[الكافرون : 4] وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ
4 - (ولا أنا عابد) في الاستقبال (ما عبدتم)
وقوله : " ولا أنا عابد " فيما أستقبل " ما عبدتم " فيما مضى .
قوله تعالى: على نفي العبادة منه لما عبدوا في الماضي. ثم قال:" ولا أنتم عابدون ما أعبد" على التكرير في اللفظ دون المعنى، من قبل أن التقابل يوجب أن يكون: ولا أنتم عابدون ما عبدت، فعدل عن لفظ عبدت إلى أعبد، إشعاراً بأن ما عبد في الماضي هو الذي يعبد في المستقبل، مع ان الماضي والمستقبل قد يقع أحدهما موقع الآخر. واكثر ما يأتي ذلك في اخبار الله عز وجل. وقال:(ما أعبد) ولم يقل: من أعبد، ليقابل به ( ولا أنا عابد ماعبدتم) وهي أصنام وأوثان، ولايصلح فيها إلا (ما) دون (من) فحمل الأول على الثاني، ليتقابل الكلام ولا يتنافى، وقد جاءت(ما) لمن يعقل. ومنه قولهم: سبحان ما سخركن لنا. وقيل: إن معنى الآيات وتقديرها: قل يا أيها الكافرون لاأعبد الأصنام التي تعبدونها، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده، لإشراككم به، واتخاذكم الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون، لأنكم تعبدونه مشركين. فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم، فـ(ـما) مصدرية. وكذلك (ولا انتم عابدون ما أعبد) مصدرية أيضاً، معناه ولا انتم عابدون مثل عبادتي، التي هي توحيد.
هذه السورة سورة البراءة من العمل الذي يعمله المشركون, وهي آمرة بالإخلاص فيه فقوله تعالى: "قل يا أيها الكافرون" يشمل كل كافر على وجه الأرض, ولكن المواجهين بهذا الخطاب هم كفار قريش, وقيل إنهم من جهلهم دعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبادة أوثانهم سنة, ويعبدون معبوده سنة, فأنزل الله هذه السورة وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم فيها أن يتبرأ من دينهم بالكلية فقال: "لا أعبد ما تعبدون" يعني من الأصنام والأنداد "ولا أنتم عابدون ما أعبد" وهو الله وحده لا شريك له, فما ههنا بمعنى من, ثم قال: "ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد" أي ولا أعبد عبادتكم أي لا أسلكها ولا أقتدي بها وإنما أعبد الله على الوجه الذي يحبه ويرضاه, ولهذا قال: "ولا أنتم عابدون ما أعبد" أي لا تقتدون بأوامر الله وشرعه في عبادته, بل قد اخترعتم شيئاً من تلقاء أنفسكم كما قال: "إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى".
فتبرأ منهم في جميع ما هم فيه, فإن العابد لا بد له من معبود يعبده وعبادة يسلكها إليه, فالرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه يعبدون الله بما شرعه, ولهذا كان كلمة الإسلام لا إله إلا الله محمد رسول الله أي لا معبود إلا الله ولا طريق إليه إلا ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم, والمشركون يعبدون غير الله عبادة لم يأذن بها الله, ولهذا قال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: "لكم دينكم ولي دين" كما قال تعالى: "وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون مما أعمل وأنا بريء مما تعملون" وقال: "لنا أعمالنا ولكم أعمالكم" . وقال البخاري يقال: "لكم دينكم" الكفر "ولي دين" الإسلام ولم يقل ديني لأن الايات بالنون فحذف الياء كما قال: "فهو يهدين" و "يشفين" وقال غيره: لا أعبد ما تعبدون الان ولا أجيبكم فيما بقي من عمري ولا أنتم عابدون ما أعبد, وهم الذين قال: "وليزيدن كثيراً منهم ما أنزل إليك من ربك طغياناً وكفراً" انتهى ما ذكره. ونقل ابن جرير عن بعض أهل العربية أن ذلك من باب التأكيد كقوله: "فإن مع العسر يسراً * إن مع العسر يسراً" وكقوله "لترون الجحيم * ثم لترونها عين اليقين" وحكاه بعضهم كابن الجوزي وغيره عن ابن قتيبة , فالله أعلم. فهذه ثلاثة أقوال (أولها) ما ذكرناه أولاً (والثاني) ما حكاه البخاري وغيره من المفسرين أن المراد "لا أعبد ما تعبدون * ولا أنتم عابدون ما أعبد" في الماضي "ولا أنا عابد ما عبدتم * ولا أنتم عابدون ما أعبد" في المستقبل (الثالث) إن ذلك تأكيد محض (وثم قول رابع) نصره أبو العباس بن تيمية في بعض كتبه, وهو أن المراد بقوله: "لا أعبد ما تعبدون" نفي الفعل لأنها جملة فعلية "ولا أنا عابد ما عبدتم" نفي قبوله لذلك بالكلية لأن النفي بالجملة الاسمية آكد, فكأنه نفي الفعل وكونه قابلاً لذلك, ومعناه نفي الوقوع ونفي الإمكان الشرعي أيضاً, وهو قول حسن أيضاً, والله أعلم. وقد استدل الإمام أبو عبد الله الشافعي وغيره بهذه الاية الكريمة "لكم دينكم ولي دين" على أن الكفر ملة واحدة, فورث اليهود من النصارى وبالعكس إذ كان بينهما نسب أو سبب يتوارث به لأن الأديان ما عدا الإسلام كلها كالشيء الواحد في البطلان. وذهب أحمد بن حنبل ومن وافقه إلى عدم توريث النصارى من اليهود, وبالعكس لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتوارث أهل ملتين شتى" آخر تفسير سورة قل يا أيها الكافرون.
4- "ولا أنا عابد ما عبدتم" أي ولا أنا قط فيما سلف عابد ما عبدتم فيه، والمعنى: أنه لم يعهد مني ذلك.
4- "ولا أنا عابد ما عبدتم"، في الاستقبال.
4-" ولا أنا عابد ما عبدتم " أي في الحال أو فيما سلف .
4. And I shall not worship that which ye worship.
4 - And I will not worship that which ye have been wont to worship,