[الكهف : 82] وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْرًا
82 - (وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته كنز) مال مدفون من ذهب وفضة (لهما وكان أبوهما صالحا) فحفظا بصلاحه في أنفسهما ومالهما (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما) أي إيناس رشدهما (ويستخرجا كنزهما رحمة من ربك) مفعول له عامله أراد (وما فعلته) أي ما ذكر من خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار (عن أمري) أي اختياري بل بأمر إلهام من الله (ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا) ويقال استطاع واستطاع بمعنى أطاق ففي هذا وما قبله جمع بين اللغتين ونوعت العبارة فأردت فأردنا فأراد ربك
يقول تعالى ذكره مخبرا عن قول صاحب موسى : وأما الحائط الذي أقمته ، فإنه كان لغلامين يتيمين في المدينة، وكان تحته كنز لهما. اختلف أهل التأويل في ذلك الكنز، فقال بعضهم : كان صحفا فيها علم مدفونة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وكان تحته كنز لهما" قال : كان تحته كنز علم . حدثنا يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن سعيد بن جبير " وكان تحته كنز لهما" قال : كان كنزعلم .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير " وكان تحته كنز لهما" قال : علم .
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي حصين ، عن سعيد بن جبير " وكان تحته كنز لهما" قال : علم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وكان تحته كنز لهما" قال صحف لغلامين فيها علم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : صحف علم .
حدثني أحمد بن حازم الغفاري ، قال : ثنا هنادة ابنة مالك الشيبانية ، قالت : سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول : سمعت جعفربن محمد يقول في قول الله عز وجل " وكان تحته كنز لهما" قال : سطران ونصف ، لم يتم الثالث : عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب ، وعجبت للموقن بالحساب كيف يغفل ، وعجبت للموقن بالموت كيف يفرح وقد قال " وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين " قالت : وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر منهما صلاح ، وكان بينهما وبين الأب الدي حفظا به سبعة آباء، كان نساجا .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا الحسن بن حبيمب بن ندبة ، قال : ثنا سلمة بن محمد ، عن نعيم العنبري ، وكان من جلساء الحسن ، قال : سمعت الحسن يقول ، في قوله " وكان تحته كنز لهما" قال : لوح من ذهب مكتوب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم : عجبت لمن يؤمن كيف يحزن ، وعجبت لمن يوقن بالموت كيف يفرح ، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها، كيف يطمئن إليها. لا إله إلا الله ، محمه رسول الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن الحسن بن عمارة ، عن الحكم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان يقول : ما كان الكنزإلا علما .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن حميد ، عن مجاهد في قوله " وكان تحته كنز لهما" قال صحف من علم .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن ، قال : أخبرني عبد الله بن عياش ، عن عمر مولى غفرة ، قال : إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف " وكان تحته كنز لهما" قال : كان لوحا من ذهب مصمت ، مكتوبا فيه : بسم الله الرحمن الرحيم . عجب ممن عرف الموت ثم ضحك ، عجب ممن أيقن بالقدر ثم نصب ، عجب ممن أيقن بالموت ثم أمن ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله . وقال آخرون : بل كان مالا مكنوزا . ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا حصين ، عن عكرمة " وكان تحته كنز لهما" قال : كنزمال .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن عكرمة ، مثله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا أبو داود ، عن شعبة ، قال : أخبرني أبو حصين ، عن عكرمة ، مثله . قال شعبة : ولم نسمعه منه .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة " وكان تحته كنز لهما" قال : مال لهما، قال قتادة : أحل الكنز لمن كان قبلنا، وحرم علينا، فإن الله يحل من أمره ما يشاء، ويحرم ، وهي السنن والفرائض ، ويحل لأمة، ويحرم على أخرى، ولكن الله لا يقبل من أحد مضى إلا الإخلاص والتوحيد له .
وأولى التأويلين في ذلك بالصواب : القول الذي قاله عكرمة ، لأن المعروف من كلام العرب أن الكنز اسم لما يكنز من مال ، وأن كل ما كنز فقد وقع عليه اسم كنز، فإن التأويل مصروف إلى الأغلب من استعمال المخاطبين بالتنزيل ، ما لم يأت دليل يجب من أجله صرفه إلى غير ذلك ، لعلل قد بيناها في غير موضع .
وقوله " أبوهما صالحا فأراد ربك أن يبلغا أشدهما" يقول : فأراد ربك أن يدركا ويبلغا قوتهما وشدتهما، ويستخرجا حينئذ كنزهما المكنوز تحت الجدار الذي أقمته ، رحمة من ربك بهما، يقول : فعلت فعل هذا بالجدار، رحمة من ربك لليتيمين . وكان ابن عباس يقول في ذلك ما :
حدثني موسى بن عبد الرحمن ، قال : ثنا أبو أسامة عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، قال : قال ابن عباس ، في قوله " وكان أبوهما صالحا" قال : حفظا بصلاح أبيهما، وما ذكر منهما صلاح .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا سفيان ، عن مسعر ، عن عبد الملك بن ميسرة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، بمثله . وقوله " وما فعلته عن أمري" يقول : وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي ، ومن تلقاء نفسي ، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وما فعلته عن أمري " كان عبدا مأمورا ، فمضى لأمر الله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن ابن إسحاق " وما فعلته عن أمري " ما رأيت أجمع ما فعلته عن نفسي . وقوله " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا" يقول : هذا الذي ذكرت لك من الأسباب التي من أجلها فعلت الأفعال التي استنكرتها مني ، تاويل ؟ يقول : ما تئول إليه وترجع الأفعال التي لم تسطع على ترك مسالتك إياي عنها، وإنكارك لها صبرا . وهذه القصص التي أخبر الله عز وجل نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بها عن موسى وصاحبه ، تأديب منه له ، وتقدم إليه بترك الاستعجال بعقوبة المشركين الذين كذبوه واستهزءوا به وبكتابه ، وإعلام منه له أن أفعاله بهم وإن جرت فيما ترى الأعين ، بما قد يجري مثله أحيانا لأوليائه ، فإن تأويله صائر بهم إلى أحوال أعدائه فيها، كما كانت أفعال صاحب موسى واقعة بخلاف الصحة في الظاهر عند موسى، إذ لم يكن عالما بعواقبها، وهي ماضية على الصحة في الحقيقة وآئلة إلى الصواب في العاقبة، ينبىء عن صحة ذلك قوله : " وربك الغفور ذو الرحمة لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا" . ثم عقب ذلك بقصة موسى وصاحبه ، يعلم نبيه أن تركه جل جلاله تعجيل العذاب لهؤلاء المشركين ، بغير نظر منه لهم ، وإن كان ذلك فيما يحسب من لا علم له بما الله مدبر فيهم ، نظرا منه لهم ، لأن تأويل ذلك صائر إلى هلاكهم وبوارهم بالسيف في الدنيا واستحقاقهم من الله في الآخرة الخزي الدائم .
