[هود : 70] فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ
70 - (فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم) بمعنى أنكرهم (وأوجس) أضمر في نفسه (منهم خيفة) خوفاً (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) لنهلكهم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : فلما رأى إبراهيم أيديهم لا تصل إلى العجل الذي أتاهم به ، والطعام الذي قدم إليهم ، نكرهم . وذلك أنه لما قدم طعامه صلى الله عليه وسلم إليهم ، فيما ذكر ، كفوا عن أكله ، لأنهم لم يكونوا ممن يأكله . وكان إمساكهم عن أكله ،عند إبراهيم ، وهم ضيفانه ، مستنكراً . ولم تكن بينهم معرفةً ، وراعة أمرهم ، وأوجس في نفسه منهم خيفة .
وكان قتادة يقول : كان إنكاره ذلك من أمرهم ، كما :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة" ، وكانت العرب إذا نزل بهم ضيف ، فلم يطعم من طعامهم ، ظنوا أنه لم يجىء بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" ، قال :كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ، ظنوا أنه لم يأت بخير ، وأنه يحدث نفسه بشر . ثم حدثوه عند ذلك بما جاءوا .
وقال غيره في ذلك ما :
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن الأسود بن قيس ، عن جندب بن سفيان قال : لما دخل ضيف إبراهيم عليه السلام ، قرب إليهم العجل ، فجعلوا ينكتون بقداح في أيديهم من نبل ، ولا تصل أيديهم إليه . نكرهم عند ذلك .
يقال منه : نكرت الشيء أنكره و أنكر أنكره بمعنى واحد ، ومن نكرت و أنكرت ، قول الأعشى :
‌وأنكرتني ، وما كان الذي نكرت من الحوادث ، إلا الشيب والصلعا
فجمع اللغتين جميعاً في البيت ، وقال أبو ذؤيب :
فنكرنه ، فنفرن ، وامترست به هوجاء هادية وهاد جرشع
وقوله : "وأوجس منهم خيفة" ، يقول : أحس في نفسه منهم خيفة وأضمرها . "قالوا لا تخف" ، يقول : قالت الملائكة ، لما رأت ما بإبراهيم من الخوف منهم : لا تخف منا وكن آمناً ،فإنا ملائكة ربك ، "أرسلنا إلى قوم لوط" .
القول في تأويل قوله تعالى : "وامرأته قائمة فضحكت" .
قال ابو جعفر : يقول تعالى ذكره : "وامرأته" ، سارة بنت هاران بن ناحور بن ساروج بن راعو بن فالغ ، وهي ابنة عم إبراهيم ، "قائمة" ، قيل : كانت قائمة من وراء الستر تسمع كلام الرسل وكلام إبراهيم عليه السلام . وقيل : كانت قائمة تخدم الرسل ، وإبراهيم جالس مع الرسل .
وقوله : "فضحكت" ، اختلف أهل التأويل في معنى قوله : "فضحكت" ، وفي السبب الذي من أجله ضحكت .
فقال بعضهم : ضحكت الضحك المعروف ، تعجباً من أنها وزوجها إبراهيم يخدمان ضيفانهم بأنفسهما ، تكرمة لهم ، وهم عن طعامهم ممسكون لا يأكلون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : بعث الله الملائكة لتهلك قوم لوط ، أقبلت تمشي في صورة رجال شباب ، حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه . فلما رآهم إبراهيم أجلهم فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ، فذبحه ثم شواه في الرضف ، فهو الحنيذ حين شواه . وأتاهم فقعد معهم ، وقامت سارة تخدمهم . فذلك حين يقول : وامرأته قائمة وهو جالس ، في قراءة ابن مسعود . فلما قربه إليهم قال : ألا تأكلون ؟ قالوا : يا إبراهيم ، إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن . قال : فإن لهذا ثمناً ‍، قالوا : وما ثمنه ؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله ، وتحمدونه على آخره . فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال : حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً ، فلما رأى أيديهم لا تصل إليه ـ يقول : لا يأكلون ـ فزع منهم وأوجس منهم خيفة ، فلما نظرت إليه سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ، ضحكت وقالت : عجباً لأضيافنا هؤلاء ، إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمةً لهم ، وهم لا يأكلون طعامنا ‍.
وقال آخرون : بل ضحكت من أن قوم لوط في غفلة ، وقد جاءت رسل الله لهلاكهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : لما أوجس إبراهيم خيفة في نفسه ، حدثوه عند ذلك بما جاءوا فيه ، فضحكت امرأته ، وعجبت من أن قوماً أتاهم العذاب ، وهم في غفلة . فضحكت من ذلك وعجبت : "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ،عن قتادة أنه قال ، ضحكت تعجباً مما فيه قوم لوط من الغفلة ، ومما أتاهم من العذاب .
