[الإسراء : 110] قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً
110 - وكان صلى الله عليه وسلم يقول يا رحمن فقالوا ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلاها آخر معه فنزل (قل) لهم (ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) أي سموه بأيهما أو نادوه بأن تقولوا يا الله يا رحمن (أيا) شرطية (ما) زائدة أي أي هذين (تدعوا) فهو حسن دل على هذا (فله) أي لمسماهما (الأسماء الحسنى) وهذان منها فإنها كما في الحديث الله الذي لا إله إلا هو الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارىء المصور الغفار القهار الوهاب الرزاق الفتاح العليم القابض الباسط الخافض الرافع المعز المذل السميع البصير الحكم العدل اللطيف الخبير الحليم العظيم الغفور الشكور العلي الكبير الحفيظ المقيت الحسيب الجليل الكريم الرقيب المجيب الواسع الحكيم الودود المجيد الباعث الشهيد الحق الوكيل القوي المتين الولي الحميد المحصي المبدىء المعيد المحيي المميت الحي القيوم الواجد الماجد الواحد الأحد الصمد القادر المقتدر المقدم المؤخر الأول الآخر الظاهر الباطن الوالي المتعال البر التواب المنتقم العفو الرؤف مالك الملك ذو الجلال والإكرام المقسط الجامع الغني المغني المانع الضار النافع النور الهادي البديع الباقي الوارث الرشيد الصبور رواه الترمذي قال تعالى (ولا تجهر بصلاتك) بقراءتك فيها فيسمعك المشركون فيسبوك ويسبوا القرآن ومن أنزله (ولا تخافت) تسر (بها) لينتفع أصحابك (وابتغ) اقصد (بين ذلك) الجهر والمخافتة (سبيلا) طريقا وسطا
قوله تعالى قل ادعوا الله الآية أخرج ابن مردويه وغيره عن ابن عباس قال صلى الله عليه وسلم بمكة ذات يوم فدعا فقال في دعائه يا الله يا رحمن فقال المشركون انظروا إلى هذا الصابىء ينهانا أن ندعو الهين وهو يدعو الهين فأنزل الله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى
قوله تعالى ولا تجهر الآية أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس في قوله ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها قال نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فكان المشركون إذا سمعوا القرآن سبوه ومن أنزله ومن جاء به فنزلت
واخرج البخاري أيضا عن عائشة أنها نزلت في الدعاء وأخرج ابن جرير من طريق ابن عباس مثله ثم رجح الأولى لكونها أصح سندا وكذا رجحها النووي وغيره وقال الحافظ ابن حجر لكن يحتمل الجمع بينهما بأنها نزلت في الدعاء داخل الصلاة وقد أخرج ابن مردويه من حديث أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى عند البيت رفع صوته بالدعاء فنزلنا
وأخرج ابن جرير والحاكم عن عائشة قالت نزلت هذه الآية في التشهد وهي مبينة لمرادها في الرواية السابقة ولابن منيع في مسنده عن ابن عباس كانوا يجهرون بالدعاء اللهم ارحمني فنزلت فأمروا أن لا يخافتوا ولا يجهروا
يقول تعالى ذكره لنبيه : قل يا محمد لمشركي قومك المنكرين دعاء الرحمن : " ادعوا الله " أيها القوم " أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" بأي أسمائه جل جلاله تدعون ربكم ، فإنما تدعون واحداً، وله الأسماء الحسنى . وإنما قيل ذلك له صلى الله عليه وسلم ، لأن المشركين فيما ذكر سمعوا النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه : يا ربنا الله ، ويا ربنا الرحمن ، فظنوا أنه يدعو إلهين ، فانزل الئه على نبيه عليه الصلاة والسلام هذه الآية احتجاجاً لنبيه عليهم . ذكر الرواية بما ذكرنا :
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني محمد بن كثير ، عن عبد الله بن واقد ، عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم ساجداً يدعو: يا رحمن يا رحيم ، فقال المشركون : هذا يزعم أنه يدعو واحداً، وهو يدعو مثنى مثنى، فأنزل الله تعالى " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" . . . الآية.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني عيسى ، عن الأوزاعي ، عن مكحول ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتهجد بمكة ذات ليلة، يقول في سجوده : يا رحمن يا رحيم فسمعه رجل من المشركين ، فلما أصبح قال لأصحابه : انظروا ما قال ابن أبي كبشة، يدعو الليلة الرحمن الذي باليمامة، وكان باليمامة رجل يقال له الرحمن ، فنزلت " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " أياً ما تدعوا" بشيء من أسما ئه .
