[الإسراء : 111] وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا
111 - (وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك) في الالوهية (ولم يكن له ولي) ينصره (من) أجل (الذل) أي لم يذل فيحتاج إلى ناصر (وكبره تكبيرا) عظمه عظمة تامة عن اتخاذ الولد والشريك والذل وكل ما لا يليق به وترتيب الحمد على ذلك للدلالة على أنه المستحق لجميع المحامد لكمال ذاته وتفرده في صفاته
قوله تعالى وقل الحمد لله الآية أخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي قال إن اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولدا وقالت العرب لبيك لا شريك لك إلا شريكا هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس لولا أولياء الله لذل فأنزل الله وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك
تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : " وقل " يا محمد " الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً " فيكون مربوباً لارباً، لأن رب الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد " ولم يكن له شريك في الملك " فيكون عاجزا ذا حاجة إلى معونة غيره ضعيفاً، ولا يكون إلهاً من يكون محتاجاً إلى معين على ما حاول ، ولم يكن منفرداً بالملك والسلطان " ولم يكن له ولي من الذل " يقول : ولم يكن له حليف حالفه من الذل الذي به ، لأن من كان ذا حاجة إلى نصرة غيره ، فذليل مهين ، ولا يكون من كان ذليلاً مهيناً يخناج إلى ناصر إلهاً يطاع " وكبره تكبيرا" يقول : وعظم ربك يا محمد بما أمرناك أن تعظمه به من قول وفعل ، وأطعه فيما أمرك ونهاك .
وبنحو الذي قلنا في قوله :
" ولم يكن له ولي من الذل " قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " ولم يكن له ولي من الذل " قال : لم يخالف أحداً، ولا يبتغي نصر أحد.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية " الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيرا" الصغير من أهله والكبير.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا حكام ، قال : ثنا أبو الجنيد ، عن جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، قال : إن التوراة كلها في خمس عشرة آية من بني إسرائيل ، ثم تلا " لا تجعل مع الله إلهاً آخر" .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني أبو صخر ، عن القرظي ، أنه كان يقول في هذه الآية " الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً " .. . الاية .
قال : إن اليهود والنصارى قالوا : اتخذ الله ولداً. وقالت العرب : لبيك ، لبيك ، لا شريك لك ، إلا شريكاً هو لك . وقال الصابئون والمجوس : لولا أولياء الله لذل الله ، فأنزل الله " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره " أنت يا محمد على ما يقولون" تكبيرا" .
قوله تعالى : " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا " هذه الآية رادة على اليهود والنصارى والعرب في قولهم أفذاذاً : عزير وعيسى والملائكة ذرية الله سبحانه ، تعالى الله عن أقوالهم ! " ولم يكن له شريك في الملك " لأنه واحد لا شريك له في ملكه ولا في عبادته ، " ولم يكن له ولي من الذل " قال مجاهد : المعنى لم يحالف أحداً ولا ابتغى نصر أحد ، أي لم يكن له ناصر يجيره من الذل فيكون مدافعاً ، وقال الكلبي : لم يكن له ولي من اليهود والنصارى ، لأنهم أذل الناس ، رداً لقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه ، وقال الحسن بن الفضل ، " ولم يكن له ولي من الذل " يعني لم يذل فيحتاج إلى ولي ولا ناصر لعزته وكبريائه ، " وكبره تكبيرا " أي عظمه عظمة تامة ، ويقال : أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال : الله أكبر ، أي صفه بأنه أكبر من كل شيء ، قال الشاعر :
رأيت الله أكبر كل شيء محاولة وأكثرهم جنوداً
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل في الصلاة قال : الله أكبر ، وقد تقدم أول الكتاب ، وقال عمر بن الخطاب ، قوله العبد الله أكبر خير من الدنيا وما فيها ، وهذه الآية هي خاتمة التوراة ، روى مطرف بن عبد الله عن كعب قال : افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام وختمت هذه السورة وفي الخبر : " أنها آية العز " ، رواه معاذ بن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وروى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : " كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه وقل الحمد لله الذي " الآية ، و" قال عبد الحميد بن واصل : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : من قرأ وقل الحمد لله الآية كتب الله له من الأجر مثل الأرض والجبال لأن الله تعالى يقول فيمن زعم أن له ولداً تكاد السموات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هذا " ، وجاء في الخبر : " أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر رجلاً شكا إليه بالدين بأن يقرأ قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن إلى آخر السورة ثم يقول : توكلت على الحي الذي لا يموت ، ثلاث مرات " .
