[النحل : 117] مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
117 - لهم (متاع قليل) في الدنيا (ولهم) في الآخرة (عذاب أليم) مؤلم
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الحجاز والعراق "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب" فتكون تصف الكذب ، بمعنى : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب ، فتكون ما بمعنى المصدر ، وذكر عن الحسن البصري أنه قرأ ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا بخفض الكذب ،بمعنى : ولا تقولوا للكذب الذي تصفه ألسنتكم "هذا حلال وهذا حرام" فيجعل الكذب ترجمة عن ما التي في لما ، فتخفضه بما تخفض به ما . وقد حكي عن بعضهم لما تصف ألسنتكم الكذب برفع الكذب ، فيجعل الكذب من صفة الألسنة ،ويخرج على فعل على أنه جمع كذوب وكذب ، مثل شكور وشكر .
والصواب عندي من القراءة في ذلك نصب الكذب لإجماع الحجة من القراء عليه ، فتأويل الكلام إذ كان ذلك كذلك لما ذكرنا : ولا تقولوا لوصف ألسنتكم الكذب فيما رزق الله عباده من المطاعم : هذا حلال ، وهذا حرام ، كي تفتروا على الله بقيلكم ذلك الكذب ، فإن الله لم يحرم من ذلك ما تحرمون ، ولا أحل كثيراً مما تحلون ، ثم تقدم إليهم بالوعيد على كذبهم عليه ، فقال "إن الذين يفترون على الله الكذب" يقول :إن الذين يتخرصون على الله الكذب ويختلقونه ، لا يخلدون في الدنيا ، ولا يبقون فيها ،إنما يتمتعون فيها قليلاً . وقال "متاع قليل" فرفع ،لأن المعنى الذي هم فيه من هذه الدنيا متاع قليل ، أو لهم متاع قليل في الدنيا . وقوله "ولهم عذاب أليم" يقول : ثم إلينا مرجعهم ومعادهم ، ولهم على كذبهم وافترائهم على الله بما كانوا يفترون عذاب عند مصيرهم إليه أليم .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال :حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله تعالى : "لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام" في البحيرة والسائبة .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قال : البحائر والسوائب .
قوله تعالى " متاع قليل ولهم عذاب أليم "
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين بأكل رزقه الحلال الطيب وبشكره على ذلك فإنه المنعم المتفضل به ابتداء الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له, ثم ذكر تعالى ما حرمه عليهم مما فيه مضرة لهم في دينهم ودنياهم من الميتة والدم ولحم الخنزير "وما أهل لغير الله به" أي ذبح على غير اسم الله, ومع هذا "فمن اضطر" إليه أي احتاج من غير بغي ولا عدوان "فإن الله غفور رحيم". وقد تقدم الكلام على مثل هذه الاية في سورة البقرة بما فيه كفاية عن إعادته, ولله الحمد.
ثم نهى تعالى عن سلوك سبيل المشركين الذين حللوا وحرموا بمجرد ما وصفوه واصطلحوا عليه من الأسماء بآرائهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وغير ذلك, مما كان شرعاً لهم ابتدعوه في جاهليتهم, فقال: "ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب" ويدخل في هذا كل من ابتدع بدعة ليس له فيها مستند شرعي, أو حلل شيئاً مما حرم الله, أو حرم شيئاً مما أباح الله بمجرد رأيه وتشهيه, وما في قوله: "لما تصف" مصدرية, أي ولا تقولوا الكذب لوصف ألسنتكم, ثم توعد على ذلك فقال: "إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون" أي في الدنيا ولا في الاخرة, أما في الدنيا فمتاع قليل, وأما في الاخرة فلهم عذاب أليم, كما قال: "نمتعهم قليلاً ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ" وقال " إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ".
وارتفاع 117- "متاع قليل" على أنه خبر مبتدأ محذوف. قال الزجاج: أي متاعهم متاع قليل، أو هو مبتدأ خبره محذوف: أي لهم متاع قليل " ولهم عذاب أليم " يردون إليه في الآخرة.
117 - " متاع قليل " ، يعني : الذي هم فيه متاع قليل ،أو لهم متاع قليل في الدنيا . " ولهم عذاب أليم " ،في الآخرة.
117."متاع قليل"أي ما يفترون لأجله أو ما هم فيه منفعة قليلة تنقطع عن قريب."ولهم عذاب أليم"في الآخرة.
117. A brief enjoyment (will be theirs); and theirs a gainful doom.
117 - (In such falsehood) is but a paltry profit; but they will have a most grievous penalty.