[يوسف : 31] فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّينًا وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ لِلّهِ مَا هَـذَا بَشَرًا إِنْ هَـذَا إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ
31 - (فلما سمعت بمكرهن) غيبتهن لها (أرسلت إليهن وأعتدت) أعدت (لهن متكأً) طعاماً يقطع بالسكين للاتكاء عنده وهو الأترج (وآتت) أعطت (كل واحدة منهن سكيناً وقالت) ليوسف (اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه) أعظمنه (وقطعن أيديهن) بالسكاكين ولم يشعرن بالألم لشغل قلبهن بيوسف (وقلن حاش لله) تنزيهاً له (ما هذا) أي يوسف (بشراً إن) ما (هذا إلا ملك كريم) لما حواه من الحسن الذي لا يكون عادة في النسمة البشرية وفي الحديث "أنه أعطي شطر الحسن"
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما سمعت امرأة العزيز بمكر النسوة اللاتي قلن في المدينة ما ذكره الله عز وجل عنهن .
وكان مكرهن ما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "فلما سمعت بمكرهن" ، يقول : بقولهن .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : لما أظهر النساء ذلك ، من قولهن : تراود عبدها ! ، مكراً بها لتريهن يوسف ، وكان يوصف لهن بحسنه وجماله ، "فلما سمعت بمكرهن أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئا" .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "فلما سمعت بمكرهن" ، أي بحديثهن ، "أرسلت إليهن" ، يقول : أرسلت إلى النسوة اللاتي تحدثن بشأنها وشأن يوسف .
و أعتدت ، أفعلت من العتاد ، وهو العدة ، ومعناه :أعدت لهن ، "متكئا" ، يعني :مجلساً للطعام ، وما يتكئن عليه من النمارق والوسائد .
وهو مفتعل ، من قول القائل : اتكأت ، يقال : ألق له متكأ ، يعني : ما يتكىء عليه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ،حدثنا يحيى بن اليمان ، عن أشعث ، عن جعفر ،عن سعيد : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : طعاماً وشراباً ومتكأ .
قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : يتكئن عليه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : مجلساً .
قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن أنه كان يقرأ : متكاء ويقول : هو المجلس والطعام .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن يزيد : من قرأ : متكأ ، خفيفة ، يني : طعاماً . ومن قرأ ، "متكئا" ، يعني :المتكأ .
فهذا الذي ذكرنا عمن ذكرنا عنه تأويل هذه الكلمة ، هو معنى الكلمة ، وتأويل المتكأ ، وأنها أعدت للنسوة مجلساً فيه متكأ وطعام وشراب وأترج .ثم فسر بعضهم المتكأ ، بأنه الطعام ، على وجه الخبر عن الذي أعد من أجله المتكأ ، وبعضهم عن الخبر عن الأترج ، إذ كان في الكلام : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، لأن السكين إنما تعد للأترج وما أشبهه مما يقطع به ،وبعضهم على البزماورد .
حدثني هرون بن حاتم المقرىء قال ، حدثنا هشيم بن الزبرقان ، عن أبي روق ، عن الضحاك في قوله : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : البزماورد .
وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى : المتكأ ، هو النمرق يتكأ عليه . وقال : زعم قوم أنه الأترج . قال : وهذا أبطل باطل في الأرض ، ولكن عسى أن يكون مع المتكأ ، أترج يأكلونه .
وحكى أبو عبيد القاسم بن سلام قول أبي عبيدة ثم قال : والفقهاء أعلم التأويل منه . ثم قال : ولعله بعض ما ذهب من كلام العرب ،فإن الكسائي كان يقول : قد ذهب من كلام العرب شيء كثير انقرض أهله .
قال أبو جعفر : والقول في ان الفقهاء أعلم التأويل من أبي عبيدة ، كما قال أبو عبيد لا شك فيه ، غير أن أبا عبيدة لم يبعد من الصواب في هذا القول ، بل القول كما قال ، من أن قال للمتكأ : هو الأترج ، إنما بين المعد في المجلس الذي فيه المتكأ ، والذي من أجله أعطين السكاكين ، لأن السكاكين معلوم أنها لا تعد للمتكأ إلا لتخريفه ! ولم يعطين السكاكين لذلك .
ومما يبين صحة ذلك القول الذي ذكرناه عن ابن عباس من أن المتكأ ، هو المجلس ،ثم روي عن مجاهد عنه ، ما :
حدثني به سليمان بن عبد الجبار قال ، حدثنا محمد بن الصلت قال ، حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : "وأعتدت لهن متكئا وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، قال : أعطتهن اترجا ، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً .
فبين ان عباس ، في رواية مجاهد هذه ، ما أعطت النسوة ، وأعرض عن ذكر بيان معنى المتكأ ، إذ كان معلوماً معناه .
ذكر من قال في تأويل المتكأ ما ذكرنا :
حدثني يحيى بن طلحة اليربوعي قال ، حدثنا فضيل بن عياض ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : الترنج .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ،عن عوف قال ، حدثت عن ابن عباس أنه كان يقرؤها : متكأ مخففة ، ويقول : هو الأترج .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن أبيه ، عن عطية : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : الطعام .
حدثني يعقوب و الحسن بن محمد قالا ، حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء ، عن الحسن في قوله : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : طعامنا .
حدثنا ابن وكيع قال ،حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء ، عن الحسن ، مثله .
حدثنا ابن بشار ، وابن وكيع قالا ، حدثنا غندر قال ، حدثنا شعبة ، عن ابي بشر ،عن سعيد بن جبير في قوله : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : طعاماً .
حدثنا ابن المثنى قال ، حدثنا وهب بن جرير قال ، حدثنا شعبة ، عن ابي بشر ، عن سعيد بن جبير ، نحوه .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : من قرأ : "متكئا" ، فهو الطعام ، ومن قرأها متكا ، فخففها ، فهو الأترج .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : "متكئا" ، قال : طعامنا .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ،حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا أبو خالد القرشي قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : من قرأ : متكا ، خفيفة ، فهو الأترج .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ،حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن ليث قال :سمعت بعضهم يقول : الأترج .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وأعتدت لهن متكئا" ، أي طعاماً .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، مثله .
قال ، حدثنا يزيد قال ، عن أبي رجاء ، عن عكرمة في قوله : "متكئا" ، قال :طعاماً .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ،حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وأعتدت لهن متكا ، يعني الأترج .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وأعتدت لهن متكئا" ، و المتكأ ، الطعام .
قال ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن مجاهد : "وأعتدت لهن متكئا " ، قال : الطعام .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وأعتدت لهن متكئا" ، قال : طعامنا .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ،حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "متكئا" ، فهو كل شيء يحز بالسكين .
