[الرعد : 30] كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَا أُمَمٌ لِّتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِيَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَـنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَابِ
30 - (كذلك) كما أرسلنا الأنبياء قبلك (أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلوَ) تقرأ (عليهم الذي أوحينا إليك) أي القرآن (وهم يكفرون بالرحمن) حيث قالوا لما أمروا بالسجود له وما الرحمن ؟ (قل) لهم يا محمد (هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : هكذا أرسلناك ، يا محمد ، في جماعة من الناس ـ يعني إلى جماعة ـ قد خلت من قبلها جماعات على مثل الذي هم عليه ، فمضت ، "لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك" ، يقول : لتبلغهم ما أرسلتك به إليهم من وحيي الذي أوحيته إليك ، "وهم يكفرون بالرحمن" ، يقول : وهم يجحدون وحدانية الله ويكذبون بها ، "قل هو ربي" ، يقول : إن كفر هؤلاء الذين أرسلتك إليهم ،يا محمد ، بالرحمن فقل أنت : الله ربي "لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب" ، يقول :وإليه مرجعي وأوبتي .
وهو مصدر من قول القائل : تبت متاباً وتوبةً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وهم يكفرون بالرحمن" ، "ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشاً كتب : هذا ما صالح عليه محمد رسول الله ، فقال مشركو قريش : لئن كنت رسول الله ثم قاتلناك لقد ظلمناك ! ولكن اكتب : هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله . فقال اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم :دعنا يا رسول الله نقاتلهم ! فقال : لا ، ولكن اكتبوا كما يريدون ، إني محمد بن عبد الله . فلما كتب الكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قالت قريش :أما : الرحمن ، فلا نعرفه ،وكان أهل الجاهلية يكتبون : باسمك اللهم ، فقال أصحابه : يا رسول الله ، دعنا نقاتلهم ! قال : لا ، ولكن اكتبوا كما يريدون" .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثي حجاج ، عن ابن جريج ،عن مجاهد قال قوله : "كذلك أرسلناك في أمة قد خلت" ، الآية ،قال : هذا لما كاتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً في الحديبية ، كتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، قالوا : لا تكتب الرحمن ، وما ندري ما الرحمن ، ولا تكتب إلا : باسمك اللهم . قال الله : "وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي لا إله إلا هو" ، الآية .
القول في تأويل قوله تعالى : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا" .
قال أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : معناه : "وهم يكفرون بالرحمن" ، "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" ، أي :يكفرون بالله ولو سير لهم الجبال بهذا القرآن . وقالوا : هو من المؤخر الذي معناه التقديم ، وجعلوا جواب لو مقدماً قبلها . وذلك أن الكلام على معنى قيلهم : ولو أن هذا القرآن سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض ، لكفروا بالرحمن .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" ، قال : هم المشركون من قريش ، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لو وسعت لنا أودية مكة ، وسيرت جبالها فاحترثناها ، وأحييت من مات منا ، وقطع به الأرض أو كلم به الموتى ! فقال الله تعالى : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا" .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" ، قول كفار قريش لمحمد : سير جبالنا تتسع لنا أرضنا فإنها ضيقة ، أو قرب لنا الشأم فإنا نتجر إليها ، أو أخرج لنا آباءنا من القبور نكلمهم ! فقال الله تعالى : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ،عن ابن جريج ، عن مجاهد ، نحوه . قال ابن جريج : وقال عبد الله بن كثير : قالوا : لو فسخت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى ! فنزل ذلك ، قال ابن جريج : وقال ابن عباس : قالوا : سير بالقرآن الجبال ، قطع بالقرآن الأرض ، أخرج به موتانا .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن كثير : قالوا : لو فسحت عنا الجبال ، أو أجريت لنا الأنهار ، أو كلمت به الموتى ! فنزل : "أفلم ييأس الذين آمنوا" .
