[الكهف : 97] فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا
97 - (فما اسطاعوا) أي يأجوج ومأجوج (أن يظهروه) يعلوا ظهره لارتفاعه وملاسته (وما استطاعوا له نقبا) خرفا لصلابته وسمكه
وقوله " فما اسطاعوا أن يظهروه " يقول عز ذكره : فما اسطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا الردم الذي جعله ذو القرنين حاجزا بينهم ، وبين من دونهم من الناس ، فيصيروا فوقه وينزلوا منه إلى الناس ، يقال منه : ظهر فلان فوق البيت : إذا علاه ، ومنه قول الناس : ظهر فلان على فلان : اذا قهره وعلاه " وما استطاعوا له نقبا" يقول : ولم يستطيعوا أن ينقبوه من أسفله . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " فما اسطاعوا أن يظهروه " من فوقه " وما استطاعوا له نقبا" : أي من أسفله .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله " فما اسطاعوا أن يظهروه " قال : ما استطاعوا أن ينزعوه .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن قتادة " فما اسطاعوا أن يظهروه " قال : أن يرتقوه " وما استطاعوا له نقبا" .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ،" فما اسطاعوا أن يظهروه " قال : أن يرتقوه " وما استطاعوا له نقبا" .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج " فما اسطاعوا أن يظهروه " قال : يعلوه " وما استطاعوا له نقبا" : أي ينقبوه من أسفله . واختلف أهل العربية في وجه حذف التاء من قوله " فما اسطاعوا" فقال بعض نحويي البصرة : فعل ذلك لأن لغة العرب أن تقول : اسطاع يسطيع ، يريدون بها : استطاع يستطيع ، ولكن حذفوا التاء إذا جمعت مع الطاء ومخرجهما واحد. قال : وقال بعضهم : استاع ، فحذف الطاء لذلك . وقال بعضهم : أسطاع يسطيع ، فجعلها من القطع كأنها أطاع يطيع ، فجعل السين عوضا من إسكان الواو. وقال بعض نحويي الكوفة : هذا حرف استعمل فكثرحتى حذف .
قوله تعالى: " فما اسطاعوا أن يظهروه " أي ما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوه ويصعدوا فيه، لأنه أملس مستو مع الجبل والجبل عال لا يرام. وارتفاع السد مائتا ذراع وخمسون ذراعاً. وروي: في طوله ما بين طرفي الجبلين مائة فرسخ، وفي عرضه خمسون فرسخاً، قاله وهب بن منبه. " وما استطاعوا له نقبا " لبعد عرضه وقوته. وروي في الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه " وعقد وهب بن منبه بيده تسعين - وفي رواية - وحلق بإصبعه الإبهام والتي تليها، وذكر الحديث. وذكر يحيى بن سلام عن سعد بن أبي عروبة عن قتادة عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"إن يأجوج ومأجوج يخرقون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستخرقونه غداً فيعيده الله كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرونه إن شاء الله فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه فيخرقونه ويخرجون على الناس " الحديث وقد تقدم.
قوله تعالى: " فما اسطاعوا " بتخفيف الطاء على قراءة الجمهور. وقيل: هي لغة بمعنى استطاعوا. وقيل: بل استطاعوا بعينه كثر في كلام العرب حتى حذف بعضهم منه التاء فقالوا: اسطاعوا. وحذف بعضهم منه الطاء فقال: استاع يستيع بمعنى استطاع يستطيع، وهي لغة مشهورة. وقرأ حمزة وحده " فما اسطاعوا " بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا، ثم أدغم التاء في الطاء فشددها، وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي: هي غير جائزة. وقرأ الأعمش ( فما استطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقبا ) بالتاء في الموضعين.
