[قريش : 2] إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ
2 - (إيلافهم) تأكيد وهو مصدر آلف بالمد (رحلة الشتاء) إلى اليمين (و) رحلة (الصيف) إلى الشام في كل عام يستعينون بالرحلتين للتجارة على المقام بمكة لخدمة البيت الذي هو فخرهم وهم ولد النضر بن كنانة
وقوله " رحلة الشتاء والصيف " يقول : رحلة قريش الرحلتين ، إحداهما إلى الشام في الصيف ، والأخرى إلى اليمن في الشتاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " رحلة الشتاء والصيف " قال : كانت لهم رحلتان : السف إلى الشام ، والشتاء الى اليمن في التجارة ، إذا كان الشتاء امتنع الشأم منهم لمكان الربد ، وكانت رحلتهم في الشتاء إلى اليمن .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان " رحلة الشتاء والصيف " قال : كانوا تجاراً
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، ثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور عن معمر ، عن الكلبي " رحلة الشتاء والصيف " قال : كانت لهم رحلتان : رحلة في الشتاء إلى اليمن ورحلة في الصيف إلى الشأم .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي الغيرة قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس " إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " قال كانوا يشتون بكة ، ويصيفون بالطائف .
وقوله : " فليعبدوا رب هذا البيت " يقول : فليقيموا بموضعهم ووطنهم من مكة ، وليعبدوا رب هذا البيت : يعني بالبيت : الكعبة .
كما حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا مغيرة ، عن إبراهيم ، أن عر بن الخطاب رضي الله عنه ، صلى المغرب بكة ، فقرأ " لإيلاف قريش " فلما انتهى إلى قوله " فليعبدوا رب هذا البيت " أشار بيده إلى البيت .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله " فليعبدوا رب هذا البيت " قال الكعبة .
وقال بعضهم : أروا أن يألفوا عبادة رب مكة كإلفهم الرحلتين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمرو بن عبد الحميد الآملي ، قال :ثنا مروان ، عن عاصم الأحول ، عن عكرمة عن ابن عباس ، في قوله الله " لإيلاف قريش " قال : أمروا أن يألفوا عبادة رب هذا البيت ، كإلفهم رحلة الشتاء والصيف .
قوله تعالى:" إيلافهم رحلة الشتاء والصيف "
قرأ مجاهد وحميد(إلفهم) ساكنة اللام بغير ياء. "وروي نحوه عن ابن كثير. وكذلك روت أسماء:
أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ(إلفهم) " . وري عن ابن عباس وغيره وقرأ أبو جعفر والوليد عن أهل الشام وأبو حيوة(إلافهم) مهموزاً مختلساً بلا ياء. وقرأ ابو بكر عن عاصم (إئلافهم) بهمزتين، الأولى مكسورة والثانية ساكنة. والجمع بين الهمزتين في الكلمتين شاذ. الباقون (إيلافهم) بالمد والهمز، وهو الاختيار، وهو بدل من الإيلاف الأول للبيان. وهو مصدر آلف: إذا جعلته يألف. وألف هو إلفاً، على ما تقدم ذكره من القراءة، أي وما قد ألفوه من رحلة الشتاء والصيف.وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى:" إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " قال: لا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف، منة منه على قريش. وقال الهروي وغيره: وكان أصحاب الإيلاف أربعة إخوة: هاشم، وعبد شمس، والمطلب، ونوفل، بنو عبد مناف. فأما هاشم فإنه كان يؤلف ملك الشام، أ ي اخذ منه حبلا وعهدا يأمن به في تجارته إلى الشام. وأخوه عبد شمس كان يؤلف إلى الحبشة. والمطلب إلى اليمن. ونوفل إلى فارس. ومعنى يؤلف يجير. فكان هؤلاء الإخوة يسمون المجيرين. فكان تجار قريش يختلفون إلى الأمصار بحبل هؤلاء الإخوة، فلا يتعرض لهم. قال الأزهري: الإيلاف: شبه الإجارة بالخفارة، يقال آلف يؤلف: إذا أجار الحمائل بالخفارة. والحمائل : جمع حمولة. قال: والتأويل: أن قريشاً كانوا سكان الحرم، ولم يكن لهم زرع ولا