[الكهف : 28] وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا
واصبر نفسك) احبسها (مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون) بعبادتهم (وجهه) تعالى لا شيئا من أعراض الدنيا وهم الفقراء (ولا تعد) تنصرف (عيناك عنهم) عبر بهما عن صاحبهما (تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا) أي القرآن هو عيينة بن حصن وأصحابه (واتبع هواه) في الشرك (وكان أمره فرطا) إسرافا
قوله تعالى واصبر نفسك الآية تقدم سبب النزول في سورة الأنعام في حديث خباب
قوله تعالى ولا تطع الآية أخرج ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس في قوله ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا قال نزلت في أمية بن خلف الجمحي وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه الله من طرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة فنزلت
واخرج ابن أبي حاتم عن الربيع قال حدثنا أن النبي صلى الله عليه وسلم تصدى لأمية بن خلف وهو ساه غافل عما يقال له فنزلت وأخرج عن أبي هريرة قال دخل عيينة بن حصن على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده سلمان فقال عيينة إذا نحن أتيناك فأخرج هذا وأدخلنا فنزلت
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم " واصبر" يا محمد " نفسك مع " أصحابك " الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " بذكرهم إياه بالتسبيح والتحميد والتهليل والدعاء والأعمال الصالحة من الصلوات المفروضة وغيرها " يريدون " بفعلهم ذلك " وجهه" لا يريدون عرضا من عرض الدنيا .
وقد ذكرنا اختلاف المختلفين في قوله " يدعون ربهم بالغداة والعشي " في سورة الأنعام ، والصواب من القول في ذلك عندنا، فاغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع . والقراء على قراءة ذلك " بالغداة والعشي " ، وقد ذكر عن عبد الله بن عامر و أبي عبد الرحمن السلمي أنهما كانا يقرآنه بالغدوة والعشي وذلك قراءة عند أهل العلم بالعربية مكروهة، لأن غدوة معرفة، ولا ألف ولا لام فيها، لانما يعرف بالألف واللام ما لم يكن معرفة، فاما المعارف فلا تعرف بهما . وبعد، فإن غدوة لا تضاف إلى شيء ، وامتناعها من الإضافة دليل واضح على امتناع الألف واللام من الدخول عليها، لأن ما دخلته الألف واللام من الأسماء صلحت فيه الإضافة، ط نما تقولي العرب : أتيتك غداة الجمعة، ولا تقول : أتيتك غدوة . الجمعة، والقراءة عندنا في ذلك ما عليه القراء في الأمصارلا نستجيزغيرها لإجماعها على ذلك ، وللعلة لا التي بينا من جهة العربية. وقوله " ولا تعد عيناك عنهم " يقول جل ثناؤه لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولا تصرف عيناك عن هؤلاء الذين أمرتك يا محمد أن تصبر نفسك معهم إلى غيرهم من الكفار، ولا تجاوزهم إليه . وأصله من قولهم : عدوت ذلك ، فاغا أعدوه : إذا جاوزته. وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس ، في قوله " ولا تعد عيناك عنهم " ، قال : لا تجاوزهم إلى غيرهم .
حدثني علي ، قال : ثني عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " ولا تعد عيناك عنهم " يقول : لا تتعدهم إلى غيرهم.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " واصبر نفسك " . . . الاية ، قال : قال القوم للنبي في : إنا نستحيي أن نجالس فلانا وفلاناً وفلاناً فجانبهم يا محمد، وجالس أشراف العرب ، فنزل القرآن " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم " ولا تحقرهم ، قال : قد أمروني بذلك ، قال : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا " .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني أسامة بن زيد ، عن أبي حازم ، عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف ، أن هذه الآية لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " فخرج يلتمس ، فوجد قوماً يذكرون الله ، منهم ثائر الرأس ، وجاف الجلد، وذو الثوب الواحد، فلما رآهم جلس معهم ، فقال " الحمد لله الذي جعل لي في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معه " ، ورفعت العينان بالفعل ، وهو لا تعد .
