[الكهف : 17] وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَت تَّقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِّنْهُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا
وترى الشمس إذا طلعت تزاور) بالتشديد والتخفيف تميل (عن كهفهم ذات اليمين) ناحيته (وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال) تتركهم وتتجاوز عنهم فلا تصيبهم البتة (وهم في فجوة منه) متسع من الكهف ينالهم برد الريح ونسيمها (ذلك) المذكور (من آيات الله) دلائل قدرته (من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا)
يقول تعالى ذكره " وترى الشمس " يا محمد " إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين " يعني بقوله " تزاور" : تعدل وتميل ، من الزور: وهو العوج والميل ، يقال منه : في هذه الأرض زور: إذا كان فيها اعوجاج ، وفي فلان عن فلان ازورار، إذا كان فيه عنه إعراض ، ومنه قول بشر بن أبي خازم :
يؤم بها الحداة مياه نخل وفيها عن أبانين ازورار
يعني إعراضا وصدا .
وقد اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة ومكة والبصرة تزاور بتشديد الزاي ، بمعنى : تتزاور بتاءين ، ثم أدغم إحدى التاءين في الزاي ، كما قيل : تظاهرون عليهم . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين " تزاور" بتخفيف التاء والزاي ، كانه عني به تفاعل من الزور. وروى عن بعضهم " تزاور" بتخفيف التاء وتسكين الزاي وتشديد الراء مثل تحمر، وبعضهم : تزوار : مثل تحمار.
والصواب من القول في قراءة ذلك عندنا أن يقال : إنهما قراءتان ، أعني " تزاور" بتخفيف الزاي ، وتزاور بتشديدها معروفتان ، مستفيضة القراءة بكل واحدة منهما في قراء الأمصار، متقاربتا المعنى ، فبايتهما قرأ القارىء فمصيب الصواب . وأما القراءتان الأخريان فإنهما قراءتان لا أرى القراءة بهما، لان كان لهما في العربية وجه مفهوم ، لشذوذهما عما عليه قرأة الأمصار.
وبنحو الذي قلنا في تاويل قوله " تزاور عن كهفهم " قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين " قال : تميل .
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " تزاور عن كهفهم ذات اليمين " يقول : تميل عنهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " يقول : تميل عن كهفهم يمينا وشمالا .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين " يقول : تميل ذات اليمين ، تدعهم ذات اليمين .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " تزاور عن كهفهم ذات اليمين " قال : تميل عن كهفهم ذات اليمين .
حدثت عن يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن يعلى بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : لوأن الشمس تطلع عليهم لأحرقتهم ، ولوأنهم لا يقلبون لأكلتهم الأرض، قال : وذلك قوله " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال" .
حدثني محمد بن سنان القزاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قال : " تزاور عن كهفهم " تميل . وقوله " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال "
يقول تعالى ذكره : وإذا غربت الشمس تتركهم من ذات شمالهم . وإنما معنى الكلام : وترى الشمس إذا طلعت تعدل عن كهفهم ، فتطلع عليه من ذات اليمين ، لئلا تصيب الفتية، لأنها لو طلعت عليهم قبالهم لأحرقتهم وثيابهم ، أو أشحبتهم. وإذا غربت تتركهم بذات الشمال ، فلا تصيبهم ، يقال منه : قرضت موضع كذا : إذا قطعته فجاوزته . وكذلك كان يقول بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة . وأما الكوفيون فإنهم يزعمون أنه المحاذاة، وذكروا أنهم سمعوا من العرب قرضته قبلا ودبرا ، وحذوته ذات اليمين والشمال ، وقبلا ودبرا : أي كنت بحذائه قالوا : والقرض والحذو بمعنى واحد . وأصل القرض : القطع ، يقال منه : قرضت الثوب : إذا قطعته ، ومنه قيل للمقراض : مقراض ، لأنه يقطع ، ومنه قرض الفار الثوب ، ومنه قول ذي الرمة :
إلى ظعن يقرضن أجواز مشرف شمالا وعن أيمانهن الفوارس
يعني بقوله : يقرضن : يقطعن .
