[الكهف : 21] وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِم بُنْيَانًا رَّبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِم مَّسْجِدًا
21 - (وكذلك) كما بعثناهم (أعثرنا) أطلعنا (عليهم) قومهم والمؤمنين (ليعلموا) أي قومهم (أن وعد الله) بالبعث (حق) بطريق أن القادر على إنامتهم المدة الطويلة وإبقائهم على حالهم بلا غذاء قادر على إحياء الموتى (وأن الساعة لا ريب) لا شك (فيها إذ) معمول لأعثرنا (يتنازعون) أي المؤمنين والكفار (بينهم أمرهم) أمر الفتية في البناء حولهم (فقالوا) أي الكفار (ابنوا عليهم) أي حولهم (بنيانا) يسترهم (ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم) أمر الفتية وهم المؤمنون (لنتخذن عليهم) حولهم (مسجدا) يصلى فيه وفعل ذلك على باب الكهف
يقول تعالى ذكره : وكما بعثناهم بعد طول رقدتهم كهيئتهم ساعة رقدوا ، ليتساءلوا بينهم ، فيزدادوا بعظيم سلطان الله بصيرة، وبحسن دفاع الله عن أوليائه معرفة " كذلك أعثرنا عليهم " يقول : كذلك أطلعنا عليهم الفريق الاخر الذين كانوا في شك من قدرة الله على إحياء الموتى، وفي مرية من إنشاء أجسام خلقه ، كهيئتهم يوم قبضهم بعد البلى، فيعلموا أن وعد الله حق ، ويوقنوا أن الساعة اتية لا ريب فيها . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وكذلك أعثرنا عليهم " يقول : أطلعنا عليهم ليعلم من كذب بهذا الحديث ، أن وعد الله حق ، وأن الساعة لا ريب فيها .
وقوله " إذ يتنازعون بينهم أمرهم " يعني : الذين أعثروا على الفتية يقول تعالى : وكذلك أعثرنا هؤلاء المختلفين في قيام الساعة ، وإحياء الله الموتى بعد مماتهم من قوم تيذوسيس ، حين يتنازعون بينهم أمرهم فيما الله فاعل بمن أفناه من عباده ، فابلاه في قبره بعد مماته ، أمنشئهم هو أم غير منشئهم . وقوله " فقالوا ابنوا عليهم بنيانا " يقول : فقال الذين أعثرناهم على أصحاب الكهف : ابنوا عليهم بنيانا " ربهم أعلم بهم " يقول : رب الفتية أعلم بالفتية وشانهم . وقوله " قال الذين غلبوا على أمرهم " يقول جل ثناؤه : قال القوم الذين غلبوا على أمر أصحاب الكهف " لنتخذن عليهم مسجدا " . وقد اختلف في قائلي هذه المقالة، أهم الرهط المسلمون ، أم هم الكفار؟ وقد ذكرنا بعض ذلك فيما مضى، وسنذكر إن شاء الله ما لم يمض منه .
حدثنى محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا " قال : يعني عدوهم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا سلمة ، عن عبد العزيز بن أبي رواد ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : عمى الله على الذين أعثرهم على أصحاب الكهف مكانهم ، فلم يهتدوا، فقال المشركون : نبني عليهم بنيانا، فإنهم أبناء آبائنا، ونعبد الله فيها، وقال المسلمون : بل نحن أحق بهم ، هم منا ، نبني عليهم مسجدا نصلي فيه ، ونعبد الله فيه .