وقوله " تريد زينة الحياة الدنيا " يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : لا تعد عيناك عن هؤلاء المؤمنين الذين يدعون ربهم إلى أشراف المشركين ، تبغي بمجالستهم الشرف والفخر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فيما ذكر قوم من عظماء أهل الشرك ، وقال بعضهم ؟ بل من عظماء قبائل العرب ممن لا بصيرة لهم بالإسلام ، فرأوه جالسا مع خباب وصهيب وبلال ، فسالوه أن يقيمهم عنه إذا حضروا ، قالوا : فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عليه " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " ثم كان يقوم إذا أراد القيام ، ويتركهم قعودا، فانزل الله عليه " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " . . . الآية " ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " يريد زينة الحياة الدنيا : مجالسة أولئك العظماء الأشراف ، وقد ذكرت الرواية بذلك فيما مضى قبل في سيمارة الأنعام.
حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أسباط بن نصر ، عن السدي ، عن أبي سعبد الأزدي ، وكان قارىء الأزد عن أبي الكنود ، عن خباب في قصة ذكرها عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ذكر فيها هذا الكلام مدرجا في الخبر " ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا " قال : تجالس الأشراف .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرت أن عيينة بن حصن قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم : لقد آذاني ريح سلمان الفارسي ، فاجعل لنا مجلسا منك لا يجامعوننا فيه ، واجعل لهم مجلسا لا نجامعهم فيه ، فنزلت الآية .
حدثنا بشر، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قال : ذكر لنا أنه لما نزلت هذه الآية قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه " .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " تريد زينة الحياة الدنيا " قال : تريد أشراف الدنيا .
حدثنا صالح بن مسمار ، قال : ثنا الوليد بن عبد الملك ، قال : ثنا سليمان بن عطاء ، عن مسلمة بن عبد الله الجهني ، عن عمه أبي مشجعة بن ربعي ، عن سلمان الفارسي ، قال : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم :. عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس وذووهم ، فقالوا : يا نبي الله ، إنك لو جلست في صدر المسجد، ونفيت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم -يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف ، ولم يكن عليهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك ، وأخذنا عنك ، فانزل الله " واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا "، حتى بلغ " إنا أعتدنا للظالمين نارا " يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صلى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله ، فقال : " الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات " .
وقوله " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه " يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم : ولا تطع يا محمد من شغلنا قلبه من الكفار الذين سألوك طرد الرهط الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي عنك ، عن ذكرنا ، بالكفر وغلبة الشقاء عليه ، واتبع هواه ، وترك اتباع أمر الله ونهيه ، واثر هوى نفسه على طاعة ربه ، وهم فيما ذكر: عيينة بن حصن ، والأقرع بن حابس وذووهم .
حدثني الحسين بن عمرو بن محمد العنقزي ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنود ، عن خباب " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " قال عيينة ، والأقرع . وأما قوله " وكان أمره فرطا " فإن أهل التاويل اختلفوا في تاويله ، فقال بعضهم : معناه : وكان أمره ضياعا.
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال :- ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله " وكان أمره فرطا " قال ابن عمرو في حديثه قال : ضائعا . وقال الحرث في حديثه : ضياعا .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : ضياعا.
وقال آخرون : بل معناه : وكان أمره ندما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثنا بدل بن المحبر ، قال : ثنا عباد بن راشد ، عن داود " فرطا " قال : ندامة . وقال اخرون : بل معناه : هلاكا
ذكر من قال ذلك :
حدثني الحسين بن عمرو ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي ، عن أبي سعيد الأزدي ، عن أبي الكنود ، عن خباب " وكان أمره فرطا " قال : هلاكا .
وقال آخرون : بل معناه : خلافأ للحق .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد " وكان أمره فرطا " قال : مخالفا للحق ، ذلك الفرط .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : ضياعا وهلاكا من قولهم : أفرط فلان في هذا الأمر إفراطا : إذا أسرف فيه وتجاوز قدره ، وكذلك قوله " وكان أمره فرطا " معناه : وكان أمر هذا الذي أغفلنا قلبه عن ذكرنا في الرياء والكبر، واحتقار أهل الإيمان ، سرفا قد تجاوز حده ، فضنع بذلك الحق وهلك .
وقد حدثنا أبو كريب ، قان : ثنا أبو بكر بن عياش ، قال : قيل له : كيف قرأ عاصم ؟ فقال " كان أمره فرطا " قال أبوكريب : قال أبو بكر : كان عيينة بن حصن يفخر بقول أنا وأنا .
