[الحجر : 86] إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ
86 - (إن ربك هو الخلاق) لكل شيء (العليم) بكل شيء
يقول تعالى ذكره : وما خلقنا الخلائق كلها ،سماءها وأرضها ، ما فيهما وما بينهما ، يعني بقوله : "وما بينهما" مما في أطباق ذلك "إلا بالحق" يقول : إلا بالعدل والإنصاف ، لا بالظلم والجور . وإنما يعني تعالى ذكره بذلك : أنه لم يظلم أحداً من الأمم التي اقتص قصصها في هذه السورة ، وقصص إهلاكه إياها بما فعل به من تعجيل النقمة له على كفره به ، فيعذبه ويهلكه بغير استحقاق ، لأنه لم يخلق السماوات والأرض وما بينهما بالظلم والجور ، ولكنه خلق ذلك بالحق والعدل . وقوله : "إن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإن الساعة ، وهي الساعة التي تقوم فيها القيامة لجائية ، فأعرض بها لمشركي قومك الذين كذبوك ، وردوا عليك ما جئتهم به من الحق "فاصفح الصفح الجميل" ، يقول : فأعرض عنهم إعراضاً جميلاً ، واعف عنهم عفواً حسناً وقوله :"إن ربك هو الخلاق العليم" يقول تعالى ذكره : إن ربك هو الذي خلقهم وخلق كل شيء ، وهو عالم بهم وبتدبيرهم ، وما يأتون من الأفعال . وكان جماعة من أهل التأويل تقول : هذه الآية منسوخة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "فاصفح الصفح الجميل" ثم نسخ ذلك بعد ، فأمره الله تعالى ذكره بقتالهم ، حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله ، لا يقبل منهم غيره .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا سويد بن نصر ، قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : "فاصفح الصفح الجميل" ، (فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون ) . (وأعرض عن المشركين ) و (قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ) وهذا النحو كله في القرآن أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم أن يكون ذلك منه ، حتى أمرع بالقتال ، فنسخ ذلك كله ، فقال خذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد ) .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد : "فاصفح الصفح الجميل" قال : هذا قبل القتال .
حدثني المثنى ، قال: أخبرنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان بن عيينة ، في قوله : "فاصفح الصفح الجميل" ، وقوله ( وأعرض عن المشركين ) قال : كان هذا قبل أن ينزل الجهاد . فلما أمر بالجهاد قاتلهم فقال : أنا نبي الرحمة ونبي الملحمة وبعثت بالحصاد ولم أبعث بالزراعة .
" إن ربك هو الخلاق " أي المقدر للخلق والأخلاق. " العليم " بأهل الوفاق والنفاق.
يقول تعالى: " وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق وإن الساعة لآتية " أي بالعدل " ليجزي الذين أساؤوا بما عملوا " الاية, وقال تعالى: "وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلاً ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار" وقال تعالى: "أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون * فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم" ثم أخبر نبيه بقيام الساعة وأنها كائنة لا محالة ثم أمره بالصفح الجميل عن المشركين في أذاهم له وتكذيبهم ما جاءهم به, كقوله: "فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون" وقال مجاهد وقتادة وغيرهما: كان هذا قبل القتال, وهو كما قالا, فإن هذه مكية والقتال إنما شرع بعد الهجرة.
وقوله: "إن ربك هو الخلاق العليم" تقرير للمعاد وأنه تعالى قادر على إقامة الساعة فإنه الخلاق الذي لا يعجزه خلق شيء, العليم بما تمزق من الأجساد وتفرق في سائر أقطار الأرض, كقوله: "أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم * إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون * فسبحان الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون".
86- "إن ربك هو الخلاق العليم" أي الخالق للخلق جميعاً العليم بأحوالهم وبالصالح والطالح منهم.
وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مدين وأصحاب الأيكة أمتان بعث الله إليهما شعيباً". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس قال: أصحاب الأيكة هم قوم شعيب، والأيكة ذات آجام وشجر كانوا فيها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأيكة الغيضة. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: أصحاب الأيكة أهل مدين، والأيكة الملتفة من الشجر. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً قال: الأيكة مجمع الشيء. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً قال في قوله: "وإنهما لبإمام مبين" طريق ظاهر. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في أصحاب الحجر قال: أصحاب الوادي. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: كان أصحاب الحجر ثمود وقوم صالح. وأخرج البخاري وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب الحجر:لا تدخلوا على هؤلاء القوم إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم أن يصيبكم مثل ما أصابهم". وأخرج ابن مردويه عنه قال: نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام غزوة تبوك بالحجر عند بيوت ثمود، فاستقى الناس من مياه الآبار التي كانت تشرب منها ثمود وعجنوا منها ونصبوا القدور باللحم، فأمرهم بإهراق القدور، وعلفوا العجين الإبل، ثم ارتحل بهم على البئر التي كانت تشرب منها الناقة، ونهاهم أن يدخلوا على القوم الذين عذبوا، فقال: إني أخشى أن يصيبكم مثل الذي أصابهم فلا تدخلوا عليهم. وأخرج ابن مردويه عن سبرة بن معبد "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بالحجر لأصحابه من عمل من هذا الماء شيئاً فليلقه قال: ومنهم من عجن العجين، ومنهم من حاس الحيس". وأخرج ابن مردويه وابن النجار عن علي في قوله: "فاصفح الصفح الجميل" قال: الرضا بغير عتاب. وأخرج البيهقي في الشعب عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: هذه الآية قبل القتال. وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة مثله.
86-"إن ربك هو الخلاق العليم " [ بخلقه ].
86."إن ربك هو الخلاق " الذي خلقك وخلقهم وبيده أمرك وأمرهم. "العليم" بحالك وحالهم فهو حقيق بأن تكل ذلك إليه ليحكم بينكم ، أو هو الذي خلقكم وعلم الأصلح لكم ، وقد علم أن الصفح اليوم أصلح ، وفي مصحف عثمان وأبي رضي الله عنهما هو الخالق، وهو يصلح للقليل والكثير و"الخلاق"يختص بالكثير .
86. Lo! Thy Lord! He is the All Wise Creator.
86 - For verily it is thy Lord who is the Master Creator, knowing all things.