ضرع، وكانوا يميرون في الشتاء والصيف آمنين، والناس يتخظفون من حولهم، فكانوا إذا عرض لهم عارض قالوا: نحن أهل حرم الله، فلا يتعرض الناس لهم. وذكر أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا في تفسيره: حدثنا سعيد ين محمد، عن بكر بن سهل الدمياطي، بإسناده إلى ابن عباس، في قول الله عز وجل:" لإيلاف قريش" إلفهم رحلة الشتاء والصيف. وذلك أن قريشاً كانوا إذا أصابت واحداً منهم مخمصة، جرى هو وعياله إلى موضع معروف فضربوا على أنفسهم خباء فماتوا، حتى كان عمرو بن عبد مناف، وكان سيداً في زمانه، وله ابن يقال له: اسد، وكان له ترب من بني مخزوم، يحبه ويلعب معه. فقال له : نحن غداً نعتفد) قال ابن فارس: هذه لفظة في هذا الخبر لاأدري: بالدال هي أم بالراء، فإن كانت بالراء فلعلها من العفر،وهو التراب، وإن كانت بالدال، فما أدري معناها، وتأويله على ما أظنه: ذهابهم إلى ذلك الخباء، وموتهم واحداً بعد واحد. قال: فدخل أسد على أمه يبكي، وذكر ما قاله تربة. قال: فأرسلت أم أسد إلى أولئك بشحم ودقيق، فعاشوا به أياماً. ثم إن تربة أتاه أيضاً فقال: نحن غداً نعتفد، فدخل أسد على أبيه يبكي، وخبره خبر تربه، فاشتد ذلك على عمرو بن عبد مناف، فقام خطيباً في قريش وكانوا يطيعون أمره، فقال: إنكم أحدثتم حدثاً تقلون فيه وتكثر العرب، وتذلون وتعز العرب، وانتم اهل حرم الله جل وعز، وأشرف ولد آدم، والناس لكم تبع، ويكاد هذا الاعتقاد يأتي عليكم. فقالوا: نحن لك تبع. قال ابتدئوا بهذا الرجل- يعني أبا ترب أسد- فأغنوه عن الاعتقاد، ففعلوا: ثم إنه نحر البدن، وذبح الكباش والمعز، ثم هشم الثريد، وأطعم الناس، فسمي هاشماً. وفيه قال الشاعر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه ورجال مكة منتسون عجاف
ثم جمع كل بني أب على رحلتين: في الشتاء إلى اليمن، وفي الصيف إلى الشام للتجارات، فما ربح الغني قسمة بينه وبين الفقير، حتى صار فقيرهم كغنيهم، فجاء الإسلام وهم على هذا، فلم يكن في العرب بنو أب أكثر مالاً ولا أعز من قريش، وهو قول شاعرهم:
والخالطون فقيرهم بغنيهم حتى يصير فقيرهم كالكافي
فلم يزالوا كذلك حتى بعث الله رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فقال :(فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع) بصنيع هاشم(وآمنهم من خوف) أن تكثر العرب ويقلوا.
قوله تعالى: " رحلة الشتاء والصيف" (رحلة) نصب بالمصدر، أي ارتحالهم رحلة، أو بوقوع(إيلافهم) عليه، أو على الظرف، ولو جعلتها في محل الرفع، على معنى هما رحلة الشتاء والصيف، لجاز. والأول أولى. والرحلة الارتحال. وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء، لأنها بلاد حامية، والرحلة الأخرى في الصيف إلى الشام، لأنها بلاد باردة. وعن ابن عباس أيضاً قال: كانوا يشتون بمكة لدفئها، ويصيفون بالطائف لهوائها. وهذه من أجل النعم أن يكون للقوم ناحية حر تدفع عنهم برد الشتاء، وناحية برد تدفع عنهم حرالصيف، فذكرهم الله تعالىهذه النعمة. وقال الشاعر:
تشتي بمكة نعمة ومصيفها بالطائف
وهنا أربع مسائل:
الأولى: اختار القاضي أبو بكر بن العربي وغيره من العلماء: ان قوله تعالى: إيلاف متعلق بما قبله. ولا يجوز ان يكون متعلقا بما بعده، وهو قوله تعالى: " فليعبدوا رب هذا البيت" قال: وإذا ثبت أن متعلق بالسورة الأخرى- وقد قطع عنه بكلام مبتدأ، واستئناف بيان وسطر(بسم الله الرحمن الرحيم)، فقد تبين جواز الوقف في القراءة للقراء قبل تمام الكلام، وليست المواقف التي ينتزع بها القراء شرعا عن النبي صلى الله عليه وسلم مروياً، وإنما أرادوا به تعليم الطلبة المعاني، فإذا علموهم وقفوا حيث شاؤوا. فأما الوقف عند انقطاع النفس فلا خلاف فيه، ولاتعد ما قبله إذا اعتراك ذلك، ولكن ابدأ من حيث وقف بك نفسك. هذا رأيي فيه، ولا دليل على ما قالوه بحال، ولكني أعتمد الوقف على التمام، كراهية الخروج عنهم.
