[هود : 46] قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ
46 - (قال) تعالى (يا نوح إنه ليس من أهلك) الناجين أو من أهل دينك (إنه) أي سؤالك إياي بنجاته (عملٌ غيرُ صالح) فإنه كافر ولا نجاة للكافرين ، وفي قراءة {عَمِلَ}بكسر ميم عمل فعل ونصب {غيرَ} فالضمير لابنه (فلا تسألنِ) بالتشديد والتخفيف (ما ليس لك به علم) من إنجاء ابنك (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) بسؤالك ما لم تعلم
قال أبو جعفر : يقول الله تعالى ذكره : قال الله : يا نوح إن الذي غرقته فأهلكته الذي تذكر أنه من أهلك ، ليس من أهلك .
واختلف أهل التأويل في معنى قوله : "ليس من أهلك" .
فقال بعضهم : معناه : ليس من ولدك ، هو من غيرك . وقالوا : كان ذلك من حنث .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم ، عن عوف ، عن الحسن في قوله : "إنه ليس من أهلك" ، قال : لم يكن ابنه .
حدثنا أبو كريب ، وابن وكيع قالا ، حدثنا يحيى بن يمان ، عن شريك ، عن جابر ، عن أبي جعفر : "ونادى نوح ابنه" ، قال : ابن امرأته .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن أصحابه ، ابن أبي عروبة فيهم ، عن الحسن : لا والله ، ما هو بابنه .
قال ، حدثنا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن أبي جعفر : "ونادى نوح ابنه" ، قال : هذه بلغة طي ، لم يكن ابنه ، كان ابن امرأته .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، حدثنا هشيم ، عن عوف ، ومنصور ، عن الحسن في قوله : "إنه ليس من أهلك" ، قال : لم يكن ابنه ،وكان يقرؤها : "إنه عمل غير صالح" .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة قال : كنت عند الحسن فقال : "ونادى نوح ابنه" ، لعمر الله ما هو ابنه ! قال قلت : يا أبا سعيد ، يقول : "ونادى نوح ابنه" ! وتقول : ليس بابنه ! قال : أفرأيت قوله : "إنه ليس من أهلك" ؟ قال : قلت : إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك ، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه . قال : إن أهل الكتاب يكذبون .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : سمعت الحسن يقرأ هذه الآية : "إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" ، فقال عند ذلك : والله ما كان ابنه . ثم قرأ هذه الآية ( فخانتاها ) . قال سعيد : فذكرت ذلك لـ قتادة ، قال : ما كان ينبغي له أن يحلف ! .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فلا تسألن ما ليس لك به علم" ، قال : تبين لنوح أنه ليس بابنه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "فلا تسألن ما ليس لك به علم" ، قال : بين الله لنوح أنه ليس بابنه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله ، قال ابن جريج في قوله : "ونادى نوح ابنه" ، قال : ناداه وهو يحسبه أنه ابنه ، وكان ولد على فراشه .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل ، عن ثوبر ، عن أبي جعفر : "إنه ليس من أهلك" . قال : لو كان من أهله لنجا .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا سفيان ، عن عمرو ، سمع عبيد بن عمير يقول : نرى أن ما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الولد للفراش ، من أجل ابن نوح .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابن عون ، عن الحسن قال : لا والله ما هو بابنه .
وقال آخرون : معنى ذلك : ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب ،وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن أبي عامر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : "ونادى نوح ابنه" ، قال : هو ابنه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة ، عن سفيان قال ، حدثنا أبو عامر ، عن الضحاك قال ، قال ابن عباس : هو ابنه ، ما بغت امرأة نبي قط .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن ابي عامر الهمداني ،عن الضحاك بن مزاحم ، عن ابن عباس قال : ما بغت امرأة نبي قط . قال : وقوله : "إنه ليس من أهلك" ، الذين وعدتك أن أنجيهم معك .
حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة وغيره ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : هو ابنه ، غير أنه خالفه في العمل والنية . قال عكرمة في بعض الحروف : إنه عمل عملا غير صالح ، والخيانة تكون على غير باب .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : كان عكرمة يقول : كان ابنه ، ولكن كان مخالفاً له في النية والعمل ، فمن ثم قيل له : "إنه ليس من أهلك" .