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عز وجل, المانعين من تسميته بالرحمن " ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " أي لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن, فإنه ذو الأسماء الحسنى, كما قال تعالى: " هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض " الاية, وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده: "يا رحمن يا رحيم" فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين, فأنزل الله هذه الاية, وكذا روي عن ابن عباس , رواهما ابن جرير .
وقوله: "ولا تجهر بصلاتك" الاية قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة, "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن, فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به, قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن "ولا تخافت بها" عن أصحابك, فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك "وابتغ بين ذلك سبيلا" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به, وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس , وزاد: فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أي ذلك شاء.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهويصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه, وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقاً منهم, فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع, فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً, فأنزل الله "ولا تجهر بصلاتك" فيتفرقوا عنك "ولا تخافت بها" فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به, "وابتغ بين ذلك سبيلا" وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة : نزلت هذه الاية في القراءة في الصلاة, وقال شعبة عن الأشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود لم يخافت بها من أسمع أذنيه.
قال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية عن سلمى بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته وأن عمر كان يرفع صوته, فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا ؟ قال: أناجي ربي عز وجل وقد علم حاجتي, فقيل: أحسنت. وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان, قيل: أحسنت, فلما نزلت "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" قيل لأبي بكر : ارفع شيئاً, وقيل لعمر : اخفض شيئاً, وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس : نزلت في الدعاء, وهكذا روى الثوري ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في الدعاء, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو عياض ومكحول وعروة بن الزبير . وقال الثوري عن ابن عياش العامري عن عبد الله بن شداد قال: كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارزقنا إبلاً وولداً" قال: فنزلت هذه الاية "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها".
(قول آخر) قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب , حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الاية في التشهد "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها", وبه قال حفص عن أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين مثله.
(قول آخر) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: لا تصل مراءاة للناس ولا تدعها مخافة الناس. وقال الثوري عن منصور عن الحسن البصري "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن به, و هشيم عن عوف عنه به, و سعيد عن قتادة عنه كذلك.
(قول آخر) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وابتغ بين ذلك سبيلا" قال: أهل الكتاب يخافتون ثم يجهر أحدهم بالحرف, فيصيح به ويصيحون هم به وراءه, فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء, وأن يخافت كما يخافت القوم, ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبريل من الصلاة.
وقوله: "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائض فقال: " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك " بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "ولم يكن له ولي من الذل" أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير, بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له, ومدبرها ومقدرها وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: " ولم يكن له ولي من الذل " لم يحالف أحدً ولم يبتغ نصر أحد "وكبره تكبيراً" أى عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً.
قال ابن جرير : حدثني يونس , أنبأنا ابن وهب , أخبرني أبو صخر عن القرظي أنه كان يقول في هذه الاية "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الاية, قال إن اليهود والنصارى يقولون اتخذ الله ولداً, وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل, فأنزل الله هذه الاية "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً" وقال أيضاً: حدثنا بشر , حدثنا يزيد , حدثنا سعيد عن قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الاية "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الاية, الصغير من أهله والكبير. قلت وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الاية آية العز, وفي بعض الاثار أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن سيحان البصري , حدثنا حرب بن ميمون , حدثنا موسى بن عبيدة الزبيدي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال: " خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي, أو يدي في يده, فأتى على رجل رث الهيئة فقال: أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟ قال: السقم والضر يا رسول الله, قال: ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ قال: ما يسرني بها أن شهدت معك بدراً أو أحداً, قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال: فقال أبو هريرة : يا رسول الله إياي فعلمني, قال: فقل يا أبا هريرة توكلت على الحي الذي لا يموت, الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً, ولم يكن له شريك في الملك, ولم يكن له ولي من الذل, وكبره تكبيراً قال: فأتى علي رسول الله وقد حسنت حالي قال: فقال لي مهيم قال: قلت يا رسول الله لم أزل أقول الكلمات التي علمتني", إسناده ضعيف, وفي متنه نكارة, والله أعلم. آخر تفسير سورة سبحان. و لله الحمد والمنة.
