[الحجر : 22] لَوَاقِحَ فَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ
22 - (وأرسلنا الرياح لواقح) تلقح السحاب فيمتلئ ماء (فأنزلنا من السماء) السحاب (ماء) مطرا (فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين) أي ليست خزائنه بأيديكم
اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة القراء "وأرسلنا الرياح لواقح" ، وقرأه بعض قراء أهل الكوفة وأرسلنا الريح لواقح فوحد الريح وهي موصوفة بالجمع ، أعني بقوله : لواقح . وينبغي أن يكون معنى ذلك : أن الريح وإن كان لفظها واحداً ، فمعناها الجمع ، لأنه يقال : جاءت الريح من كل وجه ، وهبت من كل مكان، فقيل : لواقح لذلك ، فيكون معنى جمعهم نعتها ، وهي في اللفظ واحدة معنى قولهم : أرش سباسب ، وأرض أغفال ، وثوب أخلاق ، كما قال الشاعر :
جاء الشتاء وقميصي أخلاق شراذم يضحك منه التواق
وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع .
واختلف أهل العربية في وجه وصف الرياح باللقح ، وإنما هي ملقحة لا لاقحة ، وذلك أنها تلقح السحاب والشجر ، وإنما توصف باللقح الملقوحة لا الملقح ، كما يقال : ناقة لاقح . وكان بعض نحويي البصرة يقول : قيل : الرياح لواقح ، فجعلها على لاقح ، كأن الرياح لقحت ، لأن فيها خيراً ، فقد لقحت بخير . قال : وقال بعضهم : الرياح تلقح السحاب ، فهذا يدل على ذلك المعنى ، لأنها إذا أنشأته وفيها خير وصل ذلك إليه . وكان بعض نحويي الكوفة يقول : في ذلك معنيان : أحدهما أن يجعل الريح هي التي تلقح بمرورها على التراب والماء فيكون فيها اللقاح ، فيقال : ريح لاقح ، كما يقال: ناقة لاقح ، قال :ويشهد على ذلك أنه وصف ريح العذاب ، فقال ( عليهم الريح العقيم ) فجعلها عقيماً إذا لم تلقح . قال : والوجه الآخر أن يكون وصفها باللقح ، وإن كانت تلقح ، كما قيل : ليل نائم والنوم فيه ، وسر كاتم ، وكما قيل : المبروز والمختوم ، فجعل مبروزاً ، ولم يقل مبرزاً بناه على غير فعله : أي أن ذلك من صفاته ، فجاز مفعول لمفعل ، كما جاز فاعل لمفعول ، إذا لم يرد البناء على الفعل ، كما قيل : ماء دافق .
والصواب من القول في ذلك عندي : أن الرياح لواقح كما وصفها به جل ثناؤه من صفتها ، وإن كانت قد تلقح السحاب والأشجار ، فهي لاقحة ملقحة ، ولقحها : حملها الماء وإلقاحها السحاب والشجر :عملها فيه ، وذلك كما قال عبد الله بن مسعود .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا المحاربي ، عن الأعمش ،عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن سكن ،عن عبد الله بن مسعود ، في قوله "وأرسلنا الرياح لواقح" قال : يرسل الله الرياح فتحمل الماء ، فتجري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ثم تمطر .
حدثني ابو السائب ، قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن قيس بن سكن ، عن عبد الله "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: يبعث الله الريح فتلقح السحاب ، ثم تمريه فتدر كما تدر اللقحة ، ثم تمطر .
حدثنا الحسن بن محمد ، قال : حدثنا أسباط بن محمد ، عن الأعمش ، عن المنهال بن عمرو ، عن قيس بن السكن ، عن عبد الله بن مسعود ، في قوله "وأرسلنا الرياح لواقح" قال : يرسل الرياح ، فتحمل الماء من السحاب ، ثم تمري السحاب ، فتدر كما تدر اللقحة ، فقد بين عبد الله بقوله : يرسل الرياح فتحمل الماء أنها هي اللاقحة بحملها وإن كانت ملقحة بإلقاحها السحاب والشجر .
