[مريم : 5] وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا
5 - (وإني خفت الموالي) أي الذين يلوني في النسب كبني العم (من ورائي) أي بعد موتي على الدين أن يضيعوه كما شاهدته في بني إسرائيل من تبديل الدين (وكانت امرأتي عاقرا) لا تلد (فهب لي من لدنك) من عندك (وليا) ابنا
يقول : وإني خفت بني عمي وعصبتي من ورائي ؟ يقول : من بعدي أن يرثوني ، وقيل : عنى بقوله "من ورائي" من قدامي ومن بين يدي ، وقد بينت جواز ذلك فيما مضى قبل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله "وإني خفت الموالي من ورائي" يعني بالموالي : الكلالة الأولياء أن يرثوه ، فوهب الله له يحيى .
حدثنا يحيى بن داود الواسطي ، قال : ثنا أبو أسامة، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قال : العصبة.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، عن إسماعيل ، عن أبي صالح في قوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قال : خاف موالي الكلالة.
حدثنا مجاهد بن موسى ، قال : ثنا يزيد، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح بنحوه.
حدثني يعقوب، قال : ثنا هشيم، قال : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي صالح "وإني خفت الموالي من ورائي" قال : يعني الكلالة.
حدثني محمد بن عمرو، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح. عن مجاهد في قول الله "خفت الموالي من ورائي" قال : العصبة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد، مثله.
حدثنا الحسن، قال : أخبرنا عبد الرزاق، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة، قوله "إني خفت الموالي من ورائي" قال : العصبة.
حدثني موسى ، قال : ثنا عمرو، قال : ثنا أسباط، عن السدي وإني خفت الموالي من ورائي طهر والموالي : هن العصبة ، والموالي : جمع مولى ، والمولى والولي في كلام العرب واحد . وقرأت قرأه الأمصار "وإني خفت الموالي" بمعنى : الخوف الذي هو خلاف الأمن . ورو ي عن عثمان بن عفان أنه قرأه : وإني خفت الموالي بتشديد الفاء وفتح الخاء من الخفة، كأنه وجه تأويل الكلام : وإني ذهبت عصبتي ومن يرثني من بني أعمامي . وإذا قرئ ذلك كذلك كانت الياء من الموالي مسكنة غيرمتحركة، لأنها تكون في موضع رفع بخفت.
وقوله "وكانت امرأتي عاقرا" يقول : وكانت زوجتي لا تلد، يقال منه : رجل عاقر، وامرأة عاقر بلفظ واحد، كما قال الشاعر:
لبئس الفتى أن كنت أعور عاقراً جباناً فما عذري لدى كل محضر
وقوله "فهب لي من لدنك وليا" يقول : فارزقني من عندك ولداً وارثاً ومعيناً.
قوله تعالى: " وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا " فيه سبع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وإني خفت الموالي " قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي وعلي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ويحيى بن يعمر " خفت " بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وسكون الياء من " الموالي " لأنه في موضع رفع بـ" خفت " ومعناه انقطعت بالموت. وقرأ الباقون " خفت " بكسر الخاء وسكون الفاء وضم التاء ونصب الياء من " الموالي " لأنه في موضع نصب بـ" خفت ". و " الموالي " هنا الأقارب وبنو العم والعصبة الذين يلونه في النسب. والعرب تسمي بني العم الموالي، قال الشاعر:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
قال ابن عباس و مجاهد و قتادة : خاف أن يرثوا ماله وأن ترثه الكلالة فأشفق أن يرثه غير الولد. وقالت طائفة: إنما كان مواليه مهملين للدين فخاف بموته أن يضيع الدين، فطلب ولياً يقوم بالدين بعده، حكى هذا القول الزجاج ، وعليه فلم يسل من يرث ماله، لأن الأنبياء لا تورث. وهذا هو الصحيح من القولين في تأويل الآية، وأنه عليه الصلاة والسلام أراد وراثة العلم والنبوة لا وراثة المال، لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
" إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة " وفي كتاب أبي داود :
" إن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً ورثوا العلم " وسيأتي في هذا مزيد بيان عند قوله: " يرثني ".
