[الكوثر : 3] إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ
3 - (إن شانئك) أي مبغضك (هو الأبتر) المنقطع عن كل خير أو المنقطع العقب ، نزلت في العاص بن وائل سمى النبي صلى الله عليه وسلم أبتر عند موت ابنه القاسم
ك أخرج البزار وغيره بسند صحيح عن ابن عباس قال قدم كعب ابن الأشرف مكة فقالت له قريش أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا المنصبر المنبتر من قومه يزعم انه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة قال أنتم خير منه فنزلت إن شانئك هو الأبتر
ك وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وابن المنذر عن عكرمة قال لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش بتر محمد منا فنزلت إن شانئك هو الأبتر
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال كانت قريش تقول إذا مات ذكور الرجل بتر فلان فلما مات ولد النبي صلى الله عليه وسلم قال العاصي ابن وائل بتر محمد فنزلت وأخرج البيهقي في الدلائل مثله عن محمد بن علي وسمى الولد القاسم وأخرج عن مجاهد قال نزلت في العاصي بن وائل وذلك أنه قال أنا شانىء محمد
ك وأخرج عن شمر بن عطية قال كان عقبة بن أبي معيط يقول إنه لا يبقى للنبي صلى الله عليه وسلم ولد وهو أبتر فأنزل الله فيه إن شانئك هو الأبتر
وقوله : " إن شانئك هو الأبتر " يعني بقوله جل ثناؤه : " إن شانئك " إن مبغضك يا محمد وعدوك " هو الأبتر " يعني بالأبتر : الأقل ألأذل المنقطع دابره ، الذي لا عقب له .
واختلف أهل التأويل في المعنى بذلك ، فقال بعضهم ، عني به العاص بن وائل السهمي .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية عن علي ، عن ابن عباس ، قوله ( إن شائنك هو الأبتر ) يقول : عدوك .
حدثني محمد بن سعد ، قل : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قل : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله( إن شائنك هو الأبتر ) قال : هو العاص بن وائل .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قل : ثنا سفيان ، عن هلال بن خباب ، قال : سمعت سعيد بن جبير يقول : " إن شانئك هو الأبتر " قال : هو العاص بن وائل .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن هلال ، قال : سألت سعيد بن جبير ، عن قوله ( إن شائنك هو الأبتر ) قال : عدوك العاص بن وائل انبتر من قومه .
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " إن شانئك هو الأبتر " قال العاص بن وائل ‎ قال : أنا شانئ محمد ، ومن شنأه الناس فهو الأبتر .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " إن شانئك هو الأبتر " قل : هو العاص بن وائل ، قال : أنا شانئ محمداً ، وهو أبتر ، ليس له عقب ، قال الله " إن شانئك هو الأبتر " قال قتادة : الأبتر : الحقير الدقيق الذليل .
حدثنا بشر ،قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إن شانئك هو الأبتر " هذا العاص بن وائل بلغنا أنه قال : أنا شانئ محمد .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " إن شانئك هو الأبتر "قال : الرجل يقول : إنما محمد أبتر ، ، ليس له كما ترون عقب ، قال الله : " إن شانئك هو الأبتر " .
وقال آخرون : بل عني بذلك : عقبة بن أبي معيط .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب القمي ، عن حفص بن حميد ، عن شمر بن عطية ، قال : كان عقبة بن أبي معيط يقول : إنه لا يبقى للنبي صلى الله عليه وسلم ولد ، وهو ، فأنزل الله فيه هؤلاء الآيات : " إن شانئك " عقبة بن أبي معيط " هو الأبتر " .
وقال آخرون : بل عني بذلك جماعة من قريش .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا ، قل : ثنا عبد الوهاب ، قال : ثنا داود ، عن عكرمة ، في هذه الآية : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلا " [ النساء : 51] قال : نزلت في كعب بن الأشرف ، أتى مكة فقال له أهلها : نحن خير أم هذه الصنبور المنبتر من قومه ، ونحن أهل الحجيج ، وعندنا منحر البدن ؟ قال : انتم خير . فأنزل الله فيه هذه الآية ، وأنزل في الذين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم ما قالوا : " إن شانئك هو الأبتر " .
حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ، عن بدر بن عثمان ، عن عكرمة " إن شانئك هو الأبتر " قال : لما أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم قالت قريش : بتر محمد منا ، فنزلت " إن شانئك هو الأبتر " قال : الذي راك بالبتر هو الأبتر .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا ابن أبي عدي ، قال : انبأنا داود بن أبي هند ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما قدم كعب بن الأشرف مكة أتوه ، فقالوا له : نحن أهل السقاية والسدانة ، وأنت سيد أهل الدينة ، فنحن خيبر أم هذا الصنبور المنبتر من قومه ، يزعم أنه خير منا ؟ قال :بل أنتم خبر منه ، فنزلت عليه : " إن شانئك هو الأبتر " قال : وأنزلت عليه : " ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب " [ النساء : 44] إلى قوله " نصيرا " [ النساء : 45] .
وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب ، أن يقال :إن الله تعالى ذكره أخبره أن مبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الأقل الأذل ، المنقطع عقبه ، فذلك صفة كل من أبغضه من الناس ، وإن كانت الآية نزلت في شخص بعينه .


قوله تعالى:" إن شانئك هو الأبتر" أي مبغضك، وهو العاص بن وائل . وكانت العرب تسمي من كان له بنون وبنات، ثم مات البنون وبقي البنات: أبتر. فيقال: إن العاص وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يكلمه، فقال له جمع من صناديد قريش: مع من كنت واقفاً؟ فقال: مع ذلك الأبتر. وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان من خديجة، فانزل الله جل شأنه: " إن شانئك هو الأبتر" أي المقطوع ذكره من خير الدنيا والآخرة. وذكر عكرمة عن ابن عباس قال: كان أهل الجاهلية إذا مات ابن الرجل قالوا: بتر فلان. فلما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم خرج ابو جهل إلى اصحابه فقال: بتر محمد، فأنزل الله جل ثناؤه: " إن شانئك هو الأبتر" يعني بذلك أبا جهل. وقال شمر بن عطيه: هو عقبة بن ابي معيط. وقيل: ان قريشاً كانوا يقولون لمن مات ذكور ولده: قد بتر فلان. فلما مات لرسول الله صلى الله عليه وسلم ابنه القاسم بمكة. وإبراهيم بالمدينة، قالوا بتر محمدن فليس له من يقوم بأمره من بعده، فنزلت هذه الآية، قاله السدي وابن زيد. وقيل: إنه جواب لقريش حين قالوا لكعب بن الأشرف لما قدم مكة: نحن أصحاب السقاية والسدانة والحجابة واللواء، وانت سيد أهل المدينة، فنحن خير أهذا الصنيبر الأبيتر من قومه؟ قال كعب: بل أنتم خير، فنزلت في كعب:" ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" [النساء:51] ..الآية. ونزلت في قريش: " إن شانئك هو الأبتر" قاله ابن عباس أيضا وعكرمة. وقيل: إن الله عز وجل لما أوحى إلى رسوله، ودعا قريشاً إلى الإيمان، قالوا: انبتر منا محمد، أي خالفنا وانقطع عنا. فأخبر الله تعالى رسوله صلىالله عليه وسلم أنهم هم المبتورون، قاله أيضاً عكرمة وشهر بن حوشب. قال أهل اللغة: الأبتر من الرجال: الذي لاولد له، ومن الدواب الذي لا ذنب له. وكل أمر انقطع من الخير أثره، فهو ابتر. والبتر:القطع بترت الشيء بتراً: قطعته قبل الإتمام. والانبتار: الانقطاع. والباتر: السيف القاطع. والأبتر: المقطوع الذنب. تقول منه: بتر (بالكسر) يبتر بتراً. وفي الحديث: ما هذه البتيراء. وخطب زياد خطبته البتراء، لأنه لم يحمد الله فيها، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم. ابن السكيت: الأبتران: العير والعبد، قال سميا ابترين لقلة خيرهما. وقد أبتره الله : أي صيره أبتر. ويقال : رجل أباتر(بضم الهمزة) الذي يقطع رحمه. قال الشاعر:
