[يوسف : 36] وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ
36 - (ودخل معه السجن فتيان) غلامان للملك أحدهما ساقيه والآخر صاحب طعامه فرأياه يعبِّر الرؤيا فقالا لنختبرنَّه (قال أحدهما) وهو الساقي (إني أراني أعصر خمرا) أي عنبا (وقال الآخر) وهو صاحب الطعام (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا) خبزنا (بتأويله) بتعبيره (إنا نراك من المحسنين)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : ودخل مع يوسف السجن فتيان ، فدل بذلك على متروك قد ترك من الكلام ، وهو : "ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين" ، فسجنوه وأدخلوه السجن ، ودخل معه فتيان ، فاستغنى بدليل قوله : "ودخل معه السجن فتيان" ، على إدخالهم يوسف السجن ،من ذكره .
وكان الفتيان ، فيما ذكر ، غلامين من غلمان ملك الأكبر ،أحدهما صاحب شرابه ، والآخر صاحب طعامه ، كما :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : فطرح في السجن ـ يعني يوسف ـ "ودخل معه السجن فتيان" ، غلامان كانا للملك الأكبر الريان بن الوليد ، كان أحدهما على شرابه ، والآخر على بعض أمره ، في سخطة سخطها عليهما ، اسم أحدهما مجلث ، والآخر نبو ، و نبو ، الذي كان على الشراب .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "ودخل معه السجن فتيان" ، قال : كان أحدهما خبازاً للملك على طعامه ،وكان الآخر ساقيه على شرابه .
وكان سبب حبس الملك الفتيين ، فيما ذكر ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو ، عن أسباط ، عن السدي قال : إن الملك غضب على خبازه ،بلغه أنه يريد أن يسمه ، فحبسه وحبس صاحب شرابه ،ظن أنه مالأه على ذلك ، فحبسهما جميعاً ، فذلك قول الله : "ودخل معه السجن فتيان" .
وقوله : "قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا" ، ذكر أن يوسف صلوات الله عليه لما أدخل السجن ،قال لمن فيه من المحبسين ، وسألوه عن عمله : إني أعبر الرؤيا : فقال أحد الفتيين اللذين أدخلا معه السجن لصاحبه : تعال فلنجربه ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ،عن السدي قال :لما دخل يوسف السجن قال : أنا أعبر الأحلام . فقال أحد الفتيين لصاحبه : هلم نجرب هذا العبد العبراني . فتراءيا له فسألاه ، من غير أن يكونا رأيا شيئاً ، فقال الخباز : إني أراني أحمل فوق رأس خبزاً تأكل الطير منه ؟ وقال الآخر : إني أراني أعصر خمرا ؟ .
حدثنا ابن وكيع قال، وابن حميد قالا ، حدثنا جرير ، عن عمارة بن القعقاع ، عن إبراهيم ، عن عبد الله قال : ما رأى صاحبا يوسف شيئاً ، إنما كانا تحالما ليجربا علمه .
وقال قوم إنما سأله الفتيان عن رؤيا كانا رأياها على صحة وحقيقة ، وعلى تصديق منهما ليوسف لعلمه بتعبيرها .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما رأى الفتيان يوسف قالا : والله ، يا فتى أحببناك حين رأيناك .
قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق ، عن عبد الله ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : أن يوسف قال لهما حين قالا له ذلك : أنشدكما الله أن لا تحباني ، فوالله ما أحبني احد قط إلا دخل علي من حبه بلاء ، لقد أحبتني عمتي فدخل علي من حبها بلاء ، ثم لقد أحبني أبي فدخل علي بحبه بلاء ، ثم لقد أحبتني زوجة صاحبي هذا ، فدخل علي بحبها إياي بلاء ، فلا تحباني بارك الله فيكما ! قال : فأبيا إلا حبه وإلفه حيث كان ، وجعلا يعجبهما ما يريان من فهمه وعقله . وقد كانا رأيا حين أدخلا السجن رؤيا ، فرأى مجلث أنه يحمل فوق رأسه خبزاً تأكل الطير منه ،ورأى نبو أنه يعصر خمراً ، فاستفتياه فيها ، وقالا له : "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين" ، إن فعلت .
وعنى بقوله : "أعصر خمرا" ، أي : إني أرى في نومي أني أعصر عنباً ، وكذلك ذلك في قراءة ابن مسعود ، فيما ذكر عنه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ،عن أبي سلمة الصائغ ، عن إبراهيم بن بشير الأنصاري ،عن محمد ابن الحنفية قال : في قراءة ابن مسعود : إني أراني أعصر عنبا .
