[يونس : 60] وَمَا ظَنُّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَشْكُرُونَ
60 - (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب) أي شيء ظنهم به (يوم القيامة) أيحسبون أنه لا يعاقبهم لا (إن الله لذو فضل على الناس) بإمهالهم والإنعام عليهم (ولكن أكثرهم لا يشكرون)
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: وما ظن هؤلاء الذين يتخرصون على الله الكذب، فيضيفون إليه تحريم ما لم يحرمه عليهم من الأرزاق والأقوات التي جعلها الله لهم غذاءً، أن الله فاعل بهم يوم القيامة بكذبهم وفريتهم عليه؟ أيحسبون أنه يصفح عنهم ويغفر؟ كلا، بل يصليهم سعيراً خالدين فيها أبداً، " إن الله لذو فضل على الناس "، يقول: إن الله لذو تفضل على خلقه، بتركه معاجلة من افترى عليه الكذب بالعقوبة في الدنيا، وإمهاله إياه إلى وروده عليه في القيامة، " ولكن أكثرهم لا يشكرون "، يقول: ولكن أكثر الناس لا يشكرونه على تفضله عليهم بذلك، وبغيره من سائر نعمه.
قوله تعالى: "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة" يوم منصوب على الظرف، أو بالظن، نحو ما ظنك زيداً، والمعنى: أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به. "إن الله لذو فضل على الناس" أي في التأخير والإمهال. وقيل: أراد أهل مكة حين جعلهم في حرم آمن. "ولكن أكثرهم" يعني الكفار. "لا يشكرون" الله على نعمه ولا في تأخير العذاب عنهم. وقيل: لا يشكرون لا يوحدون.
قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم: نزلت إنكاراً على المشركين فيما كانوا يحللون ويحرمون من البحائر والسوائب والوصايل, كقوله تعالى: "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً" الايات, وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن أبي إسحاق, سمعت أبا الأحوص, وهو عوف بن مالك بن نضلة, يحدث عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا رث الهيئة فقال: "هل لك مال ؟ قلت نعم. قال من أي المال ؟ قال قلت من كل المال من الإبل والرقيق والخيل والغنم, فقال: إذا آتاك الله مالاً فلير عليك ـ وقال! هل تنتج إبلك صحاحاً آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول هذه بحر, وتشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك قال نعم قال فإن ما آتاك الله لك حل, ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك" وذكر تمام الحديث.
ثم رواه عن سفيان بن عيينة عن أبي الزهراء عمرو بن عمرو عن عمه أبي الأحوص, وعن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص به, وهذا حديث جيد قوي الإسناد, وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم بمجرد الاراء والأهواء التي لا مستند لها ولا دليل عليها, ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة فقال: "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة" أي ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة, وقوله: "إن الله لذو فضل على الناس" قال ابن جرير: في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا (قلت) ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم "ولكن أكثرهم لا يشكرون" بل يحرمون ما أنعم الله به عليهم, ويضيقون على أنفسهم فيجعلون بعضاً حلالاً وبعضاً حراماً. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم, وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم.
وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الاية حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا رباح حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا موسى بن الصباح في قوله عز وجل: "إن الله لذو فضل على الناس" قال إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف قال فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول: عبدي لماذا عملت ؟ فيقول يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليها ـ قال! فيقول الله تعالى: عبدي إنما عملت للجنة هذه الجنة فادخلها ومن فضلي عليك قد أعتقتك من النار ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي فيدخل هو ومن معه الجنة ـ قال ـ ثم يؤتى برجل من الصنف الثاني فيقول عبدي لماذا عملت فيقول يا رب خلقت ناراً وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفاً منها فيقول عبدي إنما عملت ذلك خوفاً من ناري فإني قد أعتقتك من النار ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي فيدخل هو ومن معه الجنة. ثم يؤتى برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت ؟ فيقول رب حباً لك وشوقاً إليك وعزتك لقد أسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقاً إليك وحباً لك. فيقول تبارك وتعالى: عبدي إنما عملت حباً لي وشوقاً إلي فيتجلى له الرب جل جلاله ويقول ها أنا ذا فانظر إلي ثم يقول: من فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي: فيدخل هو ومن معه الجنة.
ثم قال: 60- "وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة" أي أي شيء ظنهم في هذا اليوم، وما يصنع بهم فيه، وهذه الجملة الاستفهامية المتضمنة لتعظيم الوعيد لهم غير داخلة تحت القول الذي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، بل مبتدأة مسوقة لبيان ما سيحل بهم من عذاب الله، و يوم القيامة منصوب بالظن، وذكر الكذب بعد الافتراء، مع أن الافتراء لا يكون إلا كذباً لزيادة التأكيد. وقرأ عيسى بن عمر وما ظن على أنه فعل "إن الله لذو فضل على الناس" يتفضل عليهم بأنواع النعم في الدنيا والآخرة "ولكن أكثرهم لا يشكرون" الله على نعمه الواصلة إليهم منه سبحانه في كل وقت من الأوقات، وطرفة من الطرفات.
60-"وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة"، أيحسبون أن الله لا يؤاخذهم به ولا يعاقبهم عليه، "إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون".
60."وما ظن الذين يفترون على الله الكذب"أي شيء ظنهم ."يوم القيامة"أيحسبون أن لا يجازوا عليه، وهو منصوب بالظن ويدل عليه أنه قرئ بلفظ الماضي لأنه كائن ،وفي إبهام الوعيد تهديد عظيم"إن الله لذو فضل على الناس"حيث أنعم عليهم بالعقل وهداهم بإرسال الرسل وإنزال الكتب ."ولكن أكثرهم لا يشكرون" هذه النعمة .
60. And what think those who invent a lie concerning Allah (will be their plight) upon the Day of Resurrection? Lo! Allah truly is Bountiful toward mankind, but most of them give not thanks.
60 - And what think those who invent lie against God, of the day of judgment? verily God is full of bounty to mankind, but most of them are ungrateful.