وأما جماعة أخر من أهل التأويل ، فإنهم وجهوا وصف الله تعالى ذكره إياها بأنها لواقح ، إلى أنه بمعنى ملقحة ، وأن اللواقح وضعت موضع ملاقح ، كما قال نهشل بن حري :
ليبك يزيد بائس لضراعة وأشعث ممن طوحته الطوائح
يريد المطاوح ،وكما قال النابغة :
كليني لهم يا أميمة ناصب وليل أقاسيه بطيء الكواكب
بمعنى : منصب .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم في قوله : "وأرسلنا الرياح لواقح" قال : تلقح السحاب .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثنا أحمد بن إسحاق ، قال : حدثنا أبو أحمد ، قال : حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، مثله .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن علية ، عن أبي رجاء ، عن الحسن ، قوله "وأرسلنا الرياح لواقح" قال : لواقح للشجر ، قلت : أو للسحاب ؟ قال : وللسحاب تمريه حتى يمطر .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن أبي سنان ،عن حبيب ابن أبي ثابت ، عن عبيد بن عمير ، قال : يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قما ، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر ،ثم تلا عبيد ، "وأرسلنا الرياح لواقح" .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : "وأرسلنا الرياح لواقح" يقول : لواقح للسحاب ، وإن من الريح عذاباً ، وإن منها رحمة .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة "لواقح" قال : تلفح الماء في السحاب .
حدثنا القاسم ، قال :حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن ابن عباس "لواقح" قال : تلقح الشجر وتمري السحاب .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول : في قوله "وأرسلنا الرياح لواقح" الرياح يبعثها الله على السحاب فتلقحه ، فيمتلىء ماء .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا أحمد بن يونس ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون ، قال : حدثنا أبو المهزم ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح ، وهي التي ذكر الله تعالى في كتابه وفيها منافع للناس" .
حدثني أبو الجماهر الحمصي أو الحضرمي محمد بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا عبد العزيز بن موسى ، قال : حدثنا عيسى بن ميمون أبو عبيدة ، عن أبي المهزوم ، عن أبي هريرة ، قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فذكر مثله سواء .
وقوله "فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه" يقول تعالى ذكره : فأنزلنا من السماء مطراً فأسقيناكم ذلك المطر لشرب أرضكم ومواشيكم ، ولو كان معناه : أنزلناه لتشربوه لقيل : فسقيناكموه . وذلك أن العرب تقول إذا سقت الرجل ماء شربه أو لبناً أو غيره : سقيته بغير ألف إذا كان لسقيه ، وإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه أو ماشيته ، قالوا : أسقيته وأسقيت ارضه وماشيته ، وكذلك إذا استسقت له ، قالوا : أسقيته واستسقيته ، كما قال ذو الرمة :
وقفت على رسم لمية ناقتي فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبثه تكلمني أحجاره وملاعبه
وكذلك إذا وهبت الرجل إهاباً ليجعله سقاء ، قلت : اسقيته إياه .
وقوله "وما أنتم له بخازنين" يقول : ولستم بخازني الماء الذي أنزلنا من السماء فأسقيناكموه ، فتمنعوه من أسقيه ، لأن ذلك بيدي وإلي ، اسقيه من أشاء ، وأمنعه من أشاء .
