[القارعة : 5] وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ
5 - (وتكون الجبال كالعهن المنفوش) كالصوف المندوف في خفة سيرها حتى تستوي مع الأرض
وقوله : " وتكون الجبال كالعهن المنفوش " يقول تعالى ذكره : ويوم تكون الجبال كالصوف المنفوش والعهن : هو الألون من الصوف .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد ، قل : ثنا سعيد ، عن قتادة في قوله " وتكون الجبال كالعهن المنفوش "قال : اصوف المنفوش .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : هو الصوف . وذكر أن الجبال تسير على الأرض وهي في صورة الجبال كالهباء .
قوله تعالى:" وتكون الجبال كالعهن المنفوش"
أي الصوف الذي ينفش باليد، أي تصير هباء وتزول، كما قال جل ثناؤه في وضع .آخر: " هباء منبثا" [الواقعة:6]. واهل اللغة يقولون: العهن الصوف المصبوغ. وقد مضى في سورة"سأل سائل" [المعارج].
القارعة من أسماء يوم القيامة كالحاقة والطامة والصاخة والغاشية وغير ذلك. ثم قال تعالى معظماً أمرها ومهولاً لشأنها: "وما أدراك ما القارعة" ثم فسر ذلك بقوله: "يوم يكون الناس كالفراش المبثوث" أي في انتشارهم وتفرقهم وذهابهم ومجيئهم من حيرتهم مما هم فيه كأنهم فراش مبثوث كما قال تعالى في الاية الأخرى: "كأنهم جراد منتشر" وقوله تعالى: "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" يعني قد صارت كأنها الصوف المنفوش الذي قد شرع في الذهاب والتمزق. قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والضحاك والسدي : "العهن" الصوف ثم أخبر تعالى عما يؤول إليه عمل العاملين وما يصيرون إليه من الكرامة والإهانة بحسب أعمالهم فقال: "فأما من ثقلت موازينه" أي رجحت حسناته على سيئاته "فهو في عيشة راضية" يعني في الجنة " وأما من خفت موازينه " أي رجحت سيئاته على حسناته.
وقوله تعالى: "فأمه هاوية" قيل معناه فهو ساقط هاو بأم رأسه في نار جهنم وعبر عنه بأمه يعني دماغه, روي نحو هذا عن ابن عباس وعكرمة وأبي صالح وقتادة , وقال قتادة : يهوي في النار على رأسه وكذا قال أبو صالح يهوون في النار على رؤوسهم, وقيل معناه فأمه التي يرجع إليها ويصير في المعاد إليها هاوية وهي اسم من أسماء النار, قال ابن جرير : وإنما قيل للهاوية أمه لأنه لا مأوى له غيرها, وقال ابن زيد : الهاوية النار هي أمه ومأواه التي يرجع إليها ويأوي إليها وقرأ "ومأواهم النار" قال ابن أبي حاتم وروي عن قتادة أنه قال: هي النار وهي مأواهم, ولهذا قال تعالى مفسراً للهاوية: " وما أدراك ما هيه * نار حامية ".
قال ابن جرير : حدثنا ابن عبد الأعلى , حدثنا ابن ثور عن معمر عن الأشعث بن عبد الله الأعمى قال: إذا مات المؤمن ذهب بروحه إلى أرواح المؤمنين فيقولون روحوا أخاكم فإنه كان في غم الدنيا, قال ويسألونه ما فعل فلان ؟ فيقول: مات, أو ما جاءكم فيقولون ذهب به إلى أمه الهاوية, وقد رواه ابن مردويه من طريق أنس بن مالك مرفوعاً بأبسط من هذا, وقد أوردناه في كتاب صفة النار ـ أجارنا الله تعالى منها بمنه وكرمه ـ وقوله تعالى: "نار حامية" أي حارة شديدة الحر قوية اللهب والسعير. قال أبو مصعب عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قالوا: يا رسول الله إن كانت لكافية ؟ فقال: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً" ورواه البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن مالك ورواه مسلم عن قتيبة عن المغيرة بن عبد الرحمن عن أبي الزناد به, وفي بعض ألفاظه: "أنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها".
وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن , حدثنا حماد وهو ابن سلمة عن محمد بن زياد سمعت أبا هريرة يقول سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم يقول: "نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم فقال رجل: إن كانت لكافية ؟ فقال: لقد فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً حراً فحراً" تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط مسلم , وروى الإمام أحمد أيضاً: حدثنا سفيان عن أبي الزياد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم, و عمرو عن يحيى بن جعدة : "إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم وضربت بالبحر مرتين ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد" وهذا على شرط الصحيحين ولم يخرجوه من هذا الوجه, وقد رواه مسلم في صحيحه من طريق ورواه البزار من حديث عبد الله بن مسعود وأبي سعيد الخدري : "ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً".
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا قتيبة , حدثنا عبد العزيز هو ابن محمد الدراوردي عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم" تفرد به أيضاً من هذا الوجه وهو على شرط مسلم أيضاً, وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا أحمد بن عمرو الخلال , حدثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي حدثنا معن بن عيسى القزاز عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ما مثل ناركم هذه من نار جهنم لهي أشد سواداً من دخان ناركم هذه بسبعين ضعفاً" وقد رواه أبو مصعب عن مالك ولم يرفعه. وروى الترمذي وابن ماجه عن عباس الدوري عن يحيى بن أبي بكير حدثنا شريك عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوقد على النار ألف سنة حتى احمرت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضت ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودت فهي سوداء مظلمة" وقد روي هذا من حديث أنس وعمر بن الخطاب .
وجاء في الحديث عند الإمام أحمد من طريق أبي عثمان النهدي عن أنس وأبي نضرة العبدي عن أبي سعيد وعجلان مولى المشمعل عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان يغلي منهما دماغه" وثبت في الصحيحين " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : اشتكت النار إلى ربها فقالت يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين: نفس في الشتاء ونفس في الصيف, فأشد ما تجدون في الشتاء من بردها وأشد ما تجدون في الصيف من حرها" وفي الصحيحين : "إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم". آخر تفسير سورة القارعة, ولله الحمد والمنة.
5- "وتكون الجبال كالعهن المنفوش" أي كالصوف الملون بالألوان المختلفة الذي نفش بالندف، والعهن عند أهل اللغة: الصوف المصبوغ بالألوان المختلفة، وقد تقدم بيان هذا في سورة سأل سائل وقد ورد في الكتاب العزيز أوصاف للجبال يوم القيامة، وقد قدمنا بيان الجمع بينها.
5- "وتكون الجبال كالعهن المنفوش"، كالصوف المندوف.
5-" وتكون الجبال كالعهن " كالصوف ذي الألوان ." المنفوش " المندوف لتفرق أجزائها وتطايرها في الجو .
5. And the mountains will become as carded wool.
5 - And the mountains will be like carded wool.