حدثنا الحسن قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، و ابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة قال : سمعت ابن عباس يسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى : ( فخانتاهما ) . قال : أما إنه لم يكن بالزنا ، ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون ، وكانت هذه تدل على الأضياف . ثم قرأ : "إنه عمل غير صالح" . قال ابن عيينة : وأخبرني عمار الدهني ، أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال : كان ابن نوح ، إن الله لا يكذب ! قال "ونادى نوح ابنه" قال : وقال بعض العلماء : ما فجرت امرأة نبي قط .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن عمار الدهني ، عن سعيد بن جبير قال : قال الله ، وهو الصادق : وهو ابنه ، "ونادى نوح ابنه" .
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سعيد ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن عبد الله بن شداد ، عن ابن عباس قال : ما بغت امرأة نبي قط .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال ، حدثنا هشيم قال : سألت أبا بشر عن قوله : "إنه ليس من أهلك" ، قال : : ليس من أهل دينك ، وليس ممن وعدتك أن أنجيهم . قال يعقوب : قال هشيم : كان عامة ما كان يحدثنا أبو بشر عن سعيد بن جبير .
حدثنا ابن وكيع قال حدثنا محمد بن عبيد ، عن يعقوب بن قيس قال : أتى سعيد بن جبير رجل فقال : يا ابا عبد الله ، الذي ذكر الله في كتابه ابن نوح ابنه هو ؟ قال : نعم والله ، إن نبي الله أمره أن يركب معه في السفينة فعصى ، فقال : "سآوي إلى جبل يعصمني من الماء" . قال : "يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح" ، لمعصية نبي الله .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني أبو صخر ، عن أبي معاوية البجلي ، عن سعيد بن جبير : أنه جاء إليه رجل فسأله ، فقال : أرأيتك ابن نوح ابنه ؟ فسبح طويلاً ، ثم قال : لا إله إلا الله ، يحدث الله محمداً : نادى نوح ابنه وتقول :ليس منه ؟ ولكن خالفه في العمل ، فليس منه من لم يؤمن .
حدثني يعقوب ، وابن وكيع قالا ، حدثنا ابن علية ، عن ابي هرون الغنوي ، عن عكرمة في قوله : "ونادى نوح ابنه" ، قال : اشهد انه ابنه ، قال الله : "ونادى نوح ابنه" .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثتا أبي ، عن إسرائيل ، عن جابر ، عن مجاهد ، و عكرمة قالا : هو ابنه .
حدثني فضالة بن الفضل الكوفي قال ، قال بزيع : سأل رجل الضحاك عن ابن نوح ، فقال : ألا تعجبون إلى هذا الأحمق ! يسألني عن ابن نوح ، وهو ابن نوح كما قال الله : قال نوح لابنه ! .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا يحيى بن واضح قال ، حدثنا عبيد ، عن الضحاك أنه قرأ : "ونادى نوح ابنه" وقوله : "ليس من أهلك" ، قال : ليس هو من أهلك . قال يقول :ليس هو من أهل ولايتك ، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك ، "إنه عمل غير صالح" ، قال :يقول كان عمله في شرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو معاوية ، عن جويبر ، عن الضحاك قال : هو والله ابنه لصلبه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عمرو بن عون قال ، أخبرنا هشيم ، عن جويبر ، عن الضحاك في قوله : "ليس من أهلك" ، قال : ليس من أهل دينك ، ولا ممن وعدتك أن أنجيه ، وكان ابنه لصلبه .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله بن صالح قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "قال يا نوح إنه ليس من أهلك" ، يقول : ليس ممن وعدناه النجاة .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "إنه ليس من أهلك" ، يقول : ليس من أهل ولايتك ، ولا ممن وعدتك أن أنجي من أهلك ، "إنه عمل غير صالح" ، يقول : كان عمله في شرك .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا خالد بن حيان ،عن جعفر بن برقان ، عن ميمون ، وثابت بن الحجاج . قالا : هو ابنه ، ولد على فراشه .
قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب ، قول من قال : تأويل ذلك : إنه ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم ، لأنه كان لدينك مخالفاً ، وبي كافراً ، وكان ابنه ، لأن الله تعالى ذكره قد أخبر نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم أنه ابنه فقال : "ونادى نوح ابنه" ، وغير جائز أن يخبر أنه "ابنه" ، فيكون بخلاف ما أخبر . وليس في قوله : "إنه ليس من أهلك" ، دلالة على أنه ليس بابنه ، إذ كان قوله : "ليس من أهلك" ، محتملاً من المعنى ما ذكرنا ، ومحتملاً : إنه ليس من أهل دينك ، ثم يحذف الدين فيقال : "إنه ليس من أهلك" ، كما قيل : ( وأسأل القرية التي كنا فيها ( .
وأما قوله : "إنه عمل غير صالح" ، فإن القرأة اختلفت في قراءته .
فقرأته عامة قرأة الأمصار : "إنه عمل غير صالح" ، بتنوين "عمل" ، ورفع "غير" .
واختلف الذين قرأوا ذلك كذلك في تأويله .
فقال بعضهم : معناه : إن مسألتك إياي هذه عمل غير صالح .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن مغيرة ، عن إبراهيم : "إنه عمل غير صالح" ، قال : إن مسألتك إياي هذه ، عمل غير صالح .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة : "إنه عمل غير صالح" ، أي : سوء ، "فلا تسألن ما ليس لك به علم" .
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبد الله قال ، حدثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس قوله : "إنه عمل غير صالح" ، يقول : سؤالك عما ليس لك به علم .
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن حمزة الزيات ، عن الأعمش ، عن مجاهد قوله : "إنه عمل غير صالح" ، قال : سؤالك إياي ، عمل غير صالح ، "فلا تسألن ما ليس لك به علم" .
وقال آخرون : بل معناه : إن الذين ذكرت أنه ابنك فسألتني أن أنجيه ، عمل غير صالح ، أي : إنه لغير رشدة . وقالوا : الهاء في قوله "إنه" ، عائدة على الابن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن نمير ، عن ابن ابي عروبة ، عن قتادة ، عن الحسن أنه قرأ : "عمل غير صالح" ، قال : ما هو والله بابنه .
وروي عن جماعة من السلف أنهم قرأوا ذلك : إنه عمل غير صالح ، على وجه الخبر عن الفعل الماضي ، وغير ، منصوبة . وممن روي عنه أنه قرأ ذلك كذلك ، ابن عباس .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن عيينة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سليمان بن قتة ، عن ابن عباس أنه قرأ : عمل غير صالح .
ووجهوا تأويل ذلك إلى ما :
حدثنا به ابن وكيع قال ، حدثنا غندر ، عن ابن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : إنه عمل غير صالح ، قال : كان مخالفاً له في النية والعمل .
قال أبو جعفر : ولا نعلم هذه القراءة قرأ بها أحد من قرأة الأمصار ، إلا بعض المتأخرين ، واعتل في ذلك بخبر روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ ذلك كذلك ، غير صحيح السند . وذلك حديث روي عن شهر بن حوشب فمرة يقول : عن أم سلمة ، ومرة يقول : عن أسماء بنت يزيد ، ولا نعلم أبنت يزيد يريد ؟ ، ولا نعلم لشهر سماعاً يصح عن أم سلمة .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، ما عليه قرأة الأمصار ، وذلك رفع "عمل" بالتنوين ورفع "غير" ، يعني : إن سؤالك إياي ما تسألينه في ابنك ، المخالف دينك ، الموالي أهل الشرك بي ، من النجاة من الهلاك ، وقد مضت إجابتي إياك في دعائك : ( لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) ، ما قد مضى ، من غير استثناء أحد منهم ، عمل غير صالح ، لأنه مسألة منك إلي أن لا أفعل ما قد تقدم مني القول بأني أفعله ، في إجابتي مسألتك إياي فعله . فذلك هو العمل غير صالح .