فيه خمس مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " وأرسلنا الرياح " قراءة العامة ( الرياح) بالجمع. وقرأ حمزة بالتوحيد، لأن معنى الريح الجمع أيضاً وإن كان لفظها لفظ الواحد.كما يقال: جاءت الريح من كل جانب. كما يقال: أرض سباسب وثوب أخلاق. وكذلك تفعل العرب في كل شيء اتسع. وأما وجه قراءة العامة فلأن الله تعالى نعتها بـ ( ـلواقح) وهي جمع. ومعنى لواقح حوامل، لأنها تحمل الماء والتراب والسحاب والخير والنفع. قال الأزهري : وجعل الريح لاقحاً لأنها تحمل السحاب، أي تقله وتصرفه ثم تمريه فتستديره، أي تنزله، قال الله تعالى: " حتى إذا أقلت سحابا ثقالا " ( الأعراف: 57) أي حملت. وناقة لاقح ونوق لواقح إذا حملت الأجنة في بطونها. وقيل: لواقح بمعنى ملقحة وهو الأصل، ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح، كأن الريح لقحت بخير. وقيل ذوات لقح، وكل ذلك صحيح، أي منها ما يلقح الشجر، كقولهم: عيشة راضية، أي فيها رضاً، وليل نائم، أي فيه نوم. ومنها ما تأتي بالسحاب. يقال: لقحت الناقة ( بالكسر) لقحا ولقاحا ( بالفتح) فهي لاقح. وألقحها الفحل أي ألقى إليها الماء فحملته، فالرياح كالفحل للسحاب. قال الجوهري : ورياح لواقح ولا يقال ملاقح، وهو من النوادر. وحكى المهدوي عن أبي عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح، ذهب إلى أنه جمع ملقحة وملقح، ثم حذفت زوائده. وقيل: هو جمع لاقحة ولاقح، على معنى ذات اللقاح على النسب. ويجوز أن يكون معنى لاقح حاملاً. والعرب تقول للجنوب: لاقح وحامل، وللشمال حائل وعقيم. وقال عبيد بن عمير: يرسل الله المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يرسل المثيرة فتثير السحاب، ثم يرسل المؤلفة فتؤلفه، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر. وقيل: الريح الملاقح التي تحمل الندى فتمجه في السحاب، فإذا اجتمع فيه صار مطراً. وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " الريح الجنوب من الجنة وهي الريح اللواقح التي ذكرها الله في كتابه وفيها منافع للناس ". وروي عنه عليه السلام أنه قال: " ما هبت جنوب إلا أنبع الله بها عينا غدقة ". وقال أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيها، فالصبا تهيجه، والدبور تلقحه، والجنوب تدره، والشمال تفرقه.
الثانية: روى ابن وهب وابن القاسم وأشهب وابن عبد الحكم عن مالك - واللفظ لأشهب - قال مالك : قال الله تعالى: ( وأرسلنا الرياح لواقح) فلقاح القمح عندي أن يحبب ويسنبل، ولا أدري ما ييبس في أكمامه، ولكن يحبب حتى يكون لو يبس حينئذ لم يكن فساد الأخير فيه. ولقاح الشجر كلها أن تثمر ثم يسقط منها ما يسقط ويثبت ما يثبت، وليس ذلك بأن تورد. قال ابن العربي : إنما عول مالك في هذا التفسير على تشبيه لقاح الشجر بلقاح الحمل، وأن الولد إذا عقد وخلق ونفخ فيه الروح كان بمنزلة تحبب الثمر وتسنبله، لأنه سمي باسم تشترك فيه كل حاملة وهو اللقاح، وعليه جاء الحديث: " نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الحب حتى يشتد ". قال ابن عبد البر : الإبار عند أهل العلم في النخل التلقيح، وهو أن يؤخذ شيء من طلع ذكور النخل فيدخل بين ظهراني طلع الإناث. ومعنى ذلك في سائر الثمار طلوع الثمرة من التين وغيره حتى تكون الثمرة مرئية منظوراً إليها. والمعتبر عند مالك وأصحابه فيما يذكر من الثمار التذكير، وفيما لا يذكر أن يثبت من نواره ما يثبت ويسقط. وحد ذلك في الزرع ظهوره من الأرض، قاله مالك . وقد روي عنه أن إباره أن يحبب. ولم يختلف العلماء أن الحائط إذا انشق طلع إناثه فأخر إباره وقد أبر غيره ممن حاله مثل حاله، أن حكمه حكم ما أبر، لأنه قد جاء عليه وقت الإبار وثمرته ظاهرة بعد تغيبها في الحب. فإن أبر بعض الحائط كان ما لم يؤبر تبعاً له. كما أن الحائط إذا بدا صلاحه كان سائر الحائط تبعاً لذلك الصلاح في جواز بيعه.
