[الإخلاص : 4] وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ
4 - (ولم يكن له كفوا أحد) أي مكافئا ومماثلا وله متعلق بكفواً وقدم عليه لأنه محط القصد بالنفي وأخر أحد وهو اسم يكن عن خبرها رعاية للفاصلة
وقوله : " ولم يكن له كفوا أحد " اختلف أهل التأويل في معنى ذلك ، فقال بعضهم : معنى ذلك : ولم يكن له شبيه ولا مثل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : " ولم يكن له كفوا أحد " : لم يكن له شبيه ، ولا عدل ، وليس كمثله شيء .
حدثنا بشر ،قال : ثنا يزيد ، قال :ثنا سعيد ، عن قتادة ، عن عمرو بن غيلان الثقفي ، وكان أمير البصرة ، عن كعب ، قال : إن الله تعالى ذكره أسس السموات السبع ، والأرضين السبع ، على هذه السورة " لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد " وإن الله لم يكافئه أحد من خلقه .
حدثني علي ، قال :ثنا أبو صالح ، قال :ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " ولم يكن له كفوا أحد " قل : ليس كمثله شيء ، فسبحان الله الواحد القهار .
حدثني الحارث ، قال :ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن جريج " ولم يكن له كفوا " مثل .
وقال آخرون : معنى ذلك ، أنه لم يكن له صاحبة .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، قوله : " ولم يكن له كفوا أحد " قال : صاحبة .
حدثنا ابن بشار قال : ثنا يحيى ، عن سفيان ، عن ابن أبجر ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال :ثنا إبن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أيجر ، عن رجل عن مجاهد " ولم يكن له كفوا أحد " قال : صاحبة .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن عبد الملك بن أبجر ، عن طلحة ابن مصرف ، عن مجاهد " ولم يكن له كفوا أحد " قال : صاحبة .
حدثنا أبو السائب ، قال :ثنا ابن إدريس ، عن عبد الملك ، عن طلحة ، عن مجاهد ، مثله . والكفؤ والكفي والكفاء في كلام العرب : واحد ، وهو المثل والشبه ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :
لا تقذفني بركن لا كفاء له ولو تأثفك الأعاء بالرفد
يعني : لا كفاء له : لا مثل له .
واختلف القراء في قراءة قوله ( كفوا ) ، فقرأ ذلك عامة قراء البصرة ( كفوا ) بضم الكاف والفاء .
وقرأه بعض قراء بتسكين الفاء وهمزها ( كفئاً ) .
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : إنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب .
قوله تعالى:" ولم يكن له كفوا أحد" قال: لم يكن له شبيه ولا عدل، وليس كمثله شيء. وروي عن أبي العالية: إن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر آلهتهم فقالوا: انسب لنا ربك. قال: فأتاه جبريل بهذه السورة " قل هو الله أحد" فذكر نحوه، ولم يذكر فيه عن ابي بن كعب، وهذا أصح، قاله الترمذي.
قلت: ففي هذا الحديث إثبات لفظ " قل هو الله أحد" وتفسير الصمد، وقد تقدم. وعن عكرمة نحوه. وقال ابن عباس: " لم يلد" كما ولدت مريم، ولم يولد كما ولد عيسى وعزيز. وهو رد على النصارى، وعلى من قال: عزيز ابن الله " ولم يكن له كفوا أحد" أي لم يكن له مثلا أحد. وفيه تقديم وتأخير، تقديره: ولم يكن لم كفواً أحد، فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحد. وقرئ كفواً أحد، فقدم خبر كان على اسمها، لينساق أواخر الآي على نظم واحد. وقرئ (كفواً) بضم الفاء وسكونها. وقد تقدم في (البقرة) أن كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم، فإنه يجوز في عينه الضم والإسكان، إلا قوله تعالى:
" وجعلوا له من عباده جزءا" [ الزخرف:15] لعلة تقدمت. وقرأ حفص (كفوا) مضموم الفاء غير مهموز. وكلها لغات فصيحة
القول في الأحاديث الواردة في فضل هذه السورة، وفيه ثلاث مسائل:
الأولى: "ثبت في صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري:
أن رجلاً سمع رجلا يقرأ" قل هو الله أحد" يرددها، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك له، وكان الرجل يتقألها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن)" وعنه قال:
قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه:(أيعجز أحدكم ان يقرأ ثلث القرآن في ليلة) فشق ذلك عليهم، وقالوا: أينا يطيق ذلك يا رسول الله ؟ فقال: الله الواحد الصمد ثلث القرآن). خرجه مسلم من حديث أبي الدرداء بمعناه. وخرج عن أبي هريرة قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن) فحشد من حشد، ثم خرج نبي الله صلى الله عليه وسلم فقرأ" قل هو الله أحد" ثم دخل فقال بعضنا لبعض: إني أرى هذا خبرا جاءه من السماء، فذاك الذي أدخله. ثم خرج فقال: (إني قلت لكم سأقرأ عليكم ثلث القرآن، ألا إنها تعدل ثلث القرآن) "قال بعض العلماء: إنها عدلت ثلث القرآن لأجل هذا الاسم، الذي هو (الصمد) فإنه لايوجد في غيرها من السور. وكذلك (أحد). وقيل: إن القرآن أنزل أثلاثاً، ثلثاً منه أحكام، وثلثاً منه وعد ووعيد، وثلثا منه أسماء وصفات وقد جمعت " قل هو الله أحد" أحد الأثلاث، وهو الأسماء والصفات. ودل على هذا التأويل ما في صحيح مسلم، من حديث أبي الدراداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(إن الله جل وعز جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فجعل" قل هو الله أحد" جزءا من أجزاء القرآن). وهذا نص، وبهذا المعنى سميت سورة الإخلاص، والله أعلم.