قوله تعالى: " وأما الجدار فكان لغلامين " هذان الغلامان صغيران بقرينة وصفهما باليتم، واسمهما أصرم وصريم. وقد قال عليه الصلاة والسلام:
" لا يتم بعد بلوغ " هذا هو الظاهر. وقد يحتمل أن يبقى عليهما اسم اليتم بعد البلوغ إن كانا يتيمين، على معنى الشفقة عليهما. وقد تقدم أن اليتم في الناس من قبل فقد الأب، وفي غيرهم من الحيوان من قبل فقد الأم. ودل قوله: " في المدينة " على أن القرية تسمى مدينة، ومنه الحديث:
" أمرت بقرية تأكل القرى " وفي حديث الهجرة " لمن أنت؟ فقال الرجل: من أهل المدينة" يعني مكة.
قوله تعالى: " وكان تحته كنز لهما " اختلف الناس في الكنز، فقال عكرمة و قتادة : كان مالا جسماً وهو الظاهر من اسم الكنز إذ هو في اللغة المال المجموع، وقد مضى القول فيه. وقال ابن عباس: كان علماً في صحف مدفونة. وعنه أيضاً قال: كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه بسم الله الرحمن الرحيم، عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن، عجبت لمن يؤمن بالرزق كيف يتعب، عجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، عجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، عجبت لمن يؤمن بالدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن لها، لا إله لا إله إلا الله محمد رسول الله. وروي نحوه عن عكرمة وعمر مولى غفرة، ورواه عثمان بن عفان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قوله تعالى: " وكان أبوهما صالحا " ظاهر اللفظ والسابق منه أنه والدهما دنيةً. وقيل: هو الأب السابع، قاله جعفر بن محمد. وقيل: العاشر فحفظا فيه وإن لم يذكر بصلاح، وكان يسمى كاشحاً، قاله مقاتل. واسم أمهما دنيا، ذكره النقاش. ففيه ما يدل على أن الله تعالى يحفظ الصالح في نفسه وفي ولده وإن بعدوا عنه. وقد روي أن الله تعالى يحفظ الصالح في سبعة من ذريته، وعلى هذا يدل قوله تعالى: " إن وليي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ".
قوله تعالى: " وما فعلته عن أمري " يقتضي أن الخضر نبي، وقد تقدم الخلاف في ذلك. " ذلك تأويل " أي تفسير. " ما لم تسطع عليه صبرا " قرأت فرقة تستطع . وقرأ الجمهور " تسطع " قال أبو حاتم: كذا نقرأ كما في خط المصحف. وهنا خمس مسائل:
الأولى: إن قال قائل لم يسمع لفتى موسى ذكر في أول الآية ولا في آخرها، قيل له: اختلف في ذلك، فقال عكرمة لابن عباس: لم يسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه؟ فقال: شرب الفتى من الماء فخلد، وأخذه العالم فطبق عليه سفينة ثم أرسله في البحر وإنها لتموج به فيه إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب منه. قال القشيري : وهذا إن ثبت فليس الفتى يوشع بن نون، فإن يوشع بن نون قد عمر بعد موسى وكان خليفته، والأظهر أن موسى صرف فتاه لما لقي الخضر. وقال شيخنا الإمام أبو العباس: يحتمل أن يكون اكتفى بذكر المتبوع عن التابع، والله أعلم.
الثانية: إن قال قائل: كيف أضاف الخضر قصة استخراج كنز الغلامين لله تعالى، وقال في خرق السفينة: " فأردت أن أعيبها " فأضاف العيب إلى نفسه؟ قيل له: إنما أسند الإرادة في الجدار إلى الله تعالى لأنها في أمر مستأنف في زمن طويل غيب من الغيوب، فحسن إفراد هذا الموضع بذكر الله تعالى، وإن كان الخضر قد أراد ذلك فالذي أعلمه الله تعالى أن يريده. وقيل: لما كان ذلك خيراً كله أضافه إلى الله تعالى، وأضاف عيب السفينة إلى نفسه رعاية للأدب، لأنها لفظة عيب، فتأدب بأن لم يسند الإرادة فيها إلا إلى نفسه، كما تأدب إبراهيم عليه السلام في قوله: " وإذا مرضت فهو يشفين " فأسند الفعل قبل وبعد إلى الله تعالى، وأسند إلى نفسه المرض، إذ هو معنى نقص ومصيبة، فلا يضاف إليه سبحانه وتعالى من الألفاظ إلا ما يستحسن منها دون ما يستقبح، وهذا كما قال تعالى: " بيدك الخير " واقتصر عليه فلم ينسب الشر إليه، وإن كان بيده الخير والشر والضر والنفع، إذ هو على كل شيء قدير، وهو بكل شيء خبير. ولا اعتراض بما حكاه عليه السلام عن ربه عز وجل أنه يقول يوم القيامة:
" يا ابن آدم مرضت فلم تعدني واستطعمتك فلم تطعمني واستسقيتك فلم تسقني " فإن ذلك تنزل في الخطاب، وتلطف في العتاب، مقتضاه التعريف بفضل ذي الجلال، وبمقادير ثواب هذه الأعمال. وقد تقدم هذا المعنى. والله تعالى أعلم. ولله تعالى أن يطلق على نفسه ما يشاء، ولا نطلق نحن إلا ما أذن لنا فيه من الأوصاف الجميلة، والأفعال الشريفة. جل وتعالى عن النقائص والآفات علواً كبيراً. وقال في الغلام: " فأردنا " فكأنه أضاف القتل إلى نفسه، والتبديل إلى الله تعالى. والأشد كمال الخلق والعقل. وقد مضى الكلام فيه في ( الأنعام ) والحمد لله.