قوله تعالى : " وكذلك أعثرنا عليهم " أي أطلعنا عليهم وأظهرناهم . و(أعثر ) تعدية عثر بالهمزة ، وأصل العثار في القدم . " ليعلموا أن وعد الله حق " يعني الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم . وذلك أن دقيانوس مات ومضت قرون وملك أهل تلك الدار رجل صالح ، فاختلف أهل البلده في الحشر وبعث الأجساد من
القبور ، فشلت في ذلك بعض الناس واسبعدوه وقالوا : إنما تجشر الأرواح والجسد تأكله الأرض . وقال بعضهم : تبعث الروح والجسد جميعاً ، فكبر ذلك على الملك وبقي حيران لا يدري كيف يتبين أمره لهم ، حتى لبس المسوح وقعد على الرماد وتضرع إلى الله تعالى في حجة وبيان ، فأعثر الله على أهل الكهف ، فيقال : إنهم لما بعثوا أحدهم بورقهم إلى الدينة ليأتيهم برزق منها استنكر شخصه واستنكرت دراهمه لبعد العهد ، فحمل إلى الملك وكان صالحاً قد آمن وآمن من معه ،فلما نظر إليه قال : لعل هذا من الفتية الذين خرجوا على عهد دقيانوس الملك ، ، فقد كنت أدعو الله أن يرينيهم ، وسأل الفتى فأخبره ، فسر الملك بذلك وقال : لعل الله قد بعث لكم آية ، فلنسر إلى الكهف معه ، فركب مع أهل المدينة إليهم ، فلما دنوا إلى الكهف قال تمليخا : أنا أدخل عليهم لئلا يرعبوا فدخل عليهم فأعلمهم الأمر وأن الأمة أمة إسلام ، فروي أنهم سروا بذلك وخرجوا إلى الملك وغظموه وعظمهم ثم رجعوا إلى كهفهم . وأكثر الروايات على أنهم ماتوا حين حدثهم تمليخا ميتة الحق ، على ما يأتي . ورجع من كان شك في بعث الأجساد إلى اليقين . فهذا معنى ( أعثرنا عليهم ) (ليعلموا أن وعد الله حق ) أي ليعلم الملك ورعيته أن القيامة حق والبعث حق ( إذا يتنازعون بينهم أمرهم ) .وإنما استدلوا بذلك الواحد على خبرهم وهابوا الدخول عليهم فقال الملك : ابنوا عليهم بنيانا ، فقال الذين هم على دين الفتية: اتخذوا عليهم مسجداً . وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم وتركهم فيه مغيبين . وروي عن عبد الله بن عمر أن الله تعالى أعمى على الناس حينئذ أثرهم وحجبهم عنهم ، فذلك دعا إلى ابناء البنيان لكون معلماً لهم . وقيل : إن الملك أراد أن يدفهم في صندوق من ذهب فأتاه آت منهم في المنام فقال : أردت أن تجعلنا في صندوق من ذهب فلا تفعل، فإنا من التراب خلقنا وإليه نعود ، فدعنا . وتنشأ هنا مسائل ممنوعة وجائزة ، فاتخاذ المساجد على القبور والصلاة فيها والبناء عليها ، وإلى غير ذلك ممما تضمنته السنة من النهي عنه ممنوع لا يجوز ، لما روي أبو داود و الترمذي عن ابن عباس قال : لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج . قال الترمذي : وفي الباب عن أبي هريرة وعائشة حديث ابن عباس حديث حسن .