وقوله : "فلا تسألن ما ليس لك به علم" ، نهي من الله تعالى ذكره نبيه نوحاً ان يسأله أسباب أفعاله التي قد طوى علمها عنه وعن غيره من البشر . يقول له تعالى ذكره : إني ، يا نوح ، قد أخبرتك عن سؤالك سبب إهلاكي ابنك الذي أهلكته ، فلا تسألن بعدها عما قد طويت علمه عنك من أسباب أفعالي ، وليس لك به علم ، "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" ، في مسألتك إياي عن ذلك .
وكان ابن زيد يقول في قوله : "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" ما :
حدثني به يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" ، أن تبلغ الجهالة بك أن لا أفي لك بوعد وعدتك ، حتى تسألني ما ليس لك به علم . "وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين" .
واختفلت القرأة في قراءة قوله : "فلا تسألن ما ليس لك به علم" .
فقرأ ذلك عامة قرأة الأمصار : "فلا تسألن ما ليس لك به علم" ، بكسر النون وتخفيفها ، ونحوا بكسرها إلى الدلالة على الياء التي هي كناية اسم الله في : فلا تسألني .
وقرأ ذلك بعض المكيين وبعض أهل الشام : فلا تسألن ، بتشديد النون وفتحها ، بمعنى : فلا تسألن ، يا نوح ، ما ليس لك به علم .
قال أبو جعفر : والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، تخفيف النون وكسرها ،لأن ذلك هو الفصيح من كلام العرب المستعمل بينهم .
الثانية: قوله تعالى: " قال يا نوح إنه ليس من أهلك " أي ليس من أهلك الذين وعدتهم أن أنجيهم، قاله سعيد بن جبير. وقال الجمهور: ليس من أهلك دينك ولا ولا يتك، فهو على حذف مضاف، وهذا يدل على أن حكم الاتفاق في الدين أقوى من حكم النسب. " إنه عمل غير صالح " قرأ ابن عباس وعروه وعكرمة ويعقوب و الكسائي ( إنه عمل غير صالح) أي من الكفر والتكذيب، واختاره أبو عبيد. وقرأ الباقون ( عمل) أي ابنك ذو عمل غير صالح فحذف المضاف، قاله الزجاج وغيره. قال:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبار
إي ذات إقبال وإدبار. وهذا القول والذي قبله يرجع إلى معنى واحد. ويجوز أن تكون الهاء للسؤال، أي إن سؤالك أياي أن نجيه عمل غير صالح. قال قتادة. وقال الحسن: معنى عمل غير صالح أنه ولد على فراشه ولم يكن ابنه. وكان لغير رشدة، وقاله أيضاً مجاهد. قال قتادة سألت الحسن عنه فقال: والله ما كان ابنه، قلت إن الله أخبر عن نوح أنه قال: ( إن ابني من أهلي) فقال: لم يقل مني، وهذه إشارة إلى أنه كان ابن امرأته من زوج آخر، فقلت له: إن الله حكى عنه أنه قال: ( إن ابني من أهلي) ( ونادى نوح ابنه) ولا يختلف أهل الكتابين أنه ابنه، فقال الحسن: ومن يأخذ دينه عن أهل الكتاب! إنهم يكذبون. وقرأ: " فخانتاهما " ( التحريم: 10). وقال ابن جريج: ناداه وهو يحسب أنه ابنه، وكان ولد على فراشه، وكانت امرأته خانته فيه، ولهذا قال: " فخانتاهما ". وقال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط، وأنه كان ابنه لصلبه. وكذلك قال الضحاك وعكرمة سعيد بن جبير وميمون بن مهران وغيرهم، وأنه كان ابنه لصلبه. وقيل لسعيد بن جبير يقول نوح: ( إن ابني من أهلي) أكان من أهله؟ أكان ابنه؟ فسبح الله طويلاً ثم قال: لا إله إلا الله! يحدث الله محمداً صلى الله عليه وسلم أنه ابنه، وتقول إنه ليس ابنه! نعم كان ابنه، ولكن كان مخالفاً في النية والعمل والدين، ولهذا قال الله تعالى: " إنه ليس من أهلك "، وهذا هو الصحيح في الباب إن شاء الله تعالى لجلالة من قال به، وإن قوله: " إنه ليس من أهلك " ليس مما ينفي عنه أنه ابنه. وقوله: ( فخانتاهما) يعني في الدين لا في الفراش، وذلك أن هذه كانت تخبر الناس أنه مجنون، وذلك أنها قالت له: أما ينصرك ربك؟ فقال لها: نعم. قالت: فمتى؟ قال: إذا فار التنور، فخرجت تقول لقومها: يا قوم والله إنه لمجنون، يزعم أنه لا ينصره ربه إلا أن يفور التنور، فهذه خيانتها. وخيانة الأخرى أنها كانت تدل على الأضياف على ما سيأتي إن شاء الله. والله أعلم. وقيل: الولد قد يسمى عملاً كما يسمى كسباً، كما في الخبر: ( أولادكم من كسبكم). ذكره القشيري .
