[مريم : 1] كهيعص
1 - (كهيعص) الله أعلم بمراده بذلك
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى ذكره : كاف من " كهيعص " فقال بعضهم : تأويل ذلك أنها حرف من اسمه الذي هو كبير، دل به عليه ، واستغنى بذكره عن ذكر باقي الاسم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين عبدالله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في هذه الآية " كهيعص" قال : كبير، يعني بالكبير الكاف من " كهيعص " .
حدثنا هناد بن السري ، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : كان يقول "كهيعص" قال : كاف : كبير.
حدثني أبو السائب ، قال : أخبرنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير في "كهيعص" قال : كاف : كبير.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، نحوه .
وقال آخرون : بل الكاف من ذلك حرف من حروف اسمه الذي هو كاف .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : أخبرنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد، في قوله "كهيعص" قال : كاف : كاف .
حدثنا أبو كريب ، قال: ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم في قوله "كهيعص" قال : كاف : كاف.
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام عن عنبسة، عن الكلبي مثله .
وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هوكريم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير "كهيعص" قال : كاف من كريم .
وقال الذين فسروا ذلك هذا التفسير الهاء من "كهيعص" : حرف من حروف اسمه الذي هو هاد.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا أبو حصين ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في الهاء من "كهيعص" هاد.
حدثنا أبو حصين ، قال : ثنا عبثر، قال : ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير نحوه .
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني يحيى بن طلحة، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد بن جبير، قال : ها: هاد .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله "كهيعص" قال : ها : هاد .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عنبسة، عن الكلبي ، مثله .
واختلفوا في تأويل الياء من ذلك ، فقال بعضهم : هو حرف من حروف اسمه الذي هو يمين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر، قال : ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : يامن "كهيعص" ياء يمين.
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير ياء: يمين .
وقال آخرون : بل هو حرف من حروف اسمه الذي هو حكيم.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد بن جبير "كهيعص" قال : يا: من حكيم .
وقال آخرون : بل هي حرف من قول القائل : يا من يجير.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا إبراهيم بن الضريس ، قال : سمعت الربيع بن أنس في قوله "كهيعص" قال : يا من يجير ولا يجار عليه .
واختلف متأولوا ذلك كذلك في معنى العين ، فقال بعضهم : هي حرف من حروف اسمه الذي هو عالم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد "كهيعص" قال : عين من عالم .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عنبسة، عن الكلبي ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا عمرو، قال : ثنا مروان بن معاوية، عن العلاء بن المسيب بن رافع ، عن أبيه ، في قوله "كهيعص" قال : عين : من عالم .
وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عزيز.
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر، قال : ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس "كهيعص" عين : عزيز.
حدثنا ابن بشار، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثنا هناد، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله .
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي ، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد ين جبير، في قوله "كهيعص" قال : عين عزيز .
وقال آخرون : بل هي حرف من حروف اسمه الذي هو عدل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، في قوله "كهيعص" قال ؟ عين : عدل .
وقال الذين تأولوا ذلك هذا التأويل : الصاد من قوله "كهيعص": حرف من حروف اسمه الذي هو صادق .
ذكر الرواية بذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن إدريس ، قال : أخبرنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، قال : كان يقول في "كهيعص" صاد : صادق .
حدثني أبو حصين ، قال : ثنا عبثر، قال : ثنا حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس مثله .
حدثنا ابن بشار، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حصين ، عن إسماعيل ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا هناد، قال : ثنا أبو الأحوص ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير مثله.
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا ابن إدريس ، عن حصين ، عن إسماعيل بن راشد، عن سعيد بن جبير، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا جابر بن نوح ، قال : أخبرنا أبو روق ، عن الضحاك بن مزاحم ، قال : صاد : صادق .
حدثني يحيى بن طلحة، قال : ثنا شريك ، عن سالم ، عن سعيد، قال : صادق ، يعني الصاد من "كهيعص"
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، عن عمرو، عن عطاء، عن سعيد "كهيعص" قال : صاد صادق .
حدثنا ابن حميد، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا عنبسة، عن الكلبي ، قال : صادق .
وقال آخرون : بل هذه الكلمة كلها اسم من أسماء الله تعالى .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن خالد بن خداش ، قال : ثني سالم بن قتيبة، عن أبي بكر الهذلي ، عن عاتكة، عن فاطمة ابنة علي قالت : كان علي يقول : يا "كهيعص": اغفر لي .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية، عن علي ، عن ابن عباس : في قوله : "كهيعص" قال : فإنه قسم أقسم الله به ، وهو من أسماء الله .
وقال آخرون : كل حرف من ذلك اسم من أسماء الله عز وجل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني مطر بن محمد الضبي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن عبد العزيز بن مسلم القسملي ، عن الربيع بن أنس ، عن أبي العالية، قال "كهيعص" ليس منها حرف إلا وهو اسم .