الثانية:" روى مسلم عن عائشة:
أن رسول الله صلى الله عليه بعث رجلا على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم، فيختم بـ" قل هو الله أحد" فلما رجعوا ذكروا ذلك للني صلى الله عليه وسلم فقال : (سلوه لأي شيء يصنع ذلك ؟) فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا احب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخبروه ان الله عز وجل يحبه)". روى الترمذي عن أنس بن مالك قال:
كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء، وكان كلما افتتح سورة يقرؤها لهم في الصلاة فقرأ بها، افتتح بـ(ـ قل هو الله أحد) حتى يفرغ منها، ثم يقرأ بسورة أخرى معها، وكان يصنع ذلك في كل ركعة، فكلمة أصحابه ، فقالوا: إنك تقرأ بهذه السورة، ثم لا ترى انها تجزيك حتى تقرأ بسورة اخرى، فإما أن تقرأ بها، وإما أن تدعها وتقرأ بسورة اخرى؟ قال: ما أنا بتاركها وإن احببتم ان أؤمكم بها فعلت، وإن كرهتم تركتكم، وكانوا يرونه أفضلهم، وكرهوا ان يؤمهم غيره، فلما اتاهم النبي صلى الله عليه وسلم أخبروه الخبر، فقال (يا فلان ما يمنعك مما يأمر به أصحابك؟ وما يحملك ان تقرأ هذه السورة في كل ركعة؟ فقال يا رسول الله، إني احبها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن حبها أدخلك الجنة). قال: حديث حسن غريب صحيح قال ابن العربي: ( فكان هذا دليلا على انه يجوز تكرار سورة في كل ركعة. وقد رأيت على باب الأسباط فيما يقرب منه، إماما من جملة الثمانية والعشرين إماما، كان يصلي فيه التراويح في رمضان بالأتراك، فيقرأ في كل ركعة(الحمدلله) و(قل هو الله أحد) حتى يتم التراويح، تخفيفاً عليه، ورغبة في فضلها وليس من السنة ختم القرآن في رمضان).
قلت: هذا نص قول مالك، قال مالك: وليس ختم القرآن في المساجد بسنة.