الثالثة: في هذه الآية تسلية للخلق في فساد أبنائهم وإن كانوا صالحين. وروي أن ابن مالك بن أنس نزل من فوق ومعه حمام قد غطاه، قال: فعلم مالك أنه قد فهمه الناس، فقال مالك : الأدب أدب الله لا أدب الآباء والأمهات، والخير خير الله لا خير الآباء والأمهات. وفيها أيضاً دليل على أن الابن من الأهل لغة وشرعاً، ومن أهل البيت، فمن وصى لأهله دخل في ذلك ابنه، ومن تضمنه منزله، وهو في عياله. وقال تعالى في آية أخرى: " ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون * ونجيناه وأهله من الكرب العظيم " ( الصافات: 75: 76) فسمى جميع من ضمه منزله من أهله.
الرابعة: ودلت الآية على قول الحسن ومجاهد وغيرهما: أن الولد للفراش، ولذلك قال نوح ما قال آخذاً بظاهر الفراش. وقد روي سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار أنه سمع عبيد بن عمير يقول: نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما قضى بالولد للفراش من أجل ابن نوح عليه السلام، ذكره أبو عمر في كتاب التمهيد . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الولد للفراش وللعاهر الحجر " يريد الخيبة. وقيل: الرجم بالحجارة. وقرأ عروة بن الزبير. ( ونادى نوح ابنها) يريد ابن امرأته، وهي تفسير القراءة المتقدمة عنه، وعن علي رضي الله عنه، وهي حجة للحسن ومجاهد، إلا أنها قراءة شاذة، فلا نترك المتفق عليها لها. والله أعلم.
الخامسة: قوله تعالى: " إني أعظك أن تكون من الجاهلين " أي أنهاك عن هذا السؤال، وأحذرك لئلا تكون، أو كراهية أن تكون من الجاهلين، أي الآثمين. ومنه قوله تعالى: " يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا " ( النور: 17) أي يحذركم الله وينهاكم. وقيل: المعنى أرفعك أن تكون من الجاهلين. قال ابن العربي : وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحاً عن مقام الجاهلين، ويعليه بها إلى مقام العلماء والعارفين،
هذا سؤال استعلام وكشف من نوح عليه السلام عن حال ولده الذي غرق "قال رب إن ابني من أهلي" أي وقد وعدتني بنجاة أهلي ووعدك الحق الذي لا يخلف فكيف غرق وأنت أحكم الحاكمين "قال يا نوح إنه ليس من أهلك" أي الذين وعدت إنجاءهم لأني إنما وعدتك بنجاة من آمن من أهلك, ولهذا قال: "وأهلك إلا من سبق عليه القول منهم" فكان هذا الولد ممن سبق عليه القول بالغرق لكفره ومخالفته أباه نبي الله نوحاً عليه السلام, وقد نص غير واحد من الأئمة على تخطئة من ذهب في تفسير هذا إلى أنه ليس بابنه وإنما كان ابن زنية, ويحكى القول بأنه ليس بابنه وإنما كان ابن امرأته عن مجاهد والحسن وعبيد بن عمير وأبي جعفر الباقر وابن جرير, واحتج بعضهم بقوله: "إنه عمل غير صالح" وبقوله: "فخانتاهما" فممن قاله الحسن البصري احتج بهاتين الايتين وبعضهم يقول ابن امرأته وهذا يحتمل أن يكون أراد ما أراد الحسن أو أراد أنه نسب إليه مجازاً لكونه كان ربيباً عنده فالله أعلم. وقال ابن عباس وغير واحد من السلف: ما زنت امرأة نبي قط قال: وقوله: "إنه ليس من أهلك" أي الذين وعدتك نجاتهم, وقول ابن عباس في هذا هو الحق الذي لا محيد عنه فإن الله سبحانه أغير من أن يمكن امرأة نبي من الفاحشة ولهذا غضب الله على الذين رموا أم المؤمنين عائشة بنت الصديق زوج النبي صلى الله عليه وسلم وأنكر على المؤمنين الذين تكلموا بهذا وأشاعوه ولهذا قال تعالى: " إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرىء منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم * لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين * لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون * ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم * إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ".
وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة وغيره عن عكرمة عن ابن عباس قال: هو ابنه غير أنه خالفه في العمل والنية قال عكرمة في بعض الحروف إنه عمل عملاً غير صالح, والخيانة تكون على غير باب, وقد ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ بذلك فقال الإمام أحمد حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "إنه عمل غير صالح" وسمعته يقول: "يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً" ولا يبالي "إنه هو الغفور الرحيم" وقال أحمد أيضاً حدثنا وكيع حدثنا هارون النحوي عن ثابت البناني عن شهر بن حوشب عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها "إنه عمل غير صالح" أعاده أحمد أيضاً في مسنده, أم سلمة هي أم المؤمنين والظاهر والله أعلم أنها أسماء بنت يزيد فإنها تكنى بذلك أيضاً. وقال عبد الرزاق أيضاً أنبأنا الثوري عن ابن عيينة عن موسى بن أبي عائشة عن سليمان بن قبة قال سمعت ابن عباس سئل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله: "فخانتاهما" قال: أما إنه لم يكن بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون, وكانت هذه تدل على الأضياف ثم قرأ "إنه عمل غير صالح" قال ابن عيينة وأخبرني عمار الدهني أنه سأل سعيد بن جبير عن ذلك فقال: كان ابن نوح إن الله لا يكذب. قال تعالى: "ونادى نوح ابنه" قال وقال بعض العلماء: ما فجرت امرأة نبي قط. وكذا روي عن مجاهد أيضاً وعكرمة والضحاك وميمون بن مهران وثابت بن الحجاج وهو اختيار أبي جعفر بن جرير وهو الصواب الذي لا شك فيه .
ثم أجاب الله سبحانه عن نوح ببيان أن ابنه غير داخل في عموم الأهل، وأنه خارج بقيد الاستثناء فـ "قال يا نوح إنه ليس من أهلك" الذين آمنوا بك وتابعوك وإن كان من أهلك باعتبار القرابة، ثم صرح بالعلة الموجبة لخروجه من عموم الأهل المبينة له بأن المراد بالقرابة الدين لا قرابة النسب وحده فقال: "إنه عمل غير صالح". قرأ الجمهور عمل على لفظ المصدر. وقرأ ابن عباس وعكرمة والكسائي ويعقوب عمل على لفظ الفعل، ومعنى القراءة الأولى المبالغة في ذمه كأنه جعل نفس العمل، وأصله ذو عمل غير صالح ثم حذف المضاف وجعل نفس العمل، كذا قال الزجاج وغيره. ومعنى القراءة الثانية ظاهر: أي إنه عمل عملاً غير صالح، وهو كفره وتركه لمتابعة أبيه، ثم نهاه عن مثل هذا السؤال، فقال: "فلا تسألن ما ليس لك به علم" لما بين له بطلان ما اعتقده من كونه من أهله فرع على ذلك النهي عن السؤال، وهو وإن كان نهياً عاماً بحيث يشمل كل سؤال لا يعلم صاحبه أن حصول مطلوبه منه صواب، فهو يدخل تحته سؤاله هذا دخولاً أولياً، وفيه عدم جواز الدعاء بما لا يعلم الإنسان مطابقته للشرع، وسمي دعاءه سؤالاً لتضمنه معنى السؤال "إني أعظك أن تكون من الجاهلين" أي أحذرك أن تكون من الجاهلين كقوله: "يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبداً" وقيل المعنى: أرفعك أن تكون من الجاهلين. قال ابن العربي: وهذه زيادة من الله وموعظة يرفع بها نوحاً عن مقام الجاهلين ويعليه بها إلى مقام العلماء العاملين.
