[قريش : 1] لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ
1 - (لإيلاف قريش)
أخرج الحاكم وغيره عن ام هانىء بنت أبي طالب قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فضل الله قريشا بسبع خصال الحديث وفيه نزلت فيهم سورة لم يذكر فيها أحد غيرهم لإيلاف قريش
اختلفت القراء في قراءة " لإيلاف قريش * إيلافهم " فقرأ ذلك عامة قراء الأمصار بياء بعد همز لإيلاف وإيلافهم ، سوى أبي جعفر ، فإنه وافق غيره في قوله " لإيلاف " فقرأه بياء بعد همزة ، واختلف عنه في قوله " إيلافهم " فروي عنه أنه كان يقرؤه ( إلفهم ) على أنه مصدر من ألف يألف إلفاً ، بغير ياء وحكى بعضهم عنه أنه كان يقرؤه ( إلافهم ) بغير ياء مقصورة الألف .
والصواب من القراءة في ذلك عندي : من قرأه " لإيلاف قريش * إيلافهم " بإثبات الياء فيما بعد الهمزة ، من آلفت الشيء أولفه إيلافاً ، لإجماع الحجة من القراء عليه . وللعرب في ذلك لغتان : آلفت ، وألفت ، فمن قال : آلفت بمد الألف قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، ومن قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وألفت ، فمن قال : آلفت بمد الألف قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، من قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وهو رجل آلفت قال : فأنا أؤالف إيلافاً ، ومن قال : ألفت بقصر الألف قال : فأنا آلف إلفاً ، وهو رجل آلف إلفاً ، وحكي عن عكرمة أنه كان يقرأ ذلك ( لتألف قريش إلفهم رحلة الشتاء والصيف ) .
حدثني بذلك أبو كريب ، قال : ثنا وكيع ،عن أبي مكين ، عن عكرمة .
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك ما :
" حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن أسماء بنت يزيد ، قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ : إلفهم رحلة الشتاء والصيف " .
واختلف أهل العربية في المعنى الجالب هذه اللام في قوله " لإيلاف قريش " فكان بعض نحويي البصرة يقول : الجالب لها قوله " فجعلهم كعصف مأكول " [ الفيل : 5] فهي في قول هذا القائل صلة لقوله جعلهم ، فالواجب على هذا القول ، أن يكون معنى الكلام : فعلنا بأصحاب الفيل هذا الفعل ،نعمة منا على أهل هذا البيت وإحساناً منا إليهم ، إلى نعمنتا عليهم في رحلة الشتاء والصيف ، فتكون اللام في قوله " لإيلاف " بمعنى إلى ، كأنه قيل : نعمة لنعمة وإلى نعمة ، لأن إلى موضع اللام ، واللام موضع إلى . وقد قال معنى هذا القول بعض أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال :ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " إيلافهم رحلة الشتاء والصيف" قال : إيلافهم ذلك فلا يشق عليهم رحلة شتاء ولا صيف .
حدثني إسماعيل بن موسى السدي ، قال : أخبرنا شريك ، عن إبراهيم النخعي بن المهاجر ، عن مجاهد " لإيلاف قريش " قال : نعتي على قريش .
حدثني محمد بن عبد الله الهلالي ، قال :ثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، قال : ثنا شريك ، عن إبراهيم بن المهاجر ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا عمرو بن علي ، قال : ثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني ، قال : ثنا خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة ، قال : ثني أبي ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله " لإيلاف قريش " قال : نعمتي على قريش .
وكان بعض نحويي الكوفة يقول : قد قيل هذا القول ، ويقال : إنه تبارك وتعالى عجب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : اجبت يا محمد لنعم الله على قريش ، في إيلافهم رحلة الشتاء والصيف . ثم قال : فلا يتشاغلوا بذلك عن الإيمان واتباعك ، ويستدل بقوله " فليعبدوا رب هذا البيت " .
وكان بعض أهل التأويل يوجه تأويل قوله " لإيلاف قريش " إلى ألفة بعضهم بعضاً .
ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال يزيد ، في قول الله " لإيلاف قريش " فقرأ " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " [ الفيل : 1] إلى آخر السورة ، قال : هذا لإيلاف قريش ، صنعت هذا بهم لألفة قريش ، لئلا أفرق ألفتهم وجماعتهم ، إنما جاء صاحب الفيل ليستبيد حريمهم ، فصنع الله ذلك .