الثانية: هذا الحديث يدخل في التفسير المسند، لقوله تعالى: " وورث سليمان داود " [النمل: 16] وعبارة عن قول زكريا: " فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب " وتخصيص للعموم في ذلك، وأن سليمان لم يرث من داود مالاً خلفه داود بعده، وإنما ورث منه الحكمة والعلم، وكذلك ورث يحيى من آل يعقوب، وهكذا قال أهل العلم بتأويل القرآن ما عدا الروافض، وإلا ما روي عن الحسن أنه قال: " يرثني " مالاً " ويرث من آل يعقوب " النبوة والحكمة، وكل قول يخالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو مدفوع مهجور، قاله أبو عمر. قال ابن عطية : والأكثر من المفسرين على أن زكريا إنما أراد وراثة المال، ويحتمل قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الأنبياء لا نورث " ألا يريد به العموم، بل على أنه غالب أمرهم، فتأمله. والأظهر الأليق بزكريا عليه السلام أن يريد وراثة العلم والدين، فتكون الوراثة مستعارة. ألا ترى أنه لما طلب ولياً ولم يخصص ولداً بلغه الله تعالى أمله على أكمل الوجوه. وقال أبو صالح وغيره: قوله " من آل يعقوب " يريد العلم والنبوة.
الثالثة: قوله تعالى: " من ورائي " قرأ ابن كثير بالمد والهمز وفتح الياء. وعنه أنه قرأ أيضاً مقصوراً مفتوح الياء مثل عصاي. الباقون بالهمز والمد وسكون الياء. والقراء على قراءة " خفت " مثل نمت إلا ما ذكرنا عن عثمان. وهي قراءة شاذة بعيدة جداً، حتى زعم بعض العلماء أنها لا تجوز. قال كيف يقول: خفت الموالي من بعدي أي من بعد موتي وهو حي؟!. النحاس : والتأويل لها ألا يعني بقوله: " من ورائي " أي من بعد موتي، ولكن من ورائي في ذلك الوقت، وهذا أيضاً بعيد يحتاج إلى دليل أنهم خفوا في ذلك الوقت وقلوا، وقد أخبر الله تعالى بما يدل على الكثرة حين قالوا: " ذلك من أنباء " [آل عمران: 44]. ابن عطية : " من ورائي " من بعدي في الزمن، فهو الوراء على ما تقدم في ((الكهف)).
الرابعة: قوله تعالى: " وكانت امرأتي عاقرا " امرأته هي إيشاع بنت فاقوذا بن قبيل، وهي أخت حنة بن فاقوذا، قاله الطبري . وحنة هي أم مريم حسب ما تقدم في ((آل عمران)) بيانه. وقال القتبي : امرأة زكريا هي إيشاع بنت عمران، فعلى هذا القول يكون يحيى ابن خالة عيسى عليهما السلام على الحقيقة. وعلى القول الآخر يكون ابن خالة أمه. وفي حديث الإسراء قال عليه الصلاة والسلام:
" فلقيت ابني الخالة يحيى وعيسى " شاهدا للقول الأول. والله أعلم. والعاقر التي لا تلد لكبر سنها، وقد مضى بيانه في ((آل عمران)). والعاقر من النساء أيضاً التي لا تلد من غير كبر. ومنه قوله تعالى: " ويجعل من يشاء عقيما " [الشورى: 50]. وكذلك العاقر من الرجال، ومنه قول عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً جبانا فما عذري لدى كل محضر
الخامسة: قوله تعالى: " فهب لي من لدنك وليا " سؤال ودعاء. ولم يصرح بولد لما علم من حاله وبعده عنه بسبب المرأة. قال قتادة : جرى له هذا الأمر وهو ابن بضع وسبعين سنة. مقاتل : خمس وتسعين سنة، وهو أشبه، فقد كان غلب على ظنه أنه لا يولد له لكبره، ولذلك قال: " وقد بلغت من الكبر عتيا ". وقالت طائفة: بل طلب الولد، ثم طلب أن تكون الإجابة في أن يعيش حتى يرثه، تحفظا من أن تقع الإجابة في الولد ولكن يخترم، ولا يتحصل منه الغرض.
السادسة: قال العلماء: دعاء زكريا عليه السلام في الولد إنما كان لإظهار دينه، وإحياء نبوته، ومضاعفة لأجره لا للدنيا، وكان ربه قد عوده الإجابة، ولذلك قال: " ولم أكن بدعائك رب شقيا "، أي بدعائي إياك. وهذه وسيلة حسنة، أن يتشفع إليه بنعمه، يستدر فضله بفضله، يروى أن حاتم الجود لقيه رجل فسأله، فقال له حاتم: من أنت؟ قال: أنا الذي أحسنت إليه عام أول، فقال: مرحباً بمن تشفع إلينا بنا. فإن قيل: كيف أقدم زكريا على مسألة ما يخرق العادة دون إذن؟ فالجواب أن ذلك جائز في. وفي القرآن ما يكشف عن هذا المعنى، فإنه تعالى قال: " كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب " [آل عمران: 37] فلما رأى خارق العادة استحكم طعمه في إجابة دعوته، فقال تعالى: " هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة " [آل عمران: 38] الآية.