ولما أمر أن لا يذكر ولا ينادى إلا بأسمائه الحسنى نبه على كيفية الحمد له فقال: 111- "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" كما تقوله اليهود والنصارى، ومن قال من المشركين إن الملائكة بنات الله، تعالى عن ذلك علواً كبيراً "ولم يكن له شريك في الملك" أي مشارك له في ملكه وربوبيته كما تزعمه الثنوية ونحوهم من الفرق القائلين بتعدد الآلهة "ولم يكن له ولي من الذل" أي لم يحتج إلى موالاة أحد لذل يلحقه فهو مستغن عن الولي والنصير. قال الزجاج: أي لم يحتج أن ينتصر بغيره، وفي التعرض في أثناء الحمد لهذه الصفات الجليلة إيذان بأن المستحق للحمد من له هذه الصفات، لأنه القادر على الإيجاد وإفاضة النعم لكون الولد مجبنة ومبخلة، ولأنه أيضاً يستلزم حدوث الأب لأنه متولد من جزء من أجزائه، والمحدث غير قادر على كمال الإنعام، والشركة في الملك إنما تتصور لمن لا يقدر على الاستقلال به، ومن لا يقدر على الاستقلال عاجز فضلاً عن تمام ما هو له، فضلاً عن نظام ما هو عليه، وأيضاً الشركة موجبة للتنازع بين الشريكين فقد يمنعه الشريك من إفاضة الخير إلى أوليائه ومؤدية إلى الفساد " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " والمحتاج إلى ولي يمنعه من الذل وينصره على من أراد إذلاله ضعيف لا يقدر على ما يقدر عليه من هو مستغن بنفسه "وكبره تكبيراً" أي عظمه تعظيماً وصفه بأنه أعظم من كل شيء.
وقد أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال: "صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فقال في دعائه: يا الله يا رحمن، فقال المشركون: انظروا إلى هذا الصابئ ينهانا أن ندعو إلهين، وهو يدعو إلهين، فأنزل الله "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" الآية". وأخرج ابن أبي حاتم عن إبراهيم النخعي قال: إن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرحمن، وكان لهم كاهن باليمامة يسمونه بالرحمن، فنزلت الآية، وهو مرسل. وأخرج ابن جرير عن مكحول "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده يا رحمن يا رحيم، فسمعه رجل من المشركين، فلما أصبح قال لأصحابه: إن ابن أبي كبشة يدعو الليلة الرحمن الذي باليمن، وكان رجل باليمن يقال له رحمن، فنزلت". وأخرج البيهقي في الدلائل من طريق نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس قال: "سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا" إلى آخر الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو أمان من السرق" وإن رجلاً من المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاها حيث أخذ مضجعه، فدخل عليه سارق فجمع ما في البيت وحمله والرجل ليس بنائم حتى انتهى إلى الباب فوجد الباب مردوداً، فوضع الكارة، ففعل ذلك ثلاث مرات، فضحك صاحب ثم قال: إني حصنت بيتي. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عباس في قوله: "ولا تجهر بصلاتك" الآية قال: نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار، فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، فقال الله لنبيه "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك، فيسمع المشركون، فيسبوا القرآن "ولا تخافت بها" عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك "وابتغ بين ذلك سبيلاً" يقول: بين الجهر والمخافتة. وأخرج ابن مردويه عنه قال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يجهر بالقراءة بمكة فيؤذى، فأنزل الله "ولا تجهر بصلاتك". وأخرج ابن أبي شيبة عنه أيضاً نحوه. وأخرج أبو داود في ناسخه عنه نحوه. وأخرج الطبراني وابن مردويه عنه أيضاً قال: كان مسيلمة الكذاب قد سمي الرحمن، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى فجهر ببسم الله الرحمن الرحيم قال المشركون: يذكر إله اليمامة، فأنزل الله "ولا تجهر بصلاتك". وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا قرأ خفض، وكان عمر إذا قرأ جهر، فقيل لأبي بكر لم تصنع هذا؟ قال: أنا أناجي ربي، وقد عرف حاجتي، وقيل لعمر لم تصنع هذا؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزل "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قيل لأبي بكر ارفع شيئاً، وقيل لعمر اخفض شيئاً. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة والبخاري ومسلم وغيرهم عن عائشة قالت: إنما نزلت هذه الآية "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" في الدعاء. وأخرج ابن جرير والحاكم عنها قالت: نزلت في التشهد. وأخرج ابن أبي شيبة وابن منيع وابن جرير ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس مثل حديث عائشة الأول. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: إن اليهود والنصارى قالوا اتخذ الله ولداً، وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك، وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل، فأنزل الله هذه الآية "قل الحمد لله" إلى آخرها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "ولم يكن له ولي من الذل" قال: لم يحالف أحداً ولم يبتغ نصر أحد. وأخرج أحمد والطبراني عن معاذ بن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "آية العز "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الآية كلها". وأخرج أبو يعلى وابن السني عن أبي هريرة قال: "خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي، فأتى علي رجل رث الهيئة فقال: أي فلان ما بلغ بك ما أرى؟ قال: السقم والضر، قال: ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر؟ توكلت على الحي الذي لا يموت، "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" إلى آخر الآية، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد حسنت حاله فقال: مهيم؟: قال لم أزل أقول الكلمات التي علمتني". وفي لفظ أن النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك أبا هريرة. قال ابن كثير: وإسناده ضعيف وفي متنه نكارة. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: "ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الآية "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" إلى آخرها للصغير من أهله والكبير". وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن عبد الكريم بن أبي أمية قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" إلى آخر السورة".وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف من طريق عبد الكريم عن عمرو بن شعيب فذكره. وأخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده.
