[النحل : 58] وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ
58 - (وإذا بشر أحدهم بالأنثى) تولد له (ظل) صار (وجهه مسودا) متغيرا تغير مغتم (وهو كظيم) ممتلئ غما فكيف ينسب البنات إليه تعالى
يقول تعالى ذكره : ومن جهل هؤلاء المشركين وخبث فعلهم ، وقبح فريتهم على ربهم ، أنهم يجعلون لمن خلقهم ودبرهم وأنعم عليهم ، فاستوجب بنعمه عليهم الشكر ،واستحق عليه الحمد : البنات : ولا ينبغي أن يكون لله ولد ذكر ولا أنثى سبحانه ، نزه جل جلاله بذلك نفسه عما أضافوا إليه ونسبوه من البنات ، فلم يرضوا بجهلهم إذ أضافوا غليه ما لا ينبغي إضافته إليه . ولا ينبغي أن يكون له من الولد أن يضيفوا إليه ما يشتهونه لأنفسهم ، ويحبونه لها ، ولكنهم أضافوا إليه ما يكرهونه لأنفسهم ، ولا يرضونه لها من البنات ما يقتلونها إذا كانت لهم . وفي ما التي في قوله "ولهم ما يشتهون" وجهان من العربية : النصب عطفاً لها على البنات ، فيكون معنى الكلام إذا أريد ذلك : ويجعلون لله البنات ولهم البنين الذين يشتهون ، فتكون ما للبنين ، والرفع على أن الكلام مبتدأ من قوله "ولهم ما يشتهون" فيكون معنى الكلام : ويجعلون لله البنات ولهم البنون .
وقوله "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا" يقول : وإذا بشر أحد هؤلاء الذين جعلوا لله البنات بولادة ما يضيفه إليه من ذلك له ، ظل وجهه مسوداً من كراهته له "وهو كظيم" يقول قد كظم الحزن ، وامتلأ غماً بولادته له ، فهو لا يظهر ذلك .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثنا أبي ، قال : حدثني عمي ،قال : حدثني ابي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "ويجعلون لله البنات سبحانه ولهم ما يشتهون" ، ثم قال :"وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" .... إلى آخر الآية ويقول : يجعلون لله البنات ترضونهن لي ، ولا ترضونهن لأنفسكم وذلك أنهم كانوا في الجاهلية إذا ولد للرجل منهم جارية أمسكها على هون ، أو دسها في التراب وهي حية .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم" وهذا صنيع مشركي العرب ، أخبرهم الله تعالى ذكره بخبث صنيعهم فأما المؤمن فهو حقيق أن يرضى بما قسم الله له ، وقضاء الله خير من قضاء المرء لنفسه ، ولعمري ما يدري أنه خير ،لرب جارية خير لأهلها من غلام . وإنما أخبركم الله بصنيعهم لتجتنبوه وتنتهوا عنه ،وكان أحدهم يغذو كلبه ،ويئد ابنته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : قال ابن عباس : "وهو كظيم" قال : حزين .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا عمرو بن عون ، قال : أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله "وهو كظيم" قال : الكظيم : الكميد . وقد بينا ذلك بشواهده في غير هذا الموضع .
قوله تعالى: " وإذا بشر أحدهم بالأنثى " أي أخبر أحدهم بولادة بنت. " ظل وجهه مسودا " أي متغيراً، وليس يريد السواد الذي هو ضد البياض، وإنما هو كناية عن غمه بالبنت. والعرب تقول لكل من لقي مكروهاً: قد اسود وجهه غماً وحزناً، قاله الزجاج. وحكى الماوردي أن المراد سواد اللون قال: وهو قول الجمهور. " وهو كظيم " أي ممتليء من الغم. وقال ابن عباس: حزين. وقال الأخفش : هو الذي يكظم غيظه فلا يظهره. وقيل: إنه المغموم الذي يطبق فاه فلا يتكلم من الغم، مأخوذ من الكظامة وهو شد فم القربة، قاله علي بن عيسى. وقد تقدم هذا المعنى في سورة ( يوسف).
