[هود : 37] وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ
37 - (واصنع الفلك) السفينة (بأعيننا) بمرأى منا وحفظنا (ووحينا) أمرنا (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) كفروا بترك إهلاكهم (إنهم مغرقون)
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : وأوحي إليه أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن ، وأن "اصنع الفلك" ، وهو السفينة ، كما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وهو السفينة .
وقوله : "بأعيننا" يقول : بعين الله ووحيه كما يأمرك ، كما :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" ، وذلك أنه لم يعلم كيف صنعة الفلك ، فأوحى الله إليه أن يصنعها على مثل جؤجؤ الطائر .
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "ووحينا" ، قال : كما نأمرك .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد : "بأعيننا ووحينا" ، كما نأمرك .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عطاء الخراساني ، عن ابن عباس : "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" ، قال : بعين الله . قال ابن جريج : قال مجاهد : "ووحينا" قال : كما نأمرك .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة في قوله :"بأعيننا ووحينا" ، قال : بعين الله ووحيه .
وقوله : "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" ، يقول تعالى ذكره : ولا تسألني في العفو عن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم من قومك ، فأكسبوها تعدياً منهم عليها بكفرهم بالله ، الهلاك بالغرق ، إنهم مغرقون بالطوفان ، كما :
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، "ولا تخاطبني" ، قال يقول ، ولا تراجعني . قال : تقدم أن لا يشفع لهم عنده .
قوله تعالى: " واصنع الفلك بأعيننا ووحينا " أي اعمل السفينة لتركبها أنت ومن آمن معك. ( بأعيننا) أي بمرأى منا وحيث نراك. وقال الربيع بن أنس. بحفظنا إياك حفظ من يراك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بحراستنا، والمعنى واحد، فعبر عن الرؤية بالأعين، لأن الرؤية تكون بها. ويكون جميع الأعين للعظمة لا للتكثير، كما قال تعالى: " فنعم القادرون " ( المرسلات: 23) " فنعم الماهدون " ( الذاريات: 48) " وإنا لموسعون " ( الذاريات: 48). وقد يرجع معنى الأعين في هذه الآية وغيرها إلى معنى عين، كما قال: " ولتصنع على عيني " ( طه: 39) وذلك كله عبارة عن الإدراك والإحاطة، وهو سبحانه منزه عن الحواس والتشبيه والتكييف، لا رب غيره. وقيل: المعنى ( بأعيننا) أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على حفظك ومعونتك، فيكون الجمع على هذا التكثير على بابه. وقيل: ( بأعيننا) أي بعلمنا، قاله مقاتل: وقال الضحاك وسفيان: ( بأعيننا) بأمرنا. وقيل: بوحينا. وقيل: بمعونتا لك على صنعها. ( ووحينا) أي على ما أوحينا إليك من صنعتها. " ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون " أي لا تطلب إمهالهم فإني مغرقهم.
يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبراً عنه أنه قال: "رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً" "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" فعند ذلك أوحى الله إليه "أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن" فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم "واصنع الفلك" يعني السفينة "بأعيننا" أي بمرأى منا "ووحينا" أي تعليمنا لك ما تصنعه "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون" فقال بعض السلف: أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن إسحاق عن التوراة: أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعاً وعرضها خمسين ذراعاً وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار وأن يجعل لها جؤجؤاً أزورا يشق الماء, وقال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين وعن الحسن طولها ستمائة ذارع وعرضها ثلثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذارع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم, قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعاً ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للإنس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.
وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير أثراً غريباً من حديث علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس أنه قال: قال الحواريون لعيسى ابن مريم: لو بعثت لنا رجلاً شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفاً من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: هذا كعب حام بن نوح. قال فضرب الكثيب بعصاه قال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه السلام: أهكذا هلكت ؟ قال: لا. ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت, قال حدثنا عن سفينة نوح ؟ قال: كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحى الله عز وجل إلى نوح عليه السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنورة فأقبلا على الفأر, فقال له عيسى عليه السلام: كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت ؟ قال: بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت.
قال: ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقلنا يا رسول الله: ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا ؟ قال: كيف يتبعكم من لا رزق له ؟ قال فقال له: عد بإذن الله فعاد تراباً, وقوله: "ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه" أي يهزءون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق "قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم" الاية وعيد شديد وتهديد أكيد "من يأتيه عذاب يخزيه" أي يهينه في الدنيا "ويحل عليه عذاب مقيم" أي دائم مستمر أبداً .
ثم إن الله سبحانه لما أخبره أنهم لا يؤمنون ألبتة عرفه وجه إهلاكهم، وألهمه الأمر الذي يكون به خلاصه وخلاص من آمن معه، فقال: 37- "واصنع الفلك بأعيننا ووحينا" أي اعمل السفينة متلبساً بأعيننا: أي بمرأى منا، والمراد بحراستنا لك وحفظنا لك، وعبر عن ذلك بالأعين لأنها آلة الرؤية، والرؤية هي التي تكون بها الحراسة والحفظ في الغالب، وجمع الأعين للتعظيم لا للتكثير، وقيل المعنى: "بأعيننا" أي بأعين ملائكتنا الذين جعلناهم عيوناً على حفظك، وقيل: "بأعيننا" بعلمنا، وقيل بأمرنا. ومعنى بوحينا: بما أوحينا إليك من كيفية صنعتها "ولا تخاطبني في الذين ظلموا" أي لا تطلب إمهالهم، فقد حان وقت الانتقام منهم، وجملة "إنهم مغرقون" للتعليل: أي لا تطلب منا إمهالهم، فإنه محكوم منا عليهم بالغرق وقد مضى به القضاء فلا سبيل إلى دفعه ولا تأخيره، وقيل: المعنى ولا تخاطبني في تعجيل عقابهم فإنهم مغرقون في الوقت المضروب لذلك، لا يتأخر إغراقهم عنه، وقيل: المراد بالذين ظلموا امرأته وابنه.
37-"واصنع الفلك بأعيننا"، قال ابن عباس بمرأى منا. وقال مقاتل: بعلمنا. وقيل: بحفظنا.
"ووحينا"، بأمرنا. "ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون"، بالطوفان، قيل: معناه لا تخاطبني في إمهال الكفار، فإني قد حكمت بإغراقهم. وقيل: لا تخاطبني في ابنك كنعان وامرأتك واعلة فإنهما هالكان مع القوم.
وفى القصة أن جبريل أتى نوحا عليه السلام فقال: إن ربك عز وجل يأمرك أن تصنع الفلك، قال: كيف أصنع ولست بنجار؟ فقال: إن ربك يقول اصنع فإنك بعيني، فأخذ القدوم وجعل يصنع ولا يخطئ. وقيل: أوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر.
37."واصنع الفلك بأعيننا"ملتبساً بأعيننا، عبر بكثرة آلة الحس الذي يحفظ به الشيء ويراعي عن الاختلال و الزيغ عن المبالغة في الحفظ والرعاية على طريق التمثيل ."ووحينا"إليك كيف تصنعها."ولا تخاطبني في الذين ظلموا" ولا تراجعني فيهم ولا تدعني باستدفاع العذاب عنهم ."إنهم مغرقون" محكوم عليهم بالإغراق فلا سبيل إلى كفه.
37. Build the ship under Our Eyes and by Our inspiration, and speak not unto Me on behalf of those who do wrong. Lo! they wilt be drowned.
37 - But construct an Ark under our eyes and our inspiration, and address me no (further) on behalf of those who are in sin: for they are about to be overwhelmed (in the flood).