[هود : 55] مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لاَ تُنظِرُونِ
55 - (من دونه فكيدوني) احتالوا في هلاكي (جميعاً) أنتم وأوثانكم (ثم لا تنظرون) تمهلون
قال أبو جعفر : وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول قوم هود ، أنهم قالوا له ، إذ نصح لهم ، ودعاهم إلى توحيد الله وتصديقه ، وخلع الأوثان والبراءة منها : لا نترك عبادة آلهتنا ،وما نقول إلا أن الذي حملك على ذمها والنهي عن عبادتها ، أنه أصابك منها خبل من جنون . فقال هود لهم : إني أشهد الله على نفسي ، وأشهدكم ايضاً ، أيها القوم ، أني بريء مما تشركون في عبادة الله من آلهتكم وأوثانكم من دونه ،"فكيدوني جميعا" ، يقول : فاحتالوا أنتم جميعاً وآلهتكم في ضري ومكروهي ، "ثم لا تنظرون" ، يقول : ثم لا تؤخروا ذلك ، فانظروا هل تنالونني أنتم وهم بما زعمتم أن آلهتكم نالتني به من السوء ؟
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد : "اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : أصابتك الأوثان بجنون .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، "اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : أصابك الأوثان بجنون .
حدثني المثنى قال ، حدثنا ابن دكين قال ، حدثنا سفيان ، عن عيسى ، عن مجاهد : "إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : سببت آلهتنا وعبتها ، فأجنتك .
قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، أصابك بعض آلهتنا بسوء ، يعنون الأوثان .
قال ، حدثنا سحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : أصابك الأوثان بجنون .
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : تصيبك آلهتنا بالجنون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال :ما يحملك على ذم آلهتنا لا أنه أصابك منها سوء .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، قال : إنما تصنع هذا بآلهتنا ، أنها أصابتك بسوء .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج قال ، قال عبد الله بن كثير : أصابتك آلهتنا بشر .
حدثت عن الحسين قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، يقولون : نخشى أن يصيبك من آلهتنا سوء ،ولا نحب أن تعتريك ، يقولون : يصيبك منها سوء .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" ، يقولون : اختلط عقلك فأصابك هذا ،مما صنعت بك آلهتنا .
وقوله : "اعتراك" ، افتعل من : عراني الشيء يعروني ، إذا أصابك ، كما قال الشاعر :
من القوم يعروه اجتراء ومأثم
" فكيدوني جميعا " أي أنتم وأوثانكم في عداوتي وضري. " ثم لا تنظرون " أي لا تؤخرون. وهذا القول مع كثرة الأعداء يدل على كمال الثقة بنصر الله تعالى. وهو من أعلام النبوة، أن يكون الرسول وحده يقول لقومه: " فكيدوني جميعا " وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لقريش. وقال نوح صلى الله عليه وسلم: " فأجمعوا أمركم وشركاءكم " ( يونس: 71) الآية.
يخبر تعالى أنهم قالوا لنبيهم "ما جئتنا ببينة" أي بحجة وبرهان على ما تدعيه "وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك" أي بمجرد قولك اتركوهم نتركهم "وما نحن لك بمؤمنين" بمصدقين "إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء" يقولون: ما نظن إلا أن بعض الالهة أصابك بجنون وخبل في عقلك بسبب نهيك عن عبادتها وعيبك لها " قال إني أشهد الله واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه " يقول: إني بريء من جميع الأنداد والأصنام "فكيدوني جميعاً" أي أنتم وآلهتكم إن كانت حقاً "ثم لا تنظرون" أي طرفة عين وقوله: "إني توكلت على الله ربي وربكم ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها" أي تحت قهره وسلطانه وهو الحاكم العادل الذي لا يجور في حكمه فإنه على صراط مستقيم. قال الوليد بن مسلم عن صفوان بن عمرو عن أيفع بن عبد الكلاعي أنه قال في قوله تعالى: "ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم" قال: فيأخذ بنواصي عباده فيلقن المؤمن حتى يكون له أشفق من الوالد لولده ويقول: "ما غرك بربك الكريم" وقد تضمن هذا المقام حجة بالغة ودلالة قاطعة على صدق ما جاءهم به وبطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تنفع ولا تضر بل هي جماد لا تسمع ولاتبصر ولا توالي ولا تعادي وإنما يستحق إخلاص العبادة الله وحده لا شريك له الذي بيده الملك وله التصرف وما من شيء إلا تحت ملكه وقهره وسلطانه فلا إله إلا هو ولا رب سواه.
55- "من دونه" أي من إشراككم من دون الله من غير أن ينزل به سلطاناً "فكيدوني جميعاً" أنتم وآلهتكم إن كانت كما تزعمون من أنها تقدر على الإضرار بي وأنها اعترتني بسوء "ثم لا تنظرون" أي لا تمهلوني، بل عاجلوني واصنعوا ما بدا لكم، وفي هذا من إظهار عدم المبالاة بهم وبأصنامهم التي يعبدونها ما يصك مسامعهم، ويوضح عجزهم وعدم قدرتهم على شيء.
55-"من دونه"، يعني: الأوثان، "فكيدوني جميعاً"، فاحتالوا في مكركم وضري أنتم وأوثانكم، "ثم لا تنظرون" لا تؤخرون ولا تمهلون.
55."من دونه فكيدوني جميعاً ثم لا تنظرون "أجاب به عن مقالتهم الحمقاء بأن أشهد الله تعالى على براءته من آلهتهم وفراغه عن إضرارهم تأكيداً لذلك وتثبيتاً له، وأمرهم بأن يشهدوا عليه استهانة بهم، وأن يجتمعوا على الكيد في إهلاكه من غير إنظار حتى إذا اجتهدوا فيه ورأوا أنهم عجزوا عن آخرهم وهم الأقوياء الأشداء أن يضروه لم يبق لهم شبهة أن آلهتهم التي هي جماد لا يضر ولا ينفع لا تتمكن من إضراره انتقاماً منه ، وهذا من جملة معجزاته فإن مواجهة الواحد الجم الغفير من الجبابرة الفتاك العطاش إلى إراقة دمه بهذا الكلام ليس إلا لثقته بالله و تثبطهم عن إضراره ليس إلا بعصمته إياه ولذلك عقبه بقوله:
55. Beside Him. So (try to) circumvent me, all of you, give me no respite.
55 - Other gods as partners so scheme (your worst) against me, all of you, and give me no respite.