الثالثة: روى الترمذي عن [أبي هريرة] قال:
أقبلت مع النبي صلى الله عليه وسلم فسمع رجلاً يقرأ " قل هو الله أحد" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (وجبت) قلت: وما وجبت؟ قال: (الجنة) قال: هذا حديث حسن صحيح. قال الترمذي : حدثنا محمد بن مرزوق البصري قال حدثنا حاتم بن ميمون أبو سهل عن ثابت البناني عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد، محي عنه ذنوب خمسين سنة، إلا أن يكون عليه دين). وبهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من أراد أن ينام على فراشه، فنام على يمينه، ثم قرأ" قل هو الله أحد " مائة مرة، فإذا كان يوم القيامة يقول الرب: يا عبدي، ادخل على يمينك الجنة). قال: هذا حديث غريب من حديث ثابت عن أنس. وفي مسند أبي محمد الدارمي، عن انس بن مالك قال:" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
( من قرأ " قل هو الله أحد" خمسين مرة، غفرت له ذنوب خمسين سنة)"قال : وحدثنا عبد الله بن يزيد قال: حدثنا حيوة قال: أخبرني أبو عقيل: أنه سمع سعيد بن المسيب يقول:
إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: من قرأ " قل هو الله أحد" عشر مرات بني له قصر في الجنة. ومن قرأها عشرين مرة بني له بها قصران في الجنة. ومن قرأها ثلاثين مرة بني له ثلاثة قصور في الجنة. فقال عمر بن الخطاب: والله يا رسول الله إذا لنكثرن قصورنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله أوسع من ذلك قال أبو محمد: أبو عقيل زهرة بن معبد، وزعموا انه كان من الأبدال. وذكر أبو نعيم الحافظ من حديث أبي العلاء يزيد بن عبدالله بن الشخير عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(من قرأ " قل هو الله أحد" في مرضه الذي يموت فيه، لم يفتن في قبره. وأمن من ضغطة القبر. وحملته الملائكة يوم القيامة بأكفها، حتى تجيزه من الصراط إلى الجنة). قال: هذا حديث غريب من حديث يزيد، تفرد به نصر بن حماد البجلي. وذكر أبو بكر احمد بن علي بن ثابت الحافظ عن عيسى بن أبي فاطمة الرازي قال سمعت مالك بن أنس يقول: إذا نقس بالناقوس اشتد غضب الرحمن، فتنزل الملائكة، فيأخذون بأقطار الأرض، فلا يزالون يقرؤون" قل هو الله أحد" حتى يسكن غضبه جل وعز. وخرج من حديث محمد بن خالد الجندي عن مالك عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من دخل يوم الجمعة المسجد، فصلى أربع ركعات يقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب" قل هو الله أحد" خمسين مرة فذلك مائتا مرة في أربع ركعات، لم يمت حتى يرى منزله في الجنة أو يرى له) ". وقال أبو عمر مولى جرير بن عبد الله البجلي، عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" من قرأ " قل هو الله أحد" حين يدخل منزله، نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل وعن الجيران)". وعن انس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"
من قرأ " قل هو الله أحد" مرة بورك عليه، ومن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله، ومن قرأها ثلاث مرات بورك عليه وعلى جميع جيرانه، ومن قرأها اثنتي عشرة بني الله له اثنؤ عشر قصراً في الجنة، وتقول الحفظة انطلقوا بنا ننظر إلى قصر أخينا، فإن قرأها مائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها اربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب خمسين سنة، ما خلا الدماء والأموال، فإن قرأها أربعمائة مرة كفر الله عنه ذنوب مائة سنة، فإن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه في الجنة أو يرى له)". وعن سهل بن سعد الساعدي قال:
شكا رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الفقر وضيق المعيشة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إذا دخلت البيت فسلم إن كان فيه أحد، وإن لم يكن فيه احد فسلم علي، واقرأ" قل هو الله أحد" مرة واحدة، ففعل الرجل فأدرالله عليه الرزق حتى أفاض على جيرانه وقال أنس:
" كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبوك فطلعت الشمس بيضاء لها شعاع ونور، لم أرها فيما مضى طلعت قط كذلك فأتى جبريل، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جبريل ، ما لي أرى الشمس طلعت بيضاء بشعاع لم أرها طلعت كذلك فيما مضى قط؟ فقال: ذلك لأن معاوية بن معاوية الليثي توفي بالمدينة اليوم، فبعث الله سبعين ألف ملك يصلون عليه). قال (ومم ذلك)؟ قال: (كان يكثر قراءة " قل هو الله أحد " آناء الليل وآناء النهار، وفي ممشاة وقيامه وقعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض، فتصلي عليه؟ قال: (نعم) فصلى عليه، ثم رجع " ذكره الثعلبي، والله أعلم.
قد تقدم ذكر سبب نزولها, وقال عكرمة . لما قالت اليهود نحن نعبد عزيراً ابن الله, وقالت النصارى: نحن نعبد المسيح بن الله, وقالت المجوس: نحن نعبد الشمس والقمر, وقالت المشركون: نحن نعبد الأوثان, أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم "قل هو الله أحد" يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل, ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عز وجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله وقوله تعالى: "الله الصمد" قال عكرمة عن ابن عباس : يعني الذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده, والشريف الذي قد كمل في شرفه, والعظيم الذي قد كمل في عظمته, والحليم الذي قد كمل في حلمه, والعليم الذي قد كمل في علمه, والحكيم الذي قد كمل في حكمته. وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد, وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار, وقال الأعمش عن شقيق عن أبي وائل "الصمد" السيد الذي قد انتهى سؤدده, ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله.