قال أبو جعفر : قال الله تعالى ذكره ، مخبراً عن امرأة العزيز والنسوة اللاتي تحدثن بشأنها في المدينة : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، يعني بذلك جل ثناؤه : وأعطت كل واحدة من النسوة اللاتي حضرنها ، سكيناً لتقطع به من الطعام ما تقطع به . وذلك ما ذكرت أنها آتتهن : إما من الأترج ، وإما من البزماورد ، أو غير ذلك مما يقطع بالسكين ، كما :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، وأترجاً يأكلنه .
حدثنا سليمان بن عبد الجبار قال : حدثنا محمد بن الصلت قال : حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ، عن مجاهد ، عن ابن عباس : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، قال : أعطتهن أترجاً ، وأعطت كل واحدة منهن سكيناً .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، ليحتززن به من طعامهن .
حدثني يونس عبد الأعلى قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وآتت كل واحدة منهن سكينا" ، وأعطتهن ترنجاً وعسلاً ، فكن يحززن الترنج بالسكين ، ويأكلن بالعسل .
قال أبو جعفر : وفي هذه الكلمة بيان صحة ما قلنا واخترنا في قوله : "وأعتدت لهن متكئا" . وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن إيتاء امرأة العزيز النسوة السكاكين ، وترك ما له آتتهن السكاكين ،إذ كان معلوماً أن السكاكين لا تدفع إلى من دعي إلى مجلس إلا لقطع ما يؤكل ، إذا قطع بها . فاستغني بفهم السامع بذكر إيتائها صواحباتها السكاكين ، عن ذكر ما له آتتهن ذلك . فكذلك استغني بذكر اعتدادها لهن المتكأ ، عن ذكر ما يعتد له المتكأ مما يحضر المجالس من الأطعمة والأشربة والفواكه وصنوف الالتهاء ، لفهم السامعين بالمراد من ذلك ، ودلالة قوله : "وأعتدت لهن متكئا" ، عليه . فأما نفس المتكأ ، فهو ما وصفنا خاصة دون غيره .
وقوله : "وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه" ، يقول تعالى ذكره : وقالت امرأة العزيز ليوسف : "اخرج عليهن" ، فخرج عليهن يوسف ، "فلما رأينه أكبرنه" ، يقول جل ثناؤه : فلما رأين يوسف أعظمنه أجللنه .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "أكبرنه" ، أعظمنه .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، قال وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فلما رأينه أكبرنه" ، أي : أعظمنه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد ، عن أسباط ، عن السدي : "وقالت اخرج عليهن" ، ليوسف ، "فلما رأينه أكبرنه" ، عظمنه .
حدثنا إسماعيل بن سيف العجلي قال ، حدثنا علي بن عابس قال ، سمعت السدي يقول في قوله : "فلما رأينه أكبرنه" ، قال : أعظمنه .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "اخرج عليهن" ، فخرج ، فلما رأينه أعظمنه وبهتن .
حدثنا إسماعيل بن سيف قال ، حدثنا عبد الصمد بن علي الهاشمي ، عن أبيه ، عن جده في قوله : "فلما رأينه أكبرنه" ، يقول : حضن .
حدثنا علي بن داود قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس في قوله : "فلما رأينه أكبرنه" ، يقول : أعظمنه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا يحيى بن أبي زائدة ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قال أبو جعفر : وهذا القول ـ أعني القول الذي روي عن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن جده ،في معنى "أكبرنه" ، أنه حضن ـ إن لم يكن عنى به أنهن حضن من إجلالهن يوسف ، وإعظامهن لما كان الله قسم له من البهاء والجمال ، ولما يجد من مثل ذلك النساء عند معاينتهن إياه ، فقول لا معنى له . لأن تأويل ذلك : فلما رأين يوسف أكبرنه ، فالهاء التي في "أكبرنه" ، من ذكر يوسف ، ولا شك أن من المحال أن يحضن يوسف . ولكن الخبر ، إن كان صحيحاً عن ابن عباس على ما روي ، فخليق أن يكون كان معناه في ذلك : أنهن حضن لما أكبرن من حسن يوسف وجماله في أنفسهن ، ووجدن ما يجد النساء من مثل ذلك .
وقد زعم بعض الرواة أن بعض الناس أنشده في أكبرن بمعنى : حضن ، بيتاً لا أحسب أن له أصلاً ، لأنه ليس بالمعروف عند الرواة ، وذلك :
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وزعم أن معناه : إذا حضن .
وقوله : "وقطعن أيديهن" ، اختلف أهل التأويل في معنى ذلك .
فقال بعضهم : معناه : أنهن حززن بالسكين في أيديهن ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "وقطعن أيديهن" ، حزاً حزاً بالسكين .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ،حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد "وقطعن أيديهن" ، قال : حزاً حزاً بالسكاكين .
حدثني المثنى قال ،حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ـ ... قال ، وحدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وقطعن أيديهن" ، قال : حزاً حزاً بالسكين .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمرو بن محمد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "وقطعن أيديهن" ، قال : جعل النسوة يحززن أيديهن ، يحسبن أنهن يقطعن الأترج .
حدثنا إسماعيل بن سيف قال ، حدثنا علي بن عابس قال ، سمعت السدي يقول : كانت في أيديهن سكاكين مع الأترج ، فقطعن أيديهن وسالت الدماء ، فقلن : نحن نلومك على حب هذا الرجل ، ونحن قد قطعنا أيدينا وسالت الدماء !
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد : جعلن يحززن أيديهن بالسكين ، ولا يحسبن إلا أنهن يحززن الترنج ، قد ذهبت عقولهن مما رأين !
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وقطعن أيديهن" ، وحززن أيديهن .
حدثني سليمان بن عبد الجبار قال ، حدثنا محمد بن الصلت قال ، حدثنا أبو كدينة ، عن حصين ،عن مجاهد ، عن ابن عباس قال : جعلن يقطعن أيديهن ، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "وقطعن أيديهن" ، قال : جعلن يحززن أيديهن ولا يشعرن بذلك .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : قالت ليوسف : "اخرج عليهن" ، فخرج عليهن ، "فلما رأينه أكبرنه" ، وغلبت عقولهن عجباً حين رأينه ، فجعلن يقطعن أيديهن بالسكاكين التي معهن ، ما يعقلن شيئاً مما يصنعن ، "وقلن حاش لله ما هذا بشرا" .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : أنهن قطعن أيديهن حتى أبنها ، وهن لا يشعرن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قال : قطعن أيديهن حتى ألقينها .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الرزاق قال ،أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "وقطعن أيديهن" ، قال : قطعن أيديهن حتى ألقينها .
قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله أخبر عنهن أنهن قطعن أيديهن وهن لا يشعرن لإعظام يوسف ، وجائز أن يكون ذلك قطعاً بإبانة ، وجائز أن يكون كان قطع حز وخدش ، ولا قول في ذلك أصوب من التسليم لظاهر التنزيل .
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن ، قال ، حدثنا سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله ، مثله .
وبه ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال :قسم ليوسف وأمه ثلث الحسن .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله قال : أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الخلق .
حدثني أحمد بن ثابت ، وعبد الله بن محمد الرازيان ،قالا ، حدثنا عفان قال ، أخبرنا حماد بن سلمة قال ، أخبرنا ثابت ، عن انس ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن" .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ،عن أبي معاذ ، عن يونس ، عن الحسن : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين ، أو قال : أعطي يوسف وأمه الثلثين ، وأعطي الناس الثلث" .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا وكيع ، وحدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي قال : قسم الحسن نصفين ، فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن ، والنصف الآخر بين سائر الخلق .
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا أبو أحمد الزبيري قال ، حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي قال : قسم الحسن نصفين ، فقسم ليوسف وأمه النصف ، والنصف لسائر الناس .
حدثنا ابن وكيع ، وابن حميد قالا ،حدثنا جرير ، عن منصور ،عن مجاهد ، عن ربيعة الجرشي قال : قسم الحسن نصفين ، فجعل ليوسف وسارة النصف ، وجعل لسائر الخلق نصف .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا حكام ،عن عيسى بن يزيد ، عن الحسن : أعطي يوسف وأمه ثلث حسن الدنيا ، وأعطي الناس الثلثين .
وقوله : "وقلن حاش لله" ، اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته عامة قرأة الكوفيين : "حاش لله" ، بفتح الشين وحذف الياء .
وقرأه بعض البصريين ، بإثبات الياء :(حاشى لله) .
وفيه لغات لم يقرأ بها : حاشى الله ، كما قال الشاعر :
حاشى أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
وذكر عن ابن مسعود أنه كان يقرأ بهذه اللغة : حشى الله و حاش الله ، بتسكين الشين والألف ، يجمع بين الساكنين .
وأما القراءة فإنما هي بإحدى اللغتين الأوليين : فمن قرأ : "حاش لله" ، بفتح الشين وإسقاط الياء ، فإنه أراد لغة من قال : "حاش لله" ، بإثبات الياء ، ولكنه حذف الياء لكثرتها على ألسن العرب ، كما حذفت العرب الألف من قولهم : لا أب لغيرك و لا أب لشانيك ، وهم يعنون : لا أبا لغيرك ، و لا أبا لشانيك .
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب يزعم أن لقولهم : "حاش لله" ، موضعين في الكلام :
أحدهما : التنزيه .
والآخر : الاستثناء . وفي هذا الموضع عندنا بمعنى التنزيه لله ، كأنه قيل : معاذ الله .
قال أبو جعفر : وأما القول في قراءة ذلك . فإنه يقال : للقارىء الخيار في قراءته بأي القراءتين شاء ، إن شاء قراءة الكوفيين ، وإن شاء بقراءة البصريين ، وهو "حاش لله" ، و حاشى لله ، لأنهما قراءتان مشهورتان ، ولغتان معروفتان بمعنى واحد ،وما عدا ذلك فلغات لا تجوز القراءة بها ،لأنا لا نعلم قارئاً قرأ بها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ،عن ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وقلن حاش لله" ، قال : معاذ الله .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا ابو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "حاش لله" ، معاذ الله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد قوله : "وقلن حاش لله" ، معاذ الله .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ،عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "حاش لله" ، معاذ الله .
قال ، حدثنا عبد الوهاب ، عن عمرو ، عن الحسن : "حاش لله" ، معاذ الله .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ،حدثنا يحيى ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وقوله :"ما هذا بشرا" ، يقول : قلن : "ما هذا بشرا" ، لأنهن لم يرين في حسن صورته من البشر أحداً ، فقلن : لو كان من البشر ، لكان كبعض ما رأينا من صورة البشر ، ولكنه من الملائكة لا من البشر ، كما :
حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وقلن حاش لله ما هذا بشرا" ، ما هكذا تكون البشر !
وبهذه القراءة قرأ عامة قرأة الأمصار ، وقد :
حدثت عن يحيى بن زياد الفراء قال ، حدثني دعامة بن رجاء التيمي ـ وكان غزاءً ـ عن أبي الحويرث الحنفي : أنه قرأ : ما هذا بشرى ، أي :ما هذا بمشترى .
يريد بذلك أنهن أنكرن أن يكون مثله مستعبداً يشترى ويباع .
قال أبو جعفر :وهذه القراءة لا أستجيز القراءة بها ، لإجماع قرأة الأمصار على خلافها . وقد بينا أن ما أجمعت عليه ، فغير جائز خلافها فيه .
وأما نصب البشر فمن لغة أهل الحجاز ، إذا أسقطوا الباء من الخبر نصبوه ، فقالوا : ما عمرو قائما . وأما أهل نجد ، فإن من لغتهم رفعه ، يقولون : ما عمرو قائم ومنه قول بعضهم حيث يقول :
لشتان ما أنوي وينوي بنو أبي جميعا ، ما هذان مستويان
تمنوا لي الموت الذي يشعب الفتى وكل فتى والموت يلتقيان
وأما القرآن فجاء بالنصب في كل ذلك ، لأنه بلغة أهل الحجاز .
وقوله : "إن هذا إلا ملك كريم" ، يقول : قلن : ما هذا إلا ملك من الملائكة ، كما :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "إن هذا إلا ملك كريم" ، قال : قلن : ملك من الملائكة .
