[النحل : 55] لِيَكْفُرُواْ بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ
55 - (ليكفروا بما آتيناهم) من النعمة (فتمتعوا) باجتماعكم على عبادة الأصنام أمر تهديد (فسوف تعلمون) عاقبة ذلك
يقول تعالى ذكره : ثم إذا وهب لكم ربكم العافية ، ورفع عنكم ما أصابكم من المرض في أبدانكم ، ومن الشدة في معاشكم ، وفرج البلاء عنكم "إذا فريق منكم بربهم يشركون" يقول: إذا جماعة منكم يجعلون لله شريكاً في عبادتهم ، فيعبدون الأوثان ، ويذبحون لها الذبائح شكراً لغير من أنعم عليهم بالفرج مما كانوا من الضر "ليكفروا بما آتيناهم" يقول :ليجحدوا الله نعمته فيما آتاهم من كشف الضر عنهم "فتمتعوا فسوف تعلمون" ، وهذا من الله وعيد لهؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآيات ، وتهديد لهم ،يقول لهم جل ثناؤه : تمتعوا في هذه الحياة الدنيا إلى أن توافيكم آجالكم ، وتبلغوا الميقات الذي وقته لحياتكم ، وتمتعكم فيها ،فإنكم من ذلك ستصيرون إلى ربكم ، فتعلمون بلقائه وبال ما كسبت أيديكم ، وتعرفون سوء مغبة أمركم ،وتندمون حين لا ينفعكم الندم .
" ليكفروا بما آتيناهم " أي ليجحدوا نعمة الله التي أنعم بها عليهم من كشف الضر والبلاء. أي أشركوا ليجحدوا، فاللام لام كي. وقيل لام العاقبة. وقيل: ( ليكفروا بما آتيناهم) أي ليجعلوا النعمة سبباً للكفر، وكل هذا فعل خبيث، كما قال:
والكفر مخبثة لنفس المنعم
" فتمتعوا " أمر تهديد. وقرأ عبد الله ( قل تمتعوا). " فسوف تعلمون " أي عاقبة أمركم.
يخبر تعالى أنه لا إله إلا هو, وأنه لا ينبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له, فإنه مالك كل شيء وخالقه وربه "وله الدين واصباً" قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وميمون بن مهران والسدي وقتادة وغير واحد: أي دائماً, وعن ابن عباس أيضا: أي واجباً. وقال مجاهد: أي خالصاً له, أي له العبادة وحده ممن في السموات والأرض, كقوله: " أفغير دين الله يبغون وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون " هذا على قول ابن عباس وعكرمة, فيكون من باب الخبر, وأما على قول مجاهد فإنه يكون من باب الطلب, أي ارهبوا أن تشركوا بي شيئاً وأخلصوا لي الطاعة, كقوله تعالى: "ألا لله الدين الخالص" ثم أخبر أنه مالك النفع والضر, وأن ما بالعباد من رزق ونعمة وعافية ونصر فمن فضله عليهم, وإحسانه إليهم "ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون" أي لعلمكم أنه لا يقدر على إزالته إلا هو فإنكم عند الضرورات تلجأون إليه وتسألونه وتلحون في الرغبة إليه مستغيثين به, كقوله تعالى: "وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً" وقال ههنا: "ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون * ليكفروا بما آتيناهم" قيل: اللام ههنا لام العاقبة. وقيل : لام التعليل بمعنى قيضنا لهم ذلك ليكفروا أي يستروا ويجحدوا نعم الله عليهم وأنه المسدي إليهم النعم, الكاشف عنهم النقم, ثم توعدهم قائلاً "فتمتعوا" أي اعملوا ما شئتم وتمتعوا بما أنتم فيه قليلاً "فسوف تعلمون" أي عاقبة ذلك.
واللام في 55- "ليكفروا بما آتيناهم" لام كي: أي لكي يكفروا بما آتيناهم من نعمة كشف الضر، حتى كأن هذا الكفر منهم الواقع في موضع الشكر الواجب عليهم غرض لهم ومقصد من مقاصدهم، وهذا غاية في العتو والعناد ليس وراءها غاية، وقيل اللام للعاقبة: يعني ما كانت عاقبة تلك التضرعات إلا هذا الكفر. ثم قال سبحانه على سبيل التهديد والترهيب ملتفتاً من الغيبة إلى الخطاب "فتمتعوا" بما أنتم فيه من ذلك "فسوف تعلمون" عاقبة أمركم وما يحل بكم في هذه الدار وما تصيرون إليه في الدار الآخرة.
55 - " ليكفروا " ، ليجحدوا ،[ وهذه اللام تسمى لا العاقبة ، أي : حاصل أمرهم هو كفرهم ] " بما آتيناهم " أعطيناهم من النعماء وكشف الضراء والبلاء ، " فتمتعوا " ، أي : عيشوا في الدنيا المدة التي ضربتها لكم ، " فسوف تعلمون " عاقبة أمركم . هذا وعيد لهم .
55."ليكفروا بما آتيناهم "من نعمة الكشف عنهم كأنهم قصدوا بشركهم كفران النعمة ، أو إنكار كونها من الله تعالى. "فتمتعوا" أمر تهديد."فسوف تعلمون"أغلظ وعيده. وقرئ فيمتعوا مبنياً للمفعول عطفاً على"ليكفروا" ، وعلى هذا جاز أن تكون اللام لام الأمر الوارد للتهديد والفاء للجواب.
55. So as to deny that which We have given them. Then enjoy life (while ye may), for ye will come to know.
55 - (As if) to show their ingratitude for the favours we have bestowed on them then enjoy (your brief day); but soon will ye know (your folly)