وقال آخرون : بل معناه : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" ، كلام مبتدأ منقطع عن قوله : "وهم يكفرون بالرحمن" ، قال : وجواب لو محذوف ، استغني بمعرفة السامعين المراد من الكلام عن ذكر جوابها . قالوا : والعرب تفعل ذلك كثيراً ، ومنه قول امرىء القيس :
فلو أنها نفس تموت سريحةً ولكنها نفس تقطع أنفسا
وهو آخر بيت في القصيدة ، فترك الجواب اكتفاء بمعرفة سامعه مراده ، وكما قال الآخر :
فأقسم لو شيء أتانا رسوله سواك ولكن لم نجد لك مدفعا
ذكر من قال نحو معنى ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" ، ذكر لنا أن قريشاً قالوا : إن سرك ، يا محمد ، اتباعك ـ أو : أن نتبعك ـ فسير لنا جبال تهامة ،أو زد لنا لنا في حرمنا حتى نتخذ قطائع تحترف فيها ، أو أحي لنا فلاناً وفلاناً ! ناساً ماتوا في الجاهلية . فأنزل الله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" ، يقول : لو فعل هذا بقرآن قبل قرآنكم ، لفعل بقرآنكم .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : إن كفار قريش قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : أذهب عنا جبال تهامة حتى نتخذها زرعاً فتكون لنا أرضين ، أو أحي له فلاناً وفلاناً يخبروننا : حق ما تقول ! فقال الله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعا" ، يقول : لو كان فعل ذلك بشيء من الكتب فيما مضى ، كان ذلك .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" ، ايلاة ، قال : قال كفار قريش لمحمد صلى الله عليه وسلم : سير لنا الجبال كما سخرت لداود ، او قطع لنا الأرض كما قطعت لسليمان ، فاغتدى بها شهراً وراح بها شهراً ، أو كلم لنا الموتى كما كان عيسى يكلمهم ، يقول : لم أنزل بهذا كتاباً ، ولكن كان شيئاً أعطيته أنبيائي ورسلي .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال" ، الآية ، قال : قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن كنت صادقاً فسير عنا هذه الجبال واجعلها حروثاً كهيئة أرض الشأم ومصر والبلدان ، أو ابعث موتانا فأخبرهم فإنهم قد ماتوا على الذي نحن عليه ! فقال الله : "ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى" ، لم يصنع ذلك بقرآن قط ولا كتاب ، فيصنع ذلك بهذا القرآن .
القول في تأويل قوله تعالى : "أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا" .
قال أبو جعفر : اختلف أهل المعرفة بكلام العرب في معنى قوله : "أفلم ييأس" .
فكان بعض أهل البصرة يزعم أن معناه : ألم يعلم ويتبين ، ويستشهد لقيله ذلك ببيت سحيم بن وثيل الرياحي :
أقول لهم بالشعب إذ يأسرونني ألم تيأسوا أني ابن فارس زهدم
ويروى : ييسرونني ، فمن رواه ييسرونني فإنه أراد : يقتسمونني ، من : الميسر ، كما يقسم الجزور . ومن رواه : يأسرونني ، فإنه أراد الأسر ، وقال : عنى بقوله : ألم تيأسوا ، ألم تعلموا . وأنشدوا أيضاً في ذلك :
ألم ييأس الأقوام أني أنا ابنه وإن كنت عن أرض العشيرة نائيا
وفسروا قوله : ألم ييأس ، ألم يعلم ويتبين ؟
وذكر عن ابن الكلبي أن ذلك لغة لحي من النخع يقال لهم : وهبيل ، تقول : ألم تياس كذا ، بمعنى : ألم تعلمه ؟
وذكر عن القاسم بن معن أنها لغة هوازن ، وأنهم يقولون : يئست كذا ، علمت .
وأما بعض الكوفيين فكان ينكر ذلك ، ويزعم أنه لم يسمع أحداً من العرب يقول : يئست ، بمعنى علمت . ويقول : هو في المعنى ـ وإن لم يكن مسموعاً يئست بمعنى علمت ـ يتوجه إلى ذلك ، إذ أنه قد أوقع إلى المؤمنين أنه لو شاء لهدى الناس جميعاً ، فقال : أفلم ييأسوا علما ، يقول : يؤيسهم العلم . فكأن فيه العلم مضمراً ، كما يقال : قد يئست منك أن لا تفلح علما ، كأنه قيل : علمته علما ، قال : وقول الشاعر :
حتى إذا يئس الرماة وأرسلوا غضفا دواجن قافلا أعصامها
معناه : حتى إذا يئسوا من كل شيء مما يمكن ،إلا الذي ظهر لهم ، أرسلوا ، فهو في معنى : حتى إذا علموا أن ليس وجه إلا الذي رأوا وانتهى علمهم ، فكان ما سواه يأساً .
