[الكهف : 37] قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا
قال له صاحبه وهو يحاوره) يجاوبه (أكفرت بالذي خلقك من تراب) لأن آدم خلق منه (ثم من نطفة) مني (ثم سواك) عدلك وصيرك (رجلا)
يقول تعالى ذكره : قال لصاحب الجنتين صاحبه الذي هو أقل منه مالا وولدا ، " وهو يحاوره " : يقول : وهو يخاطبه ويكلمه " أكفرت بالذي خلقك من تراب " يعني خلق أباك آدم من تراب " ثم من نطفة " يقول : ثم أنشأك من نطفة الرجل والمرأة، " ثم سواك رجلا" يقول : ثم عدلك بشرا سويا رجلا، ذكرا لا أنثى، يقول : أكفرت بمن فعل بك ، هذا أن يعيدك خلقا جديدا بعد ما تصير رفاتا
قوله تعالى : " قال له صاحبه " يهوذا أو تمليخا ، على الخلاف في اسمه . " أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا " وعظه وبين له أن ما اعترف به من هذه الأشاء التي لا ينكرها أحد أبدع من الإعادة . و(سواك رجلا) أي جعلك معتدل القامة والخلف ، صحيح الأعضاء ذكراً .
يقول تعالى مخبراً عما أجابه به صاحبه المؤمن, واعظاً له وزاجراً عما هو فيه من الكفر بالله والاغترار "أكفرت بالذي خلقك من تراب" الاية, وهذا إنكار وتعظيم لما وقع فيه من جحود ربه الذي خلقه, وابتدأ خلق الإنسان من طين وهو آدم, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, كما قال تعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم" الاية, أي كيف تجحدون ربكم ودلالته عليكم ظاهرة جلية, كل أحد يعلمها من نفسه, فإنه ما من أحد من المخلوقات إلا ويعلم أنه كان معدوماً, ثم وجد وليس وجوده من نفسه ولا مستنداً إلى شيء من المخلوقات, لأنه بمثابته, فعلم إسناد إيجاده إلى خالقه, وهو الله لا إله إلا هو خالق كل شيء, ولهذا قال المؤمن "لكنا هو الله ربي" أي لكن أنا لا أقول بمقالتك بل أعترف لله بالوحدانية والربوبية, "ولا أشرك بربي أحداً" أي بل هو الله المعبود وحده لا شريك له.
ثم قال: " ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا " هذا تحضيض وحث على ذلك, أي هلا إذ أعجبتك حين دخلتها ونظرت إليها, حمدت الله ما أنعم به عليك وأعطاك من المال والولد ما لم يعطه غيرك, وقلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله, ولهذا قال بعض السلف: من أعجبه شيء من حاله أو ماله أو ولده, فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله, وهذا مأخوذ من هذه الاية الكريمة. وقد روي فيه حديث مرفوع, أخرجه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده : حدثنا جراح بن مخلد , حدثنا عمر بن يونس , حدثنا عيسى بن عون , حدثنا عبد الملك بن زرارة عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنعم الله على عبد نعمة من أهل أو مال أو ولد, فيقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله, فيرى فيه آفة دون الموت" وكان يتأول هذه الاية "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله" قال الحافظ أبو الفتح الأزدي : عيسى بن عون عن عبد الملك بن زرارة عن أنس لا يصح حديثه.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة وحجاج, حدثني شعبة عن عاصم بن عبيد الله عن عبيد مولى أبي رهم , عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا قوة إلا بالله" تفرد به أحمد . وقد ثبت في الصحيح عن أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ لا حول ولا قوة إلا بالله" وقال الإمام أحمد : حدثنا بكر بن عيسى , حدثنا أبو عوانة عن أبي بلج عن عمرو بن ميمون قال: قال أبو هريرة : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا هريرة ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة تحت العرش ؟ قال: قلت نعم فداك أبي وأمي. قال: أن تقول لا قوة إلا بالله" قال أبو بلج : " وأحسب أنه قال فإن الله يقول أسلم عبدي واستسلم" قال فقلت لعمرو : قال أبو بلج : قال عمرو : قلت لأبي هريرة لا حول ولا قوة إلا بالله, فقال: لا إنها في سورة الكهف "ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله".
وقوله: "فعسى ربي أن يؤتين خيراً من جنتك" أي في الدار الاخرة "ويرسل عليها" أي على جنتك في الدنيا التي ظننت أنها لا تبيد ولا تفنى "حسباناً من السماء" قال ابن عباس والضحاك وقتادة ومالك عن الزهري : أي عذاباً من السماء, والظاهر أنه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها وأشجارها, ولهذا قال: "فتصبح صعيداً زلقاً" أي بلقاً تراباً أملس لا يثبت فيه قدم, وقال ابن عباس : كالجرز الذي لا ينبت شيئاً وقوله: "أو يصبح ماؤها غوراً" أي غائراً في الأرض, وهو ضد النابع الذي يطلب وجه الأرض, فالغائر يطلب أسفلها, كما قال تعالى: "قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غوراً فمن يأتيكم بماء معين" أي جار وسائح, وقال ههنا: "أو يصبح ماؤها غوراً فلن تستطيع له طلباً" والغور مصدر بمعنى غائر, وهو أبلغ منه, كما قال الشاعر:
تظل جياده نوحاً عليه تقلده أعنتها صفوفاً
بمعنى نائحات عليه.
37- "قال له صاحبه" أي قال للكافر صاحبه المؤمن حال محاورته له منكراً عليه ما قاله: "أكفرت بالذي خلقك من تراب" بقولك "ما أظن الساعة قائمة" وقال "خلقك من تراب": أي جعل أصل خلقك من تراب حيث خلق أباك آدم منه، وهو أصلك، وأصل البشر فلكل فرد حظ من ذلك، وقيل يحتمل أنه كان كافراً بالله فأنكر عليه ما هو عليه من الكفر، ولم يقصد أن الكفر حدث له بسبب هذه المقالة "ثم من نطفة" وهي المادة القريبة "ثم سواك رجلاً" أي صيرك إنساناً ذكراً وعدل أعضاءك وكملك، وفي هذا تلويح بالدليل على البعث، وأن القادر على الابتداء قادر على الإعادة، وانتصاب رجلاً على الحال أو التمييز.
37 - " قال له صاحبه " المسلم ، " وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب " ، أي خلق أصلك من تراب ، " ثم " ، خلقك ، " من نطفة ثم سواك رجلاً " أي : عدلك بشراً سوياً ذكراً .
37."قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب"لأنه أصل مادتك أو مدة أصلك ."ثم من نطفة"فإنها مادتك القريبة."ثم سواك رجلاً"ثم عدلك وكملك إنساناً ذكراً بالغاً مبلغ الرجال.جعل كفره بالبعث كفراً بالله تعالى لأن منشأه الشك في كمال قدرة الله تعالى ، ولذلك رتب الإنكار على خلقه إياه من التراب فإن من قدر على بدء خلقه منه قدر أن يعيده منه.
37. And his comrade, while he disputed with him, ex claimed: Disbelievest thou in Him Who created thee of dust, then of a drop (of seed), and then fashioned thee a man?
37 - His companion said to him, in the course of the argument with him: dost thou deny him who created thee out of dust, then out of a sperm drop, then fashioned thee into a man?