الثالثة: قال شيخنا الإمام أبو العباس: ذهب قوم من زنادقة الباطنية إلى سلوك طريق تلزم منه هذه الأحكام الشرعية، فقالوا: هذه الأحكام الشرعية العامة إنما يحكم بها على الأنبياء والعامة، وأما الأولياء وأهل الخصوص فلا يحتاجون إلى تلك النصوص، بل إنما يراد منهم ما يقع في قلوبهم، ويحكم عليهم بما يغلب عليهم من خواطرهم. وقالوا: وذلك لصفاء قلوبهم عن الأكدار، وخلوها عن الأغيار، فتتجلى لهم العلوم الإلهية، والحقائق الربانية، فيقفون على أسرار الكائنات، ويعلمون أحكام الجزئيات، فيستغنون بها عن أحكام الشرائع الكليات، كما اتفق للخضر، فإنه استغنى بما تجلى له من العلوم، عما كان عند موسى من تلك الفهوم. وقد جاء فيما ينقلون:
استفت قلبك وإن أفتاك المفتون. قال شيخنا رضي الله عنه: وهذا القول زندقة وكفر يقتل قائله ولا يستتاب، لأنه إنكار ما علم من الشرائع، فإن الله تعالى قد أجرى سنته، وأنفذ حكمته، بأن أحكامه لا تعلم إلا بواسطة رسله السفراء بينه وبين خلقه، وهم المبلغون عنه رسالته وكلامه، المبينون شرائعه وأحكامه، اختارهم لذلك، وخصهم بما هنالك، كما قال تعالى: " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس إن الله سميع بصير " وقال تعالى: " الله أعلم حيث يجعل رسالته " وقال تعالى: " كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين " إلى غير ذلك من الآيات. وعلى الجملة فقد حصل العلم القطعي، واليقين الضروري، واجتماع السلف والخلف على أن لا طريق لمعرفة أحكام الله تعالى التي هي راجعة إلى أمره ونهيه، ولا يعرف شيء منها إلا من جهة الرسل، فمن قال: إن هناك طريقاً آخر يعرف بها أمره ونهيه غير الرسل بحيث يستغنى عن الرسل فهو كافر، يقتل ولا يستتاب، ولا يحتاج معه إلى سؤال ولا جواب، ثم هو قول بإثبات أنبياء بعد نبينا عليه الصلاة والسلام، الذي قد جعله الله خاتم أنبيائه ورسله، فلا نبي بعده ولا رسول. وبيان ذلك أن من قال يأخذ عن قلبه وأن ما يقع فيه حكم الله تعالى، وأنه يعمل بمقتضاه، وأنه لا يحتاج مع ذلك إلى كتاب ولا سنة، فقد أثبت لنفسه خاصة النبوة، فإن هذا نحو ما قاله عليه الصلاة والسلام:
" إن روح القدس نفث في روعي " الحديث.
الرابعة: ذهب الجمهور من الناس إلى أن الخضر مات صلى الله عليه وسلم. وقالت فرقة: حي لأنه شرب من عين الحياة، وأنه باق في الأرض، وأنه يحج البيت. قال ابن عطية : وقد أطنب النقاش في هذا المعنى، وذكر في كتابه أشياء كثيرة عن علي بن أبي طالب وغيره، وكلها لا تقوم على ساق. ولو كان الخضر عليه السلام حياً يحج لكان له في ملة الإسلام ظهور، والله العليم بتفاصيل الأشياء لا رب غيره. ومما يقضي بموت الخضر عليه السلام الآن قوله عليه الصلاة والسلام: " أرأيتكم ليلتكم هذه فإنه لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ".
قلت: إلى هذا ذهب البخاري واختاره القاضي أبو بكر بن العربي، والصحيح القول الثاني وهو أنه حي على ما نذكره. والحديث خرجه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمر قال:
" صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم قام فقال: أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد قال ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك فيما يتحدثون من هذه الأحاديث عن مائة سنة وإنما قال عليه الصلاة والسلام: لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد " يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. و" رواه أيضاً من حديث جابر بن عبد الله قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر:
تسألوني عن الساعة وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة " وفي أخرى قال سالم: تذاكرنا أنها " هي مخلوقة يومئذ ". وفي أخرى: " ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة وهي حية يومئذ ". وفسرها عبد الرحمن صاحب السقاية قال: نقص العمر. وعن أبي سعيد الخدري نحو هذا الحديث. قال علماؤنا: وحاصل ما تضمنه هذا الحديث أنه عليه الصلاة والسلام أخبر قبل موته بشهر أن كل من كان من بني آدم موجوداً في ذلك لا يزيد عمره على مائة سنة، لقوله عليه الصلاة والسلام: " ما من نفس منفوسة " وهذا اللفظ لا يتناول الملائكة ولا الجن إذ لم يصح عنهم أنهم كذلك، ولا الحيوان غير العاقل، لقوله: " ممن هو على ظهر الأرض أحد " وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعين أن المراد بنو آدم.