حدثني موسى بن سهل ، قال : ثنا محمد بن بكار البصري ، قال : ثني حماد بن عيسى ، عن عبيد بن الطفيل الجهني ، قال : ثنا ابن جريج ، عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ، عن مكحول ، عن عراك بن مالك ، عن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن لله تسعة وتسعين اسماً كلهن في القران من أحصاهن دخل الجنة.
قال أبو جعفر ولدخول ما في قوله " أيا ما تدعوا " وجهان : أحدهما أن تكون صلة ، كما قيل : " عما قليل ليصبحن نادمين " والآخر أن تكون في معنى إن ، كررت لما اختلف لفظاهما، كما قيل : ما إن رأيت كالليلة ليلة .
وقوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً " اختلف أهل التأويل في الصلاة، فقال بعضهم : عني بذلك : ولا تجهر بدعائك ، ولا تخافت به ، ولكن بين ذلك . وقالوا : عني بالصلاة في هذا الموضع : الدعاء.
ذكر من قال ذلك :
حدثني يحيى بن عيسى الدامغاني ، قال : ثنا ابن المبارك ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة، في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قالت : في الدعاء .
حدثنا بشار ، قال : ثنا هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة، قالت : نزلت في الدعاء .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة ، مثله .
حدثنا الحسن بن عرفة ، قال : ثنا عباد بن العوام ، عن أشعث بن سوار ، عن عكرمة ، عن ابن عباس في قول الله تعالى " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كانوا يجهرون بالدعاء، فلما نزلت هذه الاية أمروا أن لا يجهروا ، ولا يخافتوا .
حدثنا ابن بشار ،قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا حماد ، عن عمرو بن مالك البكري ، عن أبي الجوزاء عن عائشة قالت : نزلت في الدعاء.
حدثني مطربن محمد الضبي ، قال : ثنا عبدالله بن داود ، قال : ثنا شريك ، عن زيادة بن فياض ، عن أبي عياض ، في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : الدعاء .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن إبراهيم الهجري ، عن أبي عياض " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : نزلت في الدعاء .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شريك ، عن زيادة بن فياض ، عن أبي عياض مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان عمن ذكره عن عطاء " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : نزلت في الدعاء .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد في الآية : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : في الدعاء .
حدثنا ابن بشار ، قال ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شعبة ، عن الحكم ، عن مجاهد ، قال : نزلت في الدعاء .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" في الدعاء والمسألة.
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد ، قال : نزلت في الدعاء والمسألة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثني سفيان ، قال : ثني قيس بن مسلم ، عن سعيد بن جبير في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : في الدعاء .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبوأحمد الزبيري ، قال : ثنا سفيان ، عن ابن عياش العامري ، عن عبد الله بن شداد قال : كان أعراب إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا إبلاً وولداً، قال : فنزلت هذه الآية " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : في الدعاء .
حدثني ابن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، " ولا تجهر بصلاتك " . . . الآية، قال : في الدعاء والمسألة .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني عيسى ، عن الأوزاعي ، عن مكحول " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال ؟ ذلك في الدعاء.
وقال آخرون : عني بذلك الصلاة. واختلف قائلو هذه المقالة في المعنى الذي عني بالنهي عن الجهر به ، فقال بعضهم : الذي في عن الجهر به منها القراءة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القران ومن أنزله ، ومن جاء به قال : فقال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم " ولا تجهر بصلاتك " فيسمع المشركون " ولا تخافت بها" عن أصحابك ، فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوا عنك .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا عثمان بن سعيد ، قال : ثنا بشر بن عمار ، عن أبي روق ،
عن الضحاك ، عن ابن عباس ، في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذا جهر بالصلاة بالمسلمين بالقران ، شق ذلك على المشركين إذا سمعوه ، فيؤذون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشتم والعيب به ، وذلك بمكة، فانزل الله : يا محمد " لا تجهر بصلاتك " يقول : لا تعلن بالقراءة بالقرآن إعلاناً شديداً يسمعه المشركون فيؤذونك ، ولا تخافت بالقراءة بالقرآن ، يقول : لا تخفض صوتك حتى لا تسمع أذنيك " وابتغ بين ذلك سبيلاً " يقول : اطلب بين الإعلان والجهر وبين التخافت والخفض طريقاً، لا جهراً شديداً، ولا خفضاً لا تسمع أذنيك ، فذلك القدر. فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة سقط هذا كله ، يفعل الآن أي ذلك شاء .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقوك في قوله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" . . . الآية، هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة كان إذا صلى بأصحابه ، فرفع صوته بالقراءة أسمع المشركين ، فآذوه ، فأمره الله أن لا يرفع صوته فيسمع عدوه ، ولا يخافت فلا يسمع من خلفه من المسلمين ، فأمره الله أن يبتغي بين ذلك سبيلاً.