قوله تعالى : " واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " هذا مثل وقوله " ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي " [ الأنعام : 52] في سورة (الأنعام ) وقد مضى الكلام فيه وقال سليمان الفارسي رضي الله عنه : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : عيينة بن حصن والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله ، إنك لو جلست في صدر المجلس ونحت عنا هؤلاء وأرواح جبابهم _ يعنون سلمان و أبا ذر وفقراء المسلمين ، وكانت عليهم جباب الصوف لم يكن عليهم غيرها _ جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك ، فأنزل الله تعالى " واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحدا * واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه " حتى بلغ _" إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها " يتهددهم بالنار ." فقال النبي صلى الله عليه وسلم يلتمس حتى إذا أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله قال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي ، معكم المحيا ومعكم الممات" . " يريدون وجهه " أي طاعته . وقررأ نصر بن مالك و مالك بن دينار و أبو عبد الرحمن (ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغدوة والعشي ) وحجتهم أنها في السواد بالواو . وقال أبو جعفر النحاس : وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو ، ولا تكاد العرب تقول الغدوة لأنها معروفة . وروي عن الحسن (ولا تعد عينيك عنهم ) أي تتجاوز عيناك إلى غيرهم من أنبياء الدنيا طلباً لزينتها ، حكاه اليزيدي وقيل : لا تحقرهم عيناك ، كما يقال فلان تنبو عنه العين ، أي مستحقراً .
" تريد زينة الحياة الدنيا " أي تتزين بمجالسة هؤلاء الرؤساء الذين اقترحوا إبعاد الفقراء من مجلسك ، ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن يفعل ، ولكن الله نهاه عن أن يفعله ، وليس هذا بأكثر من قوله : " لئن أشركت ليحبطن عملك " [ الزمر : 65] وإن كان الله أعاذه من الشرك . و(تريد ) فعل مضارع في موضع الحال ، أي لا تعد عيناك مريداً ، كقول امرئ القيس :
فقلت له لاتبك عينك إنما تحاول ملكا أو تموت فنعذراً
وزعم بعضهم أن حق الكلام : لا تعد عينيك عنهم ، لأ، ( تعد ) متعد بنفسه . قيل له : والذي وردت به التلاوة من رفع العينين يؤول إلى معنى لا تنصرف عيناك عنهم لا تنصرف عيناك عنهم لا تصرف عينيك عنهم ، فالفعل مسند إلى العينين وهو في الحقيقة موجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما قال تعالى : " فلا تعجبك أموالهم " [التوبة : 55] فأسند الإعجاب إلى الأموال ، والمعنى : لا تعجبك يامحمد أموالهم . ويزيدك وضوحاً قول الزجاج : إن المعنى لا تصرف بصرك عنهم إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة .
قوله تعالى : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " روى جويبر عن الضحاك عن ابن عابس في قوله تعالى : " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " قال : نزلت في أمية بن خلف الجمحي ، وذلك أنه دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمر كرهه من تجرد الفقراء عنه وتقريب صناديد أهل مكة ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تطعه من أغفلنا قلبه عن ذكرنا ) يعني من ختمنا على قلبه عن التوحيد . " واتبع هواه " يعني الشرك . " وكان أمره فرطا " قيل هو من التفريط الذي هوالتقصير وتقديم العجز بترك الإيمان . وقيل : من الإفراط ومجوزة الحد ، وكان القوم قالوا : نحن أشراف مضر إن أسلمنا أسلم الناس ، وكان هذا من التكبر والإفراط في القول . وقيل : ( فرطاً ) أي قدماً في الشر ، من قولهم : فرط منه أمر أي سبق . وقيل : معنى (أغفلنا قلبه ) وجدناه غافلاً ، كما تقول : لقيت فلاناً فأحمدته ، أي وجدته محموداً . وقال عمرر بن معد يكرب لبني الحارث بن كعب : والله لقد سألناكم فما أبخلناكم فما أبخلناكم وقاتلناكم فما أجبناكم ، وهاجيناكم فما أفحمانكم ، أي ما وجدناكم بخلاء ولا جبناء ولا مفحمين . وقيل : نزلت " ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " في عيينة بن حصن الفزاري ، ذكره عبد الرازق ، وحكاه النحاس عن سفيان الثوري . والله أعلم .