وقال آخرون : بل ضحكت ظناً منها بهم أنهم يريدون عمل قوم لوط .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا أبو معشر ، عن محمد بن قيس في قوله : "وامرأته قائمة فضحكت" ، قال :لما جاءت الملائكة ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط .
وقال آخرون : بل ضحكت لما رأت بزوجها إبراهيم من الروع .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ،عن معمر ، عن الكلبي : "فضحكت" ، قال : ضحكت حين راعوا إبراهيم ، مما رأت من الروع بإبراهيم .
وقال آخرون : بل ضحكت حين بشرت بإسحاق ، تعجباً من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها . ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى قال ، إسحاق قال ، حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم قال ، حدثني عبد الصمد : أنه سمع وهب بن منبه يقول : لما أتى الملائكة إبراهيم عليه السلام ، فرآهم ، راعه هيئتهم وجمالهم ، فسلموا عليه وجلسوا إليه ، فقام فأمر بعجل سمين ، فحنذ له ، فقرب إليهم الطعام ، "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة" ، وسارة وراء البيت تسمع ، قالوا : لا تخف إنا نبشرك بغلام حليم مبارك ‍‍، وبشر به امرأته سارة ، فضحكت وعجبت : كيف يكون لي ولد وأنا عجوز ، وهو شيخ كبير ؟ فقالوا : أتعجبين من أمر الله ، فإنه قادر على ما يشاء ، فقد وهبه الله لكم ، فأبشروا به .
وقد قال بعض من كان يتأول هذا التأويل : إن هذا من المقدم الذي معناه التأخير ، كأن معنى الكلام عنده : وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فضحكت وقالت : يا ويلتا أألد وأنا عجوز ؟
وقال آخرون : بل معنى قوله : "فضحكت" ، في هذا الموضع ، فحاضت .
ذكر من قال ذلك :
حدثني سعيد بن عمرو السكوني قال ، حدثنا بقية بن الوليد ، عن علي بن هرون ، عن عمرو بن الأزهر ، عن ليث ، عن مجاهد في قوله : "فضحكت" ، قال : حاضت ، وكانت ابنة بضع وتسعين سنة . قال :وكان إبراهيم ابن مئة سنة .
وقال آخرون : بل ضحكت سروراً بالأمن منهم ، لما قالوا لإبراهيم : "لا تخف" ، وذلك أنه قد كان خافهم ، وخافتهم أيضاً كما خافهم إبراهيم . فلما أمنت ضحكت ، فأتبعوها البشارة بإسحاق .
وقد كان بعض أهل العربية من الكوفيين يزعم أنه لم يسمع ضحكت ، بمعنى : حاضت ، من ثقة .
وذكر بعض أهل العربية من البصريين :أن بعض أهل الحجاز أخبره عن بعضهم ، أن العرب تقول : ضحكت المرأة ، حاضت . قال : وقد قال : الضحك ، الحيض . وقد قال بعضهم : الضحك الثغر ، وذكر بيت أبي ذؤيب :
فجاء بمزج لم ير الناس مثله هو الضحك إلا أنه عمل النحل
وذكر أن بعض أصحابه أنشده في الضحك ، بمعنى الحيض :
وضحك الأرانب فوق الصفا كمثل دم الجوف يوم اللقا
وقال : وذكر له بعض أصحابه أنه سمع للكميت :
فأضحكت الضباع سيوف سعد بقتلي ما دفن ولا ودينا
وقال : يريد الحيض . قال :وبلحرث بن كعب يقولون : ضحكت النخلة ، إذا أخرجت الطلع أو البسر . وقالوا : الضحك ، الطلع قال : وسمعنا من يحكي : أضحكت حوضا ، أي :ملأته حتى فاض . قال : وكأن المعنى قريب بعضه من بعض كله ، لأنه كأنه شيء يمتلىء فيفيض .
قال أبو جعفر : وأولى الأقوال التي ذكرت في ذلك بالصواب ، قول من قال : معنى قوله : "فضحكت" ، فعجبت من غفلة قوم لوط عما قد أحاط بهم من عذاب الله وغفلتهم عنه .
وإنما قلنا هذا القول أولى بالصواب ، لأنه ذكر عقيب قولهم لإبراهيم : "لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط" . فإذا كان ذلك كذلك ، وكان لا وجه للضحك والتعجب من قولهم لإبراهيم : "لا تخف" ، كان الضحك والتعجب إنما هو من أمر قوم لوط .
الخامسة: السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدم إليه بالأكل، فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم، وكرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول، فلما قبضوا أيديهم نكرهم إبراهيم، لأنهم خرجوا عن العادة، وخالفوا السنة، وخاف أن يكون رواءهم مكروه يقصدونه. وروي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إلى اللحم، فلما رأى ذلك منهم. " نكرهم وأوجس منهم خيفة " أي أضمر. وقيل: أحس، والوجوس الدخول، قال الشاعر:
جاء البريد بقرطاس يخب به فأوجس القلب من قرطاسه جزعا
( خيفةً) خوفاً، أي فزعاً. وكانوا إذا رأوا الضيف لا يأكل ظنوا به شراً، فقالت الملائكة " لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط ".