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن الأعمش ، عن جعفر بن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالقرآن ، فكان المشركون إذا سمعوا صوته سبوا القرآن ، ومن جاء به ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخفي القرآن فما يسمعه أصحابه ، فأنزل الله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً " .
حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق ، قال : سمعت أبي ، يقولى : أخبرنا أبو حمزة عن الأعمش ، عن جعفربن إياس ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته وسمع المشركون ، سبوا القرآن ، ومن جاء به ، وإذا خفض لم يسمع أصحابه ، قال الله " وابتغ بين ذلك سبيلاً " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا يونس ، ثنا، محمد بن إسحاق ، قال : ثني داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهو يصلي تفرقوا، وأبوا أن يستمعوا منه ، فكان الرجل إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي ، استرق السمع دونهم فرقاً منهم ، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ، ذهب خشية أذاهم ، فلم يستمع ، فإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته ، لم يستمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً، فأنزل الله عليه " ولا تجهر بصلاتك " !فيتفرقوا عنك " ولا تخافت بها" فلا تسمع من أراد أن يسمعها، ممن يسترق ذلك دونهم ، لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع ، فينتفع به " وابتغ بين ذلك سبيلاً " . .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد ، قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بقراءة القرآن في المسجد الحرام ، فقالت قريش : لا تجهر بالقراءه فتؤذي آلهتنا، فنهجو ربك ! فأنزل الله " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" . . الأية.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مختف بمكة، فكان إذا صلى بأصحابه رفع الصوت بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ، ومن جاء به ، فقال الله لنبيه " ولا تجهر بصلاتك " : أي بقراءتك ، فيسمع المشركون ، فيسبوا القرآن " ولا تخافت بها" عن أصحابك ،فلاتسمعهم " وابتغ بين ذلك سبيلاً " . .
حدثنا ابن بشار ، قال : ئنا أبو أحمد ، قال :ثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن جعفربن إياس ، عن سعيد بن جبير ، في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : في القراءة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا سعيد ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، في هذه الاية " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رفع صوته أعجب ذلك أصحابه ، وإذا سمع ذلك المشركون سبوه ، فنزلت هذه الأية .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن سلمة ، عن علقمة ، عن محمد بن سيرين ، قال : نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته ، وأن عمر كان يرفع صوته ، قال : فقيل لأبي بكر: لم تصنع هذا؟ فقال : أناجي ربي ، وقد علم حاجتي ، قيل : أحسنت ، وقيل لعمر: لم تصنع هذا؟ قال : أطرد الشيطان ، وأوقظ الوسنان ، قيل : أحسنت ، فلما نزلت " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" قيل لأبي بكر: ارفع شيئاً، وقيل لعمر: اخفض شيئاً.
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا حسان بن إبراهيم ، عن إبراهيم الصائغ ، عن عطاء ، في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : يقول ناس إنها فى الصلاة، ويقول آخرون إنها في الدعاء .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" وكان نبي الله وهو بمكة، إذا سمع المشركون صوته رموه بكل خبث ، فأمره الله أن يخفض من صوته ، وأن يجعل صلاته بينه وبين ربه ، وكان يقال : ما سمعته أذنك فليس بمخافتة.
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع صوته بالصلاة، فيرمى بالخبث ،فقال : لا ترفع صوتك فتؤذي ولا تخافت بها، وابتغ بين ذلك سبيلاً. وقال آخرون : إنما عني بذلك : ولا تجهر بالتشهد في صلاتك ، ولا تخافت بها.
ذكر من قال ذلك :
حدثني أبو السائب ، قال :ثنا حفص بن غياث ، عن هشام بن عروة ، عن أبيه ، عن عائشة، قالت نزلت هذه الاية في التشهد " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" .
حدثني أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، عن أشعث ، عن ابن سيرين مثله . وزاد فيه : وكان الأعرابي يجهر فيقول : التحيات لله ، والصلوات لله ، يرفع فيها صوته ، فنزلت " ولا تجهر بصلاتك " .
وقال آخرون : بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بمكة جهاراً ، فأمر بإخفائها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يحيى بن واضح ، قال : ثنا الحسين ، عن يزيد ، عن عكرمة و الحسن البصري قالا: قال في بني إسرائيل " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى يجهر بصلاته ، فآذى ذلك المشركين بمكة، حتى أخفى صلاته هو وأصحابه ، فلذلك قال " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً " وقال في الأعراف " واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفةً ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين ".