وذكر ان ذلك من لغة أهل عمان ، وأنهم يسمون العنب خمراً .
ذكر من قال ذلك :
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ يقول ، حثدنا عبيد قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "إني أراني أعصر خمرا" ، يقول : أعصر عنباً ، وهو بلغة أهل عمان ، يسمون العنب خمرا .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك : "إني أراني أعصر خمرا" ، قال : عنباً ، أرض كذا وكذا يدعون العنب خمرا .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال ابن عباس :"إني أراني أعصر خمرا" ، قال : عنباً .
حدثت عن المسيب بن شريك ، عن أبي حمزة ، عن عكرمة قال : أتاه فقال : رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبلة من عنب ، فنبتت فخرج فيه عناقيد ، فعصرتهن ثم سقيتهن الملك ؟ فقال : تمكث في السجن ثلاثة أيام ، ثم تخرج فتسقيه خمراً .
وقوله : "وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه نبئنا بتأويله" ، يقول تعالى ذكره : وقال الآخر من الفتيين : إني أراني في منامي أحمل فوق رأسي خبزاً ، يقول : أحمل على رأسي ، فوضعت فوق مكان على ، "تأكل الطير منه" ، يعني : من الخبز .
وقوله : "نبئنا بتأويله" ، يقول : أخبرنا بما يؤول إليه ما أخبرناك أنا رأيناه في منامنا ، ويرجع إليه ، كما :
حدثني الحارث قال ، حدثنا القاسم قال ، حدثنا يزيد ، عن ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "نبئنا بتأويله" ، قال : به . قال الحارث ، قال أبو عبيد : يعني مجاهد أن تأويل الشيء ، هو الشيء . قال : ومنه : تأويل الرؤيا ، إنما هو الشيء الذي تؤول إليه .
وقوله : "إنا نراك من المحسنين" ، اختلف أهل التأويل في معنى الإحسان ، الذي وصف به الفتيان يوسف .
فقال بعضهم : هو أنه كان يعود مريضهم ، ويعزي حزينهم ، وإذا احتاج منهم إنسان جمع له .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا سعيد بن منصور قال ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك بن مزاحم قال : كنت جالساً معه ببلخ ،فسئل عن قوله : "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين" ، قال : قيل له : ما كان إحسان يوسف ؟ قال : كان إذا مرض إنسان قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ،وإذا ضاق أوسع له .
حدثنا إسحاق ، عن أبي إسرائيل قال ، حدثنا خلف بن خليفة ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك قال : سال رجل الضحاك ، عن قوله :"إنا نراك من المحسنين" ، ما كان إحسانه ؟ قال : كان إذا مرض إنسان في السجن قام عليه ، وإذا احتاج جمع له ، وإذا ضاق عليه المكان وسع له .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ،حدثني حجاج ، عن أبي بكر بن عبد الله ، عن قتادة قوله : "إنا نراك من المحسنين" ، قال : بلغنا أن إحسانه أنه كان يداوي مريضهم ،ويعزي حزينهم ، ويجتهد لربه . وقال : لما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم ، واشتد بلاؤهم فطال حزنهم ، فجعل يقول : أبشروا واصبروا تؤجروا ، نإن لهذا أجراً ، إن لهذا ثواباً . فقالوا : يا فتى ، بارك الله فيك ، ما أحسن وجهك ، وأحسن خلقك ، لقد بورك لنا في جوارك ، ما نحب أنا كنا في غير هذا منذ حبسنا ، لما تخبرنا من الأجر والكفارة والطهارة ، فمن أنت يا فتى ؟ قال : أنا يوسف ، ابن صفي الله يعقوب ، ابن ذبيح الله إسحاق بن إبراهيم خليل الله . وكان عليه محبة . وقال له عامل السجن : يا فتى ، والله لو استطعت لخليت سبيلك ، ولكن سأحسن جوارك ، وأحسن إسارك ، فكن في أي بيوت السجن شئت .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ،عن خلف الأشجعي ، عن سلمة بن نبيط ، عن الضحاك ، في : "إنا نراك من المحسنين" ، قال : كان يوسع للرجل في مجلسه ، ويتعاهد المرضى .
وقال آخرون : معناه : "إنا نراك من المحسنين" ، إذا نبأتنا بتأويل رؤيانا هذه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : استفتياه في رؤياهما ، وقال له : "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين" ، إن فعلت .