وقال مالك عن زيد بن أسلم "الصمد" السيد, وقال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه, وقال الحسن أيضاً "الصمد" الحي القيوم الذي لا زوال له وقال عكرمة : الصمد الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم وقال الربيع بن أنس هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيراً له وهو قوله: "لم يلد ولم يولد" وهو تفسير جيد, وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك وهو صريح فيه, وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعكرمة أيضاً, و سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية العوفي والضحاك والسدي "الصمد" الذي لا جوف له. وقال سفيان عن منصور عن مجاهد "الصمد" المصمت الذي لا جوف له, وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام, ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضاً "الصمد" نور يتلألأ, روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني , وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده, وقال: حدثني العباس بن أبي طالب , حدثنا محمد بن عمرو بن رومي عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش , حدثنا صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال: لا أعلم إلا قد رفعه قال: "الصمد الذي لا جوف له" وهذا غريب جداً والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة .
وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيراً من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عز وجل, هو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده, وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب, وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقوله تعالى: " لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد " أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة. قال مجاهد "ولم يكن له كفواً أحد" يعني لا صاحبة له وهذا كما قال تعالى: "بديع السموات والأرض أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة وخلق كل شيء" أي هو مالك كل شيء وخالقه فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه, قال الله تعالى: " وقالوا اتخذ الرحمن ولدا * لقد جئتم شيئا إدا * تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا * أن دعوا للرحمن ولدا * وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا * إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا * لقد أحصاهم وعدهم عدا * وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ".
وقال تعالى: "وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون * لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون" وقال تعالى : " وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ولقد علمت الجنة إنهم لمحضرون * سبحان الله عما يصفون " وفي صحيح البخاري "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله يجعلون له ولداً وهو يرزقهم ويعافيهم" وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك, وشتمني ولم يكن له ذلك, فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني, وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته, وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد" ورواه أيضاً من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعاً بمثله تفرد بهما من هذين الوجهين. آخر تفسير سورة الإخلاص, ولله الحمد والمنة.
4- "ولم يكن له كفواً أحد" هذه الجملة مقررة لمضمون ما قبلها لأنه سبحانه إذا كان متصفاً بالصفات المتقدمة كان متصفاً بكونه لم يكافئه أحد ولا يماثله ولا يشاركه في شيء، وأخر اسم كان لرعاية الفواصل، وقوله: له متعلق بقوله: كفواً قدم عليه لرعاية الاهتمام، لأن المقصود نفي المكافأة عن ذاته. وقيل إنه في محل نصب على الحال، والأل أولى. وقد رد المبرد على سيبويه بهذه الآية لأن سيبويه قال: إنه إذا تقدم الظرف كان هو الخبر، وههنا لم يجعل خبراً مع تقدمه، وقد رد على المبرد بوجهين: أحدهما أن سيبويه لم يجعل ذلك حتماً بل جوزه. والثاني أنا لا نسلم كون الظرف هنا ليس بخبر، بل يجوز أن يكون خبراً ويكون كفواً منتصباً على الحال وحكي في الكشاف عن سيبويه على أن الكلام العربي الفصيح أن يؤخر الظرف الذي هو لغو غير مستقر، واقتصر في هذه الحكاية على نقل أول كلام سيبويه ولم ينظر إلى آخره، فإنه قال في آخر كلامه: والتقديم والتأخير والإلغاء والاستقرار عربي جيد كثير انتهى. وقرأ الجمهور "كفواً" بضم الكاف والفاء وتسهيل الهمزة، وقرأ الأعرج وسيبويه ونافع في رواية عنه بإسكان الفاء، وروي ذلك عن حمزة مع إبداله الهمزة واو وصلاً ووفقاً، وقرأ نافع في رواية عنه كفأ بكسر الكاف وفتح الفاء من غير مد، وقرأ سليمان بن علي بن عبد الله بن العباس كذلك مع المد، وأنشد قول النابغة:
لا تقذفني بركن لا كفاء له
والكفء في لغة العرب النظير، يقول هذا كفؤك: أي نظيرك، والاسم الكفاءة بالفتح.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والمحاملي في أماليه والطبراني وأبو الشيخ في العظمة عن بريد لا أعلمه إلا رفعه. قال: "الصمد" الذي لا جوف له، ولا يصح رفع هذا. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: "الصمد" الذي لا جوف له، وفي لفظ: ليس له أحشاء. وأخرج ابن أبي عاصم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس مثله. وأخرج ابن المنذر عنه قال: "الصمد" الذي لا يطعم، وهو المصمت: وقال: أو ما سمعت النائحة وهي تقول:
لقد بكر الناعي بخير بني أسد بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد
وكان لا يطعم عند القتال، وقد روي عنه أن الذي يصمد إليه في الحوائج، وأنه أنشد البيت واستدل به على هذا المعنى، وهو أظهر في المدح وأدخل في الشرف، وليس لوصفه بأنه لا يطعم عند القتال كثير معنى. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال: "الصمد" السيد الذي قد كمل في سؤدده، والشريف الذي قد كمل في شرفه، والعظيم الذي قد كمل في عظمته، والحليم الذي قد كمل في حمله، والغني الذي قد كمل في غناه، والجبار الذي قد كمل في جبروته، والعالم الذي قد كمل في علمه، والحكيم الذي قد كمل في حكمته، وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد، وهو الله سبحانه هذه صفة لا تنبغي إلا له ليس له كفو وليس كمثله شيء. وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر والبيهقي عن ابن مسعود قال: "الصمد" هو السيد الذي قد انتهى سؤدده فلا شيء أسود منه. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال "الصمد" الذي تصمد إليه الأشنياء إذا نزل بهم كربة أو بلاء. وأخرج ابن جرير من طرق عنه في قوله: "ولم يكن له كفواً أحد" قال: ليس له كفو ولا مثل.