وقال آخرون : معنى ذلك : ولا تجهر بصلاتك تحسنها من إتيانها في العلانية، ولا تخافت بها: تسيئها في السريرة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن الحسن أنه كان يقول " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" : أي لا تراء بها علانية، ولا تخفها سراً " وابتغ بين ذلك سبيلاً " .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، قال : كان الحسن يقول في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : لا تحسن علانيتها، وتسىء سريرتها.
حدثني يعقوب ، قال : ثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن ، في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : لا تراء بها في العلانية، ولا تخفها في السريرة .
حدثني علي بن الحسن الأزرقي ، قال : ثنا الأشجعي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن الحسن " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : تحسن علانيتها، وتسيء سريرتها.
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال : لا تصل مراءاة الناس ولا تدعها مخافة . وقال آخرون في ذلك ما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلاً " قال : السبيل بين ذلك الذي سن له جبرائيل من الصلاة التي عليها المسلمون . قال : وكان أهل الكتاب يخافتون ، ثم يجهر أحدهم بالحرف ، فيصيح به ، ويصيحون هم به وراءه ، فنهى أن يصيح كما يصيح هؤلاء، وأن يخافت كما يخاف القوم ، ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبرائيل من الصلاة .
وأولى الأقوال في ذلك بالصحة، ما ذكرنا عن ابن عباس في الخبر الذي رواه أبو جعفر ، عن سعيد ، عن ابن عباس ، لأن ذلك أصح الأسانيد التي روي عن صحابي فيه قول مخرجاً. وأشبه الأقوال بما دل عليه ظاهر التنزيل ، وذلك أن قوله : "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" عقيب قوله :" قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" وعقيب تقريع الكفار بكفرهم بالقران ، وذلك بعدهم منه ومن الإيمان . فإذا كان ذلك كذلك ، فالذي هو أولى وأشبه بقوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" أن يكون من سبب ما هو في سياقه من الكلام ، ما لم يأت بمعنى يوجب صرفه عنه ، أو يكون على انصرافه عنه دليل يعلم به الانصراف عما هو في سياقه . فإذا كان ذلك كذلك ، فتاويل الكلام : قل ادعوا الله ، أو ادعوا الرحمن ، أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى، ولا تجهر يا محمد بقراءتك في صلاتك ودعائك فيها ربك ومسألتك إياه ، وذكرك فيها، فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون ، ولا تخافت بها فلا يسمعها أصحابك " وابتغ بين ذلك سبيلاً " ولكن التمس بين الجهر والمخافته طريقاً إلى أن تسمع أصحابك ، ولا يسمعه المشركون فيؤذوك .
ولولا أن أقوال أهل التأويل مضت بما ذكرت عنهم من التأويل ، وأنا لا نستجيز خلافهم فيما جاء عنهم ، لكان وجهاً يحتمله التأويل أن يقال : ولا تجهر بصلاتك التي أمرناك بالمخافتة بها، وهي صلاة النهار لأنها عجماء، لا يجهر بها، ولا تخافت بصلاتك التي أمرناك بالجهر بها، وهي صلاة الليل ، فإنها يجهر بها " وابتغ بين ذلك سبيلا" بأن تجهر بالتي أمرناك بالجهر بها، وتخافت بالتي أمرناك بالمخافتة بها، لا تجهر بجميعها، ولا تخافت بكلها، فكان ذلك وجة غير بعيد من الصحة، ولكنا لا نرى ذلك صحيحاً لإجماع الحجة من أهل التأويل على خلافه . فإن قال قائل : فاية قراءة هذه التي بين الجهر والمخافتة ؟
قيل :
حدثني مطربن محمد ، قال : ثنا قتيبة ، و وهب بن جرير ، قالا: ثنا شعبة ، عن الأشعث بن سليم ، عن الأسود بن هلال ، قال : قال عبد الله : لم يخافت من أسمع أذنيه.
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا شعبة ، عن الأشعث ، عن الأسود بن هلال ، عن عبد الله ، مثله .