والصواب من القول في ذلك عندنا أن يقال : إن هذه اللام بمعنى التعجب. وأن معنى الكلام : اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف ، وتركهم عبادة رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ، فليعبدوا رب هذا البيت ، الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف . والعرب إذا جاءت بهذا اللام ، فأدخلوها في الكلام للتعجب اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل الذي بجلبها ، كما قال الشعر :
أغرك أنقالوا لقرة شاعراً فيا لأباه من عريف وشاعر .
فاكتفى باللام على التعجب من إظهار الفعل ، وإنا الكلام : أغرك أن قالوا : اعجبوا لقرة شاعراً ، فكذلك قوله " لإيلاف " .
وأما القول الذي قاله من حكينا قوله ، أنه منم صلة قوله " فجعلهم كعصف مأكول " [ الفيل : 5] فإنه ذلك لو كان كذلك ، لوجب أن يكون لإيلاف بعض ألم تر ، وأن لا تكون سورة منفصلة من ألم تر ، وفي إجماع جميع المسلمين على أنهما سورتان تامتان كل واحدة منهما منفصلة عن الأخرى ، ما يبين عن فساد القول الذي قاله من قال ذلك . ولو كان قوله " لإيلاف قريش " من صلة قوله " فجعلهم كعصف مأكول " [ الفيل : 5] لم تكن ألم تر تاة حتى توصل بقوله " لإيلاف قريش " لأن الكلام لا يتم إلا بانقضاء الخبر الذي ذكر .
وبنحو الذي قولنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله ( إلفهم رحلة الشتاء والصيف ) يقول : لزومهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " لإيلاف قريش " قال : نهاهم عن الرحلة ، وأمرهم أن يعبدوا رب هذا البيت ، وكفاهم المؤنة ، وكانت رحلتهم في الشتاء والصيف ، فلم يكن لهم راحة في شتاء ولا صيف ، فأطعمهم بعد ذلك من جوع ، وآمنهم من خوف ، وألفوا الرحلة ، فكانوا إذا شاءوا ارتحلوا ، وإذا شاءوا أقاموا ، فكان ذلك من نعمة الله عليهم .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني ابن عبد الأعلى ، قال :ثنا داود ، عن عكرمة قال : كانت قريش قد ألفوا بصرى واليمين ، ويحتلفون إلى هذه في الشتاء ، وإلى هذه في الصيف " فليعبدوا رب هذا البيت " فأمرهم أن يقيموا بمكة .
حدثنا ابن حيد ، قال : ثنا مهران ، عن سفيان عن إسماعيل ، عن أبي صالح ( لإيلاف قريش إيلافهم ) قال : كانا تجاراً ، فعلم الله حبهم للشام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " لإيلاف قريش " قال : عادة قريش عادتهم رحلة الشتاء والصيف .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " لإيلاف قريش " كانوا ألفوا الارتحال في القيظ والشتاء .
وقوله " إيلافهم " مخفوضة على الإبدال ، كأنه قال : لإيلاف قريش لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف . وأما الرحلة فنصبت بقوله " إيلافهم " ووقوعه عليهم .


مكية في قول الجمهور ، ومدنية في قول الضحاك و الكلبي .