وبنحوما قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثني أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " يقول : تذرهم .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير ، قالا " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال "
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ؟ وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال: ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل " تقرضهم " قال : تتركهم .
حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال " يقول : تدعهم ذات الشمال .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، قوله : " تقرضهم ذات الشمال " قال : تدعهم ذات الشمال .
حدثنا ابن سنان القزاز ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : أخبرنا محمد بن مسلم بن أبي الوضاح عن سالم، عن سعيد بن جبير " وإذا غربت تقرضهم " قال : تتركهم . وقوله " وهم في فجوة منه " يقول : والفتية الذين أووا إليه في متسع منه ؟ يجمع : فجوات ، وفجاء ممدود ا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وهم في فجوة منه " يقول : في فضاء من الكهف ، قال الله " ذلك من آيات الله " .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا محمد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير " وهم في فجوة منه " قال : المكان الداخل .
حدثنا ابن بشار ، قال: ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد " وهم في فجوة منه " قال : المكان الذاهب .
حدثني ابن سنان ، قال : ثنا موسى بن إسماعيل ، قال : ثنا محمد بن مسلم أبو سعيد بن أبي الوضاح ، عن سالم الأفطس ، عن سعيد بن جبير " في فجوة منه " قال : في مكان داخل .
وقوله " ذلك من آيات الله " يقول عز ذكره : فعلنا هذا الذي فعلنا بهؤلاء الفتية الذين قصصنا عليكم أمرهم من تصييرناهم ، إذ أردنا أن نضرب على اذانهم بحيث تزاور الشمس عن مضاجعهم ذات اليمين إذا هي طلعت ، وتقرضهم ذات الشمال إذا هي غربت ، مع كونهم في المتسع من المكان ، بحيث لا تحرقهم الشمس فتشحبهم ، ولا تبلي على طول رقدتهم ثيابهم ، فتعفن على أجسادهم ، من حجج الله وأدلته على خلقه ، والأدلة التي يستدل بها أولو الألباب على عظيم قدرته وسلطانه ، وأنه لا يعجزه شيء أراده . وقوله " من يهد الله فهو المهتد" يقول عز ،جل : من يوفقه الله للاهتداء بآياته وحججه إلى الحق التي جعلها أدلة عليه ، فهو المهتدي . يقول : فهو الذي قد أصاب سبيل الحق " ومن يضلل " يقول : ومن أضله الله عن آياته وأدلته ، فلم يوفقه للاستدلال بها على سبيل الرشاد " فلن تجد له وليا مرشدا " يقول : فلن تجد له يا محمد خليلا وحليفا يرشده لإصابتها، لأن التوفيق والخذلان بيد الله ، يوفق من يشاء من عباده ، ويخذل من أراد. يقول : فلا يحزنك إدبار من أدبر عنك من قومك وتكذيبهم إياك ، فإني لو شئت هديتهم فآمنوا،وبيدي الهداية والضلال .