وأما أهل التأويل فإنهم تأولوا ، ذلك بمعنى : أفلم يعلم ويتبين .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب قال ، حدثنا هشيم ، عن أبي إسحاق الكوفي ، عن مولى مولى بحسر ، أن علياً رضي الله عنه كان يقرأ : أفلم يتبين الذين آمنوا .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن هرون ، عن حنظلة ، عن شهر بن حوشب ، عن ابن عباس : "أفلم ييأس" ، يقول : أفلم يتبين .
حدثنا أحمد بن يوسف قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا يزيد ، عن جرير بن حازم ، عن الزبير بن الخريت ـ أو : يعلى بن حكيم ـ ، عن عكرمة ، عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : أفلم يتبين الذين آمنوا ، قال : كتب الكاتب الأخرى وهو ناعس .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج قال : في القراءة الأولى ، زعم ابن كثير وغيره : أفلم يتبين .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، يقول : ألم يتبين .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، يقول : يعلم .
حدثنا عمران بن موسى قال ، حدثنا عبد الوارث قال ، حدثنا ليث ، عن مجاهد في قوله : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، قال : أفلم يتبين .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة في قوله : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، قال : ألم يتبين الذين آمنوا .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، قال : ألم يعلم الذين آمنوا .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "أفلم ييأس الذين آمنوا" ، قال : ألم يعلم الذين آمنوا .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك ما قاله أهل التأويل ، أن تأويل ذلك : أفلم يتبين ويعلم ، لإجماع أهل التأويل على ذلك ،والأبيات التي أنشدناها فيه .
قال أبو جعفر : فتأويل الكلام إذاً : ولو أن قرآناً سوى هذا القرآن كان سيرت به الجبال ، لسير بهذا القرآن ، أو قطعت به الأرض ، لقطعت بهذا ،أو كلم به الموتى ، لكلم بهذا ،ولكن لم يفعل ذلك بقرآن قبل هذا القرآن فيفعل بهذا ، بل لله الأمر جميعا ، يقول : ذلك كله إليه وبيده ، يهدي من يشاء إلى الإيمان فيوفقه له ، ويضل من يشاء فيخذله ، أفلم يتبين الذين آمنوا بالله ورسوله ، إذ طمعوا في إجابتي من سأل نبيهم ما سأله من تسير الجبال عنهم ، وتقريب أرض الشام عليهم ، وإحياء موتاهم ، أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً إلى الإيمان به من غير إيجاد آية ، ولا إحداث شيء مما سألوا إحداثه ؟ يقول تعالى ذكره : فما معنى محبتهم ذلك ، مع علمهم بأن الهداية والإهلاك إلي وبيدي ، أنزلت آية أو لم أنزلها ، أهدي من أشاء بغير إنزال آية ، وأضل من أردت مع إنزالها .
قوله تعالى: " كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم " أي أرسلناك كما أرسلنا الأنبياء من قبلك، قاله الحسن. وقيل: شبه الإنعام على من أرسل إليه محمد عليه السلام بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله. " لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك " يعني القرآن. " وهم يكفرون بالرحمن " قال مقاتل وابن جريج: " نزلت في صلح الحديبية حين أرادوا أن يكتبوا كتاب الصلح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل بن عمرو والمشركون: ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة، يعنون مسيلمة الكذاب، اكتب باسمك اللهم، وهكذا كان أهل الجاهلية يكتبون، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله فقال مشركو قريش: لئن كنت رسول الله صلى الله ثم قاتلناك وصددناك لقد ظلمناك، ولكن اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله، فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: دعنا نقاتلهم، فقال: لا ولكن اكتب ما يريدون " فنزلت. وقال ابن عباس: نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " اسجدوا للرحمن " ( الفرقان: 60). قالوا وما الرحمن؟ فنزلت. " قل " لهم يا محمد: الذي أنكرتم. " هو ربي لا إله إلا هو " ولا معبود سواه، هو واحد بذاته، وإن اختلفت أسماء صفاته. " عليه توكلت"واعمدت ووثقت.