يقول تعالى مخبراً عن يأجوج ومأجوج أنهم ما قدروا على أن يصعدوا من فوق هذا السد ولا قدروا على نقبه من أسفله ولما كان الظهور عليه أسهل من نقبه قابل كلاً بما يناسبه فقال "فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعوا له نقباً" وهذا دليل على أنهم لم يقدروا على نقبه ولا على شيء منه. فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا روح حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة حدثنا أبو رافع عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً فيعودون إليه كأشد ما كان حتى إذا بلغت مدتهم وأراد الله أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غداً إن شاء الله فيعودون إليه كهيئته حين تركوه فيحفرونه ويخرجون على الناس فينشفون المياه ويتحصن الناس منهم في حصونهم فيرمون بسهامهم إلى السماء فترجع وعليها كهيئة الدم فيقولون قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء فيبعث الله عليهم نغفاً في رقابهم فيقتلهم بها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر شكراً من لحومهم ودمائهم" ورواه أحمد أيضاً عن حسن هو ابن موسى الأشهب عن سفيان عن قتادة به وكذا رواه ابن ماجه عن أزهر بن مروان عن عبد الأعلى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال: حدث أبو رافع وأخرجه الترمذي من حديث أبي عوانة عن قتادة ثم قال غريب لا يعرف إلا من هذا الوجه وإسناده جيد قوي ولكن متنه في رفعه نكارة لأن ظاهر الاية يقتضي أنهم لم يتمكنوا من ارتقائه ولا من نقبه لإحكام بنائه وصلابته وشدته ولكن هذا قد روي عن كعب الأحبار أنهم قبل خروجهم يأتونه فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون غداً نفتحه فيأتون من الغد وقد عاد كما كان فيلحسونه حتى لا يبقى منه إلا القليل فيقولون فذلك فيصبحون وهو كما كان فيلحسونه ويقولون غداً نفتحه ويلهمون أن يقولوا إن شاء الله فيصبحون وهو كما فارقوه فيفتحونه وهذا متجه ولعل أبا هريرة تلقاه من كعب فإنه كان كثيراً ما كان يجالسه ويحدثه فحدث به أبو هريرة فتوهم بعض الرواة عنه أنه مرفوع فرفعه والله أعلم.
ويؤيد ما قلناه من أنهم لم يتمكنوا من نقبه ولا نقب شيء منه ومن نكارة هذا المرفوع قول الإمام أحمد حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن زينب بنت أبي سلمى عن حبيبة بنت أم حبيبة بنت أبي سفيان عن أمها أم حبيبة عن زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم ـ قال سفيان أربع نسوة ـ قالت: " استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نومه وهو محمر وجهه وهو يقول: لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذا " وحل " قلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون ؟ قال: نعم إذا كثر الخبث" هذا حديث صحيح اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث الزهري ولكن سقط في رواية البخاري ذكر حبيبة وأثبتها مسلم وفيه أشياء عزيزة قليلة نادرة الوقوع في صناعة الإسناد منها رواية الزهري عن عروة وهما تابعيان ومنها اجتماع أربع نسوة في سنده كلهن يروي بعضهم عن بعض ثم كل منهن صحابية ثم ثنتان ربيبتان وثنتان زوجتان رضي الله عنهن.
قد روي نحو هذا عن أبي هريرة أيضاً, فقال ا لبزار : حدثنا محمد بن مرزوق , حدثنا مؤمل بن إسماعيل , حدثنا وهيب عن ابن طاوس عن أبيه , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "فتح اليوم من ردم يأجوج ومأموج مثل هذا" وعقد التسعين, وأخرجه البخاري ومسلم من حديث وهيب به, وقوله: "قال هذا رحمة من ربي" أي لما بناه ذو القرنين "قال هذا رحمة من ربي" أي بالناس حيث جعل بينهم وبين يأجوج ومأجوج حائلاً يمنعهم من العيث في الأرض والفساد, "فإذا جاء وعد ربي" أي إذا اقترب الوعد الحق "جعله دكاً" أي ساواه بالأرض, تقول العرب: ناقة دكاء إذا كان ظهرها مستوياً لاسنام لها, وقال تعالى: " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " أي مساوياً للأرض.
وقال عكرمة في قوله: "فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء" قال: طريقاً كما كان, "وكان وعد ربي حقاً" أي كائناً لا محالة. وقوله: "وتركنا بعضهم" أي الناس يومئذ, أي يوم يدك هذا السد ويخرج هؤلاء فيموجون في الناس ويفسدون على الناس أموالهم ويتلفون أشياءهم, وهكذا قال السدي في قوله: "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: ذاك حين يخرجون على الناس, وهذا كله قبل القيامة وبعد الدجال, كما سيأتي بيانه عند قوله: "حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون * واقترب الوعد الحق" الاية, وهكذا قال ههنا "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: هذا أول القيامة "ونفخ في الصور" على أثر ذلك "فجمعناهم جمعاً" وقال آخرون: بل المراد بقوله: "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: إذا ماج الجن والإنس يوم القيامة يختلط الإنس والجن.