قوله تعالى : " وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين " أي ترى أيها المخاطب الشمس عند طلوعها تميل عن كهفهم . والمعنى : إنك لو رأيتهم لرأيتهم كذا ، لا أن المخاطب رآهم على التحقيق . و(تزاور ) تتنحى وتميل ، من الأزوار . والزور الميل . والأزور في العين المائل النظر إلى ناحية ، ويستعمل في غير العين ، كما قال ابن أبي ربيعة :
وجنبي خ0يفة القوم أزور
ومن اللفظة قول عنترة :
فازور من وقع القفا بلبانه
وفي حديث عزورة مؤتة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في سرير عبد الله بن رواحة أزوراراً عن سسرير جعفرر وزي
بن حارثة . وقرأ أهل الحرمين وأبو عمرو ( تزاور ) بإدغام التاء في الزاء ، والأصل (تتزاور ) ، وقرأ عاصم و حمزة و الكسائي (تزاور ) مخففة الزاء . وقرأ ابن عامر (تزور ) مثل تحمر . وحكى الفراء (تزوار ) مثل تحمار ، كلها بمعنى واحد . " وإذا غربت تقرضهم " قرأ الجمهور بالتاء على معنى تتركهم ، قاله مجاهد وقال قتادة : تدعهم النحاس : وهذا معروف في اللغة ، هحكى البصريون أنهن يقال: قرضه يقرضه إذا تركه الشمسس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين ، أي يمين الكهف ، وإذا غربت تمر بهم ذات الشمال ، أي شمال الكهف ، فلا تصيبهم في ابتداء النهار ولا في آخر النهار . وكان كهفهم مستقبل بنات نعش في أرض الرروم ، فكانت الشمس تميل عنهم طالعة وغاربة ولا تبلغهم لتؤذيهم بحرها ، وتغير ألوانها وتبلي ثيابهم . وقد قيل : إنه كان لكهفهم حاجب من جهة الجنوب ، وحاجب من جهة الدبور وهم في زاويته . وذهب الزجاج إلى أن فعل الشمس كان آية من الله ، دون أن يكون باب الكهف إلى جهة توجب ذلك وقرأت فرقة ( يقرضهم ) بالياء من القرض وهو القطع ، أي يقطعهم الكهف بظله من ضوء الشمس . وقيل : ( وإذا غربت تقرضهم ) أي يصيبهم يسير منها ، مأخوذ نم قراضة الذهب والفضة ، أي تعطيهم الشمس اليسير من شعاعها . وقالوا : كان في مسها لهم بالعشي إصلاح لأجسادهم . وعلى الجملة فالآية في ذلك أن الله تعالى آواهم إلى كهف هذه صفته لا إلى كهف آخر يتأذون فيه بانبساط الشمس عليهم في معظم النهار . على هذا فيمكن أن يكون صرف الشمس عنهم بإظلال غمام أو سبب آخر . والمقصود بيان نحفظهم عن تطرق البلاء وتغير الأبدان والألوان إليهم ، والتأذي بحر أو برد . " وهم في فجوة منه " أي من الكهف . والفجوة المتسع ، وجمعها فجوات وفجاء ، مثل ركوة وركاء وركوات . وقال الشاعر :
ونحن ملأنا كل واد وفجوة رجلاً وخيلاً غير ميل ولا عزل
أي كانوا بحيث يصيبهم نسيم الهواء . " ذلك من آيات الله " لطف بهم ، وهذا يقوي قول الزجاج . وقال أهل التفسير : كانت أعينهم مفتوحة وهم نائمون ، فكذلك كان الرائي يحسبهم أيقاظاً . وقيل : تحسبهم أيقاظاً لكثرة تقلبهم كالمستيقظ في مضجعه . و (أيقاظاً ) جمع يقظ ويقظان ، وهو المنتبه .
فهذا فيه دليل على أن باب هذا الكهف كان من نحو الشمال, لأنه تعالى أخبر أن الشمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه "ذات اليمين" أي يتقلص الفيء يمنة, كما قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة "تزاور" أي تميل, وذلك أنها كلما ارتفعت في الأفق تقلص شعاعها بارتفاعها حتى لا يبقى منه شيء عند الزوال في مثل ذلك المكان, ولهذا قال: "وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال" أي تدخل إلى غارهم من شمال بابه, وهو من ناحية المشرق, فدل على صحة ما قلناه, وهذا بين لمن تأمله وكان له علم بمعرفة الهيئة وسير الشمس والقمر والكواكب, وبيانه أنه لو كان باب الغار من ناحية الشرق لما دخل إليه منها شيء عند الغروب, ولو كان من ناحية القبلة لما دخله منها شيء عند الطلوع ولا عند الغروب, ولا تزاور الفيء يميناً ولا شمالاً, ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطلوع بل بعد الزوال, ولم تزل فيه إلى الغروب, فتعين ما ذكرناه, ولله الحمد.
وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة : تقرضهم تتركهم, وقد أخبر الله تعالى بذلك, وأراد منا فهمه وتدبره, ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أي البلاد من الأرض, إذ لا فائدة لنا فيه ولا قصد شرعي, وقد تكلف بعض المفسرين فذكروا فيه أقوالاً, فتقدم عن ابن عباس أنه قال: هو قريب من أيلة. وقال ابن إسحاق : هو عند نينوى. وقيل: ببلاد الروم. وقيل: ببلاد البلقاء, والله أعلم بأي بلاد الله هو, ولو كان لنا فيه مصلحة دينية لأرشدنا الله تعالى ورسوله إليه, فقد قال صلى الله عليه وسلم: "ما تركت شيئاً يقربكم إلى الجنة ويباعدكم من النار إلا وقد أعلمتكم به" فأعلمنا تعالى بصفته, ولم يعلمنا بمكانه, فقال: "وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم" قال مالك عن زيد بن أسلم: تميل "ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه" أي في متسع منه داخلاً بحيث لا تصبيهم, إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم, قاله ابن عباس "ذلك من آيات الله" حيث أرشدهم إلى هذا الغار الذي جعلهم فيه أحياء والشمس والريح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم, ولهذا قال تعالى: "ذلك من آيات الله", ثم قال: "من يهد الله فهو المهتد" الاية, أي هو الذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم, فإنه من هداه الله اهتدى, ومن أضله فلا هادي له.
قوله: 17- "وترى الشمس إذا طلعت" شرع سبانه في بيان حالهم، بعد ما أووا إلى الكهف "تزاور" قرأ أهل الكوفة بحذف تاء التفاعل، وقرأ ابن عامر تزور قال الأخفش: لا يوضع الأزورار في هذا المعنى، إنما يقال هو مزور عني: أي منقبض. وقرأ الباقون بتشديد الزاي وإدغام تاء التفاعل فيه بعد تسكينها، وتزاور مأخوذ من الزور بفتح الواو، وهو الميل، ومنه زاره إذا مال إليه، والزور الميل، فمعنى الآية أن الشمس إذا طلعت تميل وتنتحي "عن كهفهم" قال الراجز الكلبي:
جاب المندا عن هوانا أزور
أي مائل "ذات اليمين" أي ناحية اليمين، وهي الجهة المسماة باليمين، وانتصاب ذات على الظرف، "وإذا غربت تقرضهم" القرض: القطع. قال الكسائي والأخفش والزجاج وأبو عبيدة: تعدل عنهم وتتركهم، قرضت المكان: عدلت عنه، تقول لصاحبك: هل وردت مكان كذا؟ فيقول إنما قرضته: إذا مر به وتجاوز عنه، والمعنى: أن الشمس إذا طلعت مالت عن كهفهم ذات اليمين: أي يمين الكهف، وإذا غربت تمر "ذات الشمال" أي شمال الكهف لا تصيبه. بل تعدل عن سمته إلى الجهتين، والفجوة المكان المتسع، وجملة "وهم في فجوة منه" في محل نصب على الحال، وللمفسرين في تفسير هذه الجملة قولان: الأول أنهم مع كونهم في مكان منفتح انفتاحاً واسعاً في ظل جميع نهارهم لا تصيبهم الشمس في طلوعها ولا في غروبها، لأن الله سبحانه حجبها عنهم. والثاني أن باب ذلك الكهف كان مفتوحاً إلى جانب الشمال، فإذا طلعت الشمس كانت عن يمين الكهف، وإذا غربت كانت عن يساره، ويؤيد القول الأول قوله: "ذلك من آيات الله" فإن صرف الشمس عنهم مع توجه الفجوة إلى مكان تصل إليه عادة أنسب بمعنى كونها آية، ويؤيده أيضاً إطلاق الفجوة وعدم تقييدها بكونها إلى جهة كذا، ومما يدل على أن الفجوة المكان الواسع قول الشاعر:
ألبست قومك مخزاة ومنقصة حتى أبيحوا وخلوا فجوة الدار
ثم أثنى سبحانه عليهم بقوله: "من يهد الله" أي إلى الحق "فهو المهتد" الذي ظفر بالهدى وأصاب الرشد والفلاح "ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً" أي ناصراً يهديه إلى الحق كدقيانوس وأصحابه.
