[يوسف : 26] قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الكَاذِبِينَ
26 - (قال) يوسف متبرئاً (هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها) ابن عمها رُوي أنه كان في المهد فقال (إن كان قميصه قد من قبل) قدام (فصدقت وهو من الكاذبين)
قوله تعالى : "قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين" .
قوله تعالى: " قال هي راودتني عن نفسي وشهد شاهد من أهلها ".
فيه ثلاثة مسائل:
الأولى: قال العلماء: لما برأت نفسها، ولم تكن صادقة في حبه - لأن من شأن المحب إيثار المحبوب - قال: " هي راودتني عن نفسي " نطق يوسف بالحق في مقابلة بهتها وكذبها عليه. قال نوف الشامي وغيره: كأن يوسف عليه السلام لم يبن عن كشف القضية، فلما بلغت به غضب فقال الحق.
الثانية: " وشهد شاهد من أهلها " لأنهما لما تعارضا في القول احتاج الملك إلى شاهد ليعلم الصادق من الكاذب، فشهد شاهد من أهلها، أي حكم حاكم من أهلها، لأنه حكم منه وليس بشهادة. وقد اختلف في هذا الشاهد على أقوال أربعة: الأول - أنه طفل في المهد تكلم، قال السهيلي : وهو الصحيح، للحديث الوارد فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو قوله: " لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة " وذكر فيهم شاهد يوسف. وقال القشيري أبو نصر : قيل فيه: كان صبياً في المهد في الدار وهو ابن خالتها، وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم إنه قال: " تكلم أربعة وهم صغار " فذكر منهم شاهد يوسف، فهذا قول. الثاني - أن الشاهد قد القميص، رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد، وهو مجاز صحيح من جهة اللغة، فإن لسان الحال أبلغ من لسان المقال، وقد تضيف العرب الكلام إلى الجمادات وتخبر عنها بما هي عليه من الصفات، وذلك كثير في أشعارها وكلامها، ومن أحلاه قول بعضهم: قال حائط للوتد لم تشقني؟ قال له: سل من يدقني. إلا أن قول الله تعالى بعد ( من أهلها) يبطل أن يكون القميص. الثالث - أنه خلق من خلق الله تعالى ليس بإنسي ولا بجني، قاله مجاهد أيضاً، وهذا يرده قوله تعالى: ( من أهلها). الرابع - أنه رجل حكيم ذو عقل كان الوزير يستشيره في أموره، وكان من جملة أهل المرأة، وكان مع زوجها فقال: قد سمعت الاستدبار والجلبة من رواء الباب، وشق القميص، فلا يدري أيكما كان قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة، وإن كان من خلفه فهو صادق، فنظروا إلى القميص فإذا هو مشقوق من خلف، هذا قول الحسن وعكرمة وقتادة و الضحاك ومجاهد أيضاً و السدي . قال السدي : كان ابن عمها، وروي عن ابن عباس، وهو الصحيح في الباب، والله أعلم. وروي عن ابن عباس - رواه عنه إسرائيل عن سماك عن عكرمة - قال: كان رجلاً ذا لحية. وقال سفيان عن جابر عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال: كان من خاصة الملك. وقال عكرمة: لم يكن بصبي، ولكن كان رجلاً حكيماً. وروى سفيان عن منصور عن مجاهد قال: كان رجلاً. قال أبو جعفر النحاس : والأشبه بالمعنى - والله أعلم - أن يكون رجلاً عاقلاً حكيماً شاوره الملك فجاء بهذه الدلالة، ولو كان طفلاً لكانت شهادته ليوسف صلى الله عليه وسلم تغني عن أن يأتي بدليل من العادة، لأن كلام الطفل آية معجزة، فكانت أوضح من الاستدلال بالعادة، وليس هذا بمخالف للحديث ( تكلم أربعة وهم صغار) منهم صاحب يوسف، يكون المعنى: صغيراً ليس بشيخ، وفي هذا دليل آخر وهو: أن ابن عباس رضي الله عنهما روى الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تواترت الرواية عنه أن صاحب يوسف ليس بصبي.