قوله تعالى: " فلما سمعت بمكرهن " أي بغيبتهن إياها، واحتيالهن في ذمها. وقيل: إنها أطلعتهن واستأمنتهن فأفشين سرها، فسمى ذلك مكراً. وقوله: " أرسلت إليهن " في الكلام حذف، أي أرسلت إليهن تدعوهن إلى وليمة لتوقعهن فيما وقعت فيه، فقال مجاهد عن ابن عباس: إن امرأة العزيز قالت لزوجها إني أريد أن أتخذ طعاماً فأدعو هؤلاء النسوة، فقال لها: افعلي، فاتخذت طعاماً، ثم نجدت لهن البيوت، نجدت أي زينت، والنجد ما ينجد به البيت من المتاع أي يزين، والجمع نجود عن أبي عبيد، والتنجيد التزيين، وأرسلت إليهن أن يحضرن طعامها، ولا تتخلف منكن امرأة ممن سميت. قال وهب بن منبه: إنهن كن أربعين امرأة فجئن على كره منهن، وقد قال فيهن أمية بن أبي الصلت:
حتى إذا جئنها قسراً ومهدت لهن أنضاداً وكبابا
ويروى: أنماطاً. قال وهب بن منبه: فجئن وأخذن مجالسهن. " وأعتدت لهن متكئا " أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها. قال ابن جبير: في كل مجلس جام في عسل وأترج وسكين حاد. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير: ( متكاً) مخففاً غير مهموز، والمتك هو الأترج بلغة القبط، وكذلك فسره مجاهد. روى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: المتكأ مثقلاً ( هو) الطعام، والمتك مخففاً هو الأترج، وقال الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعارا
وقد تقول أزد شنوءة: الأترجة المتكة، قال الجوهري : المتك ما تبقيه الخاتنة. وأصل المتك الزماورد. والمتكاء من النساء التي لم تخفض. قال الفراء: حدثني شيخ من ثقات أهل البصرة أن المتك مخففاً الزمارود. وقال بعضهم: إنه الأترج، حكاه الأخفش . ابن زيد: أترجا وعسلاً يؤكل به، قال الشاعر:
فظلنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
أي أكلنا.
النحاس : قوله تعالى: ( وأعتدت) في العتاد، وهو كل ما جعلته عدة لشيء. ( متكأ) أصح ما قيل فيه ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: مجلساً، وأما قول جماعة من أهل التفسير إنه الطعام فيجوز على تقدير: طعام متكأ، مثل: " واسأل القرية " ( يوسف: 82)، ودل على هذا الحذف ( واتت كل واحدة منهم سكينا) لأن حضور النساء معهن سكاكين إنما هو لطعام يقطع بالسكاكين، كذا قال في كتاب ( إعراب القرآن) له. وقال في كتاب معاني القرآن له: وروى معمر عن قتادة قال: ( المتكأ) الطعام. وقيل: ( المتكأ) كل ما اتكىء عليه عند طعام أو شراب أو حديث، وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، إلا أن الروايات قد صحت بذلك. وحكى القتبي أنه يقال: اتكأنا عند فلان أي أكلنا، والأصل في ( متكأ) موتكأ، ومثله متزن ومتعد، لأنه من وزنت ووعدت ووكأت، ويقال: اتكأ يتكيء اتكاء. " كل واحدة منهن سكينا " مفعولان، وحكى الكسائي والفراء أن السكين يذكر ويؤنث، وأنشد الفراء:
فعيث في السنام غداة قر بسكين موثقة النصاب
الجوهري : والغالب عليه التذكير، وقال:
يرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا فذلك سكين على الحلق حاذق
الأصمعي : لا يعرف في السكين إلا التذكير.
قوله تعالى: " وقالت اخرج عليهن " بضم التاء لالتقاء الساكنين، لأن الكسرة تثقل إذا كان بعدها ضمة، وكسرت التاء على الأصل. قيل: إنها قالت لهن: لا تقطعن ولا تأكلن حتى أعلمكن، ثم قالت لخادمها: إذا قلت لك ادع لي إيلا فادع يوسف، وإيل: صنم كانوا يعبدونه، وكان يوسف عليه السلام يعمل في الطين، وقد شد مئزره، وحسر عن ذراعيه، فقالت للخادم: ادع لي إيلاً، أي ادع لي الرب، وإيل بالعبرانية الرب، قال: فتعجب النسوة وقلن: كيف يجيء! فصعدت الخادم فدعت يوسف، فلما انحدر قالت لهن: اقطعن ما معكن. " فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن " بالمدى حتى بلغت السكاكين إلى العظم، قاله وهب بن منبه. سعيد بن جبير: لم يخرج عليهن حتى زينته، فخرج عليهن فجأة فدهشن فيه، وتحيرن لحسن وجه وزينته وما عليه، فجعلن يقطعن أيديهن، ويحسبن أنهن يقطعن الأترج، واختلف في معنى ( أكبرنه) فروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: أعظمنه وهبنه، وعنه أيضاً أمنين وأمذين من الدهش، وقال الشاعر:
إذا ما رأين الفحل من فوق قارة صهلن وأكبرن المني المدفقا
وقال ابن سمعان عن عدة من أصحابه: إنهم قالوا أمذين عشقاً، وهب بن منبه: عشقنه حتى مات منهم عشرة في ذلك المجلس دهشا وحيرة ووجداً بيوسف. وقيل: معناه حضن من الدهش، قاله قتادة ومقاتل و السدي ، قال الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا: ليس ذاك في كلام العرب، ولكنه يجوز أن يكن حضن من شدة إعظامهن له، وقد تفزع المرأة فتسقط ولدها أو تحيض. قال الزجاج: يقال أكبرنه، ولا يقال حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض، وأجاب الأزهري فقال: يجوز أكبرت بمعنى حاضت، لأن المرأة إذا حاضت في الابتداء خرجت من حيز الصغر إلى الكبر، قال: والهاء في ( أكبرنه) يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية، وهذا مزيف، لأن هاء الوقف تسقط في الوصف، وأمثل منه قول ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل، أي أكبرن إكباراً، بمعنى حضن حيضاً. وعلى قول ابن عباس الأول تعود الهاء إلى يوسف، أي أعظمن يوسف وأجللنه.
قوله تعالى: " وقطعن أيديهن " قال مجاهد: قطعنها حتى ألقينها. وقيل: خدشنها. وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال: حزاً بالسكين، قال النحاس : يريد مجاهد أنه ليس قطعاً تبين منه اليد، إنما هو خدش وحز، وذلك معروف في اللغة أن يقال إذا خدش الإنسان يد صاحبه قطع يده. وقال عكرمة: ( أيديهن) أكمامهن، وفيه بعد. وقيل: أناملهن، أي ما وجدن ألماً في القطع والجرح، أي لشغل قلوبهن بيوسف، والتقطيع يشير إلى الكثرة، فيمكن أن ترجع الكثرة إلى واحدة جرحت يدها في مواضع، ويمكن أن يرجع إلى عددهن.