17 - قوله تعالى : " وترى الشمس إذا طلعت تزاور " ، قرأ ابن عامر و يعقوب : ( تزور ) بسكون الزاي وتشديد الراء على وزن تحمر ، وقرأ أهل الكوفة : بفتح الزاي خفيفة وألف بعدها ، وقرأ الآخرون بتشديد الزاي ، وكلها بمعنى واحد ، أي : تميل وتعدل ، " عن كهفهم ذات اليمين " أي :جانب اليمين ، " وإذا غربت تقرضهم " ، أي : تتركهم وتعدل عنهم ، " ذات الشمال " ، أصل القرض القطع ، " وهم في فجوة منه " أي : متسع من الكهف وجمعها فجوات ، قال ابن قتيبية : كان كهفهم مستقبل بنات نعش ، لا تقع فيه الشمس عند الطلوع ولا عند الغروب ولا فيما بين ذلك ، قال : اختار الله لهم مضجعاً في مقناة لا تدخل عليهم الشمس فتؤذيهم بحرها وتغير ألوانهم ، وهم في متسع ينالهم برد الريح ونسيمها ، ويدفع عنهم كرب الغار وغمومه .
قال بعضهم :هذا قول خطأ وهو أن الكهف كان مستقبل بنات نعش فكانت الشمس لا تقع عليهم ، ولكن الله صرف الشمس عنهم بقدرته وحال بينها وبينهم ، ألا ترى أنه قال : " ذلك من آيات الله " ، من عجائب صنع الله ودلالات قدرته التي يعتبر بها ، " من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل " ، أي : من يضلله الله ولم يرشده ، " فلن تجد له ولياً " ، معينا ً ، " مرشداً " .
17."وترى الشمس"لو رأيتهم ، و الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو لكل أحد."إذا طلعت تزاور عن كهفهم "تميل عنه ولا يقع شعاعها عليهم فيؤذيهم ، لأن الكهف كان جنوبياً ، أو لأن الله تعالى زورها عنهم . وأصله تتزاور فأدغمت التاء في الزاي ، وقرأ الكوفيون بحذفها وأبن عامر و يعقوب تزور كتحمر ، وقرئ تزوار كتحمار وكلها من الزور بمعنى الميل ."ذات اليمين"جهة اليمين وحقيقتها الجهة ذات اسم اليمين."وإذا غربت تقرضهم" تقطعهم و تصرم عنهم."ذات الشمال "يعني يمين الكهف وشماله لقوله:"وهم في فجوة منه"أي وهم في متسع من الكهف ، يعني في وسطه بحيث ينالهم روح الهواء ولا يؤذيهم كرب الغار ولا حر الشمس، وذلك لأن باب الكهف في مقابلة بنات نعش ، وأقرب المشارق والمغارب إلى محاذاته مشرق رأس السرطان ومغربه ، والشمس إذا كان مدارها مداره تطلع مائلة عنه مقابلة لجانبه الأبيض وهو الذي يلي المغرب، و تغرب محاذية لجانبه الأيسر فيقع شعاعها على جانبيه ، ويحلل عفونته ويعدل هواءه ولا يقع عليهم فيؤذي أجسادهم ويبلي ثيابهم ."ذلك من آيات الله "أي شأنهم وإيواؤهم إلى كهف شأنه كذلك ، أو إخبارك قصتهم ، أو ازورار الشمس عنهم وقرضها طالعة وغربة من آيات الله. "من يهد الله"بالتوفيق ."فهو المهتد"الذي أصاب الفلاح ، والمراد به إما الثناء عليهم أو التنبيه على أن أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المنتفع بها من وفقه الله للتأمل فيها و الاستبصار بها."ومن يضلل"ومن يخذله."فلن تجد له ولياً مرشداً"من يليه ويرشده.
17. And thou mightest have seen the sun when it rose move away from their cave to the right, and when it set go past them on the left, and they were in the cleft thereof. That was (one) of the portents of Allah. He whom Allah guideth, he indeed is led aright, and he whom He sendeth astray, for him thou wilt not find a guiding friend.
17 - Thou wouldst have seen the sun, when it rose, declining to the right from their cave, and when it set, turning away from them to the left, while they lay in the open space in the midst of the cave. such are among the signs of God: he whom God guides is rightly guided; but he whom God leaves to stray, for him wilt thou find no protector to lead him to the right way.