قوله تعالى:" لإيلاف قريش "
قيل: إن هذه السورة متصلة بالتي قبلها في المعنى. يقول: أهلكت أصحاب الفيل لإيلاف قريش، أي لتأتلف، أو لتتفق قريش، أو لكي تأمن قريش فتؤلف رحلتيها. وممن عد السورتين واحدة أبي بن كعب، ولا فصل بينهما في مصحفه. وقال سفيان بن عيينة: كان لنا إمام لايفصل بينهما، ويقرؤهما معاً. وقال عمرو بن ميمون الأودي: صلينا المغرب خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقرأ في الأولى:" والتين والزيتون" [التين:1] وفي الثانية " ألم تر كيف" [الفيل:1] و" لإيلاف قريش" [قريش:1] وقال الفراء: هذه السورة متصلة بالسورة الأولى، لأنه ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، ثم قال: (لإيلاف قريش) أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش. وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها، فلا يغار عليها ولاتقرب في الجاهلية. يقولون: هم أهل بيت الله جل وعز، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة، يأخذ حجارتها، فيبني بها بيتاً في اليمن يحج الناس إليهن فأهلكهم الله عز وجل، فذكرهم نعمته. أي فجعل الله ذلك لإيلاف قريش، أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم، وهو معنى قول مجاهد وابن عباس في رواية سعيد بن جبير عنه. ذكره النحاس: حدثنا أحمد بن شعيب قال أخبرني عمرو بن علي قال: حدثني عامر بن إبراهيم- وكان ثقة من خيار الناس- قال حدثني خطاب بن جعفر بن أبي المغيرة، قال : حدثني أبي سعيد بن جببر عن ابن عباس، في قوله تعالى:" لإيلاف قريش" قال:نعمتي على قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. قال: كانوا يشتون بمكة، ويصيفون بالطائف. وعلى هذا القول يجوز الوقف على رؤوس الآي إن لم يكن الكلام تاماً، على ما نبينه أثناء السورة. وقيل: ليست بمتصلة، لأن بين السورتين (بسم الله الرحمن الرحيم) وذلك دليل على انقضاء السورة وافتتاح الأخرى، وأن اللام متعلقة بقوله تعالى:(فليعبدوا)أي فليعبدوا هؤلاء رب هذا البيت، لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف للامتيار. وكذا قال الخليل: ليست متصلة، كأنه قال: ألف الله قريشاً إيلافاً فليعبدوا رب هذا البيت. وعمل ما بعد الفاء فيما قبلها لأنها زائدة غير عاطفة، كقولك: زيداً فاضرب. وقيل: اللام في قوله تعالى: " لإيلاف قريش" لام التعجب، أي اعجبوا لإيلاف قريش، قاله الكسائي والأخفش. وقيل: بمعنى إلى. وقرأ ابن عامر: (لإئلاف قريش) مهموزاً مختلساً بلا ياء. وقرأ أبو جعفر والأعرج (ليلاف) بلاهمز طلباً للخفة. الباقون (لإيلاف) بالياء مهموزاً مشبعاً، من الفت أولف إيلافاً. قال الشاعر:
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف
ويقال: ألفته إلفا وإلافا. وقرأ أبو جعفر ايضاً: (لإلف قريش) وقد جمعهما من قال:
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
قال الجوهري: وفلان قد الف هذا الموضع (بالكسر) يألفه إلفاً، وآلفه إياه غيره. ويقال أيضاً: آلفت الموضع أولفه إيلافاً. وكذلك : آلفت الموضع أولفه مؤالفة وإلافاً، فصار صورة أفعل وفاعل في الماضي واحدة. وقرأ عكرمة(ليألف) بفتح اللام على الأمر. وكذلك هو في مصحف ابن مسعود. وفتح لام الأمر لغة حكاها ابن مجاهد وغيره. وكان عكرمة يعيب على من يقرأ (لإيلاف). وقرأ بعض أهل مكة(إلاف قريش) واستشهد بقول أبي طالب يوصي اخاه أبا لهب برسول الله صلى الله عليه وسلم:
فلا تتركنه ما حييت لمعظم وكن رجلاً ذا نجدة وعفاف
تذود العدا عن عصبة هاشمية إلافهم في الناس خير إلاف
وأما قريش فهم بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر. فكل من كان من ولد النضر فهو قرشي دون بني كنانة ومن فوقه. وربما قالوا: قريشي، وهو القياس، قال الشاعر:
بكل قريشي عليه مهابة
فإن أردت بقريشي الحي صرفته، وإن أردت به القبيلة لم تخرفه، قال الشاعر:
وكفى قريش المعضلات وسادها
والتقريش: الاكتساب، وتقرشوا أي تجمعوا. وقد كانوا متفرقين في غير الحرم، فجمعهم قصي بن كلاب في الحرم، حتى اتخذوه مسكناً. قال الشاعر:
أونا قصي كان يدعى مجمعاً به جمع الله القبائل من فهر
وقد قيل: إن قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر. فكل من لم يلده فهر فليس بقرشي والأول أصح وأثبت. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(إنا ولد النضر بن كنانة لانقفو امنا ولاننتفي من أبينا). وقال واثلة بن الأسقع:
" قال النبي صلى الله عليه وسلم :(إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من بين كنانة قريش، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم). "صحيح ثابت، خرجهالبخاريومسلم وغيرهما. واختلف في تسميتهم قريشاً على أقوال: احدها: لتجمعهم بع التفرق، والتقرش: التجمع والالتئام. قال أبو جلدة اليشكري:
إخوة قرشوا الذنوب علينا في حديق من دهرهم وقديم
الثاني : لأنهم كانوا تجاراً يأكلون من مكاسبهم. والتقرش: التكسب. وقد قرش يقرش قرشاً: إذا كسب وجمع. قال الفراء: وبه سميت قريش. الثالث: لأنهم كانوا يفتشون الحاج من ذي الخلة، فيسدون خلته. والقرش: التفتيش. قال الشاعر:
أيها الشامت المقرش عنا عند عمرو فهل له إبقاء
الرابع: ماروي أن معاوية سأل ابن عباس لم سميت قريش قريشاً؟ فقال: لدابة في البحر من أقوى دوابه يقال لها القرش، تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى.وأنشد قول تبع:
وقريش هي التي تسكن البحـ ـر بها سميت قريش قريشا
تأكل الرث والسمين ولا تتـ ـرك فيها لذي جناحين ريشا
هكذا في البلاد حي قريش يأكلون البلاد أكلاً كميشا
ولهم آخر الزمان نبي يكثر القتل فيهم والخموشا
تفسير سورة قريش
(ذكر حديث غريب في فضلها) قال البيهقي في كتاب الخلافيات: حدثنا أبو عبد الله الحافظ , حدثنا بكر بن محمد بن حمدان الصيرفي بمرو, حدثنا أحمد بن عبد الله الزينبي , حدثنا يعقوب بن محمد الزهري , حدثنا إبراهيم بن محمد بن ثابت بن شرحبيل , حدثني عثمان بن عبد الله أبي عتيق عن سعيد بن عمرو بن جعدة بن هبيرة عن أبيه عن جدته أم هانىء بنت أبي طالب " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضل الله قريشاً بسبع خلال: إني منهم وإن النبوة فيهم والحجابة والسقاية فيهم, وإن الله نصرهم على الفيل, وإنهم عبدوا الله عز وجل عشر سنين لا يعبده غيرهم, وإن الله أنزل فيهم سورة من القرآن ـ ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا البيت * الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف " " .
هذه السورة مفصولة عن التي قبلها في المصحف الإمام كتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم, وإن كانت متعلقة بما قبلها كما صرح بذلك محمد بن إسحاق وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم , لأن المعنى عندهما حبسنا عن مكة الفيل وأهلكنا أهله لإيلاف قريش أي لائتلافهم واجتماعهم في بلدهم آمنين, وقيل المراد بذلك ما كانوا يألفونه من الرحلة في الشتاء إلى اليمن وفي الصيف إلى الشام في المتاجر وغير ذلك, ثم يرجعون إلى بلدهم آمنين في أسفارهم لعظمتهم عند الناس لكونهم سكان حرم الله, فمن عرفهم احترمهم بل من صوفي إليهم وسار معهم أمن بهم, وهذا حالهم في أسفارهم ورحلتهم في شتائهم وصيفهم, وأما في حال إقامتهم في البلد فكما قال الله تعالى: " أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا ويتخطف الناس من حولهم " ولهذا قال تعالى: " لإيلاف قريش * إيلافهم " بدل من الأول ومفسر له ولهذا قال تعالى: "إيلافهم رحلة الشتاء والصيف" قال ابن جرير : الصواب أن اللام لام التعجب كأنه يقول اعجبوا لإيلاف قريش ونعمتي عليهم في ذلك, قال وذلك لإجماع المسلمين على أنهما سورتان منفصلتان مستقلتان.
ثم أرشدهم إلى شكر هذه النعمة العظيمة فقال: "فليعبدوا رب هذا البيت" أي فليوحدوه بالعبادة كما جعل لهم حرماً آمناً وبيتاً محرماً كما قال تعالى: " إنما أمرت أن أعبد رب هذه البلدة الذي حرمها وله كل شيء وأمرت أن أكون من المسلمين " وقوله تعالى: "الذي أطعمهم من جوع" أي هو رب البيت, وهو الذي أطعمهم من جوع "وآمنهم من خوف" أي تفضل عليهم بالأمن والرخص فليفردوه بالعبادة وحده لا شريك له, ولا يعبدوا من دونه صنماً ولا نداً ولا وثناً, ولهذا من استجاب لهذا الأمر جمع الله له بين أمن الدنيا وأمن الاخرة, ومن عصاه سلبهما منه كما قال تعالى: "ضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون * ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون", وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا عبد الله بن عمرو العدني حدثنا قبيص حدثنا سفيان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ويل لكم قريش لإيلاف قريش" ثم قال: حدثنا أبي حدثنا المؤمل بن الفضل الحراني حدثنا عيسى يعني ابن يونس عن عبيد الله بن أبي زياد عن شهر بن حوشب عن أسامة بن زيد قال " سمعت رسول لله صلى الله عليه وسلم يقول: " لإيلاف قريش * إيلافهم رحلة الشتاء والصيف " ويحكم يا معشر قريش اعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمكم من جوع وآمنكم من خوف" هكذا رأيته عن أسامة بن زيد وصوابه عن أسماء بنت يزيد بن السكن أم سلمة الأنصارية رضي الله عنها فلعله وقع غلط في النسخة أو في أصل الرواية والله أعلم. آخر تفسير سورة لإيلاف قريش ولله الحمد والمنة.