وروى الصحيحان عن عائشة : أن أم حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله تعالى يوم القيامة " لفظ مسلم قال علماؤنا : وهذا يحرم على المسلمين أنيتخذوا قبور الأنبياء والعلماء مساجد .ورى الأئمة عن أبي مرثد الغنوي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تصلوا إلى القبرو ولا تجلسوا عليها " لفظ مسلم . أي لا تتخذوها قبلة فتصلوا عليها أو إليها كما فعل اليهود والنصارى ، فيؤدي إلى عبادة من فيها كما كان السبب في عبادة الأصنام . فخذر النبي صلى الله عليه وسلم عن مثل ذلك ، وسد الذرائع المؤية إلى ذلك فقال : ( اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبرو أنبيائهم وصالحيهم مساجد ) وروى الصحيحان عن عائشة وعبد الله بن عباس قالا :
لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا . وروى مسلم عن جابر قال : " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " . وخرجه أبو داود و الترمذي أيضاً عن جابر قال : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح عن أبي الهياج الأسدي قال : قال لي علي بن أبي طالب : ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم : الآ تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبراً مشرفاً إلا سويته _ في رواية _ ولا صورة إ لا طمستها وأخرجه أو داود و الترمذي . قال علماؤنا : ظاهرة منع تسنيم القبرو ورفعها وأن تكون لاطئة . وقد قال به بعض أهل العلم . وذهب الجمهور إلى أن هذا الاربفاع المرأمور بإزالته هو مازاد على التسيم ، ويبقى للقبر ما يعرف به ويحترم ، وذلك صفة قبر نبينا مححمد صلى الله عليه وسلم وقبر صاحبيه رضي الله عنهما _ على ذكر مالك في الموطأ _ وقبر أبينا آدم صلى الله عليه وسلم ، على ما رواه الدارقطني من حديث ابن عباس . وأما تعلية البناء الكثيبر زينة الدنيا في أول منازل الآخرة ، وتشبهاً بمن كان يعظم القبور ويعبدها . وباعتبار هذه المعاني وظاهر النهي ينبغي أن يقال : هو حرام . والتسنيم في القبر : ارتفاعه قدر شبر ، مأخوذ من سنام البعير . ويرش عليه بالماء لئلا ينتشر بالريح . وقال الشافعي لا بأس أن يطين القبر . وقال أبو حنيفة : لا يجصص القبر ولا يطين ولا يرفع عليه بناء فيسقط . ولا بأس برضع الأحجار لتكون علامة ، لما رواه أبو بكر الأثرم قال : حدثنا مسدد حدثنا نوح بن دراج عن أبان بن تغلب عن جعفر بن محمد قال : كانت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم تزور قبر حمزة بن عبد المطلب كل جمعة وعلمته بصخرة ، ذكره أبوعمر .وأما الجائزة : فالدفن في التابوت ، وهو جائز لا سيما في الأرض الرخوة . وروي أن دانيال صلوات الله عليه كان في تابوت من حجر ، وأن يوسف عليه السلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج ويلقي في ركية مخافة أن يعبد ، وبقي كذلك إلى زمان موسى صلوات الله عليهم أجمعين ، فدلته عليه عجوز فرفعه ووضعه في حظيرة إسحاق عليه السلام . وفي صحيح عن سعيد بن أبي وقاص : أنه قال في مرضه الذي هلك فيه : اتخذوا لي لحداً وانصبوا علي اللبن نصباً ، كما صنع برسول الله صلى الله عليه وسلم . اللحد : هو أن يشق في الأرض ثم يحفر قبر آخر في جانب الشق من جانب القبلة إن كانت الأرض صلبة يدخل فيه الميت ويسد عليه باللبن . وهو أفضل عندنا من الشق ،لأنه الذي اختاره الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم . وبه قال أبو حنيفة قال : السنة اللحد . وقال الشافعي : الشق . ويكره الآجر في اللحد . وقال الشافعي : لا بأس به لأنه نوع من الحجر . وكرهه ابو حنيفة وأصحابه ، لأن الآجر لإحكام البناء ، والقبر وما في للبلى ، فلا يليق به بالإحكام . وعلى هذا يسوى بين الحجر والآجر . وقيل : إن الآجر أثر النار فيكره تفاؤلاً ، فعلى هذا يفرق بين الحجر والآجر . قالوا : ويستحب اللبن والقصب لما روي أنه وضع على قبر النبي صلى الله عليه وسلم حزمة من قصب وحكي عن الشيخ الإمام أبي بكر محمد بن الفضل الحنفي رحمه الله أنه جوز اتخاذ التابوت في بلا دهم لرخاوة الأرض . وقال : لو اتخذ تابوت من حديد فلا بأس به ، لكن بنبغي أن يفرش فيه التراب وتطين الطبقة العليا مما يلى الميت ، ويجعل اللبن الخفيف على يمين الميت ويساره ليصير بمنزلة اللحد قلت : ومن هذا المعنى جعل القطيفة في قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن المدينة سبخة ، قال شقران : أنا والله رحت القطيفة تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم في القبر : قال أبو عيسى الترمذي : حديث شقران حديث حين غريب .