قوله تعالى : " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " سبب نزول هذه الآية :
أن المشركين سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ( يا الله يا رحمن ) فقالوا : كان محمد يأمرنا بدعاء إله واحد وهو يدعو إلهين ، قاله ابن عباس ، وقال مكحول : تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقال في دعائه : يا رحمن يا رحيم ، فسمعه رجل من المشركين ، وكان باليمامة رجل الرحمن ، فقال ذلك السامع : ما بال محمد يدعو رحمان اليمامة فنزلت الآية مبينة أنهما اسمان لمسمى واحد ، فإن دعوتموه بالله فهو ذلك ، وإن دعوتموه بالرحمن فهو ذاك وقيل : كانوا يكتبون في صدر الكتب : باسمك اللهم ، فنزلت " إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم " [ النمل : 30 ] ، فكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال المشركون : هذا الرحيم نعرفه فما الرحمن ، فنزلت الآية ، وقيل : إن اليهود قالت : ما لنا لا نسمع في القرآن إسما هو في التوراة كثير ، يعنون الرحمن ، فنزلت الآية ، وقرأ طلحة بن مصرف ( أيا من تدعوا فله الأسماء الحسنى ) أي التي تقتضي أفضل الأوصاف وأشرف المعاني وحسن الأسماء إنما يتوجه بتحسين الشرع ، إطلاقها والنص عليها وانضاف إلى ذلك إنها تقضي معاني حساناً شريفة ، وهي بتوقيف لا يصح وضع اسم لله بنظر إلا بتوقيف من القرآن أو الحديث أو الإجماع ، حسبما بيناه في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .
قوله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " فيه مسألتان :
الأولى : اختلفوا في سبب نزولها على خمسة أقوال :
الأول : ما روى ابن عباس في قوله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة ، وكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك " فيسمع المشركون قراءتك ، ( ولا تخافت بها ) عن أصحابك أسمعهم القرآن ولا تجهر ذلك الجهر ، " وابتغ بين ذلك سبيلا " قال : يقول بين الجهر والمخافتة ، أخرجه البخاري و مسلم و الترمذي وغيرهم ، واللفظ لـ مسلم ، والمخافتة : خفض الصوت والسكون ، يقال للميت إذا برد : خفت ، قال الشاعر :
لم يبق إلا نفس خافت ومقلة إنسانها باهت
رثى لها الشامت مما بها يا ويح من يرثي له الشامت
الثاني : ما رواه مسلم أيضاً عن عائشة في قوله عز وجل : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قالت : أنزل هذا في الدعاء .
الثالث : قال ابن سيرين : كان الأعراب يجهرون بتشهدهم فنزلت الآية في ذلك .
قلت : وعلى هذا فتكون الآية متضمنة لإخفاء التشهد ، وقد قال ابن مسعود : من السنة أن تخفي التشهد ، ذكره ابن المنذر .
الرابع : ما روي عن ابن سيرين أيضاً أن أبا بكر رضي الله عنه كان يسر قراءته ، وكان عمر يجهر بها ، فقيل لهما في ذلك ، فقال أبو بكر : إنما أناجي ربي ، وهو يعلم حاجتي إليه ، وقال عمر : أنا أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان ، فلما نزلت هذه الآية قيل لأبي بكر ، ارفع قليلاً ، وقيل لعمر أخفض أنت قليلاً ، ذكره الطبري وغيره .
الخامس : ما روي عن ابن عباس أيضاً أن معناها ولا تجهر بصلاة النهار ، ولا تخافت بصلاة الليل ، ذكره يحيى بن سلام و الزهراوي فتضمنت أحكام الجهر والإسرار بالقراءة في النوافل والفرائض ، فأما النوافل فالمصلي مخير في الجهر والسر في الليل والنهار ، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل الأمرين جميعاً ، وأما الفرائض فحكمها في القراءة معلوم ليلاً ونهاراً .
وقول سادس : قال الحسن : يقول الله لا تراثي بصلاتك تحسنها في العلانية ولا تسيئها ، وقال ابن عباس : لا تصل مرائياً للناس ولا تدعها مخافة الناس .
الثانية : عبر تعالى بالصلاة هنا عن القراءة كما عبر بالقراءة عن الصلاة في قوله : " وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهود " لأن كل واحد منهما مرتبط بالآخرة ، لأن الصلاة تشتمل على قراءة وركوع وسجود فهي من جملة أجزائها ، فعبر بالجزء عن الجملة وبالجملة عن الجزء على عادة العرب في المجاز وهو كثير ، ومنه الحديث الصحيح : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي " أي قراءة الفاتحة على ما تقدم .
يقول تعالى: قل يا محمد لهؤلاء المشركين المنكرين صفة الرحمة لله عز وجل, المانعين من تسميته بالرحمن " ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى " أي لا فرق بين دعائكم له باسم الله أو باسم الرحمن, فإنه ذو الأسماء الحسنى, كما قال تعالى: " هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم * هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون * هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السماوات والأرض " الاية, وقد روى مكحول أن رجلاً من المشركين سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول في سجوده: "يا رحمن يا رحيم" فقال: إنه يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعو اثنين, فأنزل الله هذه الاية, وكذا روي عن ابن عباس , رواهما ابن جرير .