ويقال سورة لإيلاف، وهي أربع آيات
وهي مكية عند الجمهور. وقال الضحاك والكلبي: هي مدنية.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: نزلت سورة "لإيلاف" بمكة. وأخرج البخاري في تاريخه، والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي عن أم هانئ بنت أبي طالب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فضل الله قريشاً بسبع خصال لم يعطها أحداً قبلهم ولا يعطيها أحداً بعدهم: أني فيهم. وفي لفظ: النبوة فيهم، والخلافة فيهم، والحجابة فيهم، والسقاية فيهم، ونصروا على افيل، وعبدوا الله سبع سنين. وفي لفظ: عشر سنين لم يعبده أحد غيرهم، ونزلت فيهم سورة من القرآن لم يذكر فيها أحد غيرهم "لإيلاف قريش"" قال ابن كثير: هو حديث غريب، ويشهد له ما أخرج الطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن الزبير بن العوام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فضل الله قريشاً بسبع خصال: فضلهم بأنهم عبدوا الله عشر سنين لا يعبده إلا قريش، وفضلهم بأنه نصرهم يوم الفيل وهم مشركون، وفضلهم بأنها نزلت فيهم سورة من القرآن لم يدخل فيها أحد من العالمين غيرهم، وهي لإيلاف قريش، وفضلهم بأن فيهم النبوة، والخلافة، والسقاية". وأخرج الخطيب في تاريخه عن سعيد بن المسيب مرفوعاً نحوه، وهو مرسل.
اللام في قوله: 1- "لإيلاف" قيل هي متعلقة بآخر السورة التي قبلها، كأنه قال سبحانه: أهلكت أصحاب الفيل لأجل تألف قريش. قال الفراء: هذه السورة متصلة بالسورة الأولى، لأنه ذكر سبحانه أهل مكة بعظيم نعمته عليهم فيما فعل بالحبشة، ثم قال: "لإيلاف قريش" أي فعلنا ذلك بأصحاب الفيل نعمة منا على قريش، وذلك أن قريشاً كانت تخرج في تجارتها فلا يغار عليها في الجاهلية، يقولون: هم أهل بيت الله عز وجل، حتى جاء صاحب الفيل ليهدم الكعبة ويأخذ حجارتها فيبني بها بيتاً في اليمن يحج الناس إليه، فأهلكهم الله عز وجل، فذكرهم نعمته: أي فعل ذلك لإيلاف قريش: أي ليألفوا الخروج ولا يجترأ عليهم، وذكر نحو هذا ابن قتيبة، قال الزجاج: والمعنى، فجعلهم كعصف مأكول "لإيلاف قريش" أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف. وقال في الكشاف: إن اللام متعلق بقوله: "فليعبدوا" أمرهم أن يعبدوه لأجل إيلافهم الرحلتين، ودخلت الفاء لما في الكلام من معنى الشرط، لأن المعنى: أما لا فليعبدوه. وقد تقدم صاحب الكشاف إلى هذا القول الخليل بن أحمد، والمعنى: إن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لهذه النعمة الجليلة. وقال الكسائي والأخفش: اللام لام التعجب: أي اعجبوا لإيلاف قريش. وقيل هي بمعنى إلى. قرأ الجمهور "لإيلاف" بالياء مهموزاً من ألفت أؤلف [إيلافاً]. يقال: ألفت الشيء ألافاً وألفاً، وألفته إيلافاً بمعنى، ومنه قول الشاعر:
المنعمين إذا النجوم تغيرت والظاعنين لرحلة الإيلاف
وقرأ ابن عامر لإلاف بدون الياء، وقرأ أبو جعفر لإلف وقد جمع بين هاتين القراءتين الشاعر، فقال:
زعمتم أن إخوتكم قريش لهم إلف وليس لكم إلاف
وقرأ عكرمة ليألف قريش بفتح اللام على أنها لام الأمر، وكذلك هو في مصحف ابن مسعود وفتح لام الأمر لغة معروفة. وقرأ بعض أهل مكة إلاف قريش واستشهد بقول أبي طالب:
تذود الورى من عصبة هاشمية إلا فهم في الناس خير إلاف
وقريش هم: بنو النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر، فكل من كان من لود النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي، وقريش يأتي منصرفاً إن أريد به الحي، وغير منصرف إن أريد به القبيلة ومنه قول الشاعر:
وكفى قريش المعضلات وسادها
وقيل إن قريشاً بنو فهر بن مالك بن النضر، والأول أصح.
