[الكهف : 72] قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا
72 - (قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا)
يقول عز ذكره : " قال " العالم لموسى إذ قال له ما قال " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا" على ما ترى من أفعالي ، لأنك ترى مالم تحط به خبرا،
" قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا * قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا " قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " وكانت الأولى من موسى نسياناً " قال: وجاء عصفور فوقع على حرف السفينة فنقر نقرة في البحر، فقال له الخضر: ما علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من هذا البحر. قال علماؤنا: حرف السفينة طرفها وحرف كل شيء طرفه، ومنه حرف الجبل وهو أعلاه المحدد. والعلم هنا بمعنى المعلوم، كما قال: " ولا يحيطون بشيء من علمه " أي من معلوماته، وهذا من الخضر تمثيل، أي معلوماتي ومعلوماتك لا أثر لها في علم الله، كما أن ما أخذ هذا العصفور من هذا البحر لا أثر له بالنسبة إلى ماء البحر، وإنما مثل له ذلك بالبحر لأنه أكثر ما يشاهده مما بين أيدينا، وإطلاق لفظ النقص هنا تجوز قصد به التمثيل والتفهيم، إذ لا نقص في علم الله، ولا نهاية لمعلوماته. وقد أوضح هذا المعنى البخاري فقال: والله ما علمي وما علمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطير بمنقاره من البحر. وفي التفسير عن أبي العالية : لم ير الخضر حين خرق السفينة غير موسى وكان عبداً لا تراه إلا عين من أراد الله له أن يريه، ولو رآه القوم لمنعوه من خرق السفينة. وقيل: خرج أهل السفينة إلى جزيرة، وتخلف الخضر فخرق السفينة. وقال ابن عباس: لما خرق الخضر السفينة تنحى موسى ناحية، وقال في نفسه: ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل! كنت في بني إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم غدوة وعشية فيطيعوني! قال له الخضر: يا موسى أتريد أن أخبرك بما حدثت به نفسك؟ قال: نعم، قال كذا وكذا. قال: صدقت، ذكره الثعلبي في كتاب العرائس .
الثانية: في خرق السفينة دليل على أن للولي أن ينقص مال اليتيم إذا رآه صلاحاً، مثل أن يخاف على ريعه ظالماً فيخرب بعضه. وقال أبو يوسف : يجوز للولي أن يصانع السلطان ببعض مال اليتيم عن البعض. وقرأ حمزة و الكسائي ( ليغرق ) بالياء " أهلها " بالرفع فاعل يغرق، فاللام على قراءة الجماعة في " لتغرق " لام المآل مثل " ليكون لهم عدوا وحزنا " وعلى قراءة حمزة لام كي، ولم يقل لتغرقني، لأن الذي غلب عليه في الحال فرط الشفقة عليهم، ومراعاة حقهم. و " إمرا " معناه عجباً، قاله القتبي . وقيل: منكراً، قاله مجاهد . وقال أبو عبيدة: الإمر الداهية العظيمة، وأنشد:
قد لقي الأقران مني نكرا داهية دهياء إداً إمرا
وقال الأخفش: يقال أمر أمره يأمر أمراً إذا اشتد، والاسم الإمر.
يقول تعالى مخبراً عن موسى وصاحبه وهو الخضر, أنهما انطلقا لما توافقا واصطحبا, واشترط عليه أن لا يسأله عن شيء أنكره حتى يكون هو الذي يبتدئه من تلقاء نفسه بشرحه وبيانه, فركبا في السفينة, وقد تقدم في الحديث كيف ركبا في السفينة, وأنهم عرفوا الخضر, فحملوهما بغير نول, يعني بغير أجرة, تكرمة للخضر, فلما استقلت بهم السفينة في البحر ولججت, أي دخلت اللجة, قام الخضر فخرقها, واستخرج لوحاً من ألواحها ثم رقعها, فلم يملك موسى عليه السلام نفسه أن قال منكراً عليه "أخرقتها لتغرق أهلها" وهذه اللام لام العاقبة لا لام التعليل, كما قال الشاعر:
لدوا للموت وابنوا للخراب
"لقد جئت شيئاً إمراً" قال مجاهد : منكراً. وقال قتادة : عجباً, فعندها قال له الخضر مذكراً بما تقدم من الشرط "ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا" يعني وهذا الصنيع فعلته قصداً, وهو من الأمور التي اشترطت معك أن لا تنكر علي فيها, لأنك لم تحط بها خبراً ولها دخل هو مصلحة ولم تعلمه أنت "قال" أي موسى "لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا" أي لا تضيق علي ولا تشدد علي, ولهذا تقدم في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كانت الأولى من موسى نسياناً".
72- "قال" أي الخضر "ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً" أذكره ما تقدم من قوله له سابقاً "إنك لن تستطيع معي صبراً".
72 - " قال " ، العالم ، وهو الخضر ، " ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً " .
72."قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبراً"تذكير لما ذكره قبل.
72. He said: Did I not tell thee thou couldst not bear with me?
72 - He answered: did I not tell thee that thou canst have no patience with me?