" وإليه متاب " أي مرجعي غداً، واليوم أيضاً عليه توكلت ووثقت، رضاً بقضائه، وتسليماً لأمره. وقيل: سمع أبو جهل رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو في الحجر ويقول: يا الله يا رحمن فقال: كان محمد ينهانا عن عبادة الآلهة وهو يدعو إلهين، فنزلت هذه الآية، ونزل: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن " ( الإسراء: 110)
يقول تعالى : وكما أرسلناك يا محمد في هذه الأمة "لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك" أي تبلغهم رسالة الله إليهم, كذلك أرسلنا في الأمم الماضية الكافرة بالله, وقد كذب الرسل من قبلك بهم أسوة, وكما أوقعنا بأسنا ونقمتنا بأولئك, فليحذر هؤلاء من حلول النقم بهم, فإن تكذيبهم لك أشد من تكذيب غيرك من المرسلين, قال الله تعالى: "تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك" الاية, وقال تعالى: "ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين" أي كيف نصرناهم, وجعلنا العاقبة لهم ولأتباعهم في الدنيا والاخرة.
وقوله: "وهم يكفرون بالرحمن" أي هذه الأمة التي بعثناك فيهم يكفرون بالرحمن لا يقرون به, لأنهم كانوا يأنفون من وصف الله بالرحمن الرحيم, ولهذا أنفوا يوم الحديبية أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم, وقالوا: ما ندري ما الرحمن الرحيم, قاله قتادة, والحديث في صحيح البخاري. وقد قال الله تعالى: " قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى ". وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن" "قل هو ربي لا إله إلا هو" أي هذا الذي تكفرون به, أنا مؤمن به معترف, مقر له بالربوبية والألوهية, هو ربي لا إله إلا هو "عليه توكلت" أي في جميع أموري, "وإليه متاب" أي إليه أرجع وأنيب, فإنه لا يستحق ذلك أحد سواه.
30- "كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم" أي مثل ذلك الإرسال العظيم الشأن المشتمل على المعجزة الباهرة أرسلناك يا محمد، وقيل شبه الإنعام على من أرسل إليه محمد صلى الله عليه وسلم بالإنعام على من أرسل إليه الأنبياء قبله، ومعنى "في أمة قد خلت من قبلها أمم" في قرن قد مضت من قبله قرون، أو في جماعة من الناس قد مضت من قبلها جماعات " لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك " أي لتقرأ عليهم القرآن، "و" الحال " وهم يكفرون بالرحمن " أي بالكثير الرحمة لعباده، ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" وجملة "قل هو ربي" مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا: وما الرحمن؟ فقال سبحانه "قل" يا محمد "هو ربي" أي خالقي "لا إله إلا هو" أي لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه "عليه توكلت" في جميع أموري "وإليه" لا إلى غيره "متاب" أي توبتي، وفيه تعريض بالكفار وحث لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول في الإسلام.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن سابط في قوله: "وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع" قال: كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشيء من الدقيق أو الشيء يشرب عليه اللبن. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله، أو غنمه فيقول لأهله منعوني فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر، فهذا مثل ضربه الله للدنيا. وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن مسعود قال: "نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك؟ فقال مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه عن المستورد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع؟ وأشار بالسبابة". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "وتطمئن قلوبهم بذكر الله" قال: هشت إليه واستأنست به. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال: إذا حلف لهم بالله صدقوا "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" قال: تسكن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال: بمحمد وأصحابه. وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه حين نزلت هذه الآية "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" هل تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من أحب الله ورسوله وأحب أصحابي". وأخرج ابن مردويه عن علي "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزلت هذه الآية "ألا بذكر الله تطمئن القلوب" قال: ذاك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقاً غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهداً وغائباً، ألا بذكر الله يتحابون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "طوبى لهم" قال: فرح وقرة عين. وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله: "طوبى لهم" قال نعم ما لهم.