لئيم نزت في أنفه خنزوانة على قطع ذي القربى أحد أباتر
والبترية: فرقة من الزيدية، نسبوا إلى المغيرة بن سعد، ولقبه الأبتر. وأما الصنوبر فلفظ مشترك. قيل: هو النخلة تبقى منفردة، ويدق أسفلها ويتقشر، يقال: صنبر أسفل النخلة. وقيل: هو الرجل الفرد الذي لا ولد له ولا اخ. وقيل: هو مثعب الحوض خاصة، حكاه أبو عبيد. وأنشد:
ما بين صنبور إلى الإزاء
والصنبور: قصبة تكون في الإداوة من حديد أو رصاص يشرب منها. حكى جميعه الجوهري رحمه الله . والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك قال: " أغفى رسول الله إغفاءة, فرفع رأسه متبسماً إما قال لهم وإما قالوا له: لم ضحكت ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ " إنا أعطيناك الكوثر " حتى ختمها فقال: هل تدرون ما الكوثر ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال :هو نهر أعطانيه ربي عز وجل في الجنة عليه خير كثير, ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد الكواكب يختلج العبد منهم, فأقول يا رب إنه من أمتي, فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك" هكذا رواه الإمام أحمد بهذا الإسناد الثلاثي, وهذا السياق عن محمد بن فضيل عن المختار بن فلفل عن أنس بن مالك .
وقد ورد في صفة الحوض يوم القيامة أنه يشخب فيه ميزابان من السماء من نهر الكوثر وأن آنيته عدد نجوم السماء, وقد روى هذا الحديث مسلم وأبو داود والنسائي من طريق علي بن مسهر ومحمد بن فضيل , كلاهما عن المختار بن فلفل عن أنس , ولفظ مسلم قال: " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا في المسجد إذ أغفى إغفاءة ثم رفع رأسه متبسماً, قلنا: ما أضحكك يا رسول الله. قال: لقد أنزلت علي آنفاً سورة فقرأ " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر * إن شانئك هو الأبتر " ثم قال أتدرون ما هو الكوثر ؟ قلنا الله ورسوله أعلم قال: ـ فإنه نهر وعدنيه ربي عز وجل عليه خير كثير وهو حوض ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد النجوم في السماء, فيختلج العبد منهم فأقول رب إنه من أمتي, فيقول إنك لا تدري ما أحدث بعدك".
وقد استدل به كثير من القراء على أن هذه السورة مدنية وكثير من الفقهاء على أن البسملة من السورة, وأنها منزلة معها. فأما قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" فقد تقدم في هذا الحديث أنه نهر في الجنة, وقد رواه الإمام أحمد من طريق أخرى عن أنس فقال: حدثنا عفان , حدثنا حماد أخبرنا ثابت عن أنس أنه قرأ هذه الاية "إنا أعطيناك الكوثر" قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أعطيت الكوثر فإذا هو نهر يجري ولم يشق شقاً وإذا حافتاه قباب اللؤلؤ فضربت بيدي في تربته فإذا مسك أذفر وإذا حصباؤه اللؤلؤ". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن حميد عن أنس قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللولؤ فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر قلت: ماهذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله عز وجل" ورواه البخاري في صحيحه و مسلم من حديث شيبان بن عبد الرحمن عن قتادة عن أنس بن مالك قال: " لما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء قال: أتيت على نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف فقلت ما هذا يا جبريل ؟ قال: هذا الكوثر" وهو لفظ البخاري رحمه الله.
