[إبراهيم : 7] وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ
7 - (وإذ تأذن) أعلم (ربكم لئن شكرتم) نعمتي بالتوحيد والطاعة (لأزيدنكم ولئن كفرتم) جحدتم النعمة بالكفر والمعصية لأعذبنكم دل عليه (إن عذابي لشديد)
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : واذكروا أيضاً حين آذنكم ربكم .
و "تأذن" ، تفعل من آذن . والعرب ربما وضعت تفعل موضع أفعل ، كما قالوا : أوعدته وتوعدته ، بمعنى واحد . و آذن ، أعلم ، كما قال الحارث بن حلزة :
آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء
يعني بقوله : آذنتنا ، أعلمتنا .
وذكر عن ابن مسعو رضي الله عنه أنه كان يقرأ : "وإذ تأذن ربكم" : وإذ قال ربكم .
حدثني بذلك الحارث قال ، حدثني عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عنه .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وإذ تأذن ربكم" ، وإذ قال ربكم ، ذلك : التأذن .
وقوله : "لئن شكرتم لأزيدنكم" ، يقول : لئن شكرتم ربكم ، بطاعتكم إياه فيما أمركم ونهاكم ، لأزيدنكم في أياديه عندكم ونعمه عليكم ، على ما قد أعطاكم من النجاة من آل فرعون والخلاص من عذابهم .
وقيل في ذلك قول غيره ، وهو ما :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا الحسين بن الحسن قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح يقول في قول الله عز وجل : "لئن شكرتم لأزيدنكم" ، قال : أي من طاعتي .
حدثني المثنى قال ، حدثنا يزيد قال ، أخبرنا ابن المبارك قال ، سمعت علي بن صالح ، فذكر نحوه .
حدثنا أحمد بن إسحاق قال ، حدثنا أبو أحمد قال ، حدثنا سفيان : "لئن شكرتم لأزيدنكم" ، قال : من طاعتي .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا مالك بن مغول ، عن أبان بن أبي عياش ، عن الحسن في قوله : "لئن شكرتم لأزيدنكم" ، قال : من طاعتي .
قال أبو جعفر : ولا وجه لهذا القول يفهم ، لأنه لم يجر للطاعة في هذا الموضع ذكر فيقال : إن شكرتموني عليها زدتكم منها ، وإنما جرى ذكر الخبر عن إنعام الله على قوم موسى بقوله :"وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم" ، ثم أخبرهم أن الله أعلمهم إن شكروه على هذه النعمة زادهم . فالواجب في المفهوم أن يكون معنى الكلام : زادهم من نعمه ، لا مما لم يجر له ذكر من الطاعة ، إلا أن يكون أريد به : لئن شكرتم فأطعتموني بالشكر ،لأزيدنكم من أسباب الشكر ما يعينكم عليه ، فيكون ذلك وجهاً .
وقوله :"ولئن كفرتم إن عذابي لشديد" ، يقول : ولئن كفرتم ، أيها القوم ، نعمة الله ، فجحدتموها بترك شكره عليها وخلافه في أمره ونهيه ،وركوبكم معاصيه ، "إن عذابي لشديد" ، أعذبكم كما أعذب من كفر بي من خلقي .
وكان بعض البصريين يقول في معنى قوله :"وإذ تأذن ربكم" ، وتأذن ربكم : ويقول : إذ من حروف الزوائد . وقد دللنا على فساد ذلك فيما مضى قبل .
