[الكهف : 23] وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا
ولا تقولن لشيء) أي لأجل شيء (إني فاعل ذلك غدا) أي فيما يستقبل من الزمان
وأخرجه ابن جرير عن الضحاك وأخرجه ابن مردويه أيضا عن أبن عباس قال حلف النبي صلى الله عليه وسلم على يمين فمضى له أربعون ليلة فأنزل الله ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله
وهذا تاديب من الله عز ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم عهد إليه أن لا يجزم على ما يحدث من الأمور أنه كائن لا محالة، إلا أن يصله بمشيئة الله ، لأنه لا يكون شيء إلا بمشيئة الله .
وإنما قيل له ذلك فيما بلغنا من أجل أنه وعد سائليه عن المسائل الثلاث اللواتي قد ذكرناها فيما مضى ، اللواتي إحداهن المسئلة عن أمر الفتية من أصحاب الكهف أن يجيبهم عنهن غد يومهم ، ولم يستثن ، فاحتبس الوحي عنه فيما قيل من أجل ذلك خمس عشرة، حتى حزنه إبطاؤه ، ثم أنزل الله عليه الجواب عنهن ، وعرف نبيه سبب احتباس الوحي عنه ، وعلمه ما الذي ينبغي أن يستعمل في عداته وخبره عما يحدث من الأمور التي لم ياته من الله بها تنزيل ، فقال : " ولا تقولن" يا محمد " لشيء إني فاعل ذلك غدا" كما قلت لهؤلاء الذين سالوك عن أمر أصحاب الكهف ، والمسائل التي سالوك عنها، ساخبركم عنها غدا " إلا أن يشاء الله " . ومعنى الكلام : إلا أن تقول معه : إن شاء الله ، فترك ذكر تقول اكتفاء بما ذكر منه ، إذ كان في الكلام دلالة عليه . وكان بعض أهل العربية يقول : جائز أن يكون معنى قوله : " إلا أن يشاء الله" استثناء من القول ، لا من الفعل كان معناه عنده : لا تقولن قولا إلا أن يشاء الله ذلك القول ، وهذا وجه بعيد من المفهوم بالظاهر من التنزيل مع خلافه تاويل أهل التأويل .
قوله تعالى : " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا " .
هذا إرشاد من الله تعالى لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الأدب فيما إذا عزم على شيء ليفعله في المستقبل أن يرد ذلك إلى مشيئة الله عز وجل, علام الغيوب الذي يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون, كما ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "قال سليمان بن داود عليهما السلام: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة ـ وفي رواية: تسعين امرأة, وفي رواية: مائة امرأة ـ تلد كل امرأة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله, فقيل له ـ وفي رواية قال له الملك: قل إن شاء الله, فلم يقل, فطاف بهم فلم يلد منهن إلا امرأة واحدة نصف إنسان, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ والذي نفسي بيده, لو قال إن شاء الله لم يحنث, وكان دركاً لحاجته" وفي رواية "ولقاتلوا في سبيل الله فرساناً أجمعين" وقد تقدم في أول السورة ذكر سبب نزول هذه الاية في قول النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن قصة أصحاب الكهف" غداً أجيبكم" فتأخر الوحي خمسة عشر يوماً, وقد ذكرناه بطوله في أول السورة, فأغنى عن إعادته.
وقوله: "واذكر ربك إذا نسيت" قيل معناه إذا نسيت الاستثناء, عند ذكرك له, قاله أبو العالية والحسن البصري , وقال هشيم عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في الرجل يحلف قال: له أن يستثني ولو إلى سنة, وكان يقول: "واذكر ربك إذا نسيت" ذلك, قيل للأعمش : سمعته عن مجاهد ؟ فقال: حدثني به ليث بن أبي سليم يرى ذهب كسائي هذا, ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية عن الأعمش به. ومعنى قول ابن عباس أنه يستثني ولو بعد سنة, أي إذا نسي أن يقول في حلفه أو في كلامه إن شاء لله وذكر ولو بعد سنة, فالسنة له أن يقول ذلك, ليكون آتياً بسنة الاستثناء حتى ولو كان بعد الحنث, قاله ابن جرير رحمه الله, ونص على ذلك لا أن يكون رافعاً لحنث اليمين ومسقطاً للكفارة, وهذا الذي قاله ابن جرير رحمه الله هو الصحيح, وهو الأليق بحمل كلام ابن عباس عليه, والله أعلم .
وقال عكرمة "واذكر ربك إذا نسيت" إذا غضبت وهذا تفسير باللازم. وقال الطبراني : حدثنا محمد بن الحارث الجبلي , حدثنا صفوان بن صالح , حدثنا الوليد بن مسلم عن عبد العزيز بن حصين , عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس في قوله " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت " أن تقول إن شاء الله, وروى الطبراني أيضاً عن ابن عباس في قوله: "واذكر ربك إذا نسيت" الاستثناء فاستثن إذا ذكرت, وقال: هي خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم وليس لأحد منا أن يستثني إلا في صلة من يمينه, ثم قال: انفرد به الوليد عن عبد العزيز بن الحصين , ويحتمل في الاية وجه آخر وهو أن يكون الله تعالى قد أرشد من نسي الشيء في كلامه إلى ذكر الله تعالى, لأن النسيان منشؤه الشيطان, كما قال فتى موسى: "وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره" وذكر الله تعالى يطرد الشيطان فإذا ذهب الشيطان ذهب النسيان, فذكر الله تعالى سبب للذكر, ولهذا قال: "واذكر ربك إذا نسيت" وقوله: "وقل عسى أن يهدين ربي لأقرب من هذا رشداً" أي إذا سئلت عن شيء لا تعلمه, فاسأل الله تعالى فيه, وتوجه إليه في أن يوفقك للصواب والرشد في ذلك, وقيل في تفسيره غير ذلك, والله أعلم.
23- "ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً" أي لأجل شيء تعزم عليه فيما يستقبل من الزمان، فعبر عنه بالغد، ولم يرد الغد بعينه، فيدخل فيه الغد دخولاً أولياً.
23 - " ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غداً " ، يعني : إذا عزمت على أن تفعل غداً شيئاً فلا تقل : أفعل غداً ، حتى تقول إن شاء الله ، وذلك أن أهل مكة سألوه عن الروح وعن أصحاب الكهف وعن ذي القرنين ، فقال : أخبركم غداً ، ولم يقل إن شاء الله ، فلبث الوحي أياماً ثم نزلت هذه الآية .
23." ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا * إلا أن يشاء الله "نهي تأديب من الله تعالى لنبيه حين قالت اليهود لقريش: سلوه عن الروح وأصحاب الكهف وذي القرنين ،فسألوه فقال: ائتوني غداً أخبركم ولم يستثن فأبطأ عليه الوحي بضعة عشر نوما حتى شق عليه وكذبه قريش.والاستثناء من النهي أي ولا تقولن لأجل شيء تعزم عليه إني فاعله فيما يستقبل إلا بـ"أن يشاء الله"، أي إلا ملتبساً بمشيئته قائلاً إن شاء الله أو إلا وقت أن يشاء الله أن تقوله بمعنى أن يأذن لك فيه ، ولا يجوز تعليقه بفاعل لأن استثناء اقتران المشيئة بالفعل غير سديد واستثناء اعتراضها دونه لا يناسب النهي .
23. And say not of anything: Lo! I shall do that tomorrow,
23 - Nor say of anything, I shall be sure to do so and so to morrow