قالأبو جعفر : وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ، القول الذي ذكرناه عن الضحاك و قتادة .
فإن قال قائل : وما وجه الكلام إن كان الأمر إذا كما قلت ، وقد علمت أن مسألتهما يوسف أن ينبئهما بتأويل رؤياهما ، ليست من الخبر عن صفته بأنه يعود المريض ويقوم عليه ، ويحسن إلى من احتاج ، في شيء . وإنما يقال للرجل نبئنا بتأويل هذا فإنك عالم ، وهذا من المواضع التي تحسن بالوصف بالعلم ، لا بغيره ؟
قيل :إن وجه ذلك أنهما قالا له : نبئنا بتأويل رؤيانا محسناً إلينا في إخبارك إيانا بذلك ، كما نراك تحسن في سائر أفعالك : "إنا نراك من المحسنين" .
قوله تعالى: " ودخل معه السجن فتيان " ( فتيان) تثنية فتى، وهو من ذوات الياء، وقولهم: الفتو شاذ. قال وهب وغيره: حمل يوسف إلى السجن مقيداً على حمار، وطيف به ( هذا جزاء من يعصي سيدته) وهو يقول: هذا أيسر من مقطعات النيران، وسرابيل القطران، وشراب الحميم، وأكل الزقوم. فلما انتهى يوسف إلى السجن وجد فيه قوماً قد انقطع رجاؤهم، واشتد بلاؤهم، فجعل يقول لهم: اصبروا وأبشروا تؤجروا، فقالوا له: يا فتى! ما أحسن حديثك! لقد بورك لنا في جوارك، من أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف ابن صفي الله يعقوب، ابن ذبيح الله إسحق، ابن خليل الله إبراهيم. وقال ابن عباس: لما قالت المرأة لزوجها إن هذا العبد العبراني قد فضحني، وأنا أريد أن تسجنه، فسجنه في السجن، فكان يعزي فيه الحزين، ويعود فيه المريض، ويداوي فيه الجريح، ويصلي الليل كله، ويبكي حتى تبكي معه جدر البيوت وسقفها والأبواب، وطهر به السجن، واستأنس به أهل السجن، فكان إذا خرج الرجل من السجن رجع حتى يجلس في السجن مع يوسف، وأحبه صاحب السجن فوسع عليه فيه، ثم قال له: يا يوسف! لقد أحببتك حباً لم أحب شيئاً حبك، فقال: أعوذ بالله من حبك، قال: ولم ذلك؟ فقال: أحبني أبي ففعل بي إخوتي ما فعلوه، واحبتني سيدتي فنزل بي ما ترى، فكان في حبسه حتى غضب الملك على خبازه وصاحب شرابه أن يسماه جميعاً، فأجاب الخباز وأبي صاحب الشراب، فانطلق صاحب الشراب فأخبر الملك بذلك، فأمر الملك بحبسهما، فاستأنسا بيوسف، فذلك قوله: ( ودخل معه السجن فتيان) وقد قيل: إن الخباز وضع السم في الطعام، فلما حضر الطعام قال الساقي: أيها الملك! لا تأكيل فإن الطعام مسموم. وقال الخباز: أيها الملك لا تشرب! فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب! فشرب فلم يضره، وقال للخباز: كل، فأبى، فجرب الطعام على حيوان فنفق مكانه، فحبسهما سنة، وبقيا في السجن تلك المدة مع يوسف. واسم الساقي منجا، والآخر مجلث، ذكره الثعلبي عن كعب. وقال النقاش: اسم أحدهما شرهم، والآخر سرهم، الأول بالشين المعجمة، والآخر بالسين المهملة. وقال الطبري : الذي رأى أنه يعصر خمراً هو نبو، قال السهيلي : وذكر اسم الآخر ولم أقيده. وقال ( فتيان) لأنهما كانا عبدين، والعبد يسمى فتى، صغيراً كان أو كبيراً، ذكره الماوردي . وقال القشيري : ولعل الفتى كان اسماً للعبد في عرفهم، ولهذا قال: ( تراود فتاها عن نفسه). ويحتمل أن يكون الفتى اسماً للخادم وإن لم يكن مملوكاً. ويمكن أن يكون حبسهما مع حبس يوسف أو بعده أو قبله، غير أنهما دخلا معه البيت الذي كان فيه. ( قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً) أي عنباً، كان يوسف قال لأهل السجن: إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين لصاحبه: تعالى حتى نجرب هذا العبد العبراني، فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئاً، قاله ابن مسعود. وحكى الطبري أنهما سألاه عن علمه فقال: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهما. قال ابن عباس ومجاهد: كانت رؤيا صدق رأياها وسألاه عنها، ولذلك صدق تأويلها. وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً ". وقيل: إنها كانت رؤيا كذب سألاه عنها تجريباً، وهذا قول ابن مسعود و السدي . وقيل: إن المصلوب منهما كان كاذباً، والآخر صادقاً، قاله أبو مجلز. وروى الترمذي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من تحلم كاذباً كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين ولن يعقد بينهما ". قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. وعن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من كذب في حلمه كلف يوم القيامة عقد شعيرة ". قال: حديث حسن. قال ابن عباس: لما رأيا رؤياهما أصبحا مكروبين، فقال لهما يوسف: مالي أراكما مكروبين؟ قالا: يا سيدنا! إنا رأينا ما كرهنا، قال: فقصا علي، فقصا عليه، قالا: نبئنا بتأويل ما رأينا، وهذا يدل على أنها كانت رؤيا منام. " إنا نراك من المحسنين " فإحسانه، أنه كان يعود المرضى ويداويهم، ويعزي الحزانى، قال الضحاك : كان إذا مرض الرجل من أهل السجن قام به، وإذا ضاف وسع له، وإذا احتاج جمع له، وسأل له. وقيل: ( من المحسنين) أي العالمين الذين أحسنوا العلم، قاله الفراء. وقال ابن إسحق: ( من المحسنين) لنا إن فسرته، كما يقول: افعل كذا وأنت محسن. قال: فما رأيتما؟ قال الخباز: رأيت كأني اختبزت في ثلاثة تنانير، وجعلته في ثلاث سلال، فوضعته على رأسي فجاء الطير فأكل منه. وقال الآخر: رأيت كأني أخذت ثلاثة عناقيد من عنب أبيض، فعصرتهن في ثلاث أوان، ثم صفيته فسقيت الملك كعادتي فيما مضى، فذلك قوله: ( إني أراني أعصر خمراً) أي عنباً، بلغة عمان، قاله الضحاك . وقرأ ابن مسعود: ( إني أراني أعصر عنباً). وقال الأصمعي : أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابياً ومعه عنب فقال له: ما معك؟ قال: خمر. وقيل: معنى. ( أعصر خمراً) أي عنب خمر، فحذف المضاف. ويقال: خمرة وخمر وخمور، مثل تمرة وتمر وتمور.
قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك, والاخر خبازه. قال محمد بن إسحاق: كان اسم الذي على الشراب نبوا والاخر مجلث. قال السدي: كان سبب حبس الملك إياهما أنه توهم أنهما تمالا على سمه في طعامه وشرابه, وكان يوسف عليه السلام قد اشتهر في السجن بالجود والأمانة, وصدق الحديث, وحسن السمت, وكثرة العبادة, صلوات الله عليه وسلامه. ومعرفة التعبير والإحسان إلى أهل السجن, وعيادة مرضاهم, والقيام بحقوقهم. ولما دخل هذان الفتيان إلى السجن تآلفا به وأحباه حباً شديداً وقالا له: والله لقد أحببناك حباً زائداً. قال: بارك الله فيكما, إنه ما أحبني أحد إلا دخل علي من محبته ضرر, أحبتني عمتي فدخل علي الضرر بسببها, وأحبني أبي فأوذيت بسببه, وأحبتني امرأة العزيز فكذلك, فقالا: والله ما نستطيع إلا ذلك, ثم إنهما رأيا مناماً فرأى الساقي أنه يعصر خمراً يعني عنباً, وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود: إني أراني أعصر عنباً.
ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان, عن يزيد بن هارون, عن شريك, عن الأعمش, عن زيد بن وهب, عن ابن مسعود أنه قرأها: أعصر عنباً: وقال الضحاك في قوله "إني أراني أعصر خمراً" يعني عنباً, قال: وأهل عمان يسمون العنب خمراً, وقال عكرمة: قال له: إني رأيت فيما يرى النائم أني غرست حبة من عنب, فنبتت فخرج فيها عناقيد, فعصرتهن ثم سقيتهن الملك, فقال: تمكث في السجن ثلاثة أيام ثم تخرج فتسقيه خمراً, وقال الاخر وهو الخباز "إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه نبئنا بتأويله" الاية, والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه أنهما رأيا مناماً وطلبا تعبيره. وقال ابن جرير: حدثنا وكيع وابن حميد قالا: حدثنا جرير عن عمارة بن القعقاع عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئاً, إنما كان تحالماً ليجربا عليه.