وقد روي عن جماعة من السلف نحو ما قدمنا ذكره من الأقوال، والأرجح تفسير الآية بما روي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن عتبة بن عبد قال: "جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله في الجنة فاكهة؟ قال: نعم فيها شجرة تدعى طوبى" الحديث. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والخطيب في تاريخه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أن رجلاً قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك، قال: طوبى لمن آمن بي ورآني، ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال رجل: وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسير مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها" وفي الباب أحاديث وآثار عن السلف، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، اقرأوا إن شئتم "وظل ممدود"" وفي بعض الألفاظ "إنها شجرة الخلد". وأخرج أبو الشيخ عن السدي "وحسن مآب" قال: حسن منقلب. وأخرج ابن جرير عن الضحاك مثله وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: "وهم يكفرون بالرحمن" قال:" ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشاً كتب في الكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقالت قريش: أما الرحمن فلا نعرفه، وكان أهل الجاهلية يكتبون، باسمك اللهم، فقال أصحابه: دعنا نقاتلهم، فقال لا، ولكن اكتبوا كما يريدون". وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في هذه الآية نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد "وإليه متاب" قال: توبتي.
30- قوله عز ورجل "كذلك أرسلناك في أمة": كما أرسلنا الأنبياء إلى الأمم أرسلناك إلى هذه الأمة، "قد خلت"، مضت، " من قبلها أمم لتتلو "، لتقرأ، "عليهم الذي أوحينا إليك وهم يكفرون بالرحمن".
قال قتادة، ومقاتل، وابن جريج: الآية مدنية نزلت في صلح الحديبية، وذلك أن سهيل بن عمرو لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم واتفقوا على أن يكتبوا كتاب الصلح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم/ لعلي رضي الله عنه: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قالوا: لا نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة -يعنون مسيلمة الكذاب- اكتب كما كنت تكتب: باسمك اللهم، فهذا معنى قوله: "وهم يكفرون بالرحمن".
والمعروف أن الآية مكية، وسبب نزولها: أن أبا جهل سمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الحجر يدعو يا الله يا رحمن، فرجع إلى المشركين فقال: إن محمدا يدعو إلهين، يدعو الله، ويدعو إلها آخر يسمى الرحمن، ولا نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة فنزلت هذه الآية، ونزل قوله تعالى: "قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أياً ما تدعوا فله الأسماء الحسنى" (الإسراء-110).
وروي الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنها نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: اسجدوا للرحمن، قالوا: وما الرحمن؟ قال الله تعالى: "قل"، لهم يا محمد إن الرحمن الذي أنكرتم معرفته، "هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت"، اعتمدت "وإليه متاب"ن أي: توبتي ومرجعي.
30."كذلك"مثل ذلك يعني إرسال قبلك ."أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها"تقدمتها."أمم"أرسلوا إليهم فليس ببدع إرسالك إليهم"لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك"لتقرأ عليهم الكتاب الذي أوحيناه إليك."وهم يكفرون بالرحمن"وحالهم أنههم يكفرون بالبليغ الرحمة الذي أحاطت بهم نعمته ووسعت كل شيء رحمته، فلم يشكروا نعمه وخصوصاً ما أنعم عليهم بإرسالك إليهم، وإنزال القرآن الذي هو مناط المنافع الدينية والدنيوية عليهم. وقيل نزلت في مشركي أهل مكة حين قيل هلم "اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن"."قل هو ربي"أي الرحمن خالقي ومتولي أمري."لا إله إلا هو"لا مستحق للعبادة سواه"عليه توكلت"في نصرتي عليكم ."وإليه متاب"مرجعي ومرجعكم.
30. Thus We send thee (O Muhammad) unto a nation, before whom other nations have passed away, that thou mayst recite unto them that which We have inspired in thee, while they are disbelievers in the Beneficent. Say: He is my Lord; there is no God save Him. In Him do I put my trust and unto Him is my recourse.
30 - Thus have we sent thee amongst a people before whom (long since) have (other) peoples (gone and) passed away; in order that thou mightest rehearse unto them what we send down unto thee by inspiration; yet do they reject (him), the most gracious say: he is my Lord there is no god but he on him is my trust, and to him do I trust