وقد بين ابن عمر هذا المعنى، فقال: يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن. ولا حجة لمن استدل به على بطلان قول من يقول: إن الخضر حي لعموم قوله: ((ما من نفس منفوسة)) لأن العموم وإن كان مؤكد الاستغراق فليس نصاً فيه، بل هو قابل للتخصيص، فكما لم يتناول عيسى عليه السلام، فإنه لم يمت ولم يقتل فهو حي بنص القرآن ومعناه، ولا يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة، فكذلك لم يتناول الخضر عليه السلام وليس مشاهداً للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضاً، فمثل هذا العموم لا يتناوله. وقد قيل: إن أصحاب الكهف أحياء ويحجون مع عيسى عليه الصلاة والسلام، كما تقدم. وكذلك فتى موسى في قول ابن عباس كما ذكرنا. وقد ذكر أبو إسحاق الثعلبي في كتاب العرائس له: والصحيح أن الخضر نبي معمر محجوب عن الأبصار، وروى محمد بن المتوكل عن ضمرة بن ربيعة عن عبد الله بن شوذب قال: الخضر عليه السلام من ولد فارس، وإلياس من بني إسرائيل يلتقيان كل عام في الموسم. وعن عمرو بن دينار قال: إن الخضر وإلياس لا يزالان حيين في الأرض ما دام القرآن على الأرض، فإذا رفع ماتا. وقد ذكر شيخنا الإمام أبو محمد عبد المعطي بن محمود بن عبد المعطي اللخمي في شرح الرسالة به للقشيري حكايات كثيرة عن جماعة من الصالحين والصالحات بأنهم رأوا الخضر عليه السلام ولقوه، يفيد مجموعها غاية الظن بحياته مع ما ذكره النقاش و الثعلبي وغيرهما. وقد جاء في صحيح مسلم :
" أن الدجال ينتهي إلى بعض السباخ التي تلي المدينة فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس - أو - من خير الناس " الحديث، وفي آخره قال أبو إسحاق : يعني أن هذا الرجل هو الخضر. وذكر ابن أبي الدنيا في كتاب الهواتف بسند يوقفه إلى علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه لقي الخضر وعلمه هذا الدعاء، وذكر أن فيه ثواباً عظيماً ومغفرة ورحمة لمن قاله في أثر كل صلاة، وهو: يا من لا يشغله سمع عن سمع، ويا من لا تغلطه المسائل، ويا من لا يتبرم من إلحاح الملحين، أذقني برد عفوك، وحلاوة مغفرتك. وذكرأيضاً عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه في هذا الدعاء بعينه نحواً مما ذكر عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه في سماعه من الخضر. وذكر أيضاً اجتماع إلياس مع النبي عليه الصلاة والسلام. وإذا جاز بقاء إلياس إلى عهد النبي صلى الله عليه وسلم جاز بقاء الخضر، وقد ذكر أنهما يجتمعان عند البيت في كل حول، وأنهما يقولان عند افتراقهما: ما شاء الله ما شاء الله، لا يصرف السوء إلا الله، ما شاء الله ما شاء الله، ما يكون من نعمة فمن الله، ما شاء الله ما شاء الله، توكلت على الله، حسبنا الله ونعم الوكيل. وأما خبر إلياس فيأتي في ((والصافات)) إن شاء الله تعالى. وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد عن علي رضي الله تعالى عنه قال:
لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم وسجي بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمه الله وبركاته، السلام عليكم أهل البيت، " كل نفس ذائقة الموت " - الآية - إن في الله خلفاً من كل هالك، وعوضاً من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة، فبالله فثقوا، وإياه فاجوا، فإن المصاب من حرم الثواب، فكانوا يرون أنه الخضر عليه الصلاة والسلام. يعني أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام. والألف واللام في قوله ((على الأرض)) للعهد لا للجنس وهي أرض العرب، بدليل تصرفهم فيها وإليها غالباً دون أرض يأجوج ومأجوج، وأقاصي جزر الهند والسند مما لا يقرع السمع اسمه، ولا يعلم علمه. ولا جواب عن الدجال.
قال السهيلي: واختلف في اسم الخضر اختلافاً متبايناً، فعن ابن منبه أنه قال: أبليا بن ملكان بن فالغ بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح. وقيل: هو ابن عاميل بن سماقحين بن أريا بن علقما بن عيصو بن إسحاق، وأن أباه كان ملكاً، وأن أمه كانت بنت فارس واسمها ألمى، وأنها ولدته في مغارة، وأنه وجد هنالك وشاة ترضعه في كل يوم من غنم رجل من القرية، فأخذه الرجل فرباه، فلما شب وطلب الملك - أبوه - كاتبا وجمع أهل المعرفة والنبالة ليكتب الصحف التي أنزلت على إبراهيم وشيث، كان ممن أقدم عليه من الكتاب ابنه الخضر وهو لا يعرفه، فلما استحسن خطه ومعرفته، وبحث عن جلية أمره عرف أنه ابنه، فضمه لنفسه وولاه أمر الناس، ثم إن الخضر فر من الملك لأسباب يطول ذكرها إلى أن وجد عين الحياة فشرب منها، فهو حي إلى أن يخرج الدجال، وأنه الرجل الذي يقتله الدجال ويقطعه ثم يحييه الله تعالى. وقيل: لم يدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يصح. وقال البخاري وطائفة من أهل الحديث منهم شيخنا أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: إنه مات قبل انقضاء المائة، من قوله عليه الصلاة والسلام: " إلى رأس مائة عام لا يبقى على هذه الأرض ممن هو عليها أحد " يعني من كان حياً حين قال هذه المقالة.