قوله:36- "ودخل معه السجن فتيان" في الكلام حذف متقدم عليه، والتقدير: وبدا لهم من بعد ما رأو الآيات ليسجننه حتى حين فسجنوه، ودخل معه السجن فتيان، ومع للمصاحبة، وفتيان تثنية فتى، وذلك يدل على أنهما عبدان له، ويحتمل أن يكون الفتى اسماً للخادم وإن لم يكن مملوكاً، وقد قيل إن أحدهما خباز الملك، والآخر ساقيه، وقد كانا وضعا للملك سماً لما ضمن لهما أهل مصر مالاً في مقابلة ذلك، ثم إن الساقي رجع عن ذلك وقال للملك: لا تأكل الطعام فإنه مسموم، وقال الخباز: لا تشرب فإن الشراب مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشرب فلم يضره، وقال للخباز كل فأبى، فجرب الطعام على حيوان فهلك مكانه فحبسهما، وكان دخولهما السجن مع دخول يوسف، وقيل قبله، وقيل بعده. قال ابن جرير: إنهما سألا يوسف عن علمه فقال: إني أعبر الرؤيا، فسألاه عن رؤياهماكما قص الله سبحانه "قال أحدهما إني أراني أعصر خمراً" أي رأيتني، والتعبير بالمضارع لاستحضار الصورة. والمعنى: إني أراني أعصر عنباً، فسماه باسم ما يؤول إليه لكونه المقصود من العصر. وفي قراءة ابن مسعود أعصر عنباً قال الأصمعي: أخبرني المعتمر بن سليمان أنه لقي أعرابياً ومعه عنب، فقال له: ما معك؟ فقال خمر. وقيل معنى أعصر خمراً. أي عنب خمر، فهو على حذف المضاف، وهذا الذي رأى هذه الرؤيا هو الساقي، وهذه الجملة مستأنفة بتقدير سؤال، وكذلك الجملة التي بعدها وهي "وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً" ثم وصف الخبز هذا بقوله: "تأكل الطير منه" وهذا الرائي لهذه الرؤيا هو الخباز، قم قالا ليوسف حميعاً بعد أن قصا رؤياهما عليه "نبئنا بتأويله" أي بتأويل ما قصصناه عليك من مجموع المرئيين، أو بتأويل المذكور لك من كلامنا، وقيل إن كل واحد منهما قال له ذلك عقب قص رؤياه عليه، فيكون الضمير راحعاً إلى ما رآه كل واحد منهما، وقيل إن الضمير في بتأويله موضوع موضع اسم الإشارة، والتقدير يتأويل ذلك "إنا نراك من المحسنين" أي من الذين يحسنون عبارة الرؤيا وكذا قال الفراء : إن معنى من المحسنين من العالمين الذين أحسنوا العلم. وقال ابن إسحاق: من المحسنين إلينا إن فسرت ذلك، أو من المحسنين إلى اهل السجن، فقد روي أنه كان كذلك.
36-قوله تعالى: "ودخل معه السجن فتيان"، وهما غلامان كانا للريان بن الوليد بن شروان العمليق ملك مصر الأكبر، أحدهما: خبازة وصاحب طعامه، والآخر: ساقيه وصاحب شرابه.
عضب الملك عليهما فحبسهما.
وكان السبب فيه: أن جماعة من أهل مصر أرادوا المكر بذلك واغتياله، فضمنوا لهذين مالا، ليسما الملك في طعامه وشرابه فأجاباهم، ثم إن الساقي نكل عنه، وقبل الخباز الرشوة فسم الطعام، فلما أحضر الطعام والشراب.
قال الساقي: لا تأكل أيها الملك فإن الطعام مسموم، وقال الخباز لا تشرب فإن الشراب مسموم.
فقال الملك للساقي: اشرب فشربه فلم يضره، وقال للخباز: كل من طعامك، فأبى فجرب ذلك الطعام على دابة فأكلته فهلكت، فأمر الملك بحبسهما.
وكان يوسف حين دخل السجن جعل ينشر علمه ويقول إني أعبر الأحلام، فقال أحد الفتيين لصاحبه: هلم فلنجرب هذا العبد العبراني، فتراءيا له فسألاه من غير أن يكونا رأيا شيئا، قال ابن مسعود ما رأيا شيئا وإنما تحالما ليجربا يوسف.