وقال آخرون : هذه الكلمة اسم من أسماء القرآن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر، عن قتادة في قوله "كهيعص" قال : اسم من أسماء القرآن.
قال أبو جعفر: والقول في ذلك عندنا نظير القول في الم وسائر فواتح سور القرآن التي افتتحت أوائلها بحروف المعجم ، وقد ذكرنا ذلك فيما مضى قبل ، فأغنى عن إعادته في هذا الموضع.
وهي مكية بإجماع. وهي تسعون وثمان آيات
ولما كانت وقعة بدر، وقتل الله فيها صناديد الكفار، قال كفار قريش: إن ثأركم بأرض الحبشة، فأهدوا إلى النجاشي، وابعثوا إليه رجلين من ذوي رأيكم لعله يعطيكم من عنده من قريش، فتقتلونهم بمن قتل منكم ببدر، فبعث كفار قريش عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة فسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعثهما فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري، وكتب معه إلى النجاشي، فقدم على النجاشي، فقرأ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم دعا جعفر بن أبي طالب والمهاجرين، وأرسل إلى الرهبان والقسيسين فجمعهم، ثم أمر جعفر أن يقرأ عليهم القرآن، فقرأ سورة مريم " كهيعص " وقاموا تفيض أعينهم من الدمع، فهم الذين أنزل الله تعالى عليهم: " ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون " [المائدة: 82]. وقرأ إلى قوله: " الشاهدين ". ذكره أبو داود . وفي السيرة، فقال النجاشي: هل معك مما جاء به عن الله شيء؟ قال جعفر: نعم، فقال له النجاشي: اقرأه علي. قال: فقرأ " كهيعص " فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفتهم حتى أخضلوا لحاهم حين سمعوا ما يتلى عليهم، فقال النجاشي: هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة، انطلقا فوالله لا أسلمهم إليكما أبداً، وذكر تمام الخبر.
قوله تعالى: " كهيعص " تقدم الكلام في أوائل السور. وقال ابن عباس فين " كهيعص ": إن الكاف من كاف، والهاء من هاد، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق، ذكره ابن عزيز القشيري عن ابن عباس، معناه كاف لخلقه، هاد لعباده، يده فوق أيديهم، عالم بهم، صادق في وعده، ذكره الثعلبي عن الكلبي و السدي و مجاهد و الضحاك . وقال الكلبي أيضاً: الكاف من كريم وكبير وكاف، والهاء من هاد، والياء من رحيم، والعين من عليم وعظيم، والصاد من صادق، والمعنى واحد. وعن ابن عباس أيضاً: هو اسم من أسماء الله تعالى، وعن علي رضي الله عنه هو اسم الله عز وجل وكان يقول: يا كهيعص اغفر لي، ذكره الغزنوي . السدي : هو اسم الله الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب. قتادة : هو اسم من أسماء القرآن، ذكره عبد الرزاق عن معمر عنه. وقيل: هو اسم للسورة، وهو اختيار القشيري في أوائل الحروف، وعلى هذا قيل: تمام الكلام عند قوله: " كهيعص " كأنه إعلام باسم السورة، كما تقول: كتاب كذا أو باب كذا ثم تشرع في المقصود. وقرأ ابن جعفر هذه الحروف متقطعة، ووصلها الباقون، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الياء، وابن عامر وحمزة بالعكس، وأمالهما جميعاً الكسائي و أبو بكر وخلف. وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة نافع وغيره. وفتحهما الباقون. وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف، وحكى غيره أنه كان يضم ها، وحكى إسماعيل بن إسحاق أنه كان يضم يا. قال أبو حاتم : ولا يجوز ضم الكاف والهاء والياء، قال النحاس : قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا، والإمالة جائزة في ها ويا. وأما قراءة الحسن فأشكلت على جماعة حتى قالوا: لا تجوز، منهم أبو حاتم . والقول فيها ما بينه هارون القارىء، قال: كان الحسن يشم الرفع، فمعنى هذا أنه كان يومىء، كما حكى سيبويه أن من العرب من يقول: الصلاة والزكاة يومىء إلى الواو، ولهذا كتبها في المصحف بالواو. وأظهر الدال من هجاء " ص " نافع وابن كثير وعاصم ويعقوب، وهو اختيار أبي عبيد، وأدغمها الباقون.
سورة مريم
وهي مكية
وقد روى محمد بن إسحاق في السيرة من حديث أم سلمة , وأحمد بن حنبل عن ابن مسعود في قصة الهجرة إلى أرض الحبشة من مكة أن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه قرأ صدر هذه السورة على النجاشي وأصحابه.