الثالثة: روى الأئمة كلهم عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من ابتاع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترط المبتاع. ومن ابتاع عبداً فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع ". قال علماؤنا: إنما لم يدخل الثمر المؤبر مع الأصول في البيع إلا بالشرط، لأنه عين موجودة يحاط بها أمن سقوطها غالباً. بخلاف التي لم تؤبر، إذ ليس سقوطها مأموناً فلم يتحقق لها وجود، فلم يجز للبائع اشتراطها ولا استثناؤها، لأنها كالجنين. وهذا هو المشهور من مذهب مالك . وقيل: يجوز استثناؤها، وهو قول الشافعي .
الرابعة: لو اشتري النخل وبقي الثمر للبائع جاز لمشتري الأصل شراء الثمرة قبل طيبها على مشهور قول مالك ، ويرى لها حكم التبعية وإن أفردت بالعقد. وعنه في رواية: لا يجوز. وبذلك قال الشافعي و أبو حنيفة و الثوري وأهل الظاهر وفقهاء الحديث. وهو الأظهر من أحاديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو صلاحها.
الخامسة: ومما يتعلق بهذا الباب النهي عن بيع الملاقح، والملاقح الفحول من الإبل، الواحد ملقح. والملاقح أيضاً الإناث التي في بطونها أولادها، الواحدة ملقحة ( بفتح القاف). والملاقيح ما في بطون النوق من الأجنة، الواحدة ملقوحة، من قولهم: لقحت، كالمحموم من حم، والمجنون من جن. وفي هذا جاء النهي. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: " نهى عن المجر وهو بيع ما بطون الإناث. ونهى عن المضامين والملاقيح ". قال أبو عبيد: المضامين ما في البطون، وهي الأجنة. والملاقيح ما في أصلاب الفحول. وهو قول سعيد بن المسيب وغيره. وقيل بالعكس: إن المضامين ما في ظهور الجمال، والملاقيح ما في بطون الإناث. وهو قول أبي حبيت وغيره. وأي الأمرين كان، فعلماء المسلمين مجمعون على أن ذلك لا يجوز. وذكر المزني عن ابن هشام شاهداً بأن الملاقيح ما في البطون لبعض الأعراب:
منيتي ملاقحاً في الأبطن تنتج من تلقح بعد أزمن
وذكر الجوهري على ذلك شاهداً قول الراجز:
إنا وجدنا طرد الهوامل خيراً من التأنان والمسائل
وعدة العام وعام قابل ملقوحةً في بطن ناب حائل
قوله تعالى: " وأنزلنا من السماء " أي من السحاب. وكل ما علاك فأظلك يسمى سماء. وقيل: من جهة السماء. " ماء " أي قطراً. " فأسقيناكموه " أي جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم. وقيل: سقى وأسقى بمعنىً. وقيل بالفرق، وقد تقدم. " وما أنتم له بخازنين " أي لست خزائنه عندكم، أي نحن الخازنون لهذا الماء ننزله إذا شئنا ونمسكه إذا شئنا. ومثله " وأنزلنا من السماء ماء طهورا " ( الفرقان: 48)، " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " ( المؤمنون: 18). وقال سفيان: لستم بمانعين المطر.
يخبر تعالى أنه مالك كل شيء وأن كل شيء سهل عليه يسير لديه, وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف "وما ننزله إلا بقدر معلوم" كما يشاء وكما يريد, ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله: ما من عام بأمطر من عام, ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء عاماً ههنا وعاماً ههنا, ثم قرأ "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" الاية, رواه ابن جرير, وقال أيضاً: حدثنا القاسم, حدثنا هشيم, أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عتيبة في قوله: "وما ننزله إلا بقدر معلوم" قال: ما عام بأكثر مطراً من عام ولا أقل, ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون بما كان في البحر, قال: وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس, وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت.