يقول تعالى آمراً رسوله صلى الله عليه وسلم بتلاوة كتابه العزيز وإبلاغه إلى الناس "لا مبدل لكلماته" أي لا مغير لها ولا محرف ولا مزيل. وقوله: "ولن تجد من دونه ملتحداً" عن مجاهد ملتحداً قال: ملجأ. وعن قتادة : ولياً ولا مولى. قال ابن جرير : يقول إن أنت يا محمد لم تتل ما أوحي إليك من كتاب ربك, فإنه لا ملجأ لك من الله, كما قال تعالى: "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" وقال: "إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد" أي سائلك عما فرض عليك من إبلاغ الرسالة.
وقوله: "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" أي اجلس مع الذين يذكرون الله ويهللونه ويحمدونه ويسبحونه ويكبرونه ويسألونه بكرة وعشياً, من عباد الله سواء كانوا فقراء أو أغنياء, أو أقوياء أو ضعفاء,يقال: إنها نزلت في أشراف قريش حين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجلس معهم, وحده, ولا يجالسهم بضعفاء أصحابه, كبلال وعمار وصهيب وخباب وابن مسعود , وليفرد أولئك بمجلس على حدة, فنهاه الله عن ذلك فقال: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, وأمره أن يصبر نفسه في الجلوس مع هؤلاء, فقال "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, وقال مسلم في صحيحه : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل عن المقدام بن شريح عن أبيه عن سعد هو ابن أبي وقاص قال: " كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ستة نفر فقال المشركون للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء لا يجترؤون علينا قال: وكنت أنا وابن مسعود ورجل من هذيل وبلال, ورجلان نسيت اسميهما, فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يشاء الله أن يقع, فحدث نفسه, فأنزل الله عز وجل "ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه" " انفرد بإخراجه مسلم دون البخاري .
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن أبي التياح قال: سمعت أبا الجعد يحدث عن أبي أمامة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على قاص يقص فأمسك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قص, فلأن أقعد غدوة إلى أن تشرق الشمس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا هاشم : حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال: سمعت كردوس بن قيس , وكان قاص العامة بالكوفة, يقول: أخبرني رجل من أصحاب بدر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن أقعد في مثل هذا المجلس أحب إلي من أن أعتق أربع رقاب" قال شعبة : فقلت أي مجلس ؟ قال: كان قاصاً.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا محمد , حدثنا يزيد بن أبان عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأن أجالس قوماً يذكرون الله من صلاة الغداة إلى طلوع الشمس أحب إلي مما طلعت عليه الشمس, ولأن أذكر الله من صلاة العصر إلى غروب الشمس أحب إلي من أن أعتق ثمانية من ولد إسماعيل, دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً" فحسبنا دياتهم ونحن في مجلس أنس , فبلغت ستة وتسعين ألفاً وههنا من يقول أربعة من ولد إسماعيل, والله ما قال إلا ثمانية, دية كل واحد منهم اثنا عشر ألفاً.
وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن إسحاق الأهوازي , حدثنا أبو أحمد الزبيري , حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر , عن الأغر أبي مسلم وهو الكوفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر برجل يقرأ سورة الكهف, فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم سكت, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم", هكذا رواه أبو أحمد عن عمرو بن ثابت , عن علي بن الأقمر , عن الأغر مرسلاً. وحدثنا يحيى بن المعلى عن المنصور , حدثنا محمد بن الصلت , حدثنا عمرو بن ثابت عن علي بن الأقمر , عن الأغر أبي مسلم , عن أبي هريرة وأبي سعيد , قالا: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يقرأ سورة الحج, أو سورة الكهف, فسكت, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا المجلس الذي أمرت أن أصبر نفسي معهم".
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن بكر , حدثنا ميمون المرئي , حدثنا ميمون بن سياه عن أنس بن مالك رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من قوم اجتمعوا يذكرون الله لا يريدون بذلك إلا وجهه, إلا ناداهم مناد من السماء: أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات" تفرد به أحمد رحمه الله. وقال الطبراني : حدثنا إسماعيل بن الحسن , حدثنا أحمد بن صالح , حدثنا ابن وهب عن أسامة بن زيد , عن أبي حازم , عن عبد الرحمن بن سهل بن حنيف قال: نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بعض أبياته "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي" الاية, فخرج يتلمسهم, فوجد قوماً يذكرون الله تعالى, منهم ثائر الرأس وجاف الجلد وذو الثوب الواحد, فلما رآهم جلس معهم وقال: "الحمد الله الذي جعل في أمتي من أمرني الله أن أصبر نفسي معهم" عبد الرحمن هذا, ذكره أبو بكر ابن أبي داود في الصحابة. وأما أبوه فمن سادات الصحابة رضي الله عنهم.