وقوله: "ولا تجهر بصلاتك" الاية قال الإمام أحمد : حدثنا هشيم , حدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: نزلت هذه الاية ورسول الله صلى الله عليه وسلم متوار بمكة, "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن, فلما سمع ذلك المشركون سبوا القرآن وسبوا من أنزله ومن جاء به, قال: فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "ولا تجهر بصلاتك" أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبون القرآن "ولا تخافت بها" عن أصحابك, فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك "وابتغ بين ذلك سبيلا" أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي بشر جعفر بن إياس به, وكذا رواه الضحاك عن ابن عباس , وزاد: فلما هاجر إلى المدينة سقط ذلك يفعل أي ذلك شاء.
وقال محمد بن إسحاق : حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جهر بالقرآن وهويصلي تفرقوا عنه وأبوا أن يسمعوا منه, وكان الرجل إذا أراد أن يسمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو وهو يصلي استرق السمع دونهم فرقاً منهم, فإذا رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع ذهب خشية أذاهم فلم يسمع, فإن خفض صوته صلى الله عليه وسلم لم يسمع الذين يستمعون من قراءته شيئاً, فأنزل الله "ولا تجهر بصلاتك" فيتفرقوا عنك "ولا تخافت بها" فلا يسمع من أراد أن يسمع ممن يسترق ذلك منهم فلعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به, "وابتغ بين ذلك سبيلا" وهكذا قال عكرمة والحسن البصري وقتادة : نزلت هذه الاية في القراءة في الصلاة, وقال شعبة عن الأشعث بن أبي سليم عن الأسود بن هلال عن ابن مسعود لم يخافت بها من أسمع أذنيه.
قال ابن جرير : حدثنا يعقوب , حدثنا ابن علية عن سلمى بن علقمة عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن أبا بكر كان إذا صلى فقرأ خفض صوته وأن عمر كان يرفع صوته, فقيل لأبي بكر : لم تصنع هذا ؟ قال: أناجي ربي عز وجل وقد علم حاجتي, فقيل: أحسنت. وقيل لعمر : لم تصنع هذا ؟ قال: أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان, قيل: أحسنت, فلما نزلت "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا" قيل لأبي بكر : ارفع شيئاً, وقيل لعمر : اخفض شيئاً, وقال أشعث بن سوار عن عكرمة عن ابن عباس : نزلت في الدعاء, وهكذا روى الثوري ومالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها أنها نزلت في الدعاء, وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وأبو عياض ومكحول وعروة بن الزبير . وقال الثوري عن ابن عياش العامري عن عبد الله بن شداد قال: كان أعرابي من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اللهم ارزقنا إبلاً وولداً" قال: فنزلت هذه الاية "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها".
(قول آخر) قال ابن جرير : حدثنا أبو السائب , حدثنا حفص بن غياث عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها: نزلت هذه الاية في التشهد "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها", وبه قال حفص عن أشعث بن سوار عن محمد بن سيرين مثله.
(قول آخر) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: لا تصل مراءاة للناس ولا تدعها مخافة الناس. وقال الثوري عن منصور عن الحسن البصري "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" قال: لا تحسن علانيتها وتسيء سريرتها, وكذا رواه عبد الرزاق عن معمر عن الحسن به, و هشيم عن عوف عنه به, و سعيد عن قتادة عنه كذلك.
(قول آخر) قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله: "وابتغ بين ذلك سبيلا" قال: أهل الكتاب يخافتون ثم يجهر أحدهم بالحرف, فيصيح به ويصيحون هم به وراءه, فنهاه أن يصيح كما يصيح هؤلاء, وأن يخافت كما يخافت القوم, ثم كان السبيل الذي بين ذلك الذي سن له جبريل من الصلاة.
وقوله: "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائض فقال: " وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك " بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد "ولم يكن له ولي من الذل" أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير, بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له, ومدبرها ومقدرها وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: " ولم يكن له ولي من الذل " لم يحالف أحدً ولم يبتغ نصر أحد "وكبره تكبيراً" أى عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علواً كبيراً.