قلت: قد ذكرنا هذا الحديث والكلام عليه، وبينا حياة الخضر إلى الآن، والله أعلم.
الخامسة: قيل: إن الخضر لما ذهب يفارق موسى قال له موسى: أوصني، قال: كن بساماً ولا تكن ضحاكاً، ودع اللجاجة، ولا تمش في غير حاجة، ولا تعب على الخطائين خطاياهم، وابك على خطيئتك يا ابن عمران.
في هذه الاية دليل على إطلاق القرية على المدينة, لأنه قال أولاً "حتى إذا أتيا أهل قرية" وقال ههنا "فكان لغلامين يتيمين في المدينة" كما قال تعالى: " وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك " "وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم" يعني مكة والطائف, ومعنى الاية أن هذا الجدار إنما أصلحته لأنه كان لغلامين يتيمين في المدينة, وكان تحته كنز لهما. قال عكرمة وقتادة وغير واحد: وكان تحته مال مدفون لهما, وهو ظاهر السياق من الاية, وهو اختيار ابن جرير رحمه الله.
وقال العوفي عن ابن عباس : كان تحته كنز علم, وكذا قال سعيد بن جبير , وقال مجاهد : صحف فيها علم, وقد ورد في حديث مرفوع ما يقوي ذلك. قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري , حدثنا بشر بن المنذر , حدثنا الحارث بن عبد الله اليحصبي عن عياش بن عباس الغاني , عن ابن حجيرة عن أبي ذر رفعه قال: "إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت, مكتوب فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر لم نصب, وعجبت لمن ذكر النار لم ضحك, وعجبت لمن ذكر الموت لم غفل, لا إله إلا الله محمد رسول الله". وبشر بن المنذر هذا يقال له قاضي المصيصة. قال الحافظ أبو جعفر العقيلي في حديثه وهم, وقد روي في هذا آثار عن السلف, فقال ابن جرير في تفسيره: حدثني يعقوب , حدثنا الحسن بن حبيب بن ندبة , حدثنا سلمة عن نعيم العنبري وكان من جلساء الحسن قال: سمعت الحسن يعني البصري يقول في قوله: "وكان تحته كنز لهما" قال لوح من ذهب مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم, عجبت لمن يؤمن بالقدر كيف يحزن, وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح, وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها, لا إله إلا الله محمد رسول الله.
وحدثني يونس , أخبرنا ابن وهب , أخبرني عبد الله بن عياش عن عمر مولى غفرة قال: إن الكنز الذي قال الله في السورة التي يذكر فيها الكهف "وكان تحته كنز لهما" قال: كان لوحاً من ذهب مصمت, مكتوب فيه: بسم الله الرحمن الرحيم, عجب لمن عرف النار ثم ضحك, عجب لمن أيقن بالقدر ثم نصب, عجب لمن أيقن بالموت ثم أمن, أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. وحدثني أحمد بن حازم الغفاري , حدثتنا هنادة بنت مالك الشيبانية قالت سمعت صاحبي حماد بن الوليد الثقفي يقول: سمعت جعفر بن محمد يقول في قول الله تعالى: "وكان تحته كنز لهما" قال سطران ونصف لم يتم الثالث: عجبت للموقن بالرزق كيف يتعب, وعجبت للمؤمن بالحساب كيف يغفل, وعجبت للمؤمن بالموت كيف يفرح. وقد قال الله "وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين" قالت: وذكر أنهما حفظا بصلاح أبيهما, ولم يذكر منهما صلاح, وكانت بينهما وبين الأب الذي حفظا به سبعة آباء, وكان نساجاً, وهذا الذي ذكره هؤلاء الأئمة وورد به الحديث المتقدم, وإن صح لا ينافي قول عكرمة أنه كان مالاً, لأنهم ذكروا أنه كان لوحاً من ذهب, وفيه مال جزيل أكثر ما زادوا أنه كان مودعاً فيه علم, وهو حكم ومواعظ, والله أعلم.
وقوله: "وكان أبوهما صالحاً" فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته وتشمل بركة عبادته لهم في الدنيا والاخرة بشفاعته فيهم, ورفع درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة, لتقر عينه بهم, كما جاء في القرآن ووردت به السنة. قال سعيد بن جبير عن ابن عباس : حفظا بصلاح أبيهما, ولم يذكر لهما صلاحاً, وتقدم أنه كان الأب السابق, فالله أعلم. وقوله: "فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما" ههنا أسند الإرادة إلى الله تعالى, لأن بلوغهما الحلم لا يقدر عليه إلا الله, وقال في الغلام "فأردنا أن يبدلهما ربهما خيراً منه زكاة" وقال في السفينة "فأردت أن أعيبها" فالله أعلم.
وقوله تعالى: "رحمة من ربك وما فعلته عن أمري" أي هذا الذي فعلته في هذه الأحوال الثلاثة, إنما هو من رحمة الله بمن ذكرنا من أصحاب السفينة, ووالدي الغلام وولدي الرجل الصالح, وما فعلته عن أمري أي لكني أمرت به ووقفت عليه, وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر عليه السلام مع ما تقدم من قوله: "فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً" وقال آخرون: كان رسولاً. وقيل: بل كان ملكاً, نقله الماوردي في تفسيره, وذهب كثيرون إلى أنه لم يكن نبياً, بل كان ولياً, فالله أعلم.
وذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بليا بن ملكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام, قالوا: وكان يكنى أبا العباس, ويلقب بالخضر, وكان من أبناء الملوك, ذكره النووي في تهذيب الأسماء, وحكى هو وغيره في كونه باقياً إلى الان, ثم إلى يوم القيامة قولين, ومال هو وابن الصلاح إلى بقائه, وذكروا في ذلك حكايات وآثاراً عن السلف وغيرهم, وجاء ذكره في بعض الأحاديث, ولا يصح شيء من ذلك, وأشهرها حديث التعزية, وإسناده ضعيف, ورجح آخرون من المحدثين وغيرهم خلاف ذلك, واحتجوا بقوله تعالى: "وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد" وبقول النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر "اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد في الأرض" وبأنه لم ينقل أنه جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حضر عنده ولا قاتل معه, ولو كان حياً لكان من أتباع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه, لأنه عليه السلام كان مبعوثاً إلى جميع الثقلين: الجن والإنس, وقد قال: "لو كان موسى وعيسى حيين لما وسعهما إلا اتباعي" وأخبر قبل موته بقليل أنه لا يبقى ممن هو على وجه الأرض إلى مائة سنة من ليلته تلك عين تطرف, إلى غير ذلك من الدلائل.
قال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن آدم , حدثنا ابن المبارك عن معمر عن همام بن منبه , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخضر قال: "إنما سمي خضراً لأنه جلس على فروة بيضاء, فإذ هي تهتز من تحته خضراء" ورواه أيضاً عن عبد الرزاق , وقد ثبت أيضاً في صحيح البخاري عن همام عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إنما سمي الخضر لأنه جلس على فروة, فإذا هي تهتز من تحته خضراء" والمراد بالفروة ههنا الحشيش اليابس وهو الهشيم من النبات, قاله عبد الزراق . وقيل: المراد بذلك وجه الأرض. وقوله: " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبرا " أي هذا تفسير ما ضقت به ذرعاً, ولم تصبر حتى أخبرك به ابتداء, ولما أن فسره له وبينه ووضحه وأزال المشكل قال "تسطع" وقبل ذلك كان الإشكال قوياً ثقيلاً, فقال " سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ", فقابل الأثقل بالأثقل, والأخف بالأخف, كما قال: "فما اسطاعوا أن يظهروه" وهو الصعود إلى أعلاه "وما استطاعوا له نقباً" وهو أشق من ذلك, فقابل كلاً بما يناسبه لفظاً ومعنى, والله أعلم.
فإن قيل: فما بال فتى موسى ذكر في أول القصة ثم لم يذكر بعد ذلك ؟ فالجواب أن المقصود بالسياق إنما هو قصة موسى مع الخضر وذكر ما كان بينهما, وفتى موسى معه تبع, وقد صرح في الأحاديث المتقدمة في الصحاح وغيرها أنه يوشع بن نون, وهو الذي كان يلي بني إسرائيل بعد موسى عليه السلام, هذا يدل على ضعف ما أورده ابن جرير في تفسيره حيث قال: حدثنا ابن حميد , حدثنا سلمة : حدثني ابن إسحاق عن الحسن بن عمارة عن أبيه عن عكرمة قال: قيل لابن عباس : لم نسمع لفتى موسى بذكر من حديث, وقد كان معه ؟ قال ابن عباس فيما يذكر من حديث الفتى, قال: شرب الفتى من الماء فخلد, فأخذه العالم فطابق به سفينة, ثم أرسله في البحر فإنها لتموج به إلى يوم القيامة, وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه فشرب, إسناده ضعيف, والحسن متروك, وأبوه غير معروف.
82- "وأما الجدار" يعني الذي أصلحه "فكان لغلامين يتيمين في المدينة" هي القرية المذكورة سابقاً، وفيه جواز إطلاق اسم المدينة على القرية لغة "وكان تحته كنز لهما" قيل كان مالاً جسيماً كما يفيده اسم الكنز، إذ هو المال المجموع. قال الزجاج: المعروف في اللغة أن الكنز إذا أفرد: فمعناه المال المدفون، فإذا لم يكن مالاً قيل: كنز علم وكنز فهم، وقيل لوح من ذهب، وقيل صحف مكتوبة "وكان أبوهما صالحاً" فكان صلاحه مقتضياً لرعاية ولديه وحفظ مالهما، قيل هو الذي دفنه، وقيل هو الأب السابع من عند الدافن له، وقيل العاشر "فأراد ربك" أي مالكك ومدبر أمرك، وأضاف الرب إلى ضمير موسى تشريفاً له "أن يبلغا أشدهما" أي كمالهما وتمام نموهما "ويستخرجا كنزهما" من ذلك الموضع الذي عليه الجدار، ولو انقض لخرج الكنز من تحته "رحمة من ربك" لهما، وهو مصدر في موضع الحال: أي مرحومين من الله سبحانه "وما فعلته عن أمري" أي عن اجتهادي ورأيي، وهو تأكيد لما قبله، فقد علم بقوله فأراد ربك أنه لم يفعله الخضر عن أمر نفسه "ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً" أي ذلك المذكور من تلك البينات التي بينتها لك وأوضحت وجوهها تأويل ما ضاق صبرك عنه ولم تطق السكوت عليه، ومعنى التأويل هنا هو المآل الذي آلت إليه تلك الأمور، وهو اتضاح ما كان مشتبهاً على موسى وظهور وجهه، وحذف التاء من تسطع تخفيفاً.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: "لقد جئت شيئاً إمراً" يقول: نكراً. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد نحوه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "إمراً" قال: عجباً. وأخرج ابن جرير عن أبي بن كعب في قوله: "لا تؤاخذني بما نسيت" قال: لم ينس، ولكنها من معاريض الكلام. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كان الخضر عبداً لا تراه الأعين، إلا من أراد الله أن يريه إياه، فلم يره من القوم إلا موسى، ولو رأه القوم لحالوا بينه وبين خرق السفينة وبين قتل الغلام، وأقول: ينبغي أن ينظر من أين له هذا؟ فإن لم يكن مستنده إلا قوله: ولو رآه القوم إلخ، فليس ذلك بموجب لما ذكره، أما أولاً فإن من الجائز أن يفعل ذلك من غير أن يراه أهل السفينة وأهل الغلام، لا لكونه لا تراه الأعين، بل لكونه فعل ذلك من غير اطلاعهم. وأما ثانياً فيمكن أن أهل السفينة وأهل الغلام قد عرفوه وعرفوا أنه لا يفعل ذلك إلا بأمر من الله كما يفعل الأنبياء، فسلموا لأمر الله. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: " نفسا زكية " قال: مسلمة. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: لم تبلغ الخطايا. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن الحسن نحوه. وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "شيئاً نكراً" قال: النكر أنكر من العجب. وأخرج أحمد عن عطاء قال: كتب نجدة الحروري إلى ابن عباس يسأله عن قتل الصبيان، فكتب إليه إن كنت الخضر تعرف الكافر من المؤمن فاقتلهم. وزاد ابن أبي شيبة من طريق أخرى عنه: ولكنك لا تعلم، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم فاعتزلهم. وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند وابن مردويه عن أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الغلام الذي قتله الخضر طبع يوم طبع كافراً، ولو أدرك لأرهق أبويه طغياناً وكفراً". وأخرج أبو داود والترمذي وعبد الله بن أحمد والبزار وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "من لدني عذراً" مثقلة. وأخرج ابن مردويه عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "أن يضيفوهما" مشددة. وأخرج ابن الأنباري في المصاحف وابن مردويه عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ "فوجدا فيها جداراً يريد أن ينقض" فهدمه، ثم قعد يبنيه. قلت: ورواية الصحيحين التي قدمناها أنه مسحه بيده أولى. وأخرج الفريابي في معجمه وابن حبان والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ: " لو شئت لاتخذت عليه أجرا " مخففة. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو داود والترمذي والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رحمة الله علينا وعلى موسى، لو صبر لقص الله علينا من خبره"، ولكن قال: "إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ: "وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصباً". وأخرج ابن الأنباري عن أبي بن كعب أنه قرأها كذلك. وأخرج أبو عبيد وابن المنذر عن أبي الزاهرية قال: كتب عثمان " وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا ". وأخرج أبو عبيد وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري عن ابن عباس أنه كان يقرأ وأما الغلام فكان كافراً وكان أبواه مؤمنين. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال هي في مصحف عبد الله فخاف ربك أن يرهقهما طغياناً وكفراً. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "خيراً منه زكاة" قال: ديناً "وأقرب رحماً" قال: مودة، فأبدلا جارية ولدت نبياً. وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وكان تحته كنز لهما" قال: كان الكنز لمن قبلنا وحرم علينا، وحرمت الغنيمة على من كان قبلنا وأحلت لنا، فلا يعجبن الرجل، فيقول فما شأن الكنز، أحل لمن قبلنا وحرم علينا؟ فإن الله يحل من أمره ما يشاء ويحرم ما يشاء، وهي السنن والفرائض، يحل لأمة ويحرم على أخرى. وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه والبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "وكان تحته كنز لهما" قال: ذهب وفضة. وأخرج الطبراني عن أبي الدرداء في قوله: "وكان تحته كنز لهما" قال: أحلت لهم الكنوز وحرمت عليهم الغنائم، وأحلت لنا الغنائم وحرمت علينا الكنوز. وأخرج البزار وابن أبي حاتم وابن مردويه عن أبي ذر رفعه قال: إن الكنز الذي ذكره الله في كتابه لوح من ذهب مصمت فيه: عجبت لمن أيقن بالقدر ثم نصب، وعجبت لمن ذكر النار ثم ضحك، وعجبت لمن ذكر الموت ثم غفل، لا إله إلا الله محمد رسول الله، وفي نحو هذا روايات كثيرة لا تتعلق بذكرها فائدة. وأخرج ابن المبارك وسعيد بن منصور وأحمد في الزهد والحميد في مسنده وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله: "وكان أبوهما صالحاً" قال: حفظا بصلاح أبيهما. وأخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يصلح بصلاح الرجل الصالح ولده وولد ولده وأهل دويرته وأهل دويرات حوله، فما يزالون في حفظ الله تعالى ما دام فيهم". وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: إن الله يصلح بصلاح الرجل ولده وولد ولده ويحفظه في دويرته، والدويرات حوله، فما يزالون في ستر من الله وعافية. وأخرج ابن جرير من طريق الحسن بن عمارة عن أبيه قال: قيل لابن عباس: لم نسمع لفتى موسى بذكر وقد كان معه؟ فقال ابن عباس: قال فيما يذكر من حديث الفتى إنه شرب من الماء فخلد، فأخذه العالم فطابق به سفينة ثم أرسله في البحر، فإنها لتموج به إلى يوم القيامة، وذلك أنه لم يكن له أن يشرب منه. قال ابن كثير: إسناده ضعيف، الحسن متروك وأبوه غير معروف.
82 - قوله عز وجل : " وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة " ، وكان اسمهما أصرم وصريم ، " وكان تحته كنز لهما " ، اختلفوا في ذلك الكنز ، اختلفوا في ذلك الكنز : روي عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( كان ذهباً وفضه ) .
وقال عكرمة : كان مالاً .
وعن سعيد بن جبير : كان الكنز صحفاً فيها علم .
وعن ابن عباس : أنه قال كان لوحاً من ذهب مكتوباً فيه : ( عجباً لمن أيقن الموت كيف يفرح ! عجباً لمن أيقن الحساب كيف يغفل ! عجباً لمن أيقن بالرزق كيف يتعب ! عجباً لمن أيقن بالقدر كيف ينصب ! عجباً لمن أيقن بزوال الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها ! لا إله إلا الله محمد رسول الله ) . وفي الجانب الآخر مكتوب : ( أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي ، خلقت الخير والشر ، فطوبى لمن خلقته للخير وأجريته على يديه والويل لمن خلقته للشر وأجريته على يديه ) وهذا قول أكثر المفسرين . وروي أيضاً ذلك مرفوعاً .