111 - " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً " ، أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يحمده على وحدانيته ، ومعنى الحمد لله هو : الثناء عليه بما هو أهله .
قال الحسين بن فضل : يعنى : الحمد لله الذي عرفني أنه لم يتخذ ولداً .
" ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل " ، قال مجاهد لم يذل فيحتاج إلى ولي يتعزز به .
" وكبره تكبيراً " ، أي : وعظمه عن أن يكون له شريك أو ولي .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا الإمام أبو الطيب سهل [ بن محمد بن سليمان ، حدثنا أبو العباس الأصم ، حدثنا محمد بن يعقوب ، حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني ، حدثنا نضر بن حماد أبو الحارث الوراق ، حدثنا شعبة ] عن حبيب بن أبي ثابت قال : سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " أول من يدعى إلى الجنة يوم القيامة الذين يحمدون الله في السراء والضراء " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسن بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، أنبأنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن قتادة أن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الحمد لله رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لا يحمده " .
أخبرنا أبو الفضل بن زياد بن محمد الحنفي ، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد الأنصاري ، أخبرنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد ، حدثنا يحيى بن خالد بن أيوب المخزومي ،حدثنا موسى بن إبراهيم بن كثير بن بشر الخزامي الأنصاري ، عن طلحة بن خراش ، عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن أفضل الدعاء الحمد لله ،وأفضل الذكر لا إله إلا الله " .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا عبد الرحمن بن أبي شريح ، أخبرنا ابو القاسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي ، حدثنا علي بن الجعد ، حدثنا زهير ، حدثنا منصور عن هلال بن بشار ، عن الربيع بن عميلة عن سمرة بنت جندب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحب الكلام إلى الله تعالى أربع: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، لا يضرك بأيهن بدأت ".
111."وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك"في الألوهية "ولم يكن له ولي من الذل"ولي يواليه من أجل مذلة به ليدفعها بموالاته نفى عنه أن يكون له ما يشاركه من جنسه ومن غير جنسه اختياراً واضطراراً، وما يعاونه ويقويه ، ورتب الحمد عليه للدلالة على أنه الذي يستحق جنس الحمد لأنه الكامل الذات المنفرد بالإيجاد ، المنعم على الإطلاق وما عداه ناقص مملوك نعمة ، أو منعم عليه ولذلك عطف عليه قوله:"وكبره تكبيراً" وفيه تنبيه على أن العبد وإن بالغ في التنزيه والتمجيد واجتهد في العبادة والتحميد ينبغي أن يعترف بالقصور عن حقه في ذلك.
روي " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أفصح الغلام من بني عبد المطلب علمه هذه الآية "، "وعنه عليه الصلاة والسلام من قرأ سورة بني إسرائيل فرق قلبه عند ذكر الوالدين ، كان له قنطار في الجنة ".والقنطار ألف أوقية ومائتا أوقية . والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب.
111. And say: Praise be to Allah, Who hath not taken unto Himself a son, and Who hath no partner in the Sovereignty, nor hath He any protecting friend through dependence. And magnify Him with all magnificence.
111 - Say: praise be to God, who begets no son, and has no partner in (his) dominion: nor (needs) he any to protect him from humiliation: yea, magnify him for his greatness and glory