السادسة: من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم لا وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر. روي أن أعرابياً أكل مع سليمان بن عبد الملك، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له: أزل الشعرة عن لقمتك، فقال له: أتنظر إلي من يرى الشعرة في لقمتي؟! والله لا أكلت معك.
قلت: وقد ذكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع هشام بن عبد الملك لا مع سليمان وأن الأعرابي خرج من عنده وهو يقول:
وللموت خير من زيارة باخل يلاحظ أطراف الأكيل على عمد
السابعة: قوله تعالى: " فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم " يقول: أنكرهم، تقول: نكرتك وأنكرتك واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته، قال الشاعر:
وأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين. ويقال: نكرت لما تراه بعينك. وأنكرت لما تراه بقلبك.
يقول تعالى: "ولقد جاءت رسلنا" وهم الملائكة إبراهيم بالبشرى قيل تبشره بإسحاق وقيل بهلاك قوم لوط ويشهد للأول قوله تعالى: "فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط" "قالوا سلاماً قال سلام" أي عليكم قال علماء البيان: هذا أحسن مما حيوه به لأن الرفع يدل على الثبوت والدوام "فما لبث أن جاء بعجل حنيذ" أي ذهب سريعاً فأتاهم بالضيافة وهو عجل فتى البقر, حنيذ: مشوي على الرضف وهي الحجارة المحماة. هذا معنى ما روي عن ابن عباس وقتادة وغير واحد كما قال في الاية الأخرى " فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين * فقربه إليهم قال ألا تأكلون " وقد تضمنت هذه الاية آداب الضيافة من وجوه كثيرة وقوله: "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" تنكرهم "وأوجس منهم خيفة" وذلك أن الملائكة لا همة لهم إلى الطعام ولا يشتهونه ولا يأكلونه فلهذا رأى حالهم معرضين عما جاءهم به فارغين عنه بالكلية فعند ذلك نكرهم "وأوجس منهم خيفة" قال السدي: لما بعث الله الملائكة لقوم لوط أقبلت تمشي في صور رجال شبان حتى نزلوا على إبراهيم فتضيفوه, فلما رآهم أجلهم "فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين" فذبحه ثم شواه في الرضف وأتاهم به فقعد معهم وقامت سارة تخدمهم فذلك حين يقول ـ وامرأته قائمة وهو جالس ـ في قراءة ابن مسعود " فقربه إليهم قال ألا تأكلون " قالوا: يا إبراهيم إنا لا نأكل طعاماً إلا بثمن, قال فإن لهذا ثمناً, قالوا: وما ثمنه ؟ قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل فقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلاً "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم" يقول فلما رآهم لا يأكلون فزع منهم وأوجس منهم خيفة, فلما نظرت سارة أنه قد أكرمهم وقامت هي تخدمهم ضحكت وقالت: عجبا لأضيافنا هؤلاء نخدمهم بأنفسنا كرامة لهم وهم لا يأكلون طعامنا.
وقال ابن حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا نصر بن علي حدثنا نوح بن قيس عن عثمان بن محصن في ضيف إبراهيم قال كانوا أربعة: جبريل وميكائيل وإسرافيل ورفائيل. قال نوح بن قيس فزعم نوح بن أبي شداد أنهم لما دخلوا على إبراهيم فقرب إليهم العجل مسحه جبريل بجناحه فقام يدرج حتى لحق بأمه وأم العجل في الدار, وقوله تعالى إخباراً عن الملائكة: "قالوا لا تخف" أي قالوا لا تخف منا إنا ملائكة أرسلنا إلى قوم لوط لنهلكهم, فضحكت سارة استبشاراً بهلاكهم لكثرة فسادهم وغلظ كفرهم فلهذا جوزيت بالبشارة بالولد بعد الإياس, وقال قتادة ضحكت وعجبت أن قوماً يأتيهم العذاب وهم في غفلة, وقوله: "ومن وراء إسحاق يعقوب" قال العوفي عن ابن عباس فضحكت أي حاضت, وقول محمد بن قيس: إنها إنما ضحكت من أنها ظنت أنهم يريدون أن يعملوا كما يعمل قوم لوط. وقول الكلبي: إنها إنما ضحكت لما رأت من الروع بإبراهيم ضعيفان ووجداً وإن كان ابن جرير قد رواهما بسنده إليهما فلا يلتفت إلى ذلك والله أعلم. وقال وهب بن منبه: إنما ضحكت لما بشرت بإسحاق وهذا مخالف لهذا السياق فإن البشارة صريحة مرتبة على ضحكها "فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب" أي بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل فإن يعقوب ولد إسحاق كما قال في آية البقرة " أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ".