وقوله "ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا" قال ابن عباس : ولا تجاوزهم إلى غيرهم, يعني تطلب بدلهم أصحاب الشرف والثروة, "ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" أي شغل عن الدين وعبادة ربه بالدنيا, "وكان أمره فرطاً" أي أعماله وأفعاله سفه وتفريط وضياع, ولا تكن مطيعاً ولا محباً لطريقته, ولا تغبطه بما هو فيه, كما قال: " ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى ".
ثم شرح سبحانه في نوع آخر كما هو دأب الكتاب العزيز فقال: 28- "واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم" قد تقدم في الأنعام نهيه صلى الله عليه وسلم عن طرد فقراء المؤمنين بقوله: "ولا تطرد الذين يدعون ربهم" وأمره سبحانه ههنا بأن يحبس نفسه معهم، فصبر النفس هو حبسها، وذكر الغداة والعشي كناية عن الاستمرار على الدعاء في جميع الأوقات. وقيل في طرفي النهار، وقيل المراد صلاة العصر والفجر. وقرأ نصر بن عاصم ومالك بن دينار وأبو عبد الرحمن وابن عامر بالغدوة بالواو، واحتجوا بأنها في المصحف كذلك مكتوبة بالواو. قال النحاس: وهذا لا يلزم لكتبهم الحياة والصلاة بالواو، ولا تكاد العرب تقول الغدوة، ومعنى "يريدون وجهه" أنهم يريدون بدعائهم رضى الله سبحانه، والجملة في محل نصب على الحال، ثم أمره سبحانه بالمراقبة لأحوالهم فقال: "ولا تعد عيناك عنهم" أي لا تتجاوز عيناك إلى غيرهم. قال الفراء: معناه لا تصرف عيناك عنهم، وقال الزجاج: لا تصرف بصرك إلى غيرهم من ذوي الهيئات والزينة، واستعماله بعن لتضمنه معنى النبو، من عدوته عن الأمر: أي صرفته منه، وقيل معناه لا تحتقرهم عيناك "تريد زينة الحياة الدنيا" أي مجالسة أهل الشرف والغنى، والجملة في محل نصب على الحال: أي حال كونك مريداً لذلك، هذا إذا كان فاعل تريد هو النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان الفاعل ضميراً يعود إلى العينين، فالتقدير: مريدة زينة الحياة الدنيا، وإسناد الإرادة إلى العينين مجاز، وتوحيد الضمير للتلازم كقول الشاعر:
لمن زحلوقة زل بها العينان تنهل
"ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا" أي جعلناه غافلاً بالختم عليه، نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن طاعة من جعل الله قلبه غافلاً عن ذكره كأولئك الذين طلبوا منه أن ينحي الفقراء عن مجلسه، فإنهم طالبوا تنحية الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه وهم غافلون عن ذكر الله، ومع هذا فهم ممن اتبع هواه وآثره على الحق فاختار الشرك على التوحيد "وكان أمره فرطاً" أي متجاوزاً عن حد الاعتدال، من قولهم: فرس فرط إذا كان متقدماً للخيل فهو على هذا من الإفراط وقيل هو من التفريط، وهو التقصير والتضييع. قال الزجاج: ومن قدم العجز في أمره أضاعه وأهلكه.
28 - قوله عز وجل : " واصبر نفسك " الآية ، نزلت في عيينة بن حصن الفزاري أتى النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم ، وعنده جماعة من الفقراء ، فيهم سلمان وعليه شملة قد عرق فيها، وبيده خوصة يشقها ثم ينسجها، فقال عيينة للنبي صلى الله عليه وسلم :أما يؤذيك ريح هؤلاء ونحن سادات مضر وأشرافها ، فإن أسلمنا أسلم الناس ، وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء فنحهم عنك حتى نتبعك ، أو اجعل لنا مجلساً ولهم مجلساً ، فأنزل الله عز وجل :" واصبر نفسك " ، أي : احبس يا محمد نفسك " مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي " ، طرفي النهار ، " يريدون وجهه " ، أي :يريدون الله ،لا يريدون به عرضاً من الدنيا .