46-"قال" الله عز وجل "يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح"، قرأ الكسائي ويعقوب: عمل بكسر الميم وفتح اللام غير بنصب الراء على الفعل: أي: عمل الشرك والتكذيب. وقرأ الآخرون بفتح الميم ورفع اللام وتنوينه، غير برفع الراء معناه: أن سؤالك إياي أن أنجيه عمل غير صالح، "فلا تسألن"، يا نوح، "ما ليس لك به علم".
قرأ أهل الحجاز والشام فلا تسألن بفتح اللام وتشديد النون، ويكسرون النون غير ابن كثير فإنه يفتحها، وقرأ الآخرون بجزم اللام وكسر النون خفيفة، ويثبت أبو جعفر وأبو عمرو وورش ويعقوب الياء في الموصل.
"إني أعظك أن تكون من الجاهلين".
واختلفوا في هذا الابن، قال مجاهد والحسن: كان ولد حنث من غير نوح، ولم يعلم بذلك نوح، ولذلك قال: "ما ليس لك به علم" وقرأ الحسن "فخانتاهما" (التحريم-10).
وقال أبو جعفر الباقر: كان ابن امرأته وكان يعلمه نوح ولذلك قال "من أهلي" ولم يقل مني.
وقال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والضحاك والأكثرون: إنه كان نوح عليه السلام من صلبه. وقال ابن عباس: ما بغت امرأة نبي قط. وقوله "إنه ليس من أهلك" أي: من أهل الدين/، لأن كان مخالفا له في الدين، وقوله: "فخانتاهما" أي: في الدين والعمل الصالح لا في الفراش.
وقوله: "إني أعظك أن تكون من الجاهلين"، يعني: أن تدعو بهلاك الكفار ثم تسأل نجاة كافر.
46."قال يا نوح إنه ليس من أهلك"لقطع الولاية بين المؤمن والكافر وأشار إليه بقوله :"إنه عمل غير صالح"فإنه تعليل لنفي كونه من أهله ،وأصله إنه ذو عمل فاسد فجعل ذاته ذات العمل للمبالغة كقول الخنساء تصف ناقة:
ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت فإنما هي إقبال وإدبــار
ثم بدل الفاسد بغير الصالح تصريحاً بالمناقضة بين وصفيهما وانتفاء ما أوجب النجاة لمن نجا من أهله عنه.وقرأ الكسائي ويعقوب"إنه عمل غير صالح"أي عمل عملاً غير صالح."فلا تسألن ما ليس لك به علم"ما لا تعلم أصواب هو أم ليس كذلك ، وإنما سمي نداءه سؤالاً لتضمن ذكر الوعد بنجاة أهله استنجازه في شأن ولده أو استفسار المانع للإنجاز في حقه، وإن ما سماه جهلاً وزجر عنه بقوله:"إني أعظك أن تكون من الجاهلين"لأن استثناء من سبق عليه القول من أهله قد دله على الحال وأغناه عن السؤال ، لكن أشغله حب الولد عنه حتى اشتبه عليه الأمر .وقرأابن كثير بفتح اللام والنون الشديدة وكذلك ،نافع وابن عامر غير أنهما كسرا النون على أن أصله تسألنني فحذفت نون الوقاية لاجتماع النونات وكسرت الشديدة للياء ، ثم حذفت اكتفاء بالكسرة وعن نافع برواية رويسإثباتها في الوصل.
46. He said: O Noah! Lo! he is not of thy household; lo! he is of evil conduct, so ask not of Me that whereof thou hast no knowledge. I admonish thee lest thou be among the ignorant.
46 - He said: O Noah he is not of thy family: for his conduct is unrighteous. so ask not of me that of which thou hast no knowledge I give thee counsel, lest thou act like the ignorant