وقال ابن جرير : حدثنا الربيع , أخبرنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر , قال: سمعت أنس بن مالك يحدثنا قال: " لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم مضى به جبريل إلى السماء الدنيا, فإذا هو بنهر عليه قصر من اللؤلؤ وزبرجد, فذهب يشم ترابه فإذا هو مسك قال: يا جبريل ما هذا النهر ؟ قال: هو الكوثر الذي خبأ لك ربك" وقد تقدم حديث الإسراء في سورة سبحان من طريق شريك عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مخرج في الصحيحين . وقال سعيد عن قتادة عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما أنا أسير في الجنة إذ عرض لي نهر حافتاه قباب اللؤلؤ المجوف, فقال الملك ـ الذي معه ـ أتدري ما هذا ؟ هذا الكوثرالذي أعطاك الله, وضرب بيده إلى أرضه فأخرج من طينه المسك" وكذا رواه سليمان بن طرخان ومعمر وهمام وغيرهم عن قتادة به.
قال ابن جرير : حدثنا أحمد بن أبي سريج , حدثنا أبو أيوب العباس , حدثنا إبراهيم بن سعد , حدثني محمد بن عبد الوهاب بن أخي ابن شهاب عن أبيه عن أنس قال: " سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فقال: هو نهر أعطانيه الله تعالى في الجنة ترابه مسك أبيض من اللبن وأحلى من العسل ترده طير أعناقها مثل أعناق الجزر قال أبو بكر: يا رسول الله إنها لناعمة قال : آكلها أنعم منها".
وقال أحمد : حدثنا أبو سلمة الخزاعي , حدثنا الليث عن يزيد بن الهاد عن عبد الوهاب عن عبد الله بن مسلم بن شهاب عن أنس " أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكوثر ؟ قال: هو نهر في الجنة أعطانيه ربي لهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل فيه طيورأعناقها كأعناق الجزر قال عمر: يا رسول الله إنها لناعمة. قال: آكلها أنعم منها يا عمر" رواه ابن جرير من حديث الزهري عن أخيه عبد الله عن أنس أنه " سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكوثر فذكر مثله سواء" . وقال البخاري : حدثنا خالد بن يزيد الكاهلي , حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة رضي الله عنها قال: " سألتها عن قوله تعالى: "إنا أعطيناك الكوثر" قالت: نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم, شاطئاه عليه در مجوف, آنيته كعدد النجوم " , ثم قال البخاري : رواه زكريا وأبو الأحوص ومطرف عن أبي إسحاق , ورواه أحمد والنسائي من طريق مطرف به.
وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن سفيان وإسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عائشة قالت: الكوثر نهر في الجنة شاطئاه در مجوف, وقال إسرائيل : هو نهر في الجنة عليه من الانية عدد نجوم السماء. وحدثنا ابن حميد : حدثنا يعقوب القمي عن حفص بن حميد عن شمر بن عطية عن شقيق أو مسروق قال: قلت لعائشة يا أم المؤمنين حدثيني عن الكوثر قالت: " نهر في بطنان الجنة, قلت وما بطنان الجنة ؟ قالت: وسطها حافتاه قصور اللؤلؤ والياقوت وترابه المسك وحصباؤه اللؤلؤ والياقوت " , وحدثنا أبو كريب , حدثنا وكيع عن أبي جعفر الرازي عن ابن أبي نجيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: من أحب أن يسمع خرير الكوثر فليجعل أصبعيه في أذنيه, هذا منقطع بين ابن أبي نجيح وعائشة وفي بعض الروايات عن رجل عنها, ومعنى هذا أنه يسمع نظير ذلك لا أنه يسمعه نفسه والله أعلم قال السهيلي ورواه الدارقطني مرفوعاً من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
ثم قال البخاري : حدثنا يعقوب بن إبراهيم , حدثنا هشيم أخبرنا أبو بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في الكوثر: هو الخير الذي أعطاه الله إياه, قال أبو بشر : قلت لسعيد بن جبير : فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة قال سعيد : النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه, ورواه أيضاً من حديث هشيم عن أبي بسر وعطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: الكوثر الخير الكثير, وقال الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: الكوثر الخير الكثير, وهذا التفسير يعم النهر وغيره لأن الكوثر من الكثرة وهو الخير الكثير, ومن ذلك النهر كما قال ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحارب بن دثار والحسن بن أبي الحسن البصري , حتى قال مجاهد : هو الخير الكثير في الدنيا والاخرة, وقال عكرمة : هو النبوة, والقرآن وثواب الاخرة وقد صح عن ابن عباس أنه فسره بالنهر أيضاً, فقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب , حدثنا عمر بن عبيد عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: " الكوثر نهر في الجنة حافتاه ذهب وفضة يجري على الياقوت والدر, ماؤه أبيض من الثلج وأحلى من العسل " , وروى العوفي عن ابن عباس نحو ذلك.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا هشيم أخبرنا عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر أنه قال: " الكوثر نهر في الجنة, حافتاه ذهب وفضة, يجري على الدر والياقوت, ماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل " , وكذا رواه الترمذي عن ابن حميد عن جرير عن عطاء بن السائب به مثله موقوفاً, وقد روي مرفوعاً فقال الإمام أحمد : حدثنا علي بن حفص , حدثنا ورقاء قال: وقال عطاء عن محارب بن دثار عن ابن عمر قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب والماء يجري على اللؤلؤ وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل" وهكذا رواه الترمذي وابن ماجه وابن أبي حاتم وابن جرير من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب به مرفوعاً, وقال الترمذي : حسن صحيح.