4- "ولم يكن له كفواً أحد"، قرأ حمزة وإسماعيل: كفؤاً ساكنة الفاء مهموزاً، وقرأ حفص عن عاصم بضم الفاء من غير همز، وقرأ الآخرون بضم الفاء مهموزاً، وكلها لغات صحيحة، ومعناه: المثل، أي: هو أحد.
وقيل: على التقديم والتأخير، مجازه: ولم يكن له أحداً كفواً أي مثلا.
قال مقاتل: قال مشركو العرب: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير ابن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله ونفى عن ذاته الولادة والمثل.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري، أخبرنا أبو الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله: لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد الذي لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفواً أحد".
أخبرنا أبو الحسن محمد بن محمد السرخسي /أخبرنا أبو علي زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري عن أبيه، عن أبي سعيد الخدري، "أن رجلاً سمع رجلاً يقرأ: "قل هو الله أحد" ويرددها، فلما أصبح أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له، وكأن الرجل يتقالها، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن".
أخبرنا أبو سعيد الشريحي، أخبرنا أبو إسحاق الثعلبي، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسن الأصفهاني، أخبرنا عبد الله بن جعفر بن أحمد بن فارس، حدثنا يونس بن حبيب، حدثنا أبو داود الطيالسي، حدثنا شعبة عن قتادة: سمعت سالم بن أبي الجعد يحدث عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء "أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ قلت: يا رسول الله ومن يطيق ذلك؟ قال: اقرأوا قل هو الله أحد".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن عبيد الله بن عبد الرحمن عن عبيد بن جبير مولى زيد بن الخطاب أنه قال: سمعت أبا هريرة يقول: "أقبلت مع رسول الله فسمع رجلاً يقرأ " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد "، فقال رسول الله: وجبت، فسألته: ماذا يا رسول الله؟ فقال: الجنة. فقال أبو هريرة: فأردت أن أذهب إلى الرجل فأبشره، ثم فرقت أن يفوتني الغداء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآثرت الغداء، ثم ذهب إلى الرجل فوجدته قد ذهب".
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو بكر أحمد بن الحسين الحيري، أخبرنا حاجب بن أحمد الطوسي، حدثنا عبد الرحيم بن منيب، حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا المبارك بن فضالة عن ثابت، عن أنس قال: "قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أحب هذه السورة: "قل هو الله أحد" قال: حبك إياها أدخلك الجنة".
4-" ولم يكن له كفواً أحد " أي ولم يكن أحد يكافئه أو يماثله من صاحبة أو غيرها ، وكان أصله أن يوخر الظرف لأنه صلة " كفواً " لكن لما كان المقصود نفي المكافأة عن ذاته تعالى قدم تقديماً للأهم ، ويجوز أن يكون حالاً من المستكن في " كفواً " أو خبراً ، ويكون " كفواً " حالاً من " أحد " ، ولعل ربط الجمل الثلاث بالعطف لأن المراد منها نفي أقسام المكافأة فهي كجملة واحدة منبهة عليها بالجمل ، وقرأ حمزة و يعقوب و نافع في رواية كفواً بالتخفيف ، و حفص " كفواً " بالحركة وقلب الهمزة واواً ، ولاشتمال هذه السور مع قصرها على جميع المعارف الإلهية والرد على من ألحد فيها ، جاء في الحديث " أنها تعد ثلث القرآن " . فإن مقاصده محصورة في بيان العقائد والأحكام والقصص ومن عدلها بكله اعتبر المقصود بالذات من ذلك .
وعنه صلى الله عليه وسلم " أنه سمع رجلاً يقرؤها فقال : وجبت قيل : يا رسول الله وما وجبت قال : وجبت له الجنة " .
4. And there is none comparable unto Him.
4 - And there is none like unto Him.