قوله تعالى: " وقلن حاش لله " أي معاذ الله. وروى الأصمعي عن نافع أنه قرأ كما قرأ أبو عمر بن العلاء. ( وقلن حاشالله) بإثبات الألف وهو الأصل، ومن حذفها جعل اللام في ( لله) عوضاً منها. وفيها أربع لغات، يقال: حاشاك وحاشا لك وحاش لك وحشا لك. ويقال: حاشا زيد وحاشا زيداً، قال النحاس : وسمعت علي بن سليمان يقول سمعت محمد بن يزيد يقول: النصب أولى، لأنه قد صح أنها فعل لقولهم حاش لزيد، والحرف لا يحذف منه، وقد قال النابغة :
ولا أحاشي من الأقوام من أحد
وقال بعضهم: حاش حرف، وأحاشي فعل. ويدل على كون حاشا فعلاً وقوع حرف الجر بعدها. وحكى أبو زيد عن أعرابي: اللهم اغفر لي ولمن يسمع، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ، فنصب بها. وقرأ الحسن ( وقلن حاش لله) بأسكان الشين، وعنه أيضاً ( حاش الإله). ابن مسعود وأبي: ( حاش الله) بغير لام، ومنه قول الشاعر:
حاشا أبي ثوبان إن به ضنا عن الملحاة والشتم
قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية، والحشا بمعنى الناحية، تقول: كنا في حشا فلان أي في ناحيته، فقولك: حاشا لزيد أي تنحى زيد من هذا وتباعد عنه، والاستثناء إخراج وتنحية عن جملة المذكورين. وقال أبو علي: هو فاعل من المحاشاة، أي حاشا يوسف وصار في حاشية وناحية مما قرف به، أو من أن يكون بشراً، فحاشا وحاش في الاستثناء حرف جر عند سيبويه ، وعلى ما قاله المبرد وأبو علي فعل.
قوله تعالى: " ما هذا بشرا " قال الخليل و سيبويه : ( ما) بمنزلة ليس، تقول: ليس زيد قائماً، و ( ما هذا بشراً) و " ما هن أمهاتهم " ( المجادلة: 2). وقال الكوفيون: لما حذفت الباء نصبت، وشرح هذا - فيما قاله أحمد بن يحيى - أنك إذا قلت: ما زيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض، فلما حذفت الباء نصبت لتدل على محلها، قال: وهذا قول الفراء، قال: ولم تعمل ( ما) شيئاً، فألزمهم البصريون أن يقولوا: زيد القمر، لأن المعنى كالقمر! فرد أحمد بن يحيى بأن قال: الباء أدخل في حروف الخفض من الكاف، لأن الكاف تكون اسماً. قال النحاس : لا يصح إلا قول البصريين، وهذا القول يتناقض، لأن الفراء أجاز نصاً ما بمنطلق زيد، وأنشد:
أما والله أن لو كنت حراً وما بالحر أنت ولا العتيق
ومنع نصاً النصب، ولا نعلم بين النحويين اختلافاً أنه جائز: ما فيك براغب زيد، وما إليك بقاصد عمرو، ثم يحذفون الباء ويرفعون. وحكى البصريون والكوفيون ما زيد منطلق بالرفع، وحكى البصريون أنها لغة تميم، وأنشدوا:
أتيماً تجعلون إلي نداً وما تيم لذي حسب نديد
الند والنديد والنديدة المثل والنظير. وحكى الكسائي أنها لغة تهامة ونجد. وزعم الفراء أن الرفع أقوى الوجهين. قال أبو إسحاق: وهذا غلط، كتاب الله عز وجل ولغة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوى وأولى.
قلت: وفي مصحف حفصة رضي الله عنها ( ما هذا ببشر) ذكره الغزنوي . قال القشيري أبو نصر : وذكرت النسوة أن صورة يوسف أحسن من صورة البشر، بل هو في صورة ملك، وقال الله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " ( التين: 4) والجمع بين الآيتين أن قولهن: ( حاش لله) تبرئة ليوسف عما رمته به امرأة العزيز من المراودة، أي بعد يوسف عن هذا، وقولهن: ( لله) أي لخوفه، أي براءة لله من هذا، أي قد نجاء يوسف من ذلك، فليس هذا من الصورة في شيء، والمعنى: أنه في التبرئة عن المعاصي كالملائكة، فعلى هذا لا تناقض. وقيل: المراد تنزيهه عن مشابهة البشر في الصورة، لفرط جماله. وقوله: ( لله) تأكيد لهذا المعنى، فعلى هذا المعنى قالت النسوة ذلك ظناً منهن أن صورة الملك أحسن، وما بلغهن قوله تعالى: " لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم " ( التين: 4) فإنه من كتابنا. وقد ظن بعض الضعفة أن هذا القول لو كان ظناً باطلاً منهن لوجب على الله أن يرد عليهن، ويبين كذبهن، وهذا باطل، إذ لا وجوب على الله تعالى، وليس كل ما يخبر به الله سبحانه من كفر الكافرين وكذب الكاذبين يجب عليه أن يقرن به الرد عليه، وأيضاً أهل العرف قد يقولون في القبيح كأنه شيطان، وفي الحسن كأنه ملك، أي لم ير مثله، لأن الناس لا يرون الملائكة، فهو بناء على ظن في أن صورة الملك أحسن، أو على الإخبار بطهارة أخلاقه وبعده عن التهم. " إن هذا إلا ملك " أي ما هذا إلا ملك، وقال الشاعر:
فلست لأنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وروي عن الحسن: ( ما هذا بشرىً) بكسر الباء والشين، أي ما هذا عبداً مشترىً، أي ما ينبغي لمثل هذا أن يباع، فوضع المصدر موضع اسم المفعول، كما قال: " أحل لكم صيد البحر " ( المائدة: 96) أي مصيده، وشبهه كثير. ويجوز أن يكون المعنى: ما هذا بثمن، أي مثله لا يثمن ولا يقوم، فيراد بالشراء على هذا الثمن المشتري به. كقولك: ما هذا بألف إذا نفيت قول القائل: هذا بألف. فالباء على هذا متعلقة بمحذوف هو الخبر، كأنه قال: ما هذا مقدراً بشراء. وقراءة العامة أشبه، لأن بعده ( إن هذا إلا ملك كريم) مبالغة في تفضيله في جنس الملائكة تعظيماً لشأنه، ولأن مثل ( بشرىً) يكتب في المصحف بالياء.