قوله تعالى: " وإذ تأذن ربكم " قيل: هو من قول موسى لقومه. وقيل: هو من قول الله، أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا. و ( تأذن) وأذن بمعنى أعلم، مثل أوعد وتوعد، روي معنى ذلك عن الحسن وغيره. ومنه الأذان، لأنه إعلام، قال الشاعر:
فلم نشعر بضوء الصبح حتى سمعنا في مجالسنا الأذينا
وكان ابن مسعود يقرأ ( وإذ قال ربكم) والمعنى واحد. " لئن شكرتم لأزيدنكم " أي لئن شكرتم إنعامي لأزيدنكم من فضلي. الحسن: لئن شكرتم نعمتي لأزيدنكم من طاعتي. ابن عباس: لئن وحدتم وأطعتم لأزيدنكم من الثواب، والمعنى متقارب في هذه الأقوال، والآية نص في أن الشكر سبب المزيد، وقد تقدم في ( البقرة) ما للعلماء في معنى الشكر. وسئل بعض الصلحاء عن الشكر لله فقال: ألا تتقوى بنعمه على معاصيه. وحكي عن داود عليه السلام أنه قال: أي رب كيف أشكرك، وشكري لك نعمة مجددة منك علي. قال: يا داود الآن شكرتني.
قلت: فحقيقة الشكر على هذا الاعتراف بالنعمة للمنعم، وألا يصرفها في غير طاعته، وأنشد الهادي هو يأكل:
أنالك رزقه لتقوم فيه بطاعته وتشكر بعض حقه
فلم تشكر لنعمته ولكن قويت على معاصيه برزقه
فغص باللقمة، وخنقته العبرة. وقال جعفر الصادق: إذا سمعت النعمة نعمة الشكر فتأهب للمزيد. " ولئن كفرتم إن عذابي لشديد " أي جحدتم حقي. وقيل: نعمي، وعد العذاب على الكفر، كما وعد بالزيادة على الشكر، وحذفت الفاء التي في جواب الشرط من ( إن) للشهرة.
يقول تعالى مخبراً عن موسى حين ذكر قومه بأيام الله عندهم ونعمه عليهم, إذ أنجاهم من آل فرعون, وما كانوا يسومونهم به من العذاب والإذلال, حيث كانوا يذبحون من وجد من أبنائهم, ويتركون إناثهم, فأنقذهم الله من ذلك, وهذه نعمة عظيمة, ولهذا قال: "وفي ذلكم بلاء من ربكم عظيم" أي نعمة عظيمة منه عليكم في ذلك, أنتم عاجزون عن القيام بشكرها وقيل: وفيما كان يصنعه بكم قوم فرعون من تلك الأفاعيل "بلاء" أي اختبار عظيم, ويحتمل أن يكون المراد هذا وهذا, والله أعلم, كقوله تعالى: "وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون". وقوله: "وإذ تأذن ربكم" أي آذنكم وأعلمكم بوعده لكم, ويحتمل أن يكون المعنى: وإذ أقسم ربكم وآلى بعزته وجلاله وكبريائه, كقوله تعالى: "وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة".
وقوله: "لئن شكرتم لأزيدنكم" أي لئن شكرتم نعمتي عليكم لأزيدنكم منها, "ولئن كفرتم" أي كفرتم النعم وسترتموها وجحدتموها "إن عذابي لشديد", وذلك بسلبها عنهم وعقابه إياهم على كفرها, وقد جاء في الحديث "إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه". وفي المسند أن رسول الله صلى الله عليه وسلم, مر به سائل فأعطاه تمرة, فسخطها ولم يقبلها, ثم مر به آخر فأعطاه إياها, فقبلها وقال: تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر له بأربعين درهماً, أو كما قال: قال الإمام أحمد: حدثنا أسود, حدثنا عمارة الصيدلاني عن ثابت عن أنس, قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم سائل فأمر له بتمرة فلم يأخذها أو وحش بها ـ قال ـ: وأتاه آخر فأمر له بتمرة, فقال: سبحان الله تمرة من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال للجارية: "اذهبي إلى أم سلمة فأعطيه الأربعين درهماً التي عندها" تفرد به الإمام أحمد, وعمارة بن زاذان وثقه ابن حبان وأحمد ويعقوب بن سفيان. وقال ابن معين: صالح. وقال أبو زرعة: لا بأس به. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به, ليس بالمتين. وقال البخاري: ربما يضطرب في حديثه, وعن أحمد أيضاً أنه قال: روى أحاديث منكرة. وقال أبو داود: ليس بذاك وضعفه الدارقطني. وقال ابن عدي: لا بأس به ممن يكتب حديثه.
