[الإسراء : 28] وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاء رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُورًا
28 - (وإما تعرضن عنهم) أي المذكورين من ذي القربى وما بعدهم فلم تعطهم (ابتغاء رحمة من ربك ترجوها) أي لطلب رزق تنتظره يأتيك فتعطيهم منه (فقل لهم قولا ميسورا) لينا سهلا بأن تعدهم بالإعطاء عند مجيء الرزق
قوله تعالى وإما تعرضن الآية أخرج سعيد بن منصور عن عطاء الخراساني قال جاء ناس من مزينة يستحملون رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لا أجد ما أحملكم عليه فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ظنوا ذلك من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة الآية وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال نزلت فيمن كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين
يقول تعالى ذكره : وإن تعرض يا محمد عن هؤلاء الذين أمرتك أن تؤتيهم حقوقهم إذا وجدت إليها السبيل بوجهك عند مسألتهم إياك ، ما لا تجد إليه سبيلا، حياء منهم ورحمة لهم " ابتغاء رحمة من ربك " يقول : انتظار رزق تنتظره من عند ربك ، وترجو تيسير الله إياه لك ، فلا تؤيسهم ، ولكن قل لهم قولا ميسورا . يقول : ولكن عدهم وعدا جميلا، بأن تقول : سيرزق الله فأعطيكم ، وما أشبه ذلك من القول اللين غير الغليظ ، كما قال جل ثناؤه " وأما السائل فلا تنهر" :
. وبنحوما قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، عن سفيان ، عن منصور ، عن إبراهيم " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" قال : انتظار الرزق " فقل لهم قولا ميسورا" قال: لينا تعدهم.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس " ابتغاء رحمة من ربك " قال : رزق " أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم " .
حدثنا عمران بن موسى ، قال ثنا عبد الوراث ، قال ثنا عمارة ، عن عكرمة ، في قوله " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" قال : انتظار رزق من الله ياتيك .
حدثنا القاسم ، قاك : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة ، قوله " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" قال : إن سألوك فلم يجدوا عندك ما تعطيهم ابتغاء رحمة، قال : رزق تنتظره ترجوه " فقل لهم قولا ميسورا" قال : عدهم عدة حسنة : إذا كان ذلك ، إذا جاءنا ذلك فعلنا، أعطيناكم ، فهو القول الميسور.
قال ابن جريج ، قال مجاهد : إن سألوك فلم يكن عندك ما تعطيهم ، فأعرضت عنهم ابتغاء رحمة، قال : رزق تنتظره " فقل لهم قولا ميسورا" .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله عز وجل " ابتغاء رحمة من ربك " قال : انتظاررزق الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن عبيدة في قوله " ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" قال : ابتغاء الرزق .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، عن عمرو ، عن عطاء ، عن سعيد " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" قال : أي رزق تنتظره " فقل لهم قولا ميسورا" أي معروفا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال . ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " فقل لهم قولا ميسورا" قال : عدهم خيرا . وقال الحسن : قل لهم قولا لينا سهلا.
حدثت عن الحسين بن الفرج ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد بن سليمان ، قالع : سمعت الضحاك يقول ، في قوله " وإما تعرضن عنهم " يقول : لا تجد شيئا تعطيهم " ابتغاء رحمة من ربك " يقول : انتظار الرزق من ربك ، نزلت فيمن كان يسال النبي صلى الله عليه وسلم من المساكين.
حدثنا محمد بن المثنى ، قال : ثني حرمي بن عمارة ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثني عمارة ، عن عكرمة في قول الله " فقل لهم قولا ميسورا" قال : الرفق . وكان ابن زيد يقول في ذلك ما.
حدثني به ، قال : أخبرنا ابن وهـب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وإما تعرضن عنهم " عن هؤلاء الذين أوصيناك بهم " ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" إذا خشيت إن أعطيتهم ، أن يتقووا بها على معاصي الله عز وجل ، ويستعينوا بها عليها، فرأيت أن تمنعهم خيرا، فإذا سألوك " فقل لهم قولا ميسورا" قولا جميلا : رزقك الله ، بارك الله فيك .