وقال قوم: بل كانا رأيا حقيقة، فرآهما يوسف وهما مهمومان، فسألهما عن شأنهما، فذكرا أنهما صاحبا الملك، حبسهما، وقد رأيا رؤيا غمتهما. فقال يوسف: قصا علي ما رأيتما، فقصا عليه.
"قال أحدهما"، وهو صاحب الشراب، "إني أراني أعصر خمرا"، أي: عنبا، سمي العنب خمرا باسم ما يؤل إليه، كما يقال: فلان يطبخ الآجر أي يطبخ اللبن للآجر. وقيل: الخمر العنب بلغة عمان، وذلك أنه قال إني رأيت كأني في بستان، فإذا بأصل حبلة عليها ثلاث عناقيد من عنب فجنيتها وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه.
"وقال الآخر"، وهو الخباز: "إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه"، وذلك أنه قال: إني رأيت كأن فوق رأسي ثلاث سلال فيها الخبز وألوان الأطعمة وسباع الطير تنهش منه. "نبئنا بتأويله"، أخبرنا بتفسيره وتعبيره وما يؤل إليه أمر هذه الرؤيا.
"إنا نراك من المحسنين"، أي: العالمين بعبارة الرؤيا، والإحسان بمعنى العلم.
وروي أن الضحاك بن مزاحم سئل عن قوله: "إنا نراك من المحسنين"، وما كان إحسانه؟ قال: كان إذا مرض إنسان في السجن عاده وقام عليه، وإذا ضاق عليه المجلس وسع له، وإذا احتاج جمع له شيئا، وكان مع هذا يجتهد في العبادة، ويقوم الليل كله للصلاة.
وقيل: إنه لما دخل السجن وجد فيه قوما قد اشتد بلاؤهم وانقطع رجاؤهم وطال حزنهم، فجعل يسليهم ويقول: أبشروا واصبروا تؤجروا، فيقولون: بارك الله فيك يا فتى ما أحسن وجهك وخلقك وحديثك، لقد بورك لنا في جوارك فمن أنت يا فتى؟ قال: أنا يوسف بن صفي الله يعقوب بن ذبيح الله إسحاق بن خليل الله إبراهيم، فقال له عامل السجن: يا فتى والله لو استطعت لخليت سبيلك، ولكن سأحسن جوارك فتمكن في أي بيوت السجن شئت.
ويروى أن الفتيين لما رأيا يوسف قالا له: لقد أحببناك حين رأيناك، فقال لهما يوسف: أنشدكما بالله أن لا تحباني، فوالله ما أ حبني أحد قط إلا دخل علي من حبه بلاء، لقد أحبتني عمتي فدخل علي بلاء، ثم أحببني أبي فألقيت في الجب، وأحبتني / امرأة العزيز فحبست. فلما قصا عليه الرؤيا كره يوسف أن يعبر لهما ما سألاه لما علم في ذلك من المكروه على أحدهما، فأعرض عن سؤالهما وأخذ في غيره في إظهار المعجزة والدعاء إلى التوحيد.
36."دخل معه السجن فتيان" أي أدخل يوسف السجن واتفق أ،ه أدخل حينئذ آخران من عبيد الملك شرابيه وخبازه للاتهام بأنهما يريدان أن يسماه."قال أحدهما" يعني الشرابي ."إني أراني "أي في المنام وهي حكاية حال ماضية . " أعصر خمراً" أي عنباً وسماه خمراً باعتبار ما يؤول إليه ."وقال الآخر " أي الخباز ."إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً تأكل الطير منه" تنهش منه ، "نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين" من الذين يحسنون تأويل الرؤيا، أو من العالمين وإنما قال ذلك لأنهما رأياه في السجن يذكر الناس ويعبر رؤياهم ، أو من المحسنين إلى أهل السجن فأحسن إلينا بتأويل ما رأينا إن كنت تعرفه..
36. And two young men went to prison with him. One of them said: I dreamed that I was pressing wine. The other said I dreamed that I was carrying upon my head bread whereof the birds were eating. Announce unto us the interpretation, for we see thee of those good (at interpretation).
36 - Now with him there came into the prison two young men. Said one of them: I see myself (in a dream) pressing wine. Said the other: I see myself (in a dream) carrying bread on my head, and birds are eating thereof. Tell us (they said) the truth and meaning thereof: for we see thou art one that doth good (to all).