وقال ابن جرير : حدثني يعقوب , حدثنا ابن علية , أخبرنا عطاء بن السائب قال: قال لي محارب بن دثار ما قال سعيد بن جبير في الكوثر ؟ قلت: حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير, فقال: صدق والله إنه للخير الكثير, ولكن حدثنا ابن عمر قال: لما نزلت "إنا أعطيناك الكوثر" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت". وقال ابن جرير : حدثني ابن البرقي , حدثنا ابن أبي مريم , حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير , أخبرني حرام بن عثمان عن عبد الرحمن الأعرج عن أسامة بن زيد , " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى حمزة بن عبد المطلب يوماً فلم يجده, سأل عنه امرأته وكانت من بني النجار فقالت: خرج يا نبي الله آنفاً عامداً نحوك فأظنه أخطأك في بعض أزقة بني النجار, أولا تدخل يا رسول الله ؟ فدخل فقدمت إليه حيساً فأكل منه, فقالت: يا رسول الله هنيئاً لك ومريئاً, لقد جئت وأنا أريد أن آتيك فأهنيك وأمريك أخبرني أبو عمارة أنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر فقال: أجل وعرضه ـ يعني أرضه ـ ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ" حرام بن عثمان ضعيف, ولكن هذا سياق حسن, وقد صح أصل هذا بل قد تواتر من طرق تفيد القطع عند كثير من أئمة الحديث, وكذلك أحاديث الحوض, وهكذا روي عن أنس وأبي العالية ومجاهد وغير واحد من السلف أن الكوثر نهر في الجنة, وقال عطاء : هو حوض في الجنة.
وقوله تعالى: "فصل لربك وانحر" أي كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والاخرة ومن ذلك النهر الذي تقدم صفته, فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونحرك فاعبده وحده لا شريك له, وانحر على اسمه وحده لا شريك له كما قال تعالى: "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين" قال ابن عباس وعطاء ومجاهد وعكرمة والحسن : يعني بذلك نحر البدن ونحوها, وكذا قال قتادة ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والربيع وعطاء الخراساني والحكم وإسماعيل بن أبي خالد وغير واحد من السلف, وهذا بخلاف ما كان عليه المشركون من السجود لغير الله والذبح على غير اسمه كما قال تعالى: "ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق" الاية, وقيل: المراد بقوله "وانحر" وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى تحت النحر, يروى هذا عن علي ولا يصح, وعن الشعبي مثله وعن أبي جعفر الباقر "وانحر" يعني رفع اليدين عند افتتاح الصلاة, وقيل "وانحر" أي واستقبل بنحرك القبلة, ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير .
وقد روى ابن أبي حاتم ههنا حديثاً منكراً جداً فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم القاضي سنة خمس وخمسين ومائتين, حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي , حدثنا مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم "إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر" " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جبريل ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي ؟ فقال: ليست بنحيرة ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت وإذا رفعت رأسك من الركوع, وإذا سجدت فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين في السموات السبع, وإن لكل شيء زينة وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة " . وهكذا رواه الحاكم في المستدرك من حديث إسرائيل بن حاتم به, وعن عطاء الخراساني : "وانحر" أي ارفع صلبك بعد الركوع واعتدل وأبرز نحرك يعني به الاعتدال, رواه ابن أبي حاتم وكل هذه الأقوال غريبة جداً, والصحيح القول الأول أن المراد بالنحر ذبح المناسك, ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي العيد ثم ينحر نسكه ويقول: "من صلى صلاتنا ونسك نسكنا فقد أصاب النسك, ومن نسك قبل الصلاة فلا نسك له فقام أبو بردة بن نيار فقال: يا رسول الله إني نسكت شاتي قبل الصلاة, وعرفت أن اليوم يوم يشتهى فيه اللحم. قال: شاتك شاة لحم قال: فإن عندي عناقاً هي أحب إلي من شاتين أفتجزىء عني ؟ قال: تجزئك ولا تجزىء أحداً بعدك".
قال أبو جعفر بن جرير : والصواب قول من قال إن معنى ذلك فاجعل صلاتك كلها لربك خالصاً دون ما سواه من الأنداد والالهة, وكذلك نحرك اجعله له دون الأوثان شكراً له على ما أعطاك من الكرامة والخير الذي لا كفاء له وخصك به, وهذا الذي قاله في غاية الحسن, وقد سبقه إلى هذا المعنى محمد بن كعب القرظي وعطاء . وقوله تعالى: "إن شانئك هو الأبتر" أي إن مبغضك يا محمد ومبغض ما جئت به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين هو الأبتر الأقل الأذل المنقطع ذكره, قال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة : نزلت في العاص بن وائل , وقال محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: دعوه فإنه رجل أبتر لا عقب له, فإذا هلك انقطع ذكره فأنزل الله هذه السورة, وقال شمر بن عطية : نزلت في عقبة بن أبي معيط.
وقال ابن عباس أيضاً و عكرمة : نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من كفار قريش, وقال البزار : حدثنا زياد بن يحيى الحساني , حدثنا ابن أبي عدي عن داود عن عكرمة عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة فقالت له قريش: أنت سيدهم ألا ترى إلى هذا الصنبر المنبتر من قومه ؟ يزعم أنه خير منا ونحن أهل الحجيج وأهل السدانة وأهل السقاية فقال: أنتم خير منه, قال فنزلت "إن شانئك هو الأبتر" هكذا رواه البزار وهو إسناد صحيح, وعن عطاء قال: نزلت في أبي لهب , وذلك حين مات ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب أبو لهب إلى المشركين فقال بتر محمد الليلة فأنزل الله في ذلك "إن شانئك هو الأبتر".
وعن ابن عباس : نزلت في أبي جهل, وعنه: "إن شانئك" يعني عدوك, وهذا يعم جميع من اتصف بذلك ممن ذكر وغيرهم, وقال عكرمة : الأبتر الفرد, وقال السدي : كانوا إذا مات ذكور الرجل قالوا بتر, فلما مات أبناء رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا بتر محمد, فأنزل الله "إن شانئك هو الأبتر" وهذا يرجع إلى ما قلناه من أن الأبتر الذي إذا مات انقطع ذكره, فتوهموا لجهلهم أنه إذا مات بنوه انقطع ذكره, وحاشا وكلا بل قد أبقى الله ذكره على رؤوس الأشهاد, وأوجب شرعه على رقاب العباد, مستمراً على دوام الاباد, إلى يوم المحشر والمعاد, صلوات الله وسلامه عليه دائماً إلى يوم التناد.