قال ابن جرير : حدثني يونس , أنبأنا ابن وهب , أخبرني أبو صخر عن القرظي أنه كان يقول في هذه الاية "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الاية, قال إن اليهود والنصارى يقولون اتخذ الله ولداً, وقالت العرب: لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك وقال الصابئون والمجوس: لولا أولياء الله لذل, فأنزل الله هذه الاية "وقل الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك ولم يكن له ولي من الذل وكبره تكبيراً" وقال أيضاً: حدثنا بشر , حدثنا يزيد , حدثنا سعيد عن قتادة ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم أهله هذه الاية "الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً" الاية, الصغير من أهله والكبير. قلت وقد جاء في حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمى هذه الاية آية العز, وفي بعض الاثار أنها ما قرئت في بيت في ليلة فيصيبه سرق أو آفة, والله أعلم.
وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا بشر بن سيحان البصري , حدثنا حرب بن ميمون , حدثنا موسى بن عبيدة الزبيدي عن محمد بن كعب القرظي عن أبي هريرة قال: " خرجت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ويده في يدي, أو يدي في يده, فأتى على رجل رث الهيئة فقال: أي فلان ما بلغ بك ما أرى ؟ قال: السقم والضر يا رسول الله, قال: ألا أعلمك كلمات تذهب عنك السقم والضر ؟ قال: ما يسرني بها أن شهدت معك بدراً أو أحداً, قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وهل يدرك أهل بدر وأهل أحد ما يدرك الفقير القانع ؟ قال: فقال أبو هريرة : يا رسول الله إياي فعلمني, قال: فقل يا أبا هريرة توكلت على الحي الذي لا يموت, الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً, ولم يكن له شريك في الملك, ولم يكن له ولي من الذل, وكبره تكبيراً قال: فأتى علي رسول الله وقد حسنت حالي قال: فقال لي مهيم قال: قلت يا رسول الله لم أزل أقول الكلمات التي علمتني", إسناده ضعيف, وفي متنه نكارة, والله أعلم. آخر تفسير سورة سبحان. و لله الحمد والمنة.
أراد سبحانه أن يعلم عباده كيفية الدعاء والخشوع فقال: 110- "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن" ومعناه: أنهما مستويان في جواز الإطلاق وحسن الدعاء بهما، ولهذا قال "أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" التنوين في "أياً" عوض عن المضاف إليه، وما مزيدة لتوكيد الإبهام في "أياً"، والضمير في له راجع إلى المسمى، وكان أصل الكلام: أياً ما تدعوا فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة، وللدلالة على أنها إذا حسنت أسماؤه كلها حسن هذان الاسمان، ومعنى حسن الأسماء استقلالها بنعوت الجلال والإكرام، ذكر معنى هذا النيسابوري وتبعه أبو السعود. قال الزجاج: أعلمهم الله أن دعاءهم الله ودعاءهم الرحمن يرجعان إلى قول واحد، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية، وبه يتضح المراد منها، ثم ذكر كيفية أخرى للدعاء فقال: "ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها" أي بقراءة صلاتك على حذف المضاف للعلم بأن الجهر والمخافتة من نعوت الصوت، لا من نعوت أفعال الصلاة، فهو من إطلاق الكل وإرادة الجزء، يقال خفت صوته خفوتاً إذا انقطع كلامه وضعف وسكن، وخفت الزرع إذا ذبل، وخافت الرجل بقراءته: إذا لم يرفع بها صوته، وقيل معناه: لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها كلها، والأول أولى "وابتغ بين ذلك" أي الجهر والمخافتة المدلول عليها بالفعلين "سبيلاً" أي طريقاً متوسطاً بين الأمرين فلا تكن مجهورةً ولا مخافتاً بها، وعلى التفسير الثاني يكون معنى ذلك النهي عن الجهر بقراءة الصلوات كلها، والنهي عن المخافتة بقراءة الصلوات كلها، والأمر بجعل البعض منها مجهوراً به، وهو صلاة الليل والمخافتة بصلاة النهار، وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بقوله: "ادعوا ربكم تضرعاً وخفية".
110 - قوله عز وجل : " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " ، قال ابن عباس : سجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ذات ليلة فجعل يبكي ويقول في سجوده : يا الله يا رحمن ، فقال أبو جهل : إن محمداً ينهانا عن آلهتنا وهو يدعو إلهين ! فأنزل الله تعالى هذه الآية . ومعناه : أنهما اسمان لواحد .
" أيا ما تدعوا " ، ( ما ) صلة ، معناه : أياً ما تدعو من هذين الاسمين ومن جميع أسمائه ، " فله الأسماء الحسنى " .
" ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " ، أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أنبأنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا هشيم ، حدثنا أبو بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قال : نزلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مختف بمكة ، كان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن ، فإذا سمعه المشركون سبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به ، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : " ولا تجهر بصلاتك " أي بقراءتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم : " وابتغ بين ذلك سبيلاً " .