يقول تعالى: "وكذلك أعثرنا عليهم" أي أطلعنا عليهم الناس "ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها" ذكر غير واحد من السلف أنه كان قد حصل لأهل ذلك الزمان شك في البعث وفي أمر القيامة. وقال عكرمة : كان منهم طائفة قد قالوا تبعث الأجساد, فبعث الله أهل الكهف حجة ودلالة وآية على ذلك, وذكروا أنه لما أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة في شراء لهم ليأكلوه, تنكر وخرج يمشي في غير الجادة حتى انتهى إلى المدينة, وذكروا أن اسمها دقسوس, وهو يظن أنه قريب العهد بها, وكان الناس قد تبدلوا قرناً بعد قرن وجيلاً بعد جيل وأمة بعد أمة, وتغيرت البلاد ومن عليها, كما قال الشاعر:
أما الديار فإنها كديارهم وأرى رجال الحي غير رجاله
فجعل لا يرى شيئاً من معالم البلد التي يعرفها, ولا يعرف أحداً من أهلها: لا خواصها ولا عوامها, فجعل يتحير في نفسه ويقول: لعل بي جنوناً أو مساً أو أنا حالم, ويقول: والله ما بي شيء من ذلك, وإن عهدي بهذه البلدة عشية أمس على غير هذه الصفة. ثم قال: إن تعجيل الخروج من ههنا لأولى لي, ثم عمد إلى رجل ممن يبيع الطعام, فدفع إليه ما معه من النفقة, وسأله أن يبيعه بها طعاماً, فلما رآها ذلك الرجل أنكرها وأنكر ضربها, فدفعها إلى جاره, وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون: لعل هذا وجد كنزاً, فسألوه عن أمره ومن أين له هذه النفقة, لعله وجدها من كنز وممن أنت ؟ فجعل يقول: أنا من أهل هذه البلدة, وعهدي بها عشية أمس وفيها دقيانوس, فنسبوه إلى الجنون, فحملوه إلى ولي أمرهم فسأله عن شأنه وخبره حتى أخبرهم بأمره, وهو متحير في حاله وما هو فيه, فلما أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف ـ ملك البلد وأهلها ـ حتى انتهى بهم إلى الكهف فقال لهم: دعوني حتى أتقدمكم في الدخول لأعلم أصحابي فدخل, فيقال إنهم لا يدرون كيف ذهب فيه, وأخفى الله عليهم خبرهم, ويقال بل دخلوا عليهم ورأوهم, وسلم عليهم الملك واعتنقهم, وكان مسلماً فيما قيل, واسمه تيدوسيس, ففرحوا به وآنسوه بالكلام, ثم ودعوه وسلموا عليه, وعادوا إلى مضاجعهم, وتوفاهم الله عز وجل, فالله أعلم.
قال قتادة : غزا ابن عباس مع حبيب بن مسلمة , فمروا بكهف في بلاد الروم, فرأوا فيه عظاماً فقال قائل: هذه عظام أهل الكهف, فقال ابن عباس : لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلثمائة سنة, ورواه ابن جرير , وقوله: "وكذلك أعثرنا عليهم" أي كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم, أطلعنا عليهم أهل ذلك الزمان "ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم" أي في أمر القيامة, فمن مثبت لها ومن منكر, فجعل الله ظهورهم على أصحاب الكهف حجة لهم وعليهم "فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم" أي سدوا عليهم باب كهفهم, وذروهم على حالهم "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً" حكى ابن جرير في القائلين ذلك قولين (أحدهما) أنهم المسلمون منهم. (والثاني) أهل الشرك منهم, فالله أعلم, والظاهر أن الذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنفوذ, ولكن هل هم محمودون أم لا ؟ فيه نظر, لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" يحذر ما فعلوا, وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه لما وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق, أمر أن يخفى عن الناس, وأن تدفن تلك الرقعة التي وجدوها عنده, فيها شيء من الملاحم وغيرها.