وقال البزار: حدثنا داود هو ابن بكير, حدثنا حيان بن أغلب بن تميم, حدثني أبي عن هشام, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خزائن الله الكلام, فإذا أراد شيئاً قال له كن فكان" ثم قال: لا يرويه إلا أغلب وليس بالقوي, وقد حدث عنه غير واحد من المتقدمين, ولم يروه عنه إلا ابنه. وقوله تعالى: "وأرسلنا الرياح لواقح" أي تلقح السحاب فتدر ماء, وتلقح الشجر فتفتح عن أوراقها وأكمامها, وذكرها بصيغة الجمع ليكون منها الإنتاج بخلاف الريح العقيم, فإنه أفردها ووصفها بالعقيم وهو عدم الإنتاج, لأنه لا يكون إلا من شيئين فصاعداً.
وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو, عن قيس بن السكن, عن عبد الله بن مسعود في قوله: "وأرسلنا الرياح لواقح" قال: ترسل الريح فتحمل الماء من السماء, ثم تمرى السحاب حتى تدر كما تدر اللقحة, وكذا قال ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة. وقال الضحاك: يبعثها الله على السحاب فتلقحه فيمتلىء ماء. وقال عبيد بن عمير الليثي: يبعث الله المبشرة فتقم الأرض قماً, ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب, ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف السحاب, ثم يبعث الله اللواقح فتلقح الشجر, ثم تلا "وأرسلنا الرياح لواقح".
وقد روى ابن جرير من حديث عبيس بن ميمون عن أبي المهزم عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الريح الجنوب من الجنة, وهي التي ذكر الله في كتابه, وفيها منافع للناس" وهذا إسناد ضعيف, وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده. حدثنا سفيان, حدثنا عمرو بن دينار, أخبرني يزيد بن جعدية الليثي أنه سمع عبد الرحمن بن مخراق يحدث عن أبي ذر, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله خلق في الجنة ريحاً بعد الريح بسبع سنين, وإن من دونها باباً مغلقاً, وإنما يأتيكم الريح من ذلك الباب, ولو فتح لأذرت ما بين السماء والأرض من شيء, وهي عند الله الأذيب, وهي فيكم الجنوب".
وقوله: "فأسقيناكموه" أي أنزلناه لكم عذباً يمكنكم أن تشربوا منه لو نشاء جعلناه أجاجاً, كما نبه على ذلك في الاية الأخرى في سورة الواقعة, وهو قوله تعالى: "أفرأيتم الماء الذي تشربون * أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ؟ * لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون", وفي قوله: "هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون". وقوله: "وما أنتم له بخازنين" قال سفيان الثوري: بما نعين, ويحتمل أن المراد وما أنتم له بحافظين, بل نحن ننزله ونحفظه عليكم ونجعله معيناً وينابيع في الأرض, ولو شاء تعالى لأغاره وذهب به, ولكن من رحمته أنزله وجعله عذباً, وحفظه في العيون والابار والأنهار وغير ذلك, ليبقى لهم في طول السنة يشربون ويسقون أنعامهم وزروعهم وثمارهم.
وقوله: "وإنا لنحن نحيي ونميت" إخبار عن قدرته تعالى على بدء الخلق وإعادته, وأنه هو الذي أحيا الخلق من العدم, ثم يميتهم ثم يبعثهم كلهم ليوم الجمع, وأخبر أنه تعالى يرث الأرض ومن عليها, وإليه يرجعون, ثم أخبر تعالى عن تمام علمه بهم أولهم وآخرهم, فقال: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الاية, قال ابن عباس رضي الله عنهما: المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام, والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة, وروي نحوه عن عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة ومحمد بن كعب والشعبي وغيرهم, وهو اختيار ابن جرير رحمه الله.
وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الأعلى, حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه, عن رجل, عن مروان بن الحكم أنه قال: كان أناس يستأخرون في الصفوف من أجل النساء, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وقد ورد فيه حديث غريب جداً, فقال ابن جرير: حدثني محمد بن موسى الجرشي, حدثنا نوح بن قيس, حدثنا عمرو بن قيس, حدثنا عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت تصلي خلف النبي صلى الله عليه وسلم امرأة حسناء, قال ابن عباس: لا والله ما رأيت مثلها قط, وكان بعض المسلمين إذا صلوا استقدموا, يعني لئلا يروها, وبعض يستأخرون, فإذا سجدوا نظروا إليها من تحت أيديهم, فأنزل الله "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين", وكذا رواه أحمد وابن أبي حاتم في تفسيره, ورواه الترمذي والنسائي في كتاب التفسير من سننيهما, وابن ماجه من طرق عن نوح بن قيس الحداني, وقد وثقه أحمد وأبو داود وغيرهما, وحكي عن ابن معين تضعيفه, وأخرجه مسلم وأهل السنن, وهذا الحديث فيه نكارة شديدة, وقد رواه عبد الرزاق عن جعفر بن سليمان, عن عمرو بن مالك وهو النكري أنه سمع أبا الجوزاء يقول في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم" في الصفوف في الصلاة " المستأخرين " فالظاهر أنه من كلام أبي الجوزاء فقط, ليس فيه لابن عباس ذكر, وقد قال الترمذي: هذا أشبه من رواية نوح بن قيس, والله أعلم, وهكذا روى ابن جرير عن محمد بن أبي معشر, عن أبيه أنه سمع عون بن عبد الله يذكر محمد بن كعب في قوله: "ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين" وأنها في صفوف الصلاة, فقال محمد بن كعب: ليس هكذا "ولقد علمنا المستقدمين منكم" الميت والمقتول " المستأخرين " من يخلق بعد "وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم" فقال عون بن عبد الله: وفقك الله وجزاك خيراً.
22- "وأرسلنا الرياح لواقح" معطوف على "وجعلنا لكم فيها معايش" وما بينهما اعتراض. قرأ حمزة "الريح" بالتوحيد. وقرأ من عداه "الرياح" بالجمع، وعلى قراءة حمزة فتكون اللام في الريح للجنس. قال الأزهري وجعل الرياح لواقح لأنها تحمل السحاب: أي تقله وتصرفه، ثم تمر به فتنزله. قال الله سبحانه: "حتى إذا أقلت سحاباً ثقالاً": أي حملت. وناقة لاقح: إذا حملت الجنين في بطنها، وبه قال الفراء وابن قتيبة، وقيل لواقح بمعنى ملقحة. قال ابن الأنباري: تقول العرب: أبقل النبت فهو باقل: أي مبقل، والمعنى: أنها تلقح الشجر: أي بقوتها، وقيل معنى لواقح: ذوات لقح. قال الزجاج: معناه وذات لقحة، لأنها تعصر السحاب وتدره كما تدر اللقحة، يقال رامح: أي ذو رمح، ولابن: أي ذو لبن، وتامر: أي ذو تمر. قال أبو عبيدة: لواقح بمعنى ملاقح، ذهب إلى أنها جمع ملقحة. وفي هذه الآية تشبيه الرياح التي تحمل الماء بالحامل، ولقاح الشجر بلقاح الحمل "وأنزلنا من السماء ماء" أي من الحساب وكل ما علاك فأظلك فهو سماء، وقيل من جهة السماء، والمراد بالماء هنا ماء المطر "فأسقيناكموه" أي جعلنا ذلك المطر لسقياكم ولشرب مواشيكم وأرضكم. قال أبو علي: يقال سقيته الماء إذا أعطيته قدر ما يروى، وأسقيته نهراً: أي جعلته شرباً له، وعلى هذا فأسقيناكموه أبلغ من سقيناكموه، وقيل سقى وأسقى بمعنى واحد "وما أنتم له بخازنين" أي ليست خزائنه عندكم، بل خزائنه عندنا، ونحن الخازنون له، فنفى عنهم سبحانه ما أثبته لنفسه في قوله: "وإن من شيء إلا عندنا خزائنه" وقيل المعنى: إن ما أنتم له بخازنين بعد أن أنزلناه عليكم: أي لا تقدرون على حفظه في الآبار والغدران والعيون، بل نحن الحافظون له فيها ليكون ذخيرة لكم عند الحاجة إليه.
