[يونس : 38] أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ
38 - (أم) بل (يقولون افتراه) اختلقه محمد (قل فأتوا بسورة مثله) في الفصاحة والبلاغة على وجه الافتراء فإنكم عربيون فصحاء مثلي (وادعوا) للإعانة عليه (من استطعتم من دون الله) أي غيره (إن كنتم صادقين) في أنه افتراء فلم تقدروا على ذلك
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون إني اختلقته وافتريته، فإنكم مثلي من العرب، ولساني مثل لسانكم، وكلامي مثل كلامكم، فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن.
و((الهاء)) في قوله " مثله "، كناية عن القرآن.
وقد كان بعض نحويي البصرة يقول: معنى ذلك: قل فأتوا بسورة مثل سورته، ثم ألقيت ((سورة))، وأضيف ((المثل)) إلى ما كان مضافاً إليه ((السورة))، كما قيل: " واسأل القرية " [يوسف: 82]، يراد به: واسأل أهل القرية.
وكان بعضهم ينكر ذلك من قوله، ويزعم أن معناه: فأتوا بقرآن مثل هذا القرآن.
قال أبو جعفر:والصواب من القول في ذلك عندي، أن ((السورة))، إنما هي سورة من القرآن، وهي قرآن، وإن لم تكن جميع القرآن. فقيل لهم: " فاتوا بسورة مثله "، ولم يقل: ((مثلها))، لأن الكناية أخرجت على المعنى - أعني معنى ((السورة)) - لا على لفظها، لأنها لو أخرجت على لفظها لقيل: ((فأتوا بسورة مثلها)).
" وادعوا من استطعتم من دون الله "، يقول: وادعوا، أيها المشركون، على أن يأتوا بسورة مثلها من قدرتم أن تدعوا على ذلك من أوليائكم وشركائكم، " من دون الله "، يقول: من عند غير الله، فأجمعوا على ذلك واجتهدوا، فإنكم لا تستطيعون أن تأتوا بسورة مثله أبداً.
وقوله: " إن كنتم صادقين "، يقول: إن كنتم صادقين في أن محمداً افتراه، فأتوا بسورة مثله من جميع من يعينكم على الإتيان بها. فإن لم تفعلوا ذلك، فلا شك أنكم كذبة في زعمكم أن محمداً افتراه، لأن محمداً لن يعدو أن يكون بشراً مثلكم، فإذا عجز الجميع من الخلق أن يأتوا بسورة مثله، فالواحد منهم عن أن يأتي بجميعه أعجز.
قوله تعالى: "أم يقولون افتراه" أم ههنا في موضع ألف الاستفهام لأنها اتصلت بما قبلها. وقيل: هي أم المنقطعة التي تقدر بمعنى بل والهمزة، كقوله تعالى: "الم * تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه" [السجدة: 1-3] أي بل أيقولون افتراه. وقال أبو عبيدة: أم بمعنى الواو، مجازه: ويقولون افتراه. وقيل: الميم صلة، والتقدير: أيقولون افتراه، أي اختلق محمد القرآن من قبل نفسه، فهو استفهام معناه التقريع. "قل فاتوا بسورة مثله" ومعنى الكلام الاحتجاج، فإن الآية الأولى دلت على كون القرآن من عند الله، لأنه مصدق الذي بين يديه من الكتب وموافق لها من غير أن يتعلم محمد عليه السلام عن أحد. وهذه الآية إلزام بأن يأتوا بسورة مثله إن كان مفترى. وقد مضى القول في إعجاز القرآن، وأنه معجز في مقدمة الكتاب، والحمد لله.
هذا بيان لإعجاز القرآن وأنه لا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله ولا بعشر سور ولا بسورة من مثله لأنه بفصاحته وبلاغته ووجازته وحلاوته واشتماله على المعاني العزيزة النافعة في الدنيا والاخرة لا تكون إلا من عند الله الذي لا يشبهه شيء في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله وأقواله فكلامه لا يشبه كلام المخلوقين ولهذا قال تعالى: "وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله" أي مثل هذا القرآن لا يكون إلا من عند الله ولا يشبه هذا كلام البشر "ولكن تصديق الذي بين يديه" أي من الكتب المتقدمة ومهيمناً عليه ومبيناً لما وقع فيها من التحريف والتأويل والتبديل وقوله: "وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين" أي وبيان الأحكام والحلال والحرام بياناً شافياً كافياً حقاً لا مرية فيه من الله رب العالمين كما تقدم في حديث الحارث الأعور عن علي بن أبي طالب فيه خبر ما قبلكم ونبأ ما بعدكم وفصل ما بينكم أي خبر عما سلف وعما سيأتي وحكم فيما بين الناس بالشرع الذي يحبه الله ويرضاه. وقوله: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " أي إن ادعيتم وافتريتم وشككتم في أن هذا من عند الله وقلتم كذباً وميناً إن هذا من عند محمد فمحمد بشر مثلكم وقد جاء فيما زعمتم بهذا القرآن فأتوا أنتم بسورة مثله, أي من جنس هذا القرآن واستعينوا على ذلك بكل من قدرتم عليه من إنس وجان.