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن زيد مع خلافه أقوال أهل التأويل في تاويل هذه الآية، بعيد المعنى، مما يدل عليه ظاهرها، وذلك أن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : " وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها" فأمره أن يقول إذا كان إعراضه عن القوم الذين ذكرهم انتظار رحمة منه يرجوها من ربه " قولا ميسورا" وذلك الإعراض ابتغاء الرحمة ، لن يخلو من أحد أمرين : إما أن يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة الله يرجوها لنفسه ، فيكون معنى الكلام كما قلناه ،
وقاله أهل التأويل الذين ذكرنا قولهم ، وخلاف قوله ، أو يكون إعراضا منه ابتغاء رحمة من الله يرجوها للسائلين الذي أمر نبي الله صلى الله عليه وسلم بزعمه أن يمنعهم ما سالوه خشية عليهم من أن ينفقوه في معاصي الله ، فمعلوم أن سخط الله على من كان غير مأمون منه صرف ما أعطي من نفقة ليتقوى بها على طاعة الله في معاصيه ، أخوف من رجاء رحمته له ، وذلك أن رحمة الله إنما ترجى لأهل طاعته ، لا لأهل معاصيه ، إلا أن يكون أراد توجيه ذلك إلى أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمر بمنعهم ما سالوه ، لينيبوا من معاصي الله ، ويتوبوا بمنعه إياهم ما سألوه فيكون ذلك وجها يحتمله تأويل الآية، وإن كان لقول أهل التاويل مخالفا .
فيه ثلاثة مسائل :
الأولى : وهو أنه سبحانه وتعالى خص نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها . وهو تاديب عجيب وقول لطيف بديع ، أي لا تعرض عنهم إعراض مستهين عن ظهر الغنى والقدرة فتحرمهم . وانما يجوز أن تعرض عنهم عند عجز يعرض وعائق يعوق ، وأنت عند ذلك ترجو من الله سبحانه وتعالى فتح باب الخير لتتوصل به إلى مواساة السائل ، فإن قعد بك الحال فقل لهم قولا ميسورا .,
الثانية : في سبب نزولها، قال ابن زيد : نزلت الآية في قوم كانوا يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأبى أن يعطيهم ، لآنه كان يعلم منهم نفقة المال في فساد ، فكان يعرض قوله تعالى : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها . قال : ليس هذا في ذكر الوالدين ، جاء ناس من مزينة إلى النبي صلى الله عليهوسلم يستحملونه ، فقال : لا أجد ما أحملكم عليه ، فتولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ، فأنزل الله تعالى : وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها . والرحمة الفيء .
الثالثة : قوله تعالى : فقل لهم قولا ميسورا . أمره بالدعاء لهم ، أي يسر فقرهم عليهم بدعائك لهم ، وقيل : أدع لهم دعاء يتضمن الفتح لهم والإصلاح . وقيل : المعنى وإما تعرضن اي إن أعرضت يامحمد عن إعطائهم لضيق يد فقل لهم قولا ميسورا ، أي أحسن القول وابسط العذر ، وأدع لهم بسعة الرزق ، وقل إذا وجدت فعلت وأكرمت ، فإن ذلك يعمل في مسرة نفسه عمل المواساة . وكان عليه الصلاة والسلام إذا سئل وليس عنده ما يعطي سكت انتظارا لرزق يأتي من الله سبحانه وتعالى كراهة الرد ، فنزلت هذه الآية فكان صلى الله عليه وسلم إذا سئل وليس عنده ما يعطي قال :
يرزقنا الله وإياكم من فضله . فالحمة على هذا التأويل الرزق المنتظر . وهذا قول ابن عباس ومجاهد وعكرمة . والضمير في عنهم عائد على من تقدم ذكرهم من الآباء والقرابة والمساكين وأبناء السبيل . و قولا ميسورا أي لينا لطيفا طيبا ، مفعول بمعنى الفاعل ، من لفظ اليسر كالميمون ، اي وعد جميلا ، على ما بيناه . ولقد أحسن من قال :
لا تكن ورق يوما أجود بها للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوالي وأما حسن مردودي
تقول : يسرت لك كذا إذا أعددته .
لما ذكر تعالى بر الوالدين, عطف بذكر الإحسان إلى القرابة وصلة الأرحام, وفي الحديث "أمك وأباك ثم أدناك أدناك" وفي رواية "ثم الأقرب فالأقرب", وفي الحديث "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أجله, فليصل رحمه" وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن يعقوب , حدثنا أبو يحيى التميمي , حدثنا فضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد قال: لما نزلت " وآت ذا القربى حقه " دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك, ثم قال: لا نعلم حدث به عن فضيل بن مرزوق إلا أبو يحيى التميمي وحميد بن حماد بن أبي الخوار , وهذا الحديث مشكل لو صح إسناده, لأن الاية مكية, وفدك إنما فتحت مع خيبر سنة سبع من الهجرة, فكيف يلتئم هذا مع هذا ؟ فهو إذاً حديث منكر, والأشبه أنه من وضع الرافضة, والله أعلم, وقد تقدم الكلام على المساكين وأبناء السبيل في سورة براءة بما أغنى عن إعادته ههنا.
وقوله "ولا تبذر تبذيراً" لما أمر بالإنفاق, نهى عن الإسراف فيه, بل يكون وسطاً كما قال في الاية الأخرى "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا" الاية, ثم قال منفراً عن التبذير والسرف "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي أشباههم في ذلك. قال ابن مسعود : التبذير الإنفاق في غير حق, وكذا قال ابن عباس , وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق لم يكن مبذراً, ولو أنفق مداً في غير حق كان مبذراً. وقال قتادة : التبذير النفقة في معصية الله تعالى, وفي غير الحق والفساد.