يخبر تعالى أن خبر يوسف وامرأة العزيز, شاع في المدينة وهي مصر حتى تحدث به الناس "وقال نسوة في المدينة" مثل نساء الكبراء والأمراء, ينكرن على امرأة العزيز وهو الوزير ويعبن ذلك عليها "امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه" أي تحاول غلامها عن نفسه وتدعوه إلى نفسها "قد شغفها حباً" أي قد وصل حبه إلى شغاف قلبها وهو غلافه. قال الضحاك عن ابن عباس: الشغف الحب القاتل, والشغف دون ذلك, والشغاف حجاب القلب "إنا لنراها في ضلال مبين" أي في صنيعها هذا من حبها فتاها ومراودتها إياه عن نفسه, "فلما سمعت بمكرهن" قال بعضهم: بقولهن ذهب الحب بها, وقال محمد بن إسحاق: بل بلغهن حسن يوسف, فأحببن أن يرينه, فقلن ذلك ليتوصلن إلى رؤيته ومشاهدته, فعند ذلك "أرسلت إليهن" أي دعتهن إلى منزلها لتضيفهن " وأعتدت لهن متكئا ". قال ابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والحسن والسدي وغيرهم: هو المجلس المعد فيه مفارش, ومخاد, وطعام فيه ما يقطع بالسكاكين من أترج ونحوه, ولهذا قال تعالى: "وآتت كل واحدة منهن سكيناً" وكان هذا مكيدة منها ومقابلة لهن في احتيالهن على رؤيته "وقالت اخرج عليهن" وذلك أنها كانت قد خبأته في مكان آخر "فلما" خرج " رأينه أكبرنه " أي أعظمنه أي أعظمن شأنه, وأجللن قدره, وجعلن يقطعن أيديهن دهشاً برؤيته, وهن يظنن أنهن يقطعن الأترج بالسكاكين, والمراد أنهن حززن أيديهن بها, قاله غير واحد, وعن مجاهد وقتادة: قطعن أيديهن حتى ألقينها, فالله أعلم.
وقد ذكر غير واحد أنها قالت لهن بعد ما أكلن وطابت أنفسهن, ثم وضعت بين أيديهن أترجاً وآتت كل واحدة منهن سكيناً: هل لكن في النظر إلى يوسف ؟ قلن: نعم, فبعثت إليه تأمره أن اخرج إليهن, فلما رأينه جعلن يقطعن أيديهن, ثم أمرته أن يرجع ليرينه مقبلاً ومدبراً, فرجع وهن يحززن في أيديهن, فلما أحسسن بالألم جعلن يولولن, فقالت: أنتن من نظرة واحدة فعلتن هذا, فكيف ألام أنا ؟ " وقلن حاش لله ما هذا بشرا إن هذا إلا ملك كريم " ثم قلن لها: وما نرى عليك من لوم بعد هذا الذي رأينا, لأنهن لم يرين في البشر شبيهه ولا قريباً منه, فإنه عليه السلام كان قد أعطي شطر الحسن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح في حديث الإسراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بيوسف عليه السلام في السماء الثالثة, قال "فإذا هو قد أعطي شطر الحسن" وقال حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطي يوسف وأمه شطر الحسن". وقال سفيان الثوري, عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله بن مسعود قال: أعطي يوسف وأمه ثلث الحسن. وقال أبو إسحاق أيضاً, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, قال: كان وجه يوسف مثل البرق, وكانت المرأة إذا أتته لحاجة غطى وجهه مخافة أن تفتتن به. ورواه الحسن البصري مرسلاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أعطي يوسف وأمه ثلث حسن أهل الدنيا, وأعطي الناس الثلثين", أو قال "أعطي يوسف وأمه الثلثين والناس الثلث". وقال سفيان, عن منصور, عن مجاهد عن ربيعة الجرشي قال: قسم الحسن نصفين فأعطي يوسف وأمه سارة نصف الحسن, والنصف الاخر بين سائر الخلق.
وقال الإمام أبو القاسم السهيلي: معناه أن يوسف عليه السلام كان على النصف من حسن آدم عليه السلام, فإن الله خلق آدم بيده على أكمل صورة وأحسنها, ولم يكن في ذريته من يوازيه في جماله, وكان يوسف قد أعطي شطر حسنه, فلهذا قال هؤلاء النسوة عند رؤيته " حاش لله ". قال مجاهد وغير واحد: معاذ الله "ما هذا بشراً", وقرأ بعضهم ما هذا بشري أي بمشترى بشراء "إن هذا إلا ملك كريم * قالت فذلكن الذي لمتنني فيه" تقول هذا معتذرة إليهن بأن هذا حقيق أن يحب لجماله وكماله, "ولقد راودته عن نفسه فاستعصم" أي فامتنع. قال بعضهم: لما رأين جماله الظاهر أخبرتهن بصفاته الحسنة التي تخفى عنهن, وهي العفة مع هذا الجمال, ثم قالت تتوعده "ولئن لم يفعل ما آمره ليسجنن وليكوناً من الصاغرين" فعند ذلك استعاذ يوسف عليه السلام من شرهن وكيدهن, و"قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه" أي من الفاحشة "وإلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن" أي إن وكلتني إلى نفسي فليس لي منها قدرة ولا أملك لها ضراً ولا نفعاً إلا بحولك وقوتك, أنت المستعان وعليك التكلان, فلا تكلني إلى نفسي " أصب إليهن وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه " الاية, وذلك أن يوسف عليه السلام عصمه الله عصمة عظيمة, وحماه فامتنع منها أشد الامتناع, واختار السجن على ذلك, وهذا في غاية مقامات الكمال أنه مع شبابه وجماله وكماله تدعوه سيدته, وهي امرأة عزيز مصر, وهي مع هذا في غاية الجمال والمال والرياسة, ويمتنع من ذلك ويختار السجن على ذلك خوفاً من الله ورجاء ثوابه.
ولهذا ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: إمام عادل, وشاب نشأ في عبادة الله, ورجل قلبه معلق بالمسجد إذا خرج منه حتى يعود إليه, ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه, ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما أنفقت يمينه, ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله, ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه".