السابعة: إن قال قائل: هذه الآية تدل على جواز الدعاء بالولد، والله سبحانه وتعالى قد حذرنا من آفات الأموال والأولاد، ونبه على المفاسد الناشئة من ذلك، فقال: " إنما أموالكم وأولادكم فتنة " [التغابن: 15]. وقال: " يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم " [التغابن: 14]. فالجواب أن الدعاء بالولد معلوم من الكتاب والسنة حسب ما تقدم في ((آل عمران)) بيانه. ثم إن زكريا عليه السلام تحرز فقال: " ذرية طيبة " وقال: " واجعله رب رضيا ". والولد إذا كان بهذه الصفة نفع أبويه في الدنيا والآخرة، وخرج من حد العداوة والفتنة إلى حد المسرة والنعمة. وقد " دعا النبي صلى الله عليه وسلم لأنس خادمه فقال:
اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته " فدعا له بالبركة تحرزاً مما يؤدي إليه الإكثار من الهلكة. وهكذا فليتضرع العبد إلى مولاه في هداية ولده، ونجاته في أولاه وأخراه اقتداء بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام والفضلاء، وقد تقدم في ((آل عمران)) بيانه.
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة, وقوله " ذكر رحمة ربك " أي هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا, وقرأ يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وزكريا يمد ويقصر, قراءتان مشهورتان وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل, وفي صحيح البخاري أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة. وقوله "إذ نادى ربه نداء خفياً" قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره, حكاه الماوردي وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله, كما قال قتادة في هذه الاية "إذ نادى ربه نداء خفياً" إن الله يعلم القلب التقي, ويسمع الصوت الخفي, وقال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه, فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب, يا رب, يا رب, فقال الله له: لبيك لبيك لبيك "قال رب إني وهن العظم مني" أي ضعفت وخارت القوى "واشتعل الرأس شيباً", أي اضطرم المشيب في السواد, كما قال ابن دريد في مقصورته:
أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة. وقوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء, ولم تردني قط فيما سألتك وقوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول, وعن الكسائي أنه سكن الياء, كما قال الشاعر:
كأن أيديهن في القاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الاخر:
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تغاير الشعر منه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال مجاهد وقتادة والسدي : أراد بالموالي العصبة. وقال أبو صالح : الكلالة . وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقرؤها "وإني خفت الموالي من ورائي" بتشديد الفاء بمعنى قلت عصباتي من بعدي, وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً, فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه, فأجيب في ذلك لا أنه خشي من وراثتهم له ماله, فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده, وأن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه.
(الثاني) أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه, ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء, فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
(الثالث) أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث, ما تركنا فهو صدقة" وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح "نحن معشر الأنبياء لا نورث", وعلى هذا فتعين حمل قوله " فهب لي من لدنك وليا * يرثني " على ميراث النبوة, ولهذا قال "ويرث من آل يعقوب" كقوله "وورث سليمان داود" أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك, ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة, إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه, فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها, وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث, ما تركنا فهو صدقة".