وقوله تعالى: "وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعاً فإن الله لغني حميد" أي هو غني عن شكر عباده, وهو الحميد المحمود وإن كفره من كفره, كقوله: "إن تكفروا فإن الله غني عنكم" الاية. وقوله: "فكفروا وتولوا واستغنى الله والله غني حميد". وفي صحيح مسلم عن أبي ذر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد ذلك في ملكي شيئاً, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم, ما نقص ذلك في ملكي شيئاً, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد, فسألوني, فأعطيت كل إنسان مسألته, ما نقص ذلك من ملكي شيئاً إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" فسبحانه وتعالى الغني الحميد.
7- "وإذ تأذن ربكم" تأذن بمعنى أذن قاله الفراء. قال في الكشاف: ولا بد في تفعل من زيادة معنى ليست في أفعل، كأنه قيل: وإذ أذن ربكم إيذاناً بليغاً تنتفي عنه الشكوك وتنزاح الشبه. والمعنى: وإذ تأذن ربكم فقال "لئن شكرتم" أو أجرى تأذن مجرى قال، لأنه ضرب من القول انتهى، وهذا من قول موسى لقومه، وهو معطوف على نعمة الله: أي اذكروا نعمة الله عليكم واذكروا حين تأذن ربكم، وقيل هو معطوف على قوله: إذ أنجاكم: أي اذكروا نعمة الله تعالى في هذين الوقتين، فإن هذا التأذن أيضاً نعمة، وقيل هو من قول الله سبحانه: أي واذكر يا محمد إذ تأذن ربكم. وقرأ ابن مسعود وإذ قال ربكم والمعنى واحد كما تقدم، واللام في لئن شكرتم هي الموطئة للقسم، وقوله: "لأزيدنكم" ساد مسد جوابي الشرط والقسم، وكذا اللام في "ولئن كفرتم" وقوله: "إن عذابي لشديد" ساد مسد الجوابين أيضاً، والمعنى: لأن شكرتم إنعامي عليكم بما ذكر لأزيدنكم نعمة إلى نعمة تفضلاً مني، وقيل لأزيدنكم من طاعتي، وقيل لأزيدنكم من الثواب، والأول أظهر فالشك سبب المزيد، ولئن كفرتم ذلك وجحدتموه إن عذابي لشديد، فلا بد أن يصيبكم منه ما يصيب، وقيل إن الجواب محذوف: أي ولئن كفرتم لأعذبنكم، والمذكور تعليل للجواب المحذوف.
"وإذ تأذن ربكم"،أي: أعلم، يقال: أذن وتأذن بمعنى واحد، مثل أوعد وتوعد، " لئن شكرتم " يعني فآمنتم وأطعتم "لأزيدنكم" في النعمة.
وقيل: الشكر: قيد الموجود، وصيد المفقود.
وقيل: لئن شكرتن بالطاعة لأزيدنكم في الثواب.
"ولئن كفرتم"، نعمتي فجحدتموها ولم تشكروها، "إن عذابي لشديد".
7."وإذ تأذن ربكم"أيضاً من كلام موسى صلى الله عليه وسلم ، و"تأذن"بمعنى آذن كتوعد وأوعد غير أنها أبلغ لما في التفعل من معنى التكلف والمبالغة. "لئن شكرتم" يا بني إسرائيل ما أنعمت عليكم من الإنجاء وغيره بالإيمان والعمل الصالح ."لأزيدنكم"نعمة إلى نعمة ."ولئن كفرتم"ما أنعمت عليكم "إن عذابي لشديد"فلعلي أعذبكم على الكفران عذاباً شديداً ومن عادة أكرم الأكرمين أن يصرح بالوعد ويعرض بالوعيد ، الجملة مقول قول مقدر أو مفعول "تأذن" على أنه جار مجرى قال لأنه ضرب منه.
7. And when your Lord proclaimed: If ye give thanks, I will give you more; but if ye are thankless, lo! my punishment is dire.
7 - And remember your Lord caused to be declared (publicly): if ye are grateful, I will add more (favours) unto you; but if ye show ingratitude, truly my punishment is terrible indeed.