يخبر تعالى عن قبائح المشركين الذين عبدوا مع الله غيره من الأصنام والأوثان والأنداد بغير علم, و " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " أي جعلوا لالهتهم نصيباً مع الله وفضلوها على جانبه, فأقسم الله تعالى بنفسه الكريمة ليسألنهم عن ذلك الذي افتروه وائتفكوه وليقابلنهم عليه وليجازينهم أوفر الجزاء في نار جهنم, فقال: "تالله لتسألن عما كنتم تفترون" ثم أخبر تعالى عنهم أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً, وجعلوها بنات الله فعبدوها معه, فأخطأوا خطأ كبيراً في كل مقام من هذه المقامات الثلاث, فنسبوا إليه تعالى أن له ولداً ولا ولد له, ثم أعطوه أخس القسمين من الأولاد وهو البنات, وهم لا يرضونها لأنفسهم, كما قال: " ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذا قسمة ضيزى ".
وقوله ههنا: "ويجعلون لله البنات سبحانه" أي عن قولهم وإفكهم " ألا إنهم من إفكهم ليقولون * ولد الله وإنهم لكاذبون * أصطفى البنات على البنين * ما لكم كيف تحكمون ". وقوله: "ولهم ما يشتهون" أي يختارون لأنفسهم الذكور ويأنفون لأنفسهم من البنات التي نسبوها إلى الله, تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً, فإنه "إذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً" أي كئيباً من الهم "وهو كظيم" ساكت من شدة ما هو فيه من الحزن, "يتوارى من القوم" أي يكره أن يراه الناس "من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب" أي إن أبقاها أبقاها مهانة لا يورثها ولا يعتني بها, ويفضل أولاده الذكور عليها "أم يدسه في التراب" أي يئدها وهو أن يدفنها فيه حية كما كانوا يصنعون في الجاهلية, أفمن يكرهونه هذه الكراهة ويأنفون لأنفسهم عنه يجعلونه لله ؟ "ألا ساء ما يحكمون" أي بئس ما قالوا, وبئس ما قسموا, وبئس ما نسبوه إليه, كقوله تعالى: "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم". وقوله ههنا: " للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء " أي النقص إنما ينسب إليهم " ولله المثل الأعلى" اي الكمال المطلق من كل وجه وهو منسوب إليه "وهو العزيز الحكيم".
ثم ذكر سبحانه كراهتهم للإناث التي جعلوها لله سبحانه فقال: 58- "وإذا بشر أحدهم بالأنثى" أي إذا أخبر أحدهم بولادة بنت له "ظل وجهه مسوداً" أي متغيراً، وليس المراد السواد الذي هو ضد البياض، بل المراد الكناية بالسواد عن الانكسار والتغير بما يحصل من الغم، والعرب تقول لكل من لقي مكروهاً قد اسود وجهه غماً وحزناً قاله الزجاج. وقال الماوردي: بل المراد سواد اللون حقيقة، قال: وهو قول الجمهور، والأول أولى، فإن المعلوم بالوجدان أن من غضب وحزن واغتم لا يحصل في لونه إلا مجرد التغير وظهور الكآبة والانكسار لا السواد الحقيقي، وجملة "وهو كظيم" في محل نصب على الحال: أي ممتلئ من الغم غيظاً وحنقاً. قال الأخفش: هو الذي يكظم غيظه ولا يظهره، وقيل إنه المغموم الذي يطبق فاه من الغم، مأخوذ من الكظامة وهو سد فم البئر قاله علي بن عيسى، وقد تقدم في سورة يوسف.
58 - " وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً " ، متغيراً من الغم والكراهية ،" وهو كظيم " ،وهو ممتلئ حزناً وغيظاً ، فهو يكظمه أي : يمسكه ولا يظهره .
58." وإذا بشر أحدهم بالأنثى "أخبر بولادتها."ظل وجهه"صار أو دام النهار كله. "مسوداً" من الكآبة والحياء من الناس.واسوداد الوجه كناية عن الاغتمام والتشوير. "وهو كظيم"مملوء غيظاً من المرأة .
58. When if one of them receiveth tidings of the birth of a female, his face remaineth darkened, and he is wroth inwardly.
58 - When news is brought to one of them, of (the birth of) a female (child), his face darkens, and he is filled with inward grief