3- "إن شانئك هو الأبتر" أي إن مبغضك هو المنقطع عن الخير على العموم، فيعم خيري الدنيا والآخرة، أو الذي لا عقب له، أو الذي لا يبقى ذكره بعد موته. وظاهر الآية العموم، وأن هذا شأن كل من يبغض النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ينافي ذلك كون سبب النزول هو العاص بن وائل، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما مر غيره مرة. قيل كان أهل الجاهلية إذا مات الذكور من أولاد الرجل قالوا: قد بتر فلان، فلما مات ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم خرج أبو جهل إلى أصحابه فقال: الأبتر من الرجال: الذي لا ولد له، ومن الدواب: الذي لا ذنب له، وكل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر، وأصل البتر القطع، يقال بترت الشيء بتراً: قطعته.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وأبو داود والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في سننه عن أنس قال "أغفى رسول الله صلى الله عليه وسلم إغفاءة فرفع رأسه مبتسماً فقال: إنه أنزل علي آنفاً سورة، فقرأ " إنا أعطيناك الكوثر " حتى ختمها قال: هل تدرون ما الكوثر؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: هو نهر أعطانيه ربي في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة، آنيته كعدد الكواكب يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي، فيقال إنك لا تدري ما أحدث بعدك". وأخرج أيضاً مسلم في صحيحه. وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دخلت الجنة فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ، فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء فإذا مسك أذفر، قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله" وقد روي عن أنس من طريق كلها مصرحة بأن الكوثر هو النهر الذي في الجنة. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن عائشة أنها سئلت عن قوله: "إنا أعطيناك الكوثر" قالت: هو نهر أعطيه نبيكم صلى الله عليه وسلم في بطنان الجنة. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه نهر في الجنة. وأخرج الطبراني في الأوسط عن حذيفة في قوله: "إنا أعطيناك الكوثر" قال: نهر في الجنة، وحسن السيوطي إسناده. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أسامة بن زيد مرفوعاً "أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم إنك أعطيت نهراً في الجنة يدعى الكوثر، فقال: أجل وأرضه ياقوت ومرجان وزبرجد ولؤلؤ". وأخرج ابن مردويه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن رجلاً قال: يا رسول الله ما الكوثر؟ قال: هو نهر من أنهار الجنة أعطانيه الله" فهذه الأحاديث تدل على أن الكوثر هو النهر الذي في الجنة، فيتعين المصير إليها، وعدم التعويل على غيرها، وإن كان معنى الكوثر: هو الخير الكثير في لغة العرب، فمن فسره بما هو أعم مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فهو تفسير ناظر إلى المعنى اللغوي. كما أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي وصححه وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن عطاء بن السائب قال: قال محارب بن دثار: قال سعيد بن جبير في الكوثر: قلت حدثنا عن ابن عباس أنه قال: هو الخير الكثير، فقال: صدق إنه لخير الكثير. ولكن حدثنا ابن عمر قال نزلت "إنا أعطيناك الكوثر" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الكوثر نهر في الجنة حافتاه من ذهب يجري على الدر والياقوت، تربته أطيب من المسك، وماؤه أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل". وأخرج البخاري وابن جرير والحاكم من طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال. في الكوثر هو الخير الذي أعطاه الله إياه. قال أبو بشر: قلت لسعيد بن جبير فإن ناساً يزعمون أنه نهر في الجنة، قال: النهر الذي في الجنة من الخير الذي أعطاه الله إياه. وهذا التفسير من حبر الأمة ابن عباس رضي الله عنه ناظر إلى المعنى اللغوي كما عرفناك، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد فسره فيما صح عنه أنه النهر الذي في الجنة، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب قال: "لما نزلت هذه السورة على النبي صلى الله عليه وسلم " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما هذه النحيرة التي أمرني بها ربي؟ فقال: إنها ليست بنحيرة، ولكن يأمرك إذا تحرمت للصلاة أن ترفع يديك إذا كبرت، وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين هم في السموات السبع، وإن لكل شيء زينة، وزينة الصلاة رفع اليدين عند كل تكبيرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: رفع اليدين من الاستكانة التي قال الله "فما استكانوا لربهم وما يتضرعون"" وهو من طريق مقاتل بن حيان عن الأصبغ بن نباتة عن علي. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال: "إن الله أوحى إلى رسوله أن ارفع يديك حذاء نحرك إذا كبرت للصلاة، فذاك النحر". وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والدارقطني في الأفراد وأبو الشيخ والحاكم وابن مردويه والبيهقي في سننه عن علي بن أبي طالب في قوله: "فصل لربك وانحر" قال: وضع يده اليمنى على وسط ساعده اليسرى ثم وضعهما على صدره في الصلاة. وأخرج أبو الشيخ والبيهقي في سننه عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله. وأخرج ابن أبي حاتم وابن شاهين في سننه وابن مردويه والبيهقي عن ابن عباس "فصل لربك وانحر" قال: إذا صليت فرفعت رأسك من الركوع فاستو قائماً. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في الآية قال: الصلاة المكتوبة، والذبح يوم الأضحى. وأخرج البيهقي في سننه عنه "وانحر" قال: يقول واذبح يوم النحر. وأخرج البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال: قدم كعب بن الأشرف مكة. فقالت له قريش: أنت خير أهل المدينة وسيدهم، ألا ترى إلى هذا الصابئ المنبتر من قومه يزعم أنه خير منا، ونحن أهل الحجيج وأهل السقاية وأهل السدانة، قال: أنتم خير منه، فنزلت: "إن شانئك هو الأبتر" ونزلت "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب" إلى قوله: "فلن تجد له نصيراً" قال ابن كثير: وإسناده صحيح. وأخرج الطبراني وابن مردويه عن أبي أيوب قال: لما مات إبراهيم بن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشى المشركون بعضهم إلى بعض فقالوا: إن هذا الصابئ قد بتر الليلة فأنزل الله "إنا أعطيناك الكوثر" إلى آخر السورة. وأخرج ابن سعد وابن عساكر من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم ثم زينب، ثم عبد الله، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة، ثم رقية، فمات القاسم وهو أول ميت من أهله وولده بمكة، ثم مات عبد الله، فقال العاص بن وائل السهمي: قد انقطع نسله فهو أبتر، فأنزل الله "إن شانئك هو الأبتر" وفي إسناده الكلبي. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس "إن شانئك هو الأبتر" قال: أبو جهل. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه "إن شانئك" يقول: عدوك.
قوله تعالى: 3- "إن شانئك"، عدوك ومبغضك، "هو الأبتر"، هو الأقل الأذل المنقطع دابره.
نزلت في العاص بن وائل السهمي، وذلك أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يخرج من باب المسجد، وهو يدخل، فالتقيا عند باب بني سهم وتحدثا، وأناس من صناديد قريش جلوس في المساجد، فلما دخل العاص قالوا له: من الذي كنت تتحدث معه؟ قال: ذلك الأبتر، يعني النبي صلى الله عليه وسلم، وكان قد توفي ابن لرسول الله صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها.
وذكر محمد بن إسحاق عن يزيد بن رومان قال: كان العاص بن وائل إذا ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: دعوه فإنه رجل أبتر، لا عقب له فإذا هلك انقطع ذكره، فأنزل الله تعالى هذه السورة.
وقال عكرمة عن ابن عباس: نزلت في كعب بن الأشرف وجماعة من قريش، وذلك أنه لما قدم كعب مكة قالت له قريش: نحن أهل السقاية والسدانة، وأنت سيد أهل المدينة، فنحن خير أم هذا الصنبور المنبتر من قومه؟ فقال: بل أنتم خير منه، فنزلت: "ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت" (النساء- 51). الآية، ونزل في الذين قالوا إنه أبتر: "إن شانئك هو الأبتر" أي المنقطع من كل خير.
3-" إن شانئك " إن من أبغضك لبغضه الله . " هو الأبتر " الذي لا عقب له إذ لا يبقى له نسل ولا حسن ذكر ، وأما أنت فتبقى ذريتك وحسن صيتك وآثار فضلك إلى يوم القيامة ، ولك في الآخرة ما لا يدخل تحت الوصف .
عن النبي صلى الله عليه وسلم " من قرأ الكوثر سقاه الله من كل نهر له في الجنة ، ويكتب له عشر حسنات بعدد كل قربان العباد في يوم النحر العظيم " .
3. Lo! It is thy insulter (and not thou) who is without posterity.
3 - For he who hateth thee, He will be cut off (from Future Hope).