قال قتادة نزلت في أصحاب الصفة ، وكانوا سبعمائة رجل فقراء في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا يرجعون إلى تجارة ولا إلى زرع ولا ضرع ، يصلون صلاة وينتظرون أخرى ، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معهم " .
" ولا تعد " أي : لا تصرف ولا تتجاوز، " عيناك عنهم " ، إلى غيرهم ،" تريد زينة الحياة الدنيا " ، أي : طلب مجالسة الأغنياء والأشراف وصحبة أهل الدنيا .
" ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا " ، أي : جعلنا قلبه غافلاً عن ذكرنا ، يعني : عيينة ابن حصن . وقيل : أمية بن خلف ، " واتبع هواه " ، أي مراده في طلب الشهوات ، " وكان أمره فرطاً " ، قال قتادة و مجاهد : ضياعاً . وقيل : معناه ضيع عمره وعطل أيامه . وقيل : ندماً . وقال مقاتل بن حيان : سرفاً . وقال الفراء : متروكاً . وقيل باطلاً . وقيل : مخالفاً للحق . وقال الأخفش : مجاوزاً للحد . قيل : معنى التجاوز في الحد ،هو قول عيينة : إن أسلمنا أسلم الناس ، وهذا إفراط عظيم .
28."واصبر نفسك"واحبسها وثبتها."مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي "في مجامع أوقاتهم ، أو في طرفي النهار.وقرأابن عامربالغدوة وفيه أن غدوة علم في الأكثر فتكون اللام فيه على تأويل التنكير ."يريدون وجهه"رضا الله وطاعته . "ولا تعد عيناك عنهم"ولا يجاوزهم نظرك إلى غيرهم ، وتعديته بعن لتضمينه معنى نبأ.وقرئ ولا تعد عينيك"ولا تعد"من أعداه وعداه . والمراد نهي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزدري بفقراء المؤمنين وتعلو عينه عن رثاثة زيهم طموحاً إلى طراوة زي الأغنياء " تريد زينة الحياة الدنيا "حال من الكاف في المشهورة ومن المستكن في الفعل في غيرها ."ولا تطع من أغفلنا قلبه "من جعلنا قلبه غافلاً."عن ذكرنا"كأمية بن خلف في دعائك إلى طرد الفقراء عن مجلسك لصناديد قريش .وفيه تنبيه على أن الداعي له إلى هذا الاستدعاء غفلة قلبه عن المعقولات وانهماكه في المحسوسات ، حتى خفي عليه أن الشرف بحلية النفس لا بزينة الجسد، وأنه لو أطاعه كان مثله في الغباوة المعتزلة لما غاظهم إسناد الإغفال إلى الله تعالى قالوا: إنه مثل أجبنته إذا وجدته كذلك أو نسبته إليه ، أو من أغفل إبله إذا تركها بغير سمة أي لم نسمه بذكرنا كقلوب الذين كتبنا في قلوبهم الإيمان ، واحتجوا على أن المراد ليس ظاهر ما ذكر أولاً بقوله:"واتبع هواه " وجوابه ما مر غير مرة . وقرئ"أغفلنا"بإسناد الفعل إلى القلب على معنى حسبنا قلبه غافلين عن ذكرنا إياه بالمؤاخذة . "وكان أمره فرطاً"أي تقدماً على الحق ونبذاً له وراء ظهره يقال: فرس فرط أي متقدم للخيل ومنه الفرط.
28. Restrain thyself along with those who cry unto their Lord at morn and evening, seeking His countenance; and let not thine eyes overlook them, desiring the pomp of the life of the world; and obey not him whose heart We have made heedless of Our remembrance, who followeth his own lust and whose case hath been abandoned.
28 - And keep thy Lord soul content with those who call on their Lord morning and evening, seeking his face; and let not thine eyes pass beyond them, seeking the pomp and glitter of this life; nor obey and whose heart we have permitted to neglect the remembrance of us, one who follows his own desires, whose case has gone beyond all bounds.