قوله: 21- "وكذلك أعثرنا عليهم" أي وكما أنمناهم وبعثناهم، أعثرنا عليهم: أي أطلعنا الناس عليهم وسمي الإعلام إعثاراً، لأن من كان غافلاً عن شيء فعثر به نظر إليه وعرفه، فكان الإعثار سبباً لحصول العلم "ليعلموا أن وعد الله حق" أي ليعلم الذين أعثرهم الله عليهم أن وعد الله بالبعث حق. قيل وكان ملك ذلك العصر ممن ينكر البعث، فأراه الله هذه الآية. قيل وسبب الإعثار عليهم أن ذلك الرجل الذي بعثوه بالورق، وكانت من ضربة دقيانوس إلى السوق، لما اطلع عليها أهل السوق اتهموه بأنه وجد كنزاً، فذهبوا به إلى الملك، فقال له: من أين وجدت هذه الدراهم؟ قال: بعت بها أمس شيئاً من التمر، فعرف الملك صدقه، ثم قص عليه القصة فركب الملك وركب أصحابه معه حتى وصلوا إلى الكهف "وأن الساعة لا ريب فيها" أي وليعلموا أن القيامة لا شك في حصولها، فإن من شاهد حال أهل الكهف علم صحة ما وعد الله به من البعث "إذ يتنازعون بينهم أمرهم" الظرف متعلق بأعثرنا: أي أعثرنا عليهم وقت التنازع والاختلاف بين أولئك الذين أعثرهم الله في أمر البعث، وقيل في أمر أصحاب الكهف في قدر مكثهم، وفي عددهم، وفيما يفعلونه بعد أن اطلعوا عليهم "فقالوا ابنوا عليهم بنياناً" لئلا يتطرق الناس إليهم، وذلك أن الملك وأصحابه لما وقفوا عليهم وهم أحياء أمات الله الفتية، فقال بعضهم: ابنوا عليهم بنياناً يسترهم عن أعين الناس، ثم قال سبحانه حاكياً لقول المتنازعين فيهم وفي عددهم، وفي مدة لبثهم، وفي نحو ذلكمما يتعلق بهم "ربهم أعلم بهم" من هؤلاء المتنازعين فيهم، قالوا ذلك تفويضاً للعلم إلى الله سبحانه، وقيل هو من كلام الله سبحانه، رداً لقول المتنازعين فيهم: أي دعوا ما أنتم فيه من التنازع، فإني أعلم بهم منكم، وقيل إن الظرف في "إذ يتنازعون" متعلق بمحذوف هو اذكر، ويؤيده أن الإعثار ليس في زمن التنازع بل قبله، ويمكن أن يقال: إن أولئك القوم ما زالوا متنازعين فيما بينهم قرناً بعد قرن، منذ أووا إلى الكهف إلى وقت الإعثار، ويؤيد ذلك أن خبرهم كان مكتوباً على باب الغار، كتبه بعض المعاصرين لهم من المؤمنين الذين كانوا يخفون إيمانهم كما قاله المفسرون "قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً" ذكر اتخاذ المسجد يشعر بأن هؤلاء الذين غلبوا على أمرهم هم المسلمون، وقيل هم أهل السلطان، والملك من القوم المذكورين فإنهم الذين يغلبون على أمر من عداهم، والأول أولى. قال الزجاج: هذا يدل على أنه لما ظهر أمرهم غلب المؤمنون بالبعث والنشور. لأن المساجد للمؤمنين.
21 - قوله عز وجل : " وكذلك أعثرنا " أي : أطلعنا ، " عليهم " ، يقال : عثرت على الشيء : إذا اطلعت عليه ، وأعثرت غيري ، أي : أطلعته ، " ليعلموا أن وعد الله حق " ، يعني قوم بيدروس الذين أنكروا البعث ، " وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم " ، قال ابن عباس : يتنازعون في البنيان، فقال: المسلمون : نبني عليهم مسجداً يصلي فيه الناس لأنهم على ديننا ، وقال المشركون : نبني عليهم بنياناً لأنهم من أهل نسبنا .