وروى ابن جرير عن محمد بن حميد عن يعقوب القمي عن هارون بن عنترة , عن شيخ من بني فزارة في قوله "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: إذا ماج الإنس والجن قال إبليس: أنا أعلم لكم علم هذا الأمر, فيظعن إلى المشرق فيجد الملائكة قد قطعوا الأرض, ثم يظعن إلى المغرب فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض, فيقول: ما من محيص, ثم يظعن يميناً وشمالاً إلى أقصى الأرض فيجد الملائكة قد بطنوا الأرض فيقول ما من محيص, فبينما هو كذلك إذ عرض له طريق كالشراك فأخذ عليه هو وذريته, فبينما هم عليه إذ هجموا على النار, فأخرج الله خازناً من خزان النار, فقال: يا إبليس ألم تكن لك المنزلة عند ربك, ألم تكن في الجنان ؟ فيقول: ليس هذا يوم عتاب, لو أن الله فرض علي فريضة لعبدته فيها عبادة لم يعبده مثلها أحد من خلقه, فيقول: فإن الله قد فرض عليك فريضة, فيقول: ما هي ؟ فيقول يأمرك أن تدخل النار فيتلكأ عليه, فيقول: به وبذريته بجناحيه, فيقذفهم في النار, فتزفر النار زفرة لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثى لركبتيه, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به, ثم رواه من وجه آخر عن يعقوب عن هارون عن عنترة , عن أبيه عن ابن عباس "وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض" قال: الإنس والجن يموج بعضهم في بعض.
وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن محمد بن العباس الأصفهاني , حدثنا أبو مسعود أحمد بن الفرات , حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا المغيرة بن مسلم عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر , عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إن يأجوج ومأجوج من ولد آدم, ولو أرسلوا لأفسدوا على الناس معايشهم, ولن يموت منهم رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً, وإن من ورائهم ثلاث أمم: تاويل وتايس ومنسك" هذا حديث غريب, بل منكر ضعيف.
وروى النسائي من حديث شعبة عن النعمان بن سالم عن عمرو بن أوس عن أبيه , عن جده أوس بن أبي أوس مرفوعاً "إن يأجوج ومأجوج لهم نساء يجامعون ما شاءوا, وشجر يلقحون كما شاءوا, ولا يموت رجل إلا ترك من ذريته ألفاً فصاعداً". وقوله: "ونفخ في الصور" والصور كما جاء في الحديث: قرن ينفخ فيه, والذي ينفخ فيه إسرافيل عليه السلام, كما تقدم في الحديث بطوله, والأحاديث فيه كثيرة, وفي الحديث عن عطية عن ابن عباس وأبي سعيد مرفوعاً "كيف أنعم وصاحب القرن قد التقم القرن وحنى جبهته واستمع متى يؤمر ؟ قالوا: كيف نقول ؟ قال: قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل على الله توكلنا". وقوله: "فجمعناهم جمعاً" أي أحضرنا الجميع للحساب " قل إن الأولين والآخرين * لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم " "وحشرناهم فلم نغادر منهم أحداً".
97- "فما اسطاعوا" أصله استطاعوا، فلما اجتمع المتقاربان، وهما التاء والطاء خففوا بالحذف. قال ابن السكيت: يقال ما أستطيع، وما أسطيع، وما أستيع. وبالتخفيف قرأ الجمهور، وقرأ حمزة وحده "فما اسطاعوا" بتشديد الطاء كأنه أراد استطاعوا فأدغم التاء في الطاء وهي قراءة ضعيفة الوجه، قال أبو علي الفارسي: هي غير جائزة. وقرأ الأعمش فما استطاعوا على الأصل، ومعنى "أن يظهروه" أن يعلوه: أي فما استطاع يأجوج ومأجوج أن يعلوا على ذلك الردم لارتفاعه وملاسته "وما استطاعوا له نقباً" يقال نقبت الحائط: إذا خرقت فيه خرقاً فخلص إلى ما وراءه. قال الزجاج: ما قدروا أن يعلوا عليه لارتفاعه وانملاسه، وما استطاعوا أن ينقبوه من أسفله لشدته وصلابته.
97 - " فما اسطاعوا أن يظهروه " ، أن يعلوه من فوقه لطوله وملاسته ، " وما استطاعوا له نقباً " ، من أسفله ، لشدته ولصلابته . وقرأ حمزة : " فما استطاعوا " بتشديد الطاء أدغم تاء الافتعال في الطاء .
97."فما اسطاعوا"بحذف التاء حذراً من تلاقي متقاربين. وقرأحمزة بالإدغام جامعاً بين الساكنين على غير حده . وقرئ بقلب السن صاداً . "أن يظهروه" أن يعلوه بالصعود لارتفاعه وانملاسه. "وما استطاعوا له نقباً" لثخنه وصلابته. وقيل خفر للأساس حتى بلغ الماء ، وجعله من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى ساوى أعلى الجبلين ، ثم وضع المنافيخ حتى صارت كالنار فصب النحاس المذاب عليه فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلاً صلداً . وقيل بناه من الصخور مرتبطاً بعضها ببعض بكلاليب من حديد ونحاس مذاب في تجاويفها.
97. And (Gog and Magog) were not able to surmount, nor could they pierce (it).
97 - Thus were they made powerless to scale it or to dig through it.