31- "فلما سمعت" امرأة العزيز "بمكرهن" أي بغيبهن إياها، سميت الغيبة مكراً لاشتراكهما في الإخفاء، وقيل أردن أن يتوسلن بذلك إلى رؤية يوسف، فلهذا سمي قولهن مكراً، وقيل إنها أسرت عليهن فأفشين سرها فسمى بذلك مكراً "أرسلت إليهن" أي تدعوهن إليها لينظرن إلى يوسف حتى يقعن فيما وقعت فيه " وأعتدت لهن متكئا " أي هيأت لهن مجالس يتكئن عليها، وأعتجت من الاعتداد، وهو كل ما جعلته عدة لشيء. وقرأ مجاهد وسعيد بن جبير متكأ مخففاً غير مهموز، والمتك: هو الأترج بلغة القبط، ومنه قول الشاعر:
نشرب الإثم بالصواع جهاراً وترى المتك بيننا مستعاراً
وقيل إن ذلك هو لغة أزدشنوءة، وقيل حكي ذلك عن الأخفش. وقال الفراء: إنه ماء الورد. وقرأ الجمهور متكأ بالهمز والتشديد، وأصح ما قيل فيه إنه المجلس، وقيل هو الطعام، وقيل المتكأ كل ما اتكئ عليه عند طعام أو شراب أو حديث. وحكى القتيبي أنه يقال اتكأنا عند فلان: أي أكلنا، ومنه قول الشاعر:
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
ويؤيد هذا قوله: "وآتت كل واحدة منهن سكيناً" فإن ذلك إنما يكون لشيء يأكلنه بعد أن يقطعنه، والسكين تذكر وتؤنث، قاله الكسائي والفراء. قال الجوهري: والغالب عليه التذكر، والمراد من إعطائها لكل واحدة سكيناً أن يقطعن ما يحتاج إلى التقطيع من الأطعمة، ويمكن أنها أرادت بذلك ما سيقطع منهن من تقطيع أيديهن "وقالت" ليوسف " اخرج عليهن " أي في تلك الحالة التي هن عليها من الاتكاء والأكل وتقطيع ما يحتاج إلى التقطيع من الطعام. وقوله: "فلما رأينه أكبرنه" أي عظمته، وقيل أمذين، ومنه قول الشاعر:
إذا ما رأين الفحل من فوق قلة صهلن وأكبرن المني المقطرا
وقيل حضن. قال الأزهري: أكبرن بمعنى حضن، والهاء للسكت، يقال أكبرت المرأة: أي دخلت في الكبر بالحيض: وقع منهن ذلك دهشاً وفزعاً لما شاهدنه من جماله الفائق، وحسنه الرائق، ومن ذلك قول الشاعر:
نأتي النساء على أطهارهن ولا نأتي النساء إذا أكبرن إكبارا
وأنكر ذلك أبو عبيدة وغيره وقالوا: ليس ذلك في كلام العرب. قال الزجاج: يقال أكبرنه ولا يقال حضنه، فليس الإكبار بمعنى الحيض. وأجاب الأزهري فقال: يجوز أن تكون هاء الوقف لا هاء الكناية. وقد زيف هذا بأن هاء الوقف تسقط في الوصل. وقال ابن الأنباري: إن الهاء كناية عن مصدر الفعل: أي أكبرن إكباراً بمعنى حضن حيضاً "وقطعن أيديهن" أي جرحنها، وليس المراد به القطع الذي تبين منه اليد، بل المراد به الخدش والحز، وذلك معروف في اللغة كما قال النحاس، يقال قطع يد صاحبه: إذا خدشها، وقيل المراد بأيديهن هنا: أناملهن، وقيل أكمامهن. والمعنى: أنه لما خرج يوسف عليهن أعظمنه ودهشن وراعهن حسنه حتى اضطربت أيديهن فوقع القطع عليها وهن في شغل عن ذلك بما دهمهن، مما تطيش عنده الأحلام وتضطرب له الأبدان وتزول به العقول " وقلن حاش لله " كذا قرأ أبو عمرو بن العلاء بإثبات الألف في حاشا. وقرأ الباقون بحذفها. وقرأ الحسن حاش لله بإسكان الشين، وروي عنه أنه قرأ حاش لله وقرأ ابن مسعود وأبي حاشا لله. قال الزجاج: وأصل الكلمة من الحاشية بمعنى الناحية، تقول كنت في حاشية فلان. أي في ناحيته، فقولك حاشا لزيد من هذا: أي تباعد منه. وقال أبو علي: هو من المحاشاة: وقيل إن حاش حرف. وحاش فعل، وكلام أهل النحو في هذه الكلمة معروف، ومعناها هنا التنزيه كما تقول: أسى القوم حاشا زيداً، فمعنى حاشا لله: براءة لله وتنزيه له. قوله: "ما هذا بشراً" إعمال ما عمل ليس هي لغة أهل الحجاز، وبها نزل القرآن كهذه الآية، وكقوله سبحانه " ما هن أمهاتهم "، وأما بنو تميم فلا يعملونها عمل ليس. وقال الكوفيون: أصله ما هذا ببشر، فلما حذفت الباء انتصب. قال أحمد بن يحيى ثعلب: إذا قلت مازيد بمنطلق، فموضع الباء موضع نصب، وهكذا سائر حروف الخفض. وأما الخليل وسيبويه وجمهور النحويين فقد أعملوها عمل ليس، وبه قال البصريون والبحث مقرر في كتب النحو بشواهده وحججه، وإنما نفين عنه البشرية لأنه قد برز في صورة قد لبست من الجمال البديع ما لم يعهد على أحد من البشر، ولا أبصر المبصرون ما يقاربه في جميع الصور البشرية، ثم لما نفين عنه البشرية لهذه العلة أثبتن له الملكية وإن كن لا يعرفن الملائكة لكنه قد تقرر في الطباع أنهم على شكل فوق شكل البشر في الذات والصفات، وأنهم فائقون في كل شيء، كما تقرر أن الشياطين على العكس من ذلك، ومن هذا قول الشاعر:
فلست لإنسي ولكن لملاك تنزل من جو السماء يصوت
وقرأ الحسن ما هذا بشراء على أن الباء حرف جر، والشين مكسورة: أي ما هذا بعبد يشترى وهذه قراءة ضعيفة لا تناسب ما بعدها من قوله: "إن هذا إلا ملك كريم". وأعلم أنه لا يلزم من قول النسوة هذا أن الملائكة صورهم أحسن من صور بني آدم، فإنهن لم يقلنه لدليل، بل حكمن على الغيب بمجرد الاعتقاد المرتكز في طباعهن وذلك ممنوع، فإن الله سبحانه يقول "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم". وظاهر هذا أنه لم يكن شيء مثله من أنواع المخلوقات في حسن تقويمه وكمال صورته، فما قاله صاحب الكشاف في هذا المقام هو من جلمة تعصباته لما رسخ في عقله من أقوال المعتزلة، على أن هذه المسألة: أعني مسألة المفاضلة بين الملائكة والبشر ليست من مسائل الدين في ورد ولا صدر، فما أغنى عباد الله عنها وأحوجهم إلى غيرها من مسائل التكليف.
31-"فلما سمعت"، راعيل، "بمكرهن"، بقولهن وحديثهن، قاله قتادة والسدي.
قال ابن إسحاق إنما قلن ذلك مكرا بها لتريهن يوسف، وكان يوصف لهن حسنه وجماله.
وقيل: إنها أفشت إليهن سرها واستكتمتهن فأفشين ذلك، فلذلك سماه مكرا.
"أرسلت إليهن"، قال وهب: اتخذت مأدبة، ودعت أربعين امرأة، منهم هؤلاء اللاتي عيرنها.
"وأعتدت"، أي: أعدت، " لهن متكئا "، أي: ما يتكأ عليه.