ومن ههنا استدل من استدل بهذه الاية على أن الذبيح إنما هو إسماعيل, وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق لأنه وقعت البشارة به وأنه سيولد له يعقوب فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده ووعد الله حق لا خلف فيه فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه, فتعين أن يكون إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه و لله الحمد "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً" الاية حكى قولها في هذه الاية كما حكى فعلها في الاية الأخرى فإنها "قالت يا ويلتى أألد وأنا عجوز" وفي الذاريات "فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم" كما جرت به عادة النساء في أقوالهن وأفعالهن عند التعجب "قالوا أتعجبين من أمر الله" أي قالت الملائكة لها لا تعجبي من أمر الله فإنه إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون. فلا تعجبي من هذا وإن كنت عجوزاً عقيماً وبعلك شيخاً كبيراً فإن الله على ما يشاء قدير "رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد" أي هو الحميد في جميع أفعاله وأقواله محمود ممجد في صفاته وذاته, ولهذا ثبت في الصحيحين أنهم قالوا:" قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك يا رسول الله ؟ قال قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم, وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد".
70- "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه" أي لا يمدونها إلى العجل كما يمد يده من يريد الأكل "نكرهم" يقال: نكرته وأنكرته واستنكرته: إذا وجدته على غير ما تعهد، ومنه قول الشاعر:
فأنكرتني وما كان الذي نكرت من الحوادث إلا الشيب والصلعا
فجمع بين اللغتين، ومما جمع فيه بين اللغتين قول الشاعر:
إذا أنكرتني بلدة أو نكرتها خرجت مع البازي علي سواد
وقيل يقال: أنكرت لما تراه بعينك، ونكرت لما تراه بقلبك، قيل: وإنما استنكر منهم ذلك، لأن عادتهم أن الضيف إذا نزل بهم ولم يأكل من طعامهم ظنوا أنه قد جاء بشر "وأوجس منهم" أي أحس في نفسه منهم "خيفة" أي خوفاً وفزعاً، وقيل معنى أوجس: أضمر في نفسه خيفة، والأول ألصق بالمعنى اللغوي، ومنه قول الشاعر:
جاء البريد بقرطاس يحث به فأوجس القلب من قرطاسه فزعا
وكأنه ظن أنهم قد نزلوا به لأمر ينكره، أو لتعذيب قومه "قالوا لا تخف" قالوا له هذه المقالة مع كونه لم يتكلم بما يدل على الخوف، بل أوجس ذلك في نفسه، فلعلهم استدلوا على خوفه بأمارات كظهور أثره على وجهه، أو قالوه له بعد ما قال عقب ما أوجس في نفسه من الخيفة قولاً يدل على الخوف كما في قوله في سورة الحجر: "قال إنا منكم وجلون"، ولم يذكر ذلك هاهنا اكتفاء بما هنالك، ثم عللوا نهيه عن الخوف بقولهم: "إنا أرسلنا إلى قوم لوط" أي أرسلنا إليهم خاصة، ويمكن أن يكون إبراهيم عليه السلام قد قال قولاً يكون هذا جواباً عنه: " قال فما خطبكم أيها المرسلون * قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين ".
70- "فلما رأى أيديهم لا تصل إليه"، أي: إلى العجل، "نكرهم"، أنكرهم، "وأوجس"، أضمر ‌"منهم خيفة"، خوفا. قال مقاتل: وقع في قلبه، وأصل الوجوس: الدخول، كان الخوف دخل قلبه. وقال قتادة: وذلك أنهم كانوا إذا نزل بهم ضيف فلم يأكل من طعامهم ظنوا أنه لم يأت بخير وإنما جاء بشر. "قالوا لا تخف"، يا إبراهيم إنا رسل ربك. يعني: ، "إنا" ملائكة الله "أرسلنا إلى قوم لوط".
70."فلما رأى أيديهم لا تصل إليه"لا يمدون إليه أيديهم ."نكرهم وأوجس منهم خيفةً"أنكر ذلك منهم وخاف أن يريدوا به مكروهاً، ونكر وأنكر واستنكر بمعنى والإيجاس الإدراك وقيل الإضمار "قالوا"له لما أحسوا منه اثر الخوف ."لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط"إنا ملائكة مرسلة إليهم بالعذاب ، وإنما لم نمد إليه أيدينا لأنا لا نأكل.
70. And when he saw their hands reached not to it, he mistrusted them and conceived a fear of them. They said : Fear not! Lo! we are sent unto the folk of Lot.
70 - But when he saw their hands went not towards the (meal), he felt some mistrust of them, and conceived a fear of them. they said: fear not: we have been sent against the people of Lut.