قال مجاهد في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب " كان وراثته علماً, وكان زكريا من ذرية يعقوب, وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يكون نبياً كما كانت آباؤه أنبياء, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة , عن الحسن يرث نبوته وعلمه, وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. وعن مالك عن زيد بن أسلم "ويرث من آل يعقوب" قال نبوتهم. وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد , عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة, وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يرحم الله زكريا وما كان عليه من وراثة ماله, ويرحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد " . وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا جابر بن نوح عن مبارك هو ابن فضالة , عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب" وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح, والله أعلم. وقوله "واجعله رب رضيا" أي مرضياً عندك وعند خلقك, تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
5- "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ عثمان بن عفان ومحمد بن علي بن الحسين وأبوه علي ويحيى بن يعمر خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء وفاعله "الموالي" أي قلوا وعجزوا عن القيام بأمر الدين بعدي، أو انقطعوا بالموت، مأخوذاً من خفت القوم إذا ارتحلوا، وهذه القراءة شاذة بعيدة عن الصواب. وقرأ الباقون "خفت" بكسر الخاء وسكون الفاء على أن فاعله ضمير يعود إلى زكرياء، ومفعوله الموالي، ومن ورائي متعلق بمحذوف لا بخفت، وتقديره: خفت فعل الموالي من بعدي. قرأ الجمهور "ورائي" بالهمز والمد وسكون الياء، وقرأ ابن كثير بالهمز والمد وفتح الياء. وروي عنه أنه قرأ بالقصر مفتوح الياء، مثل عصاي، والموالي هنا هم الأقارب الذين يرثون وسائر العصبات من بني العم ونحوهم، والعرب تسمي هؤلاء موالي، قال الشاعر:
مهلاً بني عمنا مهلاً موالينا لا تنشروا بيننا ما كان مدفوناً
قيل الموالي الناصرون له. واختلفوا في وجه المخالفة من زكرياء لمواليه من بعده، فقيل خاف أن يرثوا ماله، وأراد أن يرثه ولده، فطلب من الله سبحانه أن يرزقه ولداً. وقال آخرون: إنهم كانوا مهملين لأمر الدين. فخاف أن يضيع الدين بموته، فطلب ولياً يقوم به بعد موته. وهذا القول أرجح من الأول لأن الأنبياء لا يورثون وهو أجل من أن يعتنوا بأمور الدنيا، فليس المراد هنا وارثة المال، بل المراد وارثة العلم والنبوة والقيام بأمر الدين وقد ثبت عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: "نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة"، "وكانت امرأتي عاقراً" العاقر: هي التي لا تلد لكبر سنها، والتي لا تلد أيضاً لغير كبر وهي المرادة هنا، ويقال للرجل الذي لا يلد عاقراً أيضاً، ومنه قول عامر بن الطفيل:
لبئس الفتى إن كنت أعور عاقراً
قال ابن جرير: وكان اسم امرأته أشاع بنت فاقود بن ميل، وهي أخت حنة، وحنة هي أم مريم. وقال القتيبي: هي أشاع بنت عمران، فعلى القول يكون يحيى بن زكرياء ابن خالة أم عيسى، وعلى القول الثاني يكونان ابني خالة كما ورد في الحديث الصحيح "فهب لي من لدنك ولياً" أي أعطني من فضلك ولياً، ولم يصرح بطلب الولد لما علم من نفسه بأنه قد صار هو وامرأته في حالة لا يجوز فيها حدوث الولد بينهما وحصوله منهما. وقد قيل إنه كان ابن بضع وتسعين سنة، وقيل بل أراد بالولي الذي طلبه هو الولد، ولا مانع من سؤال ما كان مثله لما هو خارق للعادة، فإن الله سبحانه قد يكرم رسله بما يكون كذلك، فيكون من جملة المعجزات الدالة على صدقهم.
5 - " وإني خفت الموالي " ، و ( الموالي ) : بنو العم . قال مجاهد : العصبة . وقال أبو صالح : الكلالة .وقال الكلبي : الورثة . " من ورائي " أي : من بعد موتي .
قرأ ابن كثير : " من ورائي " بفتح الياء ، والآخرون بإسكانها .
" وكانت امرأتي عاقراً " ، لا تلد ، " فهب لي من لدنك " ، أعطني من عندك " ولياً " ابناً .
5- " وإني خفت الموالي " يعني بني عمه وكانوا أشرار بني إسرائيل ، فخاف أن لا يحسنوا خلافته على أمته ويبدلوا عليهم دينهم. " من ورائي " بعد موتي ، وعن ابن كثير بالمد والقصر بفتح الياء وهو يتعلق بمحذوف ، أو بمعنى الموالي أي خفت فعل الموالي من ورائي ، أو الذين يلون الأمر من ورائي. وقرئ خفت الموالي من ورائي أي قلوا وعجزوا عن إقامة الدين بعدي ، أو خفوا ودرجوا قدامي ، فعلى هذا كان الظرف متعلقاً ب " خفت " . " وكانت امرأتي عاقرا " لا تلد . " فهب لي من لدنك " فإن مثله لا يرجى إلا من فضلك وكمال قدرتك ، فإني وامرأتي لا نصلح للولادة. "ولياً" من صلبي.
5. Lo! I fear my kinsfolk after me, since my wife is barren. Oh, give me from Thy presence a successor
5 - Now I fear (what) my relatives (and colleagues) (will do) after me: but my wife is barren: so give me an heir as from thyself,