قلت: ومن الدليل على صحة هذا، قراءة النبي صلى الله عليه وسلم " الحمد لله رب العالمين" ثم يقف."الرحمن الرحيم" ثم يقف. وقد مضى في مقدمة الكتاب. وأجمع المسلمون أن الوقف عند قوله: "كعصف مأكول" ليس بقبيح. وكيف يقال إنه قبيح وهذه السورة تقرأ في الركعة الأولى والتي بعدها في الركعة الثانية، فيتخللها مع قطع القراءة أركان؟ وليس أحد من العلماء يكره ذلك. وما كانت العلة فيه إلا أن قوله تعالى"فجعلهم كعصف مأكول" انتهاء آية. فالقياس على ذلك : ألا يمتنع الوقف عند أعجاز الآيات سواء كان الكلام يتم، والغرض ينتهي، أو لايتم، ولا ينتهي. وأيضاً فإن الفواصل حلية وزينة للكلام المنظوم، ولولاها لم يتبين المنظوم من المنثور. ولا خفاء أن الكلام المنظوم أحسن، فثبت بذلك أن الفواصل من محاسن الكلام المنظوم، فمن أظهر فواصله بالوقوف عليها فقد أبدى محاسنه، وترك الوقوف يخفي تلك المحاسن، ويشبه المنثور بالمنظوم، وذلك إخلال بحق المقروء.
الثانية: قال مالك: الشتاء نصف السنة، والصيف نصفها، ولم أزل أرى ربيعة بن أبي عبدالرحمن ومن معه، لا يخلعون عمائمهم حتى تطلع الثريا، وهو يوم التاسع عشر من بشنس، وهو يوم خمسة وعشرين من عدد الروم أن الفرس. وأراد بطلوع الثريا أن يخرج السعاة، ويسير الناس بمواشيهم إلى مياههم، وأن طلوع الثريا أول الصيف ودبر الشتاء. وهذا مما لا خلاف فيه بين أصحابه عنه. وقال عنه أشهب وحده: إذا سقطت الهقعة نقص الليل، فلما جعل طلوع الثريا أول الصيف، وجب أن يكون له في مطلق السنة ستة أشهر، ثم يستقبل الشتاء من بعد ذهاب الصيف ستة أشهر. وقد سئل محمد بن عبد الحكم عمن حلف ألا يكلم امرأ حتى يدخل الشتاء؟ فقال: لا يكلمه حتى يمضي سبعة عشر من هاتور. ولو قال حتى يدخل الصيف، لم يكلمه حتى يمضي سبعة عشر من بشنس، لأنك إذا حسبت المنازل على ما هي عليه، من ثلاث عشرة ليلة كل منزلة، علمت أن ما بين تسع عشرة من هاتور لا تنقضي منازله إلا بدخول تسع عشرة من بشنس. والله أعلم.
الثالثة: قال قوم: الزمان أربعة أقسام: شتاء،وربيع، وصيف،وخريف. قال قوم: هو شتاء،وصيف ، وقيظ،وخريف. والذي قاله مالك أصحن لأن الله قسم الزمان قسمين ولم يجعل لهما ثالثاً.
الرابعة: لما امتن الله تعالى على قريش برحلتين، شتاء وصيفاً، على ما تقدم، كان فيه دليل على جواز تصرف الرجل في الزمانين بين محلين، يكون حالهما في كل زمان أنعم من الآخر، كالجلوس في المجلس البحري في الصيف، وفي القبلي في الشتاء، وفي اتخاذ البادهنجات والخيش للتبريد، واللبد واليانوسة للدفء.