وبهذا الإسناد عن محمد بن إسماعيل قال : حدثنا مسدد عن هشيم عن أبي بشر بإسناده مثله ، وزاده : " وابتغ بين ذلك سبيلاً " . أسمعهم ، ولا تجهر حتى يأخذوا عنك القرآن .
وقال قوم : الآية في الدعاء ، وهو قول عائشة ، رضي الله عنها ، و النخعي ، و مجاهد ، و مكحول :
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا طلق بن غنام ، حدثنا زائدة عن هشام عن أبيه ، عن عائشة رضي الله عنها في قوله : " ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها " قالت : أنزل ذلك في الدعاء .
وقال عبد الله بن شداد : : كان أعراب من بني تميم إذا سلم النبي صلى الله عليه وسلم قالوا : اللهم ارزقنا مالاً وولداً ، فيجهرون بذلك ، فأنزل الله هذه الآية : " ولا تجهر بصلاتك " أي : لا ترفع صوتك بقراءتك أو بدعائك ولا تخافت بها .
والمخافتة : خفض الصوت والسكوت" وابتغ بين ذلك سبيلاً " أي : بين الجهر والإخفاء .
أخبرنا أبو عثمان سعيد بن إسماعيل الضبي ، أخبرنا أبو محمد عبد الجبار بن محمد الخزاعي ، أخبرنا أبو العباس محمد بن أحمد المحبوبي ، حدثنا أبوعيسى الترمذي ، حدثنا محمود بن غيلان ، حدثنا يحيى ابن إسحاق ، حدثنا حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن عبد الله بن أبي رباح الأنصاري ، عن أبي قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر : " مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك ، فقال : إني أسمعت من ناجيت ، فقال: ارفع قليلاً ، وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع صوتك ، فقال : إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان ، فقال اخفض قليلاً " .
110."قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن""نزلت حين سمع المشركون رسول الله يقول:يا الله يا رحمن فقالوا إنه ينهانا أن نعبد إلهين وهو يدعو إلهاً آخر ."أو قالت اليهود : إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثره الله في التوراة ، والمراد على الأول هو التسوية بين اللفظين بأنهما يطلقان على ذات واحدة وإن اختلف اعتبار إطلاقهما ، والتوحيد إنما هو للذات الذي هو المعبود المطلق وعلى الثاني أنهما سيان في حسن الإطلاق والإفضاء إلى المقصود وهو أجود لقوله:"أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى"والدعاء في الآية بمعنى التسمية وهو يتعدى إلى مفعولين حذف أولهما استغناء عنه وأو للتخيير والتنوين في"أياً"عوض عن المضاف إليه ، و"ما"صلة لتأكيد ما في "أياً"من الإبهام ، والضمير في"فله"للمسمى لأن التسمية له لا للاسم ، وكان أصل الكلام "أياً ما تدعوا"فهو حسن، فوضع موضعه فله الأسماء الحسنى للمبالغة والدلالة على ما هو الدليل عليه وكونها حسنى لدلالتها على صفات الجلال والإكرام ."ولا تجهر بصلاتك "بقراءة صلاتك حتى تسمع المشركين ، فإن ذلك يحملهم على السب واللغو فيها ."ولا تخافت بها"حتى لا تسمع من خلفك من المؤمنين."وابتغ بين ذلك "بين الجهر والمخافتة ."سبيلاً"وسطاً فإن الاقتصاد في جميع الأمور محبوب . "روي أن أبا بكر رضي الله عنه كان يخفت ويقول : أناجي ربي وقد علم حاجتي، وعمر رضي الله عنه كان يجهر ويقول أطرد الشيطان وأوقظ الوسنان، فلما نزلت أمر رسول الله أبا بكر أن يرفع قليلاً وعمر أن يخفض قليلاً ".وقيل معناه لا تجهر بصلاتك كلها ولا تخافت بها بأسرها وابتغ بين ذلك سبيلاً بالإخفات نهاراً والجهر ليلاً .
110. Say (unto mankind): Cry unto Allah, or cry unto the Beneficent, unto whichsoever ye cry (it is the same). His are the most beautiful names. And thou (Muhammad), be not loud voiced in thy worship nor yet silent therein, but follow a way between.
110 - Say: call upon God, or call upon Rahman: by whatever name ye call upon him, (it is well): for to him belong the most beautiful names. neither speak thy prayer aloud, nor speak it in a low tone, but seek a middle course between.