وقال ابن عباس و سعيد بن جبير والحسن وقتادة ومجاهد: متكأ أي: طعاما، سماه متكأ لأن أهل الطعام إذا جلسوا يتكؤون على الوسائد، فسمى الطعام متكأ على الاستعارة. يقال: اتكأنا عند فلان أي: طعمنا. ويقال: المتكأ ما اتكأت عليه للشرب أو الحديث أو الطعام، ويقرأ في الشواذ متكأ بسكون التاء.
واختلفوا في معناه: فقال ابن عباس: هو الأترج. ويروى عن مجاهد مثله. وقيل هو الأترج بالحبشة.
وقال الضحاك: هو الرباورد.
وقال عكرمة: هو كل شيء يقطع بالسكين.
وقال أبو زيد الأنصاري: كل ما يجز بالسكين فهو عند العرب متك، والمتك والبتك بالميم والباء: القطع، فزينت المأدبة بألوان الفواكه والأطعمة، ووضعت الوسائد ودعت النسوة.
"وآتت": أعطت، "كل واحدة منهن سكينا"، فكن يأكلن اللحم حزا بالسكين.
"وقالت"، ليوسف، "اخرج عليهن"، وذلك أنها كانت أجلسته في مجلس آخر، فخرج عليهن يوسف.
قال عكرمة: كان فضل يوسف على الناس في الحسن كفضل القمر ليلة البدر على سائر النجوم.
وروي عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ليلة أسري بي إلى السماء يوسف كالقمر ليلة البدر".
قال إسحاق بن أبي فروة: كان يوسف إذا سار في أزقة مصر يرى تلألأ وجهه على الجدران.
"فلما رأينه أكبرنه"، أعظمنه، قال أبو العالية: هالهن أمره وبهتن. وقيل: أكبرنه أي: حضن لأجله من جماله. ولا يصح.
"وقطعن"، أي: حززن بالسكاكين التي معهن، "أيديهن"، وهن يحسبن أنهن يقطعن الأترج، ولم يجدن الألم لشغل قلوبهن بيوسف.
قال مجاهد: / فما أحسسن إلا بالدم.
وقال قتادة أبن أيديهن حتى ألقينها.
والأصح كان قطعا بلا إبانة.
وقال وهب: ماتت جماعة منهن.
"وقلن حاش لله ما هذا بشراً"، أي: معاذ الله أن يكون هذا بشرا. قرأ أبو عمرو: حاشى لله، بإثبات الياء في الوصل، على الأصل. وقرأ الآخرون بحذف الياء لكثرة ورودها على الألسن، واتباعا لكتاب.
وقوله: "ما هذا بشراً" نصبت بنزع حرف الصفة، أي: ليس هذا ببشر، "إن هذا"، أي: ما هذا، "إلا ملك"، من الملائكة، "كريم"، على الله تعالى.
31."فلما سمعت بمكرهن"باغتيابهن، وإنما سماه مكرا.ً لأنهن أخفينه كما يخفي الماكر مكره، أو قلن ذلك لتريهن يوسف أو لأنها استكتمتن سرها فأفشينه عليها ."أرسلت إليهن"تدعوهن قيل دعت أربعين امرأة فيهن الخمس المذكورات. " وأعتدت لهن متكئا "ما يتكئن عليه من الوسائد."وآتت كل واحدة منهن سكيناً" حتى يتكئن والسكاكين بأيديهن فإذا خرج عليهم يبهتن ويشغلن عن نفوسهن فتقع أيديهن على أيديهن فيقطعنها فيبكتن بالحجة ، أو يهاب يوسف مكرها إذا خرج وحده على أربعين امرأة في أيديهن الخناجر . وقيل متكأ طعاماً أو مجلس طعام فإنهم كانوا يتكئون للطعام والشراب ترفاً ولذلك نهى عنه . قال جميل:
فظللنا بنعمة واتكأنا وشربنا الحلال من قلله
وقيل المتكأ طعام يحز حزاً كأن القاطع يتكئ عليه بالسكين. وقرئ متكا بحذف الهمزة ومتكاء بإشباع الفتحة كمنتزاح ومتكا وهو الأترج أو ما يقطع من متك الشيء إذا بتكه و " متكئا "من تكئ يتكأ إذا اتكأ . "وقالت اخرج عليهن فلما رأينه أكبرنه"عظمنه وهبن حسنه الفائق . وعن النبي صلى الله عليه وسلم"رأيت يوسف ليلة المعراج كالقمر ليلة البدر."وقيل كان يرى تلألؤ وجهه على الجدران .وقيل أكبرن بمعنى حضن من أكبرت المرأة إذا حاضت لأنها تدخل الكبر بالحيض، ولهاء ضمير للمصدر أو ليوسف عليه الصلاة والسلام على حذف اللام أي حضن له من شدة الشبق كما قال المتنبي:
خف الله واستر ذا الجمال ببرقع فإن لحت حاضت في الخدور العواتق
"وقطعن أيديهن"جرحنها بالسكاكين من فرط الدهشة . "وقلن حاش لله "تنزيهاً له من صفات العجز وتعجباً من قدرته على خلق مثله ، وأصله حاشا كما قرأ أبو عمروفي الدرج فحذفت ألفه الأخيرة تخفيفاً وهو حرف يفيد معنى التنزيه في باب الاستثناء فوضع الاستثناء فوضع موضع التنزيه واللام للبيان كما في قولك سقياً لك وقرئ حاش الله بغير لام بمعنى براءة لله وحاشا لله بالتنوين على تنزيله منزلة المصدر وقيل حاشا فاعل من الحشا الذي هو الناحية وفاعله ضمير يوسف أي صار في ناحية لله مما يتوهم فيه"ما هذا بشراً" لأن هذا الجمال غير معهود لبشر وهو على لغة الحجاز في إعمال ما عمل ليس لمشاركتها في نفي الحال وقرئ بشر بالرفع على لغة تميم وبشرى أي بعبد مشترى لئيم "إن هذا إلا ملك كريم" فإن الجمع بين الجمال الرائق والكمال الفائق والعصمة البالغة من خواص الملائكة ،أو لن جماله فوق جمال البشر ولا يفوقه فيه إلا الملك.
31. And when she heard of their sly talk, she sent to them and prepared fur them a cushioned couch (to lie on at the feast) and gave to every one of them a knife and said (to Joseph): Come out unto them! And when they saw him they exalted him and cut their bands, exclaiming: Allah Blameless! This is not a human being. This is no other than some gracious angel.
31 - When she heard of their malicious talk, she sent for them and prepared a banquet for them: she gave each of them a knife: and she said (to Joseph), come out before them. when they saw him, thy did extol him, and (in their amazement) cut their hands: they said, God preserve us no mortal is this is none other than a noble angle