قلت قد روي عن ابن عباس وأبي هريرة وابن جبير وهلال بن يساف و الضحاك أنه كان صبياً في المهد، إلا أنه لو كان صبياً تكلم لكان الدليل نفس كلامه، دون أن يحتاج إلى استدلال بالقميص، وكان يكون ذلك خرق عادة، ونوع معجزة، والله أعم. وسيأتي من تكلم في المهد من الصبيان في سورة ( البروج) إن شاء الله.
الثالثة: إذا تنزلنا على أن يكون الشاهد طفلاً صغيراً فلا يكون فيه دلالة على العمل بالأمارت كما ذكرنا، وإذا كان رجلاً فيصح أن يكون حجة بالحكم بالعلامة في اللقطة وكثير من المواضع، حتى قال مالك في اللصوص: إذا وجدت معهم أمتعة فجاء قوم فادعوها، وليست لهم بينة فإن السلطان يتلوم لهم في ذلك، فإن لم يأت غيرهم دفعها إليهم. وقال محمد في متاع البيت إذا اختلفت فيه المرأة والرجل: إن ما كان للرجال فهو للرجل، وما كان للنساء فهو للمرأة، وما كان للرجل والمرأة فهو للرجل. وكان شريح وإياس بن معاوية يعملان على العلامات في الحكومات، وأصل ذلك هذه الآية، والله أعلم.
يخبر تعالى عن حالهما حين خرجا يستبقان إلى الباب: يوسف هارب, والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت, فلحقته في أثناء ذلك فأمسكت بقميصه من ورائه, فقدته قداً فظيعاً, يقال: إنه سقط عنه واستمر يوسف هارباً ذاهباً, وهي في أثره, فألفيا سيدها وهو زوجها عند الباب, فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها, وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها "ما جزاء من أراد بأهلك سوءاً" أي فاحشة "إلا أن يسجن" أي يحبس, "أو عذاب أليم" أي يضرب ضرباً شديداً موجعاً. فعند ذلك انتصر يوسف عليه السلام بالحق, وتبرأ مما رمته به من الخيانة, و"قال" باراً صادقاً "هي راودتني عن نفسي" وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه " وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل " أي من قدامه "فصدقت" أي في قولها إنه راودها عن نفسها, لأنه يكون لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره, فقدت قميصه فيصح ما قالت "وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين" وذلك يكون كما وقع لما هرب منها وتطلبته, أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها فقدت قميصه من ورائه, وقد اختلفوا في هذا الشاهد: هل هو صغير أو كبير ؟ على قولين لعلماء السلف, فقال عبد الرزاق, أخبرنا إسرائيل عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس "وشهد شاهد من أهلها" قال ذو لحية, وقال الثوري, عن جابر, عن ابن أبي مليكة, عن ابن عباس: كان من خاصة الملك, وكذا قال مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي ومحمد بن إسحاق وغيرهم: إنه كان رجلاً. وقال زيد بن أسلم والسدي: كان ابن عمها. وقال ابن عباس: كان من خاصة الملك. وقد ذكر ابن إسحاق أن زليخا كانت بنت أخت الملك الريان بن الوليد.
وقال العوفي عن ابن عباس في قوله "وشهد شاهد من أهلها" قال: كان صبياً في المهد, وكذا روي عن أبي هريرة وهلال بن يساف والحسن وسعيد بن جبير والضحاك بن مزاحم أنه كان صبياً في الدار, واختاره ابن جرير: وقد ورد فيه حديث مرفوع فقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن محمد, حدثنا عفان, حدثنا حماد هو ابن سلمة, أخبرني عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تكلم أربعة وهم صغار" فذكر فيهم شاهد يوسف, ورواه غيره عن حماد بن سلمة, عن عطاء, عن سعيد, عن ابن عباس أنه قال "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطة بنت فرعون, وشاهد يوسف, وصاحب جريج, وعيسى ابن مريم". وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد: كان من أمر الله تعالى, ولم يكن إنسياً وهذا قول غريب.
وقوله: " فلما رأى قميصه قد من دبر " أي لما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به "قال إنه من كيدكن" أي إن هذا البهت واللطخ الذي لطخت عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن "إن كيدكن عظيم", ثم قال آمراً ليوسف عليه السلام بكتمان ما وقع "يوسف أعرض عن هذا" أي اضرب عن هذا صفحاً, أي فلا تذكره لأحد.