1- "لإيلاف قريش"، قرأ أبو جعفر: ليلاف بغير همز إلافهم طلباً للخفة، وقرأ ابن عامر " لإيلاف " بهمزة مختلسة من غير ياء بعدها على وزن لغلاف، وقرأ الآخرون بهمزة مشبعة وياء بعدها واتفقوا -غير أبي جعفر- في "إيلافهم" أنها بياء بعد الهمزة، إلا عبد الوهاب بن فليح عن ابن كثير فإنه قرأ: إلفهم ساكنة اللام بغير الياء.
وعد بعضهم سورة الفيل وهذه السورة واحدة، منهم أبي بن كعب، لا فصل بينهما في مصحفه، وقالوا: اللام في "لإيلاف" تتعلق بالسورة التي قبلها، وذلك أن الله تعالى ذكر أهل مكة عظيم نعمته عليهم فيما صنع بالحبشة، وقال: "لإيلاف قريش".
وقال الزجاج: المعنى: جعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش، أي يريد إهلاك أهل الفيل لتبقى قريش، وما ألفوا من رحلة الشتاء والصيف.
وقال مجاهد: ألفوا ذلك فلا يشق عليهم في الشتاء والصيف.
والعامة على أنهما سورتان، واختلفوا في العلة الجالبة للام في قوله "لإيلاف"، قال الكسائي، والأخفش: هي لام التعجب، يقول: اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف، وتركهم عبادة رب هذا البيت، ثم أمرهم بعبادته كما تقول في الكلام لزيد وإكرامنا إياه على وجه التعجب: اعجبوا لذلك. والعرب إذا جاءت بهذه اللام اكتفوا بها دليلاً على التعجب من إظهار الفعل منه.
وقال الزجاج: هي مردودة إلى ما بعدها، تقريره: فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف.
وقال ابن عيينة: لنعمتي على قريش.
وقريش هم ولد النضر بن كنانة، وكل من ولده النضر فهو قرشي، ومن لم يلده النضر فليس بقرشي.
أخبرنا أبو الحسن على بن يوسف الجويني، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي، أخبرنا عبد الله بن مسلم أبو بكر الجوربذي، حدثنا يونس بن عبد الأعل الصدفي، أخبرنا بشر بن بكر عن الأوزاعي، حدثني شداد أبو عمار، حدثنا واثلة بن الأسقع، قال: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى من كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم".
سموا قريشاً من القرش، والتقرش وهو التكسب والجمع، يقال: فلان يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب، وهم كانوا تجاراً حراصاً على جمع المال والإفضال.
وقال أبو ريجانة: سأل معاوية عبد الله بن عباس: لم سميت قريش قريشاً؟ قال: لدابة تكون في البحر من أعظم دوابه يقال لها القرش لا تمر بشيء من الغث والسمين إلا أكلته، وهي تأكل ولا تؤكل، وتعلو ولا تعلى، وهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم، فأنشده / شعر الجمحي:
وقريش هي التي تسكن البحـ ـر، بها سميت قريش قريشا
سلطت بالعلو في لجة البحـ ـر على سائر البحور جيوشا
تأكل الغث والسمين ولا تتـ ـرك فيه لذي الجناحين ريشا
هكذا في الكتاب حي قريش يأكلون البلاد أكلا كميشـا
ولهم في آخر الزمان نـبي يكثر القتل فيهم والخموشـا
1-" لإيلاف قريش " متعلق بقوله : " فليعبدوا رب هذا البيت " والفاء لما في الكلام من معنى الشرط ، إذ المعنى أن نعم الله عليهم لا تحصى فإن لم يعبدوه لسائر نعمه فليعبدوه لأجل :
Surah 106. Quraish
1. For the taming of Qureysh
SURA 106: QURAISH
1 - For the covenants (of security and safeguard enjoyed) by the Quraish,