بسم الله الرحمـن الرحيم
أما الكلام على الحروف المقطعة فقد تقدم في أول سورة البقرة, وقوله " ذكر رحمة ربك " أي هذا ذكر رحمة الله بعبده زكريا, وقرأ يحيى بن يعمر " ذكر رحمة ربك عبده زكريا " وزكريا يمد ويقصر, قراءتان مشهورتان وكان نبياً عظيماً من أنبياء بني إسرائيل, وفي صحيح البخاري أنه كان نجاراً يأكل من عمل يده في النجارة. وقوله "إذ نادى ربه نداء خفياً" قال بعض المفسرين: إنما أخفى دعاءه لئلا ينسب في طلب الولد إلى الرعونة لكبره, حكاه الماوردي وقال آخرون: إنما أخفاه لأنه أحب إلى الله, كما قال قتادة في هذه الاية "إذ نادى ربه نداء خفياً" إن الله يعلم القلب التقي, ويسمع الصوت الخفي, وقال بعض السلف: قام من الليل عليه السلام وقد نام أصحابه, فجعل يهتف بربه يقول خفية: يا رب, يا رب, يا رب, فقال الله له: لبيك لبيك لبيك "قال رب إني وهن العظم مني" أي ضعفت وخارت القوى "واشتعل الرأس شيباً", أي اضطرم المشيب في السواد, كما قال ابن دريد في مقصورته:
أما ترى رأسي حاكى لونه طرة صبح تحت أذيال الدجى
واشتعل المبيض في مسودة مثل اشتعال النار في جمر الغضا
والمراد من هذا الإخبار عن الضعف والكبر ودلائله الظاهرة والباطنة. وقوله "ولم أكن بدعائك رب شقيا" أي ولم أعهد منك إلا الإجابة في الدعاء, ولم تردني قط فيما سألتك وقوله "وإني خفت الموالي من ورائي" قرأ الأكثرون بنصب الياء من الموالي على أنه مفعول, وعن الكسائي أنه سكن الياء, كما قال الشاعر:
كأن أيديهن في القاع القرق أيدي جوار يتعاطين الورق
وقال الاخر:
فتى لو يباري الشمس ألقت قناعها أو القمر الساري لألقى المقالدا
ومنه قول أبي تمام حبيب بن أوس الطائي:
تغاير الشعر منه إذ سهرت له حتى ظننت قوافيه ستقتتل
وقال مجاهد وقتادة والسدي : أراد بالموالي العصبة. وقال أبو صالح : الكلالة . وروي عن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه كان يقرؤها "وإني خفت الموالي من ورائي" بتشديد الفاء بمعنى قلت عصباتي من بعدي, وعلى القراءة الأولى وجه خوفه أنه خشي أن يتصرفوا من بعده في الناس تصرفاً سيئاً, فسأل الله ولداً يكون نبياً من بعده ليسوسهم بنبوته ما يوحي إليه, فأجيب في ذلك لا أنه خشي من وراثتهم له ماله, فإن النبي أعظم منزلة وأجل قدراً من أن يشفق على ماله إلى ما هذا حده, وأن يأنف من وراثة عصباته له ويسأل أن يكون له ولد ليحوز ميراثه دونهم هذا وجه.
(الثاني) أنه لم يذكر أنه كان ذا مال بل كان نجاراً يأكل من كسب يديه, ومثل هذا لا يجمع مالاً ولا سيما الأنبياء, فإنهم كانوا أزهد شيء في الدنيا.
(الثالث) أنه قد ثبت في الصحيحين من غير وجه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا نورث, ما تركنا فهو صدقة" وفي رواية عند الترمذي بإسناد صحيح "نحن معشر الأنبياء لا نورث", وعلى هذا فتعين حمل قوله " فهب لي من لدنك وليا * يرثني " على ميراث النبوة, ولهذا قال "ويرث من آل يعقوب" كقوله "وورث سليمان داود" أي في النبوة إذ لو كان في المال لما خصه من بين إخوته بذلك, ولما كان في الإخبار بذلك كبير فائدة, إذ من المعلوم المستقر في جميع الشرائع والملل أن الولد يرث أباه, فلولا أنها وراثة خاصة لما أخبر بها, وكل هذا يقرره ويثبته ما صح في الحديث "نحن معاشر الأنبياء لا نورث, ما تركنا فهو صدقة".