"واستغفري لذنبك" يقول لامرأته وقد كان لين العريكة سهلاً أو أنه عذرها لأنها رأت ما لا صبر لها عنه فقال لها: استغفري لذنبك أي الذي وقع منك من إرادة السوء بهذا الشاب ثم قذفه بما هو بريء منه "إنك كنت من الخاطئين".
وجملة 26- "قال هي راودتني عن نفسي" مستأنفة كالجملة الأولى. وقد تقدم بيان معنى المراودة: أي هي التي طلبت مني ذلك ولم أرد بها سوءاً "وشهد شاهد من أهلها" أي من قرابتها، وسمي الحكم بينهما شهادة لما يحتاج فيه من التثبت والتأمل، قيل لما التبس الأمر على العزيز احتاج إلى حاكم يحكم بينهما ليتبين له الصادق من الكاذب. قيل كان ابن عم لها واقفاً مع العزيز في الباب، وقيل ابن خال لها، وقيل إنه طفل في المهد تكلم. قال السهيلي: وهو الصحيح للحديث الوارد في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذكر من تكلم في المهد، وذكر من جملتهم شاهد يوسف، وقيل إنه رجل حكيم كان العزيز يستشيره في أموره، وكان من قرابة المرأة "إن كان قميصه قد من قبل" أي فقال الشاهد هذه المقالة مستدلاً على بيان صدق الصادق منهما وكذب الكاذب بأن قميص يوسف إن كان مقطوعاً من قبل: أي من جهة القبل "فصدقت" أي فقد صدقت بأنه أراد بها سوءاً "وهو من الكاذبين" في قوله إنها راودته عن نفسه. وقرأ يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق من قبل بضم اللام. وكذا قرأ من دبر قال الزجاج: جعلاهما غايتين كقبل وبعد كأنه قيل من قبله ومن دبره، فلما حذف المضاف إليه: وهو مراد صار المضاف غاية بعد أن كان المضاف إليه هو الغاية.
26-"قال هي راودتني عن نفسي"، يعني: طلبت مني الفاحشة فأبيت وفررت.
قيل: ما كان يريد يوسف أن يذكره، فلما قالت المرأة: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا؟ ذكره، فقال: هي راودتني عن نفسي.
"وشهد شاهد"، وحكم حاكم، "من أهلها"، اختلفوا في ذلك الشاهد:
فقال سعيد بن جبير، والضحاك: كان صبيا في المهد، أنطقه الله عز وجل، وهو رواية العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تكلم أربعة وهم صغار: ابن ماشطه ابنة فرعون، وشاهد يوسف، وصاحب جريج، وعيسى ابن مريم عليه السلام".
وقيل: كان ذلك الصبي ابن خال المرأة.
وقال الحسن وعكرمة وقتادة ومجاهد: لم يكن صبيا ولكنه رجلا حكيما ذا رأي.
26."قال هي راودتني عن نفسي "طالبتني بالمؤاتاة ،وإنما قال ذلك دفعاً لما عرضته له من السجن أو العذاب الأليم ، ولو لم تكذب عليه لما قاله ."وشهد شاهد من أهلها"قيل ابن عم لها .وقيل ابن خال لها صبياً في المهد.وعن النبي صلى الله عليه وسلم "تكلم أربعة صغاراً ابن ماشطة فرعون ، وشاهد يوسف وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام " إنما ألقى الله الشهادة على لسان أهلها لتكون ألزم عليها ."إن كان قميصه قد من قبل فصدقت وهو من الكاذبين"لأنه يدل على أنها قدت قميصه من قدامه بالدفع عن نفسها، أو أنه أسرع خلفها فتعثر بذيله فانقد جيبه.

26. (Joseph) said: She it was who asked of me an evil act. And in witness of her own folk testified: If his shirt is torn from before, then she speaketh truth and he is of the liars.
26 - He said: it was she that sought to seduce me from my (true) self. and one of her household saw (this) and bore witness, (thus): if it be that his shirt is rent from the front, then is her tale true, and he is a liar