22-"وأرسلنا الرياح لواقح" أي: حوامل، لأنها تحمل الماء إلى السحاب، وهو جمع لاقحة، يقال: ناقة لاقحة إذا حملت الولد.
قال ابن مسعود: يرسل الله الريح فتحل الماء فيمر به السحاب، فيدر كما تدر اللقحة ثم تمطر.
وقال أبو عبيدة: أراد باللواقح الملاقح واحدتها ملقحة، لأنها تلقح الأشجار.
قال عبيد بن عمير: يبعث الله الريح المبشرة فتقم الأرض قما، ثم يبعث الله المثيرة فتثير السحاب، ثم يبعث الله المؤلفة السحاب بعضه إلى بعض فتجعله ركاما، ثم يبعث اللواقح فتلقح الشجر.
وقال أبو بكر بن عياش: لا تقطر قطرة من السحاب إلا بعد أن تعمل الرياح الأربع فيه، فالصبا تهيجه، والشمال تجمعه، والجنوب تذره، والدبور تفرقه.
وفى الخبر أن: اللقح رياح الجنوب.
وفى بعض الآثار: ما هبت ريح الجنوب إلا وبعث عينا غدقة.
وأما الريح العقيم: فإنها تأتي بالعذاب ولا تلقح.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا من لا أتهم بحديثه، حدثنا العلاء بن راشد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: ما هبت ريح قط إلا جثا النبي صلى الله عليه وسلم على ركبتيه، وقال: اللهم اجعلها رحمة ولا تجعلها عذابا، اللهم اجعلها رياحا ولا تجعلها ريحا، قال ابن عباس: في كتاب الله عز وجل: "إنا أرسلنا عليهم ريحاً صرصراً" (القمر-19) "إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم" (الذاريات-41)، وقال: "وأرسلنا الرياح لواقح" (الحجر-22)، وقال: "أن يرسل الرياح مبشرات" (الروم-46)
قوله: "فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه"، أي:جعلنا المطر لكم سقيا، يقال: أسقى فلان فلانا: إذا جعل له سقيا، وسقاه: إذا أعطاه ما يشرب. وتقول العرب: سقيت الرجل ماء ولبنا إذا كان لسقيه فإذا جعلوا له ماء لشرب أرضه ودوابه تقول: أسقيته.
"وما أنتم له بخازنين"، يعني المطر في خزائننا لا في خزائنكم. وقال سفيان: بمانعين.
22."وأرسلنا الرياح لواقح"حوامل ، شبه الريح التي جاءت بخير من إنشاء سحاب ماطر بالحامل كما شبه ما لا يكون كذلك بالعقيم ، أو ملقحات للشجر ونظيره الطوائح بمعنى المطيحات في قوله:
ومختبط مما تطيح الطوائح
وقرئ "وأرسلنا الرياح"على تأويل الجنس ."فأنزلنا من السماء ماءً فأسقيناكموه"فجعلناه لكم سقياً . "وما أنتم له بخازنين"قادرين متمكنين من إخراجه ، نفى عنهم ما أثبته لنفسه ، أو حافظين في الغدران والعيون والآبار، وذلك أيضاً يدل على المدير الحكيم كما تدل حركة الهواء في بعض الأوقات من بعض الجهات على وجه ينتفع به الناس ، فإن طبيعة الماء تقتضي الغور فوقوفه دون حد لا بدل له من سبب مخصص.
22. And We send the winds fertilizing, and cause water to descend from the sky, and give it you to drink. It is not ye who are the holders of the store thereof.
22 - And we send the fecundating winds, then cause the rain to descend from the sky, therewith providing you with water (in abundance), though ye are not the guardians of its stores.