[مريم : 44] يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا
44 - (يا أبت لا تعبد الشيطان) بطاعتك إياه في عبادة الأصنام (إن الشيطان كان للرحمن عصيا) كثير العصيان
يقول تعالى ذكره: يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان لله عاصياً، والعصي هو ذو العصيان، كما العليم ذو العلم . وقد قال قوم من أهل العربية : العصي: هو العاصي ، والعليم هو العالم ، والعريف هو العارف ، واستشهدوا لقولهم ذلك ، بقول طريف بن تميم العنبري:
أو كلما وردت عكاظ قبيلة بعثوا إلي عريفهم يتوسم
وقالوا: قال عريفهم وهو يريد: عارفهم ، والله أعلم.
" يا أبت لا تعبد الشيطان " أي لا تطعه فيما يأمرك به من الكفر، ومن أطاع شيئاً في معصية فقد عبده. " إن الشيطان كان للرحمن عصيا " " كان " صلة زائدة. وقيل: بمعنى صار. وقيل: بمعنى الحال، أي هو للرحمن. وعصيا وعاص بمعنى واحد، قاله الكسائي .
يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: "واذكر في الكتاب إبراهيم" واتل على قومك هؤلاء الذين يعبدون الأصنام,واذكر لهم ما كان من خبر إبراهيم خليل الرحمن. الذين هم من ذريته ويدعون أنهم على ملته, وقد كان صديقاً نبياً مع أبيه, كيف نهاه عن عبادة الأصنام, فقال: " يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا " أي لا ينفعك ولا يدفع عنك ضرراً " يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك " يقول: وإن كنت من صلبك وتراني أصغر منك لأني ولدك, فاعلم أني قد أطلعت من العلم من الله على ما لم تعلمه أنت, و لا أطلعت عليه و لا جاءك "فاتبعني أهدك صراطاً سوياً" أي طريقاً مستقيماً موصلاً إلى نيل المطلوب, والنجاة من المرهوب " يا أبت لا تعبد الشيطان " أي لا تطعه في عبادتك هذه الأصنام, فإنه هو الداعي إلى ذلك والراضي به, كما قال تعالى: " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين " وقال: "إن يدعون من دونه إلا إناثاً وإن يدعون إلا شيطاناً مريداً".
وقوله "إن الشيطان كان للرحمن عصياً" أي مخالفاً مستكبراً عن طاعة ربه, فطرده وأبعده, فلا تتبعه تصر مثله " يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن " أي على شركك وعصيانك لما آمرك به "فتكون للشيطان ولياً" يعني فلا يكون لك مولى ولا ناصراً ولا مغيثاً إلا إبليس, وليس إليه ولا إلى غيره من الأمر شيء, بل اتباعك له موجب لإحاطة العذاب بك, كما قال تعالى: " تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم ".
ثم أكد ذلك بنصيحة أخرى زاجرة له عما هو فيه فقال: 44- "يا أبت لا تعبد الشيطان" أي لا تطعه، فإن عبادة الأصنام هي من طاعة الشيطان، ثم علل ذلك بقوله: "إن الشيطان كان للرحمن عصياً" حين ترك ما أمره به من السجود لآدم، ومن أطاع من هو عاص لله سبحانه فهو عاص لله، والعاصي حقيق بأن تسلب عنه النعم وتحل به النقم. قال الكسائي: العصي والعاصي بمعنى واحد.
44 - " يا أبت لا تعبد الشيطان " ، لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك ، " إن الشيطان كان للرحمن عصياً " : عاصياً ، ( كان ) بمعنى الحال ، أي : هو كذلك .
44ـ "يا أبت لا تعبد الشيطان" ولما استهجن ذلك بين وجه الضر فيه بأن الشيطان مستعص على ربك المولي للنعم كلها بقوله: "إن الشيطان كان للرحمن عصيا" ومعلوم أن المطاوع للعاصي عاص وكل عاص حقيق بأن تسترد منه النعم وينتقم منه ، ولذلك عقبه بتخويفه سوء عاقبته وما يجر إليه فقال:
44. O my father! Serve not the devil. Lo! the devil is a rebel unto the Beneficent.
44 - O my father! serve not Satan: for satan is A rebel against (God) Most Gracious.