قال مجاهد في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب " كان وراثته علماً, وكان زكريا من ذرية يعقوب, وقال هشيم : أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يكون نبياً كما كانت آباؤه أنبياء, وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة , عن الحسن يرث نبوته وعلمه, وقال السدي : يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب. وعن مالك عن زيد بن أسلم "ويرث من آل يعقوب" قال نبوتهم. وقال جابر بن نوح ويزيد بن هارون كلاهما عن إسماعيل بن أبي خالد , عن أبي صالح في قوله "يرثني ويرث من آل يعقوب" قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة, وهذا اختيار ابن جرير في تفسيره.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يرحم الله زكريا وما كان عليه من وراثة ماله, ويرحم الله لوطاً إن كان ليأوي إلى ركن شديد " . وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا جابر بن نوح عن مبارك هو ابن فضالة , عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رحم الله أخي زكريا ما كان عليه من وراثة ماله حين قال: هب لي من لدنك ولياً يرثني ويرث من آل يعقوب" وهذه مرسلات لا تعارض الصحاح, والله أعلم. وقوله "واجعله رب رضيا" أي مرضياً عندك وعند خلقك, تحبه وتحببه إلى خلقك في دينه وخلقه.
هي مكية وآياتها ثمان وتسعون آية
أخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزلت بمكة سورة "كهيعص". وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير قال: نزلت سورة مريم بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله. وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والبيهقي في الدلائل عن أم سلمة أن النجاشي قال لجعفر بن أبي طالب: هل معك مما جاء به: يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله شيء؟ قال: نعم، فقرأ عليه صدراً من "كهيعص" فبكى النجاشي حتى أخضل لحيته، وبكت أساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلا عليهم، ثم قال النجاشي: إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة. وقد ذكر ابن إسحاق القصة بطولها.
قوله 1- "كهيعص" قرأ أبو جعفر هذه الحروف مقطعة، ووصلها الباقون، وأمال أبو عمرو الهاء وفتح الباء، وعكس ذلك ابن عامر وحمزة، وأمالها جميعاً الكسائي وأبو بكر وخلف، وقرأهما بين اللفظين أهل المدينة وفتحهما الباقون. وعن خارجة أن الحسن كان يضم كاف، وحكى عن غيره أنه كان يضم ها. وقال أبو حاتم: لا يجوز ضم الكاف ولا الهاء ولا الياء. قال النحاس: قراءة أهل المدينة من أحسن ما في هذا، والإمالة جائزة في ها وفي يا وقد اعترض على قراءة الحسن جماعة. وقيل في تأويلها أنه كان يشم الرفع فقط. وأظهر الدال من هجاء صاد نافع وأبو جعفر وابن كثير وعاصم ويعقوب، وهو اختيار أبو عبيدة وأدغمهما الباقون. وقد قيل في توجيه هذه القراءات أن التفخيم هو الأصل، والإمالة فرع عنه، فمن قرأ بتفخيم الهاء والياء فقد عمل بالأصل، ومن أمالهما فقد عمل بالفرع، ومن أمال أحدهما وفخم الآخر فقد عمل بالأمرين، وقد تقدم الكلام في هذه الحروف الواقعة في فواتح السورة مستوفى في أوائل سورة البقرة، ومحل هذه الفاتحة إن جعلت اسماً للسورة على ما عليه الأكثر الرفع على أنها مبتدأ خبرها ما بعدها، قاله الفراء. واعترضه الزجاج فقال: هذا محال لأن كهيعص ليس هو مما أنبأنا الله عز وجل به عن زكرياء، وقد أخبر الله تبارك وتعالى عنه وعما بشر به، وليس كهيعص من قصته، أو على أنها خبر مبتدأ محذوف، وإن جعلت مسرودة على نمط التعديد.
1 - مكية ، وهي ثمان وتسعون آية .
قوله عز وجل : " كهيعص " قرأ أبو عمرو بكسر الهاء وفتح الياء ، وضده ابن عامر ، وحمزة ، وبكسرهما : الكسائي و أبو بكر ، والباقون بفتحهما .
ويظهر الدال عند الذال من ( صاد ذكر ) ابن كثير ، و نافع ، و عاصم [ و يعقوب ] ، والباقون بالإدغام .
قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو اسم من أسماء الله تعالى .
وقال قتادة : هو اسم من أسماء القرآن .
وقيل : اسم للسورة . وقيل : هو قسم أقسم الله به .
ويروى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله " كهيعص " قال : الكاف من كريم وكبير ، والهاء من هاد ، والياء من رحيم ، والعين من عليم ، وعظيم ، والصاد من صادق .
وقال الكلبي : معناه : كاف لخلقه ، هاد لعباده ، يده فوق أيديهم ، عالم ببريته ، صادق في وعده .
1- "كهيعص"
أمال أبو عمرو الهاء لأن ألفات أسماء التهجي ياءات و ابن عامر و حمزة الياء،والكسائي وأبو بكر كليهما، ونافع بين بين ونافع وابن كثير وعاصم يظهرون دال الهجاء عند الذال، والباقون يدغمونها.
Surah 19. Maryam
1. Kaf. Ha. Ya. Ain. Sad.
SURA 19: MARYAM
1 - Kaf. Ha. Ya. Ain. Sad.