وقال عكرمة : تنازعوا في البعث ، فقال المسلمون : البعث للأجساد والأرواح معاً ، وقال قوم : للأرواح دون الأجساد ، فبعثهم الله تعالى وأراهم أن البعث للأجساد والأرواح .
وقيل : تنازعوا في مدة لبثهم . وقيل : في عددهم .
" فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم ، قال الذين غلبوا على أمرهم " ، بيدروس الملك وأصحابه ، " لنتخذن عليهم مسجداً " .
21."وكذلك أعثرنا عليهم "وكما أنمناهم وبعثناهم لتزداد بصيرتهم أطلعنا عليهم . "ليعلموا"ليعلم الذين أطلعناهم على حالهم."أن وعد الله "بالبعث أو الموعود الذي هو البعث."حق"لأن نومهم وانتباهم كحال من يموت ثم يبعث ."وأن الساعة لا ريب فيها"وأن القيامة لا ريب في إمكانها، فإن من توفى نفوسهم وأمسكها ثلاثمائة سنين حافظاً أبدانها عن التحلل والتفتت ، ثم أرسلها إليها قدر أن يتوفى نفوس جميع الناس ممسكاً إياها إلى أن يحشر أبدانهم فيردها عليها ."إذ يتنازعون "ظرف لـ"أعثرنا"أي أعثرنا عليهم حين يتنازعون . "بينهم أمرهم"أمر دينهم ،وكان بعضهم يقول تبعث الأرواح مجردة وبعضهم يقول يبعثان معاً ليرتفع الخلاف ويتبين أنهما يبعثان معاً ، أو أمر الفتية حنا أماتهم الله ثانياً بالموت فقال بعضهم ، ماتوا وقال آخرون ناموا نومهم أول مرة ، أو قالت طائفة نبني عليهم بنياناً يسكنه الناس ويتخذون قربة، وقال آخرون لنتخذن عليهم مسجداً يصلى فيه كما قال تعالى"فقالوا ابنوا عليهم بنياناً ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجداً" وقوله "ربهم أعلم بهم "اعتراض إما من الله رداً على الخائضين في أمرهم من أولئك المتنازعين أو من المتنازعين في زمانهم ، أو من المتنازعين فيهم على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، أو من المتنازعين للرد إلى الله بعد ما تذكروا أمرهم وتناقلوا الكلام في أنسابهم وأحوالهم فلم يتحقق لهم ذلك . حكي أن المبعوث لما دخل السوق وأخرج الدراهم وكان عليها اسم دقيانوس اتهموه بأنه وجد كنزاً فذهبوا به إلى الملك -وكان نصرانياً موحداً-فقص عليه القصص ، فقال بعضهم : إن آباءنا أخبرونا أن فتية فروا بدينهم من دقيانوس فلعلهم هؤلاء ، فانطلق الملك وأهل المدينة من مؤمن وكافر وأبصروهم وكلموهم ، ثم قالت الفتية للملك نستودعك الله ونعيذك به من شر الجن والإنس ثم رجعوا إلى مضاجعهم فماتوا فدفنهم الملك في الكهف وبنى عليهم مسجداً.وقيل لما انتهوا إلى الكهف قال لهم الفتى مكانكم حتى أدخل أولاً لئلا يفزعوا ، فدخل فعمي عليهم المدخل فبنوا ثم مسجداً.
21. And in like manner We disclosed them (to the people of the city) that they might know that the promise of Allah is true, and that, as for the Hour, there is no doubt concerning it. When (the people of the city) disputed of their case among themselves, they said: Build over them a building; their Lord knoweth best concerning them. Those who won their point said: We verity shall build a place of worship over them.
21 - Thus did we make their case known to the people, that they might know that the promise of God is true, and that there can be no doubt about the hour of judgment. behold, they dispute among themselves as to their affair. (some) said, construct a building over them: their Lord knows best about them: those who prevailed over their affair said, let us surely build a place of worship over them.