضاء بين العباد ، ويبقى رجل بين الجنة والنار ، وهو آخر أهل النار دخولاً الجنة ، مقبل بوجهه قبل النار، فيقول : يا رب اصرف وجهي عن النار ، قد قشبني ريحها وأحرقني ذكاؤها ، فيقول : هل عسيت إن فعلت ذلك بك أن تسأل غير ذلك ؟ فيقول : لا ، وعزتك . فيعطي الله ما شاء من عهد وميثاق ، فيصرف الله وجهه عن النار ، فإذا أقبل به على الجنة رأى بهجتها ، سكت ما شاء الله أن يسكت ، ثم قال : يا رب قدمني عند باب الجنة ، فيقول الله تبارك وتعالى : أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي كنت سألت، فيقول : يا رب لا أكون أشقى خلقك ، فيقول : فما عسيت إن أعطيت ذلك أن تسأل غيره ؟ فيقول : لا وعزتك لا أسألك غير ذلك ، فيعطى ربه ما شاء من عهد وميثاق ،فيقدمه إلى باب الجنة ، فإذا بلغ باباها ورأى زهرتها وما فيها من النضرة والسرور ، فسكت ما شاء الله أن يسكت ، فيقول يا رب أدخلني الجنة ، فيقول الله تعالى : ويحك يا ابن آدم ما أغدرك ، أليس قد أعطيت العهود والميثاق أن لا تسأل غير الذي أعطيت ؟ فيقول : يا رب لا تجعلني أشقى خلقك ، فيضحك الله منه ، ثم يأذن له في دخول الجنة ، فيقول : تمن ، فيتمنى حتى إذ انقطع أمنيته ، قال الله تعالى :تمن كذا و كذا ، أقبل يذكره ربه ، حتى إذا انتهت به الأماني ،قال الله تعالى : لك ومثله معه " . قال أبو سعيد لأبي هريرة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " قال الله لك ذلك وعشرة أمثاله " قال أبو هريرة لم أحفظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قوله : " لك ذلك ومثله معه " . قال أبو سعيد إني سمعته يقول : " ذلك لك وعشرة أمثاله " .
ورواه محمد بن إسماعيل عن محمود بن غيلان ، أخبرنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر ، عن الزهري ، عن عطاء بن يزيد ، عن أبي هريرة بمعناه ، وقال : "فيأتيهم الله عز وجل في غير الصورة التي يعرفون فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : نعوذ بالله منك، هذا مكاننا حتى يأتينا ربنا ، فإذا أتانا ربنا عرفناه ، فيأتيهم الله في الصورة التي يعرفون ، فيقول : أنا ربكم ، فيقولون : أنت ربنا ، فيتبعونه " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن حماد ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يعذب أناس من أهل التوحيد في النار حتى يكونوا حمماً ، ثم تدركهم الرحمة ، قال: فيخرون فيطرحون على أبواب الجنة ، قال : فيرش عليهم أهل الجنة الماء فينبتون كما تنب القثاء في حمالة السيل ، ثم يدخلون الجنة " .
أخبرنا أبو محمد بن عبد الصمد الجوزجاني ، أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد الخزاعي ، أخبرنا أبو سعيد الهيثم بن كليب ، أخبرنا أبو عيسى الترمذي ، أخبرنا هناد بن السري ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن إبراهيم عن عبيدة السلماني ، عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً من النار رجل يخرج منها زحفاً فيقال له : انطلق فادخل الجنة ، قال : فيذهب ليدخل الجنة فيجد الناس قد أخذوا المنازل ، فيرجع فيقول : يا رب قد أخذ الناس المنازل ، فيقال : أتذكر الزمان الذي كنت فيه ؟ فيقول : نعم فيقال له : تمن ، فيتمنى ، فيقال له : فإن لك الذي تمنيته وعشرة أضعاف الدنيا ، قال فيقول : أتسخر بي وأنت الملك ؟ قال : فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه " .
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسن الحيري ، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي ، أخبرنا محمد بن حماد ، أخبرنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان ، عن جابر ، عن أم مبشر ،عن حفصة أنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إني لأرجو أن لا يدخل النار إن شاء الله أحد شهد بدراً والحديبية ، قال: قلت يا رسول الله أليس قد قال تعالى : " وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتماً مقضياً " ؟ قال : أفلم تسمعيه يقول : " ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً " " .
72 " ثم ننجي الذين اتقوا " فيساقون إلى الجنة وقرأ
الكسائي و يعقوب ننجي بالتخفيف ،وقرئ ثم بفتح الثاء أي هناك ." ونذر الظالمين فيها جثيا " منهاراً بهم كما كانوا، وهو دليل على أن المراد بالورود الجثو حواليها وأن المؤمنين يفارقون الفجرة إلى الجنة بعد تجاثيهم ، وتبقى الفجرة فيها منهاراً بهم على هيئاتهم.
72. Then We shall rescue those who kept from evil, and leave the evil doers crouching there.
72 - But we shall save those Who guarded against evil, and we shall leave the wrong doers therein, (Humbled) to their knees.