قال الزجاج : الكنز إذا أطلق ينصرف إلى كنز المال ، ويجوز عند التقييد أن يقال عنده كنز علم ، وهذا اللوح كان جامعاً لهما .
" وكان أبوهما صالحاً " ، قيل : كان اسمه ( كاسح ) وكان من الأتقياء . قال ابن عباس : حفظا بصلاح أبويهما .
وقيل : كان بينهما وبين الأب الصالح سبعة آباء .
قال محمد بن المنكدر : إن الله يحفظ بصلاح العبد ولده [ وولد ولده ] ، وعترته وعشيرته وأهل دويرات حوله ، فما يزالون في حفظ الله ما دام فيهم .
قال سعيد بن المسيب : إني لأصلي فأذكر ولدي فأزيد في صلاتي .
قوله عز وجل : " فأراد ربك أن يبلغا أشدهما " ، أي : يبلغا ويعقلا . وقيل : أن يدركا شدتهما وقوتهما. وقيل : ثمان عشرة سنة .
" ويستخرجا " حينئذ " كنزهما رحمة ً " ، نعمة ، " من ربك " .
" وما فعلته عن أمري " ، أي باختياري ورأيي ، بل فعلته بأمر الله وإلهامه ، " ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً " ، أي لم تطق عليه صبراً ، و ( استطاع ) و ( اسطاع ) بمعنى واحد .
روي أن موسى لما أراد أن يفارقه قال له : أوصني ، قال : لا تطلب العلم لتحدث به واطلبه لتعمل به .
واختلفوا في أن الخضر حي أم ميت ؟ قيل : إن الخضر و إلياس حيان يلتقيان كل سنة بالموسم . وكان سبب حياته فيما يحكى أنه شرب من عين الحياة ، وذلك أن ذا القرنين دخل الظلمات لطلب عين الحياة . وكان الخضر على مقدمته ، فوقع الخضر على العين فنزل واغتسل وتوضأ وشرب وصلى شكراً لله عز وجل ، وأخطأ ذو القرنين الطريق فعاد .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعدما صلى العشاء ليلة : " أرأيتكم ليلتكم هذه ؟ فإن على رأس مائة سنة منها لا يبقى ممن هو اليوم حي على ظهر الأرض أحد " ولو كان الخضر حياً لكان لا يعيش بعده .
82."وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة"قيل اسمهما أصرم وصريم ، واسم المقتول جيسور ."وكان تحته كنز لهما"من ذهب وفضة ، روي ذلك مرفوعاً والذم على كنزهما في قوله تعالى: "والذين يكنزون الذهب والفضة "لمن لا يؤدي زكاتهما وما تعلق بهما من الحقوق . وقيل من كتب العلم . وقيل كان لوح من ذهب مكتوب فيه: عجبت لمن يؤمن القدر كيف يحزن ، وعجبت لمن يؤمن الرزق كيف يتعب، وعجبت لمن يؤمن بالحساب كيف يغفل، وعجبت لمن يؤمن بالموت كيف يفرح، وعجبت لمن يعرف الدنيا وتقلبها بأهلها كيف يطمئن إليها، لا إله إلا الله محمد رسول الله ."وكان أبوهما صالحاً"تنبيه على أن سعيه ذلك كان لصلاحه، قيل كان بينهما وبين الأب حفظا فيه سبعة آباء وكان سياحاً واسمه كاشح ."فأراد ربك أن يبلغا أشدهما"أي الحلم وكمال الرأي. "ويستخرجا كنزهما رحمةً من ربك"مرحومين من ربك ، ويجوز أن يكون علة أو مصدراً لأراد فإن إرادة الخير رحمة . وقيل متعلق بمحذوف تقديره فعلت ما فعلت رحمة من ربك ، ولعل إسناد الإرادة أولاً نفسه لأنه المباشر للتعييب وثانياً إلى الله وإلى نفسه لأن التبديل بإهلاك الغلام وإيجاد الله بدله، وثالثاً إلى الله وحده لأنه لا مدخل له في بلوغ الغلامين . أو لأن الأول في نفسه شر، والثالث خير ، والثاني ممتزج.أو لاختلاف حال العارف في الالتفات إلى الوسائط ."وما فعلته" وما فعلت ما رأيته . "عن أمري"عن رأيي وإنما فعلته بأمر الله عز وجل ، ومبنى ذلك على أنه إذا تعارض ضرران يجب تحمل أهونهما لدفع أعظمهما ، وهو أصل ممهد غير أن الشرائع في تفاصليه مختلفة. "ذلك تأويل ما لم تسطع عليه صبراً"أي ما لم تستطع فحذف التاء تخفيفاً.
ومن فوائد هذه القصة أن لا بعجب المرء بعلمه ولا يبادر إلى إنكار ما لم يستحسنه ، فلعل فيه سراً لا يعرفه ، وأن يداوم على التعلم ويتذلل للمعلم ، ويراعي الأدب في المقابل وأن ينبه المجرم على جرمه ويعفو عنه حتى يتحقق إصراره ثم يهاجر عنه
82. And as for the wall, it belonged to two orphan boys in the city, and there was beneath it a treasure belonging to them and their father had been righteous, and thy Lord intended that they should come to their full strength and should bring forth their treasure as a mercy from their Lord; and I did it not upon my own command. Such is the interpretation of that wherewith thou couldst not bear.
82 - As for the wall, it belonged to two youths, orphans, in the town; there was, beneath it, a buried treasure, to which they were entitled; their father had been a righteous man: so thy Lord desired that they should attain their age of full strength and get out their treasure a mercy (and favour) from thy Lord. I did it not of my own accord. such is the interpretation of (those things) over which thou wast unable to hold patience.