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم, وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين, وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك, ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله, فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم, وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم, وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى: " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ولهذا قال تعالى: " لإيلاف قريش * إيلافهم " بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى: "إيلافهم رحلة الشتاء والصيف" قال ابن جرير : الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك, قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.
ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: "فليعبدوا رب هذا البيت" أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرماً آمناً وبيتاً محرماً كما قال تعالى: " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين " وقوله تعالى: "الذي أطعمهم من جوع" أي هو رب البيت, وهو الذي أطعمهم من جوع "وآمنهم من خوف" أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له, ولا يعبدوا من دونه صنماً ولا نداً ولا وثناً, ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الاخرة, ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى: "ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون", وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن عمرو العدني حدثنا قبيص حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل لكم قريش لإيلاف قريش" ثم قال: حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني ابن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال " سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: " لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف" هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم. آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.
وقوله: 2- "إيلافهم" بدل من إيلاف قريش، و "رحلة" مفعول به لإيلافهم وأفردها، ولم يقل رحلتي الشتاء والصيف لأمن الإلباس، وقيل إن إيلافهم تأكيد للأول لا بدل، والأول أولى. ورجحه أبو البقاء، وقيل إن رحلة منصوبة بمصدر مقدر: أي ارتحالهم رحلة "الشتاء والصيف" وقيل هي منصوبة على الظرفية، والرحلة: الارتحال، وكانت إحدى الرحلتين إلى اليمن في الشتاء لأنها بلاد حارة، والرحلة الأخرى إلى الشام في الصيف لأنها بلاد باردة. وروي أنهم كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف. والأول أولى، فإن ارتحال قريش للتجارة معلوم معروف في الجاهلية والإسلام. قال ابن قتيبة: إنما كانت تعيش قريش بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة: رحلة في الشتاء إلى اليمن، ورحلة في الصيف إلى الشام، ولولا هاتان الرحلتان لم يكن بها مقام، ولولا الأمن بجوارهم البيت لم يقدروا على التصرف.
قوله تعالى: 2- "إيلافهم"، بدل من الإيلاف الأول، "رحلة الشتاء والصيف"، "رحلة" نصب على المصدر، أي ارتحالهم رحلة الشتاء والصيف.
روى عكرمة، وسعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف، فأمرهم الله تعالى أن يقيموا بالحرم ويعبدوا رب هذا البيت.
وقال الآخرون: كانت لهم رحلتان في كل عام للتجارة، إحداهما في الشتاء إلى اليمن لأنها أدفأ، والأخرى في الصيف إلى الشام.
وكان الحرم وادياً جدباً لا زرع فيه ولا ضرع، وكانت قريش تعيش بتجارتهم ورحلتهم، وكان لا يتعرض لهم أحد بسوء، كانوا يقولون: قريش سكان حرم الله وولاة بيته فلولا الرحلتان لم يكن لهم بمكة مقام، ولولا الأمن بجوار البيت لم يقدروا على التصرف، وشق عليهم الاختلاف إلى اليمن والشام فأخصبت تبالة وجرش من بلاد اليمن، فحملوا الطعام إلى مكة، أهل الساحل من البحر على السفن، وأهل البر على الإبل والحمير، فألقى أهل الساحل بجدة، وأهل البر بالمحصب، وأخصب الشام فحملوا الطعام إلى مكة فألقوا بالأبطح، فامتاروا من قريب وكفاهم الله مؤنة الرحلتين.
2-" إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " أي الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام فيمتارون ويتجرون ، أو بمحذوف مثل أعجبوا أو بما قبله كالتضمين في الشعر أي " فجعلهم كعصف مأكول " " لإيلاف قريش " ، ويؤيده أنهما في مصحف أبي سورة واحدة ، وقرئ ليألف قريش إلفهم رحلة الشتاء ، وقريش ولد النضر بن كنانة منقول من تصغير قريش ، وهو دابة عظيمة في البحر تعبث بالسفن فلا تطاق إلا بالنار ، فشبهوا بها لأنها تأكل ولا تؤكل ، وتعلو ولا تعلى ، وصغر الاسم للتعظيم وإطلاق الإيلاف ،ثم إبدال المقيد عند التفخيم . وقرأ عامر لئلاف بغير ياء بعد الهمزة .
2. For their taming (We cause) the caravans to set forth in winter and summer.
2 - Their covenants (covering) journeys by winter and summer,