[النحل : 119] ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ
119 - (ثم إن ربك للذين عملوا السوء) الشرك (بجهالة ثم تابوا) رجعوا (من بعد ذلك وأصلحوا) عملهم (إن ربك من بعدها) أي الجهالة أو التوبة (لغفور) لهم (رحيم) بهم
يقول تعالى ذكره : إن ربك للذين عصوا الله فجهلوا بركوبهم ما ركبوا من معصية الله ، وسفهوا بذلك ثم راجعوا طاعة الله والندم عليها ، والاستغفار والتوبة منها ، من بعد ما سلف منهم ما سلف من ركوب المعصية ، وأصلح فعمل بما يجب الله ويرضاه "إن ربك من بعدها" يقول : إن ربك يا محمد من بعد توبتهم له "لغفور رحيم" .
قوله تعالى " ثم إن ربك للذين عملوا السوء " أي الشرك قاله ابن عباس وقد تقدم في النساء .
لما ذكر تعالى أنه إنما حرم علينا الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به وإنما أرخص فيه عند الضرورة ـ وفي ذلك توسعة لهذه الأمة التي يريد الله بها اليسرى ولا يريد بها العسرى ـ ذكر سبحانه وتعالى ما كان حرمه على اليهود في شريعتهم قبل أن ينسخها, وما كانوا فيه من الاصار والتضييق والأغلال والحرج, فقال: "وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل" أي في سورة الأنعام في قوله: " وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون " ولهذا قال ههنا: "وما ظلمناهم" أي فيما ضيقنا عليهم "ولكن كانوا أنفسهم يظلمون" أي فاستحقوا ذلك, كقوله: "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم وبصدهم عن سبيل الله كثيراً" ثم أخبر تعالى تكرماً وامتناناً في حق العصاة المؤمنين أن من تاب منهم إليه تاب عليه, فقال: "ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة" قال بعض السلف: كل من عصى الله فهو جاهل "ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا" أي أقلعوا عما كانوا فيه من المعاصي وأقبلوا على فعل الطاعات "إن ربك من بعدها" أي تلك الفعلة والزلة "لغفور رحيم".
ثم بين سبحانه أن الافتراء على الله سبحانه ومخالفة أمره لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة فقال: 119- "ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة" أي متلبسين بجهالة، وقد تقدم تفسير هذه الآية في سورة النساء "ثم تابوا من بعد ذلك" أي من بعد عملهم للسوء، وفيه تأكيد فإن ثم قد دلت على البعدية فأكدها بزيادة ذكر البعدية "وأصلحوا" أعمالهم التي كان فيها فساد بالسوء الذي عملوه، ثم كرر ذلك تأكيداً وتقريراً فقال: "إن ربك من بعدها" أي من التوبة " لغفور رحيم " كثير الغفران واسع الرحمة.
وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: "وضرب الله مثلاً قرية" قال: يعني مكة. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن عطية في الآية مثله وزاد فقال: ألا ترى أنه قال: "ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن شهاب قال: القرية التي قال الله "كانت آمنة مطمئنة" هي يثرب. قلت: ولا أدري أي دليل دله على هذا التعيين، ولا أي قرينة قامت له على ذلك، ومتى كفرت دار الهجرة ومسكن الأنصار بأنعم الله، وأي وقت أذاقها الله لباس الجوع والخوف، وهي التي تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد كما صح ذلك عن الصادق المصدوق. وصح عنه أيضاً أنه قال: "والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون". وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب" الآية قال: في البحيرة والسائبة. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي نضرة قال: قرأت هذه الآية في سورة النحل ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب "هذا حلال وهذا حرام" إلى آخر الآية، فلم أزل أخاف الفتيا إلى يومي هذا. قلت: صدق رحمه الله، فإن هذه الآية تتناول بعموم لفظها فتيا من أفتى بخلاف ما في كتاب الله أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، كما يقع كثيراً من المؤثرين للرأي المقدمين له على الرواية، أو الجاهلين لعلم الكتاب والسنة كالمقلدة، وإنهم لحقيقون بأن يحال بينهم وبين فتاويهم ويمنعوا من جهالتهم، فإنهم أفتوا بغير علم من الله ولا هدىً ولا كتاب منير فضلوا وأضلوا، فهم ومن يستفتيهم كما قال القائل:
كبهيمة عمياء قاد زمامها أعمى على عوج الطريق الجائر
وأخرج الطبراني عن ابن مسعود قال: عسى رجل أن يقول إن الله أمر بكذا أو نهى عن كذا، فيقول الله عز وجل له: كذبت، أو يقول: إن الله حرم كذا أو أحل كذا، فيقول الله له: كذبت. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن في قوله: "وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك" قال: في سورة الأنعام. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة مثله، وقال حيث يقول: "وعلى الذين هادوا" إلى قوله "وإنا لصادقون".
119 - " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا " معنى الإصلاح : الاستقامة على التوبة ، " إن ربك من بعدها " ، أي : من بعد الجهالة ، " لغفور رحيم " .
119."ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة"بسببها او ملتبسين بها ليعم الجهل بالله وبعقابه وعدم التدبر في العواقب لغلبة الشهوة ، والسوء يعم الافتراء على الله وغيره ."ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها "من بعد التوبة ."لغفور"لذلك السوء ."رحيم"يثيب على الإنابة.
119. Then lo! thy Lord for those who do evil in ignorance and afterward repent and amend lot (for them) thy Lord is afterward indeed Forgiving, Merciful.
119 - But verily thy Lord, to those who do wrong in ignorance, but who thereafter repent and make amends, thy Lord, after all this, is oft forgiving, Most Merciful.