[الإسراء : 20] كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا
20 - (كلا) من الفريقين (نمد) نعطي (هؤلاء وهؤلاء) بدل (من) متعلق بنمد (عطاء ربك) في الدنيا (وما كان عطاء ربك) فيها (محظورا) ممنوعا عن احد
يقول تعالى ذكره : يمد ربك يا محمد كلا الفريقين من مريدي العاجلة، ومريدي الأخرة، الساعي لها سعيها وهو مؤمن في هذه الدنيا من عطائه ، فيرزقهما جميعا من رزقه إلى بلوغهما الأمد، واستيفائهما الأجل ما كتب لهما، ثم تختلف بهما الأحوال بعد الممات ، وتفترق بهما بعد الورود المصادر، ففريق مريدي العاجلة إلى جهنم مصدرهم ، وفريق مريدي الآخرة إلى الجنة مآبهم " وما كان عطاء ربك محظورا" يقول : وما كاذ عطاء ربك الذي يؤتيه من يشاء من خلقه في الدنيا ممنوعا عمن بسطه عليه لا يقدر أحد من خلقه منعه من ذلك ، وقد آتاه الله إياه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشربن معاذ ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا" : أي منقوصا، وإن الله عز وجل قسم الدنيا بين البر والفاجر، والاخرة خصوصا عند ربك للمتقين .
حدثنا محمدعبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وما كان عطاء ربك محظورا" قال : منقوصا.
حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي ، قال : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : ثنا سهل ببئ أبي الصلت السراج ، قال : سمعت الحسن يقول " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك " قال : كلآ نعطي من الدنيا البر والفاجر.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء" . . . الاية "ومن أراد الآخرة".. ثم قال " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك " قال ابن عباس : فيرزق من أراد إلدنيا، ويرزق من أراد الأخرة . قال ابن جريج " وما كان عطاء ربك محظورا" قال : ممنوعا.
حدثنا بشر ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء" أهل الدنيا وأهل الأخرة " من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا" قال : ممنوعا.
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء" أهل الدنيا وأهل الآخرة " من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا" من بر ولا فاجر، قال :
والمحظور: الممنوع ، وقرأ "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا".
قوله تعالى : " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك " أعلم أنه يرزق المؤمنين والكافرين . " وما كان عطاء ربك محظورا " أي محبوسا ممنوعا ، من حظر يحظر حظر وحظارا .
يقول تعالى: "كلاً" أي كل واحد من الفريقين الذين أرادوا الدنيا والذين أرادوا الاخرة نمدهم فيما فيه "من عطاء ربك" أي هو المتصرف الحاكم الذي لا يجور, فيعطي كلاً ما يستحقه من السعادة والشقاوة, فلا راد لحكمه ولا مانع لما أعطى ولا مغير لما أراد, ولهذا قال "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي لا يمنعه أحد, ولا يرده راد. قال قتادة "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي منقوصاً, وقال الحسن وغيره: أي ممنوعاً, ثم قال تعالى: "انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض" أي في الدنيا, فمنهم الغني والفقير وبين ذلك, والحسن والقبيح وبين ذلك, ومن يموت صغيراً, ومن يعمر حتى يبقى شيخاً كبيراً, وبين ذلك " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " أي ولتفاوتهم في الدار الاخرة أكبر من الدنيا, فإن منهم من يكون في الدركات في جهنم وسلاسلها وأغلالها, ومنهم من يكون في الدرجات العليا ونعيمها وسرورها, ثم أهل الدركات يتفاتون في ما هم فيه, كما أن أهل الدرجات يتفاوتون, فإن الجنة مائة درجة ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض. وفي الصحيحين "إن أهل الدرجات العلى ليرون أهل عليين كما ترون الكوكب الغابر في أفق السماء" ولهذا قال تعالى: " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وفي الطبراني من رواية زاذان عن سلمان مرفوعاً "ما من عبد يريد أن يرتفع في الدنيا درجة فارتفع, إلا وضعه الله في الاخرة أكبر منها" ثم قرأ " وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا ".
ثم بين سبحانه كمال رأفته وشمول رحمته فقال: 20- "كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك" التنوين في كلا عوض عن المضاف إليه، والتقدير كل واحد من الفريقين نمد: أي نزيده من عطائنا على تلاحق من غير انقطاع، نرزق المؤمنين والكفار وأهل الطاعة وأهل المعصية، لا تؤثر معصية العاصي في قطع رزقه وما به الإمداد هو ما عجله لمن يريد الدنيا، وما أنعم به في الأولى والأخرى على من يريد الآخرة، وفي قوله: "من عطاء ربك" إشارة إلى أن ذلك بمحض التفضل وهو متعلق بنمد "وما كان عطاء ربك محظوراً" أي ممنوعاً، يقال حظره يحظره حظراً: منعه، وكل ما حال بينك وبين شيء فقد حظره عليك، ومن هؤلاء بدل من كلا وهؤلاء معطوف على البدل قال الزجاج: أعلم الله سبحانه أن يعطي المسلم و الكافر وأنه يرزقهما جميعاً الفريقين فقال: "هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك".
20 - " كلا نمد هؤلاء وهؤلاء " ، أي : نمد كلا الفريقين من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة ، " من عطاء ربك " ، أي : يرزقهما جميعا ثم يختلف بهما الحال في المآل ، " وما كان عطاء ربك " ، رزق ربك ، " محظوراً " ، ممنوعاً عن عباده ،فالمراد من العطاء : العطاء في الدنيا وإلا فلا حظ للكفار في الآخرة .
20."كلاً"كل واحد من الفريقين ، والتنوين بدل من المضاف إليه ." نمد " بالعطاء مرة بعد أخرى ونجعل آنفه مدداً لسالفه."هؤلاء وهؤلاء"بدل من" كلاً"."من عطاء ربك "من معطاه متعلق بـ"نمد"."وما كان عطاء ربك محظوراً"ممنوعاً لا يمنعه في الدنيا من مؤمن ولا كافر تفضلاً.
20. Each do We supply, both these and those, from the bounty of thy Lord. And the bounty of thy Lord can never be walled up.
20 - Of the bounties of thy Lord we bestow freely on all these as well as those: the bounties of thy Lord are not closed (to anyone).