وقال الإمام أحمد : حدثنا هاشم بن القاسم , حدثنا الليث عن خالد بن يزيد عن سعيد بن أبي هلال , عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: " أتى رجل من بني تميم إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إني ذو مال كثير, وذو أهل وولد وحاضرة, فأخبرني كيف أنفق, وكيف أصنع ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تخرج الزكاة من مالك إن كان, فإنها طهرة تطهرك, وتصل أقرباءك, وتعرف حق السائل والجار والمسكين فقال: يا رسول الله أقلل لي ؟ فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل ولا تبذر تبذيراً فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله وإلى رسوله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها ولك أجرها, وإثمها على من بدلها".
وقوله: "إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين" أي في التبذير والسفه وترك طاعة الله وارتكاب معصيته, ولهذا قال "وكان الشيطان لربه كفوراً" أي جحوداً, لأنه أنكر نعمة الله عليه ولم يعمل بطاعته, بل أقبل على معصيته ومخالفته. وقوله: "وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك" الاية, أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء, أعرضت عنهم لفقد النفقة "فقل لهم قولاً ميسوراً" أي عدهم وعداً بسهولة ولين, إذا جاء رزق الله فسنصلكم إن شاء الله, هكذا فسر قوله: "فقل لهم قولاً ميسوراً" بالوعد, مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وغير واحد.
28- "وإما تعرضن عنهم" قد تقدم قريباً أن أصل "إما" هذه مركب من إن الشرطية وما الإبهامية، وأن دخول نون التأكيد على الشرط لمشابهته للنهي: أي إن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل لأمر اضطرك إلى ذلك الإعراض "ابتغاء رحمة من ربك" أي لفقد رزق من ربك ولكنه أقام المسبب الذي هو ابتغاء رحمة الله مقام السبب الذي هو فقد الرزق لأن فاقد الرزق مبتغ له، والمعنى: وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح الله به عليك "فقل لهم قولاً ميسوراً" أي قولاً سهلاً ليناً كالوعد الجميل أو الاعتذار المقبول. قال الكسائي: يسرت له القول أي لينته. قال الفراء: معنى الآية إن تعرض عن السائل إضافة وإعساراً فقل لهم قولاً ميسوراً عدهم عدة حسنة ويجوز أن يكون المعنى: وإن تعرض عنهم ولم تنفعهم لعدم استطاعتك فقل لهم قولاً ميسوراً، وليس المراد هنا الإعراض بالوجه. وفي هذه الآية تأديب من الله سبحانه لعباده إذا سألهم سائل ما ليس عندهم كيف يقولون وبما يردون، ولقد أحسن من قال:
إن لا يكن ورق يوماً أجود بها للسائلين فإني لين العود
لا يعدم السائلون الخير من خلقي إما نوال وإما حسن مردود
28 - " وإما تعرضن عنهم " ، نزلت في مهجع ، وبلال ، وصهيب ، وسالم ، وخباب ، كانوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم في الأحايين ما يحتاجون إليه ، ولا يجد ، فيعرض عنهم حياءً منهم ويمسك عن القول ، فنزل " وإما تعرضن عنهم " ، وإن تعرض عن هؤلاء الذين أمرك أن تؤتيهم ، " ابتغاء رحمة من ربك ترجوها " ، انتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك ، " فقل لهم قولاً ميسوراً " ليناً ، وهي العدة ،أي : عدهم وعداً جميلاً . وقيل : القول الميسور أن تقول : يرزقنا الله وإياك .
28."وإما تعرضن عنهم "وإن أعرضت عن ذي القربى والمسكين وابن السبيل حياء من الرد، ويجوز أن يراد بالإعراض عنهم أن لا ينفعهم على سبيل الكناية . "ابتغاء رحمة من ربك ترجوها"لانتظار رزق من الله ترجوه أن يأتيك فتعطيه ، أو منتظرين له وقيل معناه لفقد رزق من ربك ترجوه أن يفتح لك فوضع الابتغاء موضعه لأنه مسبب عنه، ويجوز أن يتعلق بالجواب الذي هو قوله:"فقل لهم قولاً ميسوراً"أي فقل لهم قولاً ليناً ابتغاء رجمة الله برحمتك عليهم بإجمال القول لهم . ولميسور وهو اليسر مثل أغناكم الله تعالى ورزقنا الله وإياكم.
28. But if thou turn away from them, seeking mercy from thy Lord, for which thou hopest, then speak unto them a reasonable word.
28 - And even if thou hast to turn away from them pursuit of the mercy from thy Lord which thou dost expect, yet speak to them a word of easy kindness.