وهذا هو المقام الثالث في التحدي فإنه تعالى تحداهم ودعاهم إن كانوا صادقين في دعواهم أنه من عند محمد فليعارضوه بنظير ما جاء به وحده وليستعينوا بمن شاءوا وأخبر أنهم لا يقدرون على ذلك ولا سبيل لهم إليه فقال تعالى: "قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً" ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في أول سورة هود: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " ثم تنازل إلى سورة فقال في هذه السورة: " أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " وكذا في سورة البقرة وهي مدنية تحداهم بسورة منه وأخبر أنهم لا يستطيعون ذلك أبداً فقال: "فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار" الاية, هذا وقد كانت الفصاحة من سجاياهم, وأشعارهم ومعلقاتهم إليها المنتهى في هذا الباب, ولكن جاءهم من الله مالا قبل لأحد به, ولهذا آمن من آمن منهم بما عرف من بلاغة هذا الكلام وحلاوته وجزالته وطلاوته وإفادته وبراعته فكانوا أعلم الناس به وأفهمهم له وأتبعهم له وأشدهم له انقياداً كما عرف السحرة لعلمهم بفنون السحر أن هذا الذي فعله موسى عليه السلام لا يصدر إلا عن مؤيد مسدد مرسل من الله وأن هذا لا يستطاع لبشر إلا بإذن الله. وكذلك عيسى عليه السلام بعث في زمان علماء الطب ومعالجة المرضى فكان يبرىء الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله, ومثل هذا لا مدخل للعلاج والدواء فيه فعرف من عرف منهم أنه عبد الله ورسوله.
ولهذا جاء في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أوتي من الايات ما آمن على مثله البشر, وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً". وقوله: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله" يقول بل كذب هؤلاء بالقرآن ولم يفهموه ولا عرفوه "ولما يأتهم تأويله" أي ولم يحصلوا ما فيه من الهدى ودين الحق إلى حين تكذيبهم به جهلاً وسفهاً "كذلك كذب الذين من قبلهم" أي من الأمم السالفة "فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" أي فانظر كيف أهلكناهم بتكذيبهم رسلنا ظلماً وعلواً وكفراً وعناداً وجهلاً فاحذروا أيها المكذبون أن يصيبكم ما أصابهم. وقوله: "ومنهم من يؤمن به" الاية, أي ومن هؤلاء الذين بعثت إليهم يا محمد من يؤمن بهذا القرآن ويتبعك وينتفع بما أرسلت به "ومنهم من لا يؤمن به" بل يموت على ذلك ويبعث عليه "وربك أعلم بالمفسدين" أي وهو أعلم بمن يستحق الهداية فيهديه ؟ ومن يستحق الضلالة فيضله, وهو العادل الذي لا يجور, بل يعطي كلاً ما يستحقه تبارك وتعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو.
قوله: 38- "أم يقولون افتراه" الاستفهام للإنكار عليهم مع تقرير ثبوت الحجة، وأم هي المنقطعة التي بمعنى بل والهمزة: أي بل أيقولون أفتراه واختلقه. وقال أبو عبيدة: أم بمعنى الواو: أي ويقولون افتراه، وقيل الميم زائدة، والتقدير: أيقولون افتراه، والاستفهام للتقريع والتوبيخ. ثم أمره الله سبحانه أن يتحداهم حتى يظهر عجزهم ويتبين ضعفهم فقال: " قل فاتوا بسورة مثله " أي إن كان الأمر كما تزعمون من أن محمداً افتراه فأتوا أنتم على جهة الافتراء بسورة مثله في البلاغة، وجودة الصناعة، فأنتم مثله في معرفة لغة العرب وفصاحة الألسن وبلاغة الكلام "وادعوا" بمظاهريكم ومعاونيكم "من استطعتم" دعاءه والاستعانة به من قبائل العرب، ومن آلهتكم التي تجعلونهم شركاء لله. وقوله: "من دون الله" متعلق بادعوا: أي ادعوا من سوى الله من خلقه "إن كنتم صادقين" في دعواكم أن هذا القرآن مفترى.
وسبحان الله العظيم ما أقوى هذه الحجة وأوضحها وأظهرها للعقول، فإنهم لما نسبوا الافتراء إلى واحد منهم في البشرية والعربية، قال لهم: هذا الذي نسبتموه إلي وأنا واحد منكم ليس عليكم إلا أن تأتوا وأنتم الجمع الجم بسورة