[يوسف : 102] ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ
102 - (ذلك) المذكور من أمر يوسف (من أنباء) أخبار (الغيب) ما غاب عنك يا محمد (نوحيه إليك وما كنت لديهم) لدى إخوة يوسف (إذ أجمعوا أمرهم) في كيده أي عزموا عليه (وهم يمكرون) به ، أي لم تحضرهم فتعرف قصتهم فتخبر بها وإنما حصل لك علمها من جهة الله
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره :هذا الخبر الذي أخبرتك به ، من خبر يوسف ووالده يعقوب وإخوته وسائر ما في هذه السورة ، "من أنباء الغيب" ، يقول : من أخبار الغيب الذي لم تشاهده ولم تعاينه ، ولكنا نوحيه إليك ونعرفكه لنثبت به فؤادك ، ونشجع به قلبك ، وتصبر على ما نالك من الأذى من قومك في ذات الله ، وتعلم أن من قبلك من رسل الله ، إذ صبروا على ما نالهم فيه ، وأخذوا بالعفو ، وأمروا بالعرف ، وأعرضوا عن الجاهلين ، فازوا بالظفر ، وأيدوا بالنصر ، ومكنوا في البلاد ،وغلبوا من قصدوا من أعدائهم وأعداء دين الله . يقول الله تبارك وتعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فيهم ، يا محمد ، فتأس ، وآثارهم فقص ، "وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون" ، يقول : وما كنت حاضراً عند إخوة يوسف ، إذ أجمعوا واتفقت آراؤهم ، وصحت عزائمهم ، على أن يلقوا يوسف في غياة الجب . وذلك كان مكرهم الذي قال الله عز وجل : "وهم يمكرون" ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "وما كنت لديهم" ، يعني محمداً صلى الله عليه سلم ، يقول : ما كنت لديهم وهم يلقونه في غيابة الجب ، "وهم يمكرون" ، أي : بيوسف .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : "وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون" ، الآية ، قال : هم بنو يعقوب .
قوله تعالى: " ذلك من أنباء الغيب " ابتداء وخبر. " نوحيه إليك " خبر ثان. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ( ذلك) بمعنى الذي، ( نوحيه إليك) خبره، أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك، يعني هو الذي قصصنا عليك يا محمد من أمر يوسف من أخبار الغيب ( نوحيه إليك) أي نعلمك بوحي هذا إليك. " وما كنت لديهم " أي مع إخوة يوسف " إذ أجمعوا أمرهم " في إلقاء يوسف في الجب. " وهم يمكرون " أي بيوسف في إلقائه في الجب. وقيل: ( يمكرون) بيعقوب حين جاؤوه بالقميص ملطخاً بالدم، أي ما شاهدت تلك الأحوال، ولكن الله أطلعك عليها.
يقول تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم لما قص عليه نبأ إخوة يوسف, وكيف رفعه الله عليهم, وجعل له العاقبة والنصر والملك والحكم, مع ما أرادوا به من السوء والهلاك والإعدام, هذا وأمثاله يا محمد من أخبار الغيوب السابقة "نوحيه إليك" ونعلمك به يا محمد لما فيه من العبرة لك, والاتعاظ لمن خالفك "وما كنت لديهم" حاضراً عندهم ولا مشاهداً لهم "إذ أجمعوا أمرهم" أي على إلقائه في الجب "وهم يمكرون" به, ولكنا أعلمناك به وحياً إليك وإنزالاً عليك, كقوله: "وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم" الاية, وقال تعالى: "وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر" الاية, إلى قوله: "وما كنت بجانب الطور إذ نادينا" الاية, وقال: "وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا" الاية, وقال " ما كان لي من علم بالملإ الأعلى إذ يختصمون * إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين " يقول تعالى: إنه رسوله وإنه قد أطلعه على أنباء ما قد سبق, مما فيه عبرة للناس ونجاة لهم في دينهم ودنياهم, ومع هذا ما آمن أكثر الناس, ولهذا قال: "وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين" وقال: "وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله" كقوله: " إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين " إلى غير ذلك من الايات. وقوله: "وما تسألهم عليه من أجر" أي ما تسألهم يا محمد على هذا النصح والدعاء إلى الخير والرشد من أجر, أي من جعالة ولا أجرة على ذلك, بل تفعله ابتغاء وجه الله ونصحاً لخلقه "إن هو إلا ذكر للعالمين" يتذكرون به ويهتدون وينجون به في الدنيا والاخرة.
الخطاب بقوله:102- "ذلك" لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ خبره "من أنباء الغيب"، و"نوحيه إليك" خبر ثان. قال الزجاج: ويجوز أن يكون ذلك بمعنى الذي ونوحيه إليك خبره: أي الذي من أنباء الغيب نوحيه إليك. والمعنى: الإخبار من الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن هذا الذي قصه عليه من أمر يوسف وإخوته من الأخبار التي كانت غائبة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأوحاه الله إليه وأعلمه به ولم يكن عنده قبل الوحي شيء من ذلك، وفيه تعريض بكفار قريش، لأنهم كانوا مكذبين له صلى الله عليه وسلم بما جاء به جحوداً وعناداً وحسداً مع كونهم يعلمون حقيقة الحال "وما كنت لديهم" أي لدى إخوة يوسف "إذ أجمعوا أمرهم" إجماع الأمر: العزم عليه: أي وما كنت لدى إخوة يوسف إذ عزموا جميعاً على إلقائه في الجب "وهم" في تلك الحالة "يمكرون" به: أي بيوسف في هذا الفعل الذي فعلوه به ويبغونه الغوائل- وقيل الضمير ليعقوب:أي يمكرون بيعقوب حين جاءوا بقميص يوسف ملطخاً بالدم وقالوا أكله الذئب.وإذا لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لديهم عند أن فعلوا ذلك، انتفى علمه بذلك مشاهدة، ولم يكن بين قوم لهم علم بأحوال الأمم السالفة ولا خالطهم ولا خالطوه، فانتفى علمه بذلك بطريق الرواية عن الغير، فلم يبق لعلمه بذلك طريق إلا مجرد الوحي من الله سبحانه، فهذا يستلزم الإيمان بما جاء به، فلما لم يؤمن بذلك من عاصره من الكفار.
102-"ذلك"، الذي ذكرت، "من أنباء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم"، أي: ما كنت يا محمد عند أولاد يعقوب، "إذ أجمعوا أمرهم"، أي: عزموا على إلقاء يوسف في الجب، "وهم يمكرون"، بيوسف.
102."ذلك"إشارة إلى ما ذكر من نبأ يوسف عليه الصلاة والسلام ،والخطاب فيه للرسول صلى الله عليه وسلم وهو مبتدأ."من أنباء الغيب نوحيه إليك" خبران له"وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون"كالدليل عليهما والمعنى : أن هذا النبأ غيب لم تعرفه إلا بالوحي لأنك لم تحضر إخوة يوسف حين عزموا على ما هموا به من أن يجعلوه في غيابة الجب ، وهم يمكرون به وبأبيه ليرسله معهم. ومن المعلوم الذي لا يخفى على مكذبيك أنك ما لقيت أحداً سمع ذلك فتعلمته منه، وإنما حذف هذا الشق استغناء بذكره في غير هذه القصة كقوله:"ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا".
102. This is of the tidings of the Unseen which We inspire in thee (Muhammad). Thou waft not present with them when they bed their plan and they were scheming.
102 - Such is one of the stories of what happened unseen, which we reveal by inspiration unto thee: nor wast thou (present) with them when they concerted their plans together in the process of weaving their plots.