[إبراهيم : 33] وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ
33 - (وسخر لكم الشمس والقمر دائبين) جاريين في فلكهما لا يفتران (وسخر لكم الليل) لتسكنوا فيه (والنهار) لتبتغوا من فضله
يقول تعالى ذكره "الله الذي خلق السماوات والأرض" وفعل الأفعال التي وصف ، "وسخر لكم الشمس والقمر" ، يتعاقبان عليكم أيها الناس بالليل والنهار ،لصلاح أنفسكم ومعاشكم "دائبين" في اختلافهما عليكم ، وقيل : معناه : أنهما دائبان في طاعة الله .
حدثنا خلف بن واصل ، عن رجل ، عن مقاتل بن حيان ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، في قوله : "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين" ، قال : دؤوبهما في طاعة الله .
وقوله : "وسخر لكم الليل والنهار" يختلفان عليكم باعتقاب ، إذا ذهب هذا جاء هذا بمنافعكم وصلاح اسبابكم ، فهذا لكم لتصرفكم فيه لمعاشكم ، وهذا لكم للسكن ،تسكنون فيه ، ورحمة منه بكم .
" وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " أي في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، والدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية. وقيل: دائبين في السير امتثالاً لأمر الله، والمعنى يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران، روي معناه عن ابن عباس. " وسخر لكم الليل والنهار " أي لتسكنوا في الليل، ولتبتغوا من فضله في النهار، كما قال: " ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله " ( القصص: 73).
يعدد تعالى نعمه على خلقه بأن خلق لهم السموات سقفاً محفوظاً والأرض فرشاً "وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجاً من نبات شتى" ما بين ثمار وزروع مختلفة الألوان والأشكال والطعوم والروائح والمنافع. وسخر الفلك بأن جعلها طافية على تيار ماء البحر تجري عليه بأمر الله تعالى, وسخر البحر لحملها ليقطع المسافرون بها من إقليم إلى إقليم آخر لجلب ما هنا إلى هناك, وما هناك إلى هنا, وسخر الأنهار تشق الأرض من قطر إلى قطر رزقاً للعباد من شرب وسقي, وغير ذلك من أنواع المنافع "وسخر لكم الشمس والقمر دائبين" أي يسيران لا يفتران ليلاً ولا نهاراً "لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون" " يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين " فالشمس والقمر يتعاقبان, والليل والنهار يتعارضان, فتارة يأخذ هذا من هذا فيطول, ثم يأخذ الاخر من هذا فيقصر " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ذلكم الله ربكم ".
وقوله "وآتاكم من كل ما سألتموه" يقول هيأ لكم ما تحتاجون إليه في جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم. وقال بعض السلف: من كل ما سألتموه وما لم تسألوه, وقرأ بعضهم "وآتاكم من كل ما سألتموه" وقوله "وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" يخبر تعالى عن عجز العباد عن تعداد النعم فضلاً عن القيام بشكرها, كما قال طلق بن حبيب رحمه الله: إن حق الله أثقل من أن يقوم به العباد, وإن نعم الله أكثر من أن يحصيها العباد, ولكن أصبحوا تائبين. وأمسوا تائبين, وفي صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم لك الحمد غير مكفي ولا مودع ولا مستغنى عنه ربنا".
وقال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: حدثنا إسماعيل بن أبي الحارث, حدثنا داود بن المحبر حدثنا صالح المري عن جعفر بن زيد العبدي, عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "يخرج لابن آدم يوم القيامة ثلاثة دواوين: ديوان فيه العمل الصالح, وديوان فيه ذنوبه, وديوان فيه النعم من الله تعالى عليه, فيقول الله تعالى لأصغر نعمه ـ أحسبه قال في ديوان النعم ـ خذي ثمنك من عمله الصالح فتستوعب عمله الصالح كله, ثم تنحى وتقول: وعزتك ما استوفيت وتبقى الذنوب والنعم, فإذا أراد الله أن يرحمه قال: يا عبدي قد ضاعفت لك حسناتك وتجاوزت لك عن سيئاتك ـ أحسبه قال: ووهبت لك نعمي ـ" غريب وسنده ضعيف. وقد روي في الأثر أن داود عليه السلام قال: يا رب كيف أشكرك وشكري لك نعمة منك علي ؟ فقال الله تعالى: الان شكرتني يا داود, أي حين اعترفت بالتقصير عن أداء شكر المنعم, وقال الإمام الشافعي رحمه الله: الحمد لله الذي لا يؤدى شكر نعمة من نعمه إلا بنعمة حادثة توجب على مؤديها شكره بها, وقال القائل في ذلك:
لو كل جارحة مني لها لغــــــــــة تثني عليك بما أوليت من حسن
لكان ما زاد شكري إذ شكرت به إليك أبلغ فـــــي الإحسان والمنن
33- "وسخر لكم الشمس والقمر" لتنتفعوا بهما وتستضيئوا بضوئهما، وانتصاب "دائبين" على الحال، والدؤوب مرور الشيء في العمل على عادة جارية: أي دائبين في إصلاح ما يصلحانه من النبات وغيره، وقيل دائبين في السير امتثالاً لأمر الله، والمعنى: يجريان إلى يوم القيامة لا يفتران ولا ينقطع سيرهما "وسخر لكم الليل والنهار" يتعاقبان، فالنهار لسعيكم في أمور معاشكم وما تحتاجون إليه من أمور دنياكم، والليل لتسكنوا كما قال سبحانه: "ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله".
"وسخر لكم الشمس والقمر دائبين"، يجريان فيما يعود إلى مصالح العباد ولا يفتران، قال ابن عباس دؤوبهما في طاعة الله عز وجل.
"وسخر لكم الليل والنهار"، يتعاقبان في الضياء والظلمة، والنقصان والزيادة.
33."وسخر لكم الشمس والقمر دائبين"يدأبان في سيرهما وإنارتهما وإصلاح ما يصلحانه من المكونات. "وسخر لكم الليل والنهار"يتعاقبان لسباتكم ومعاشكم.
33. And maketh the sun and the moon, constant in their courses, to be of service unto you, and hath made of service unto you the night and the day.
33 - And he hath made subject to you the sun and the moon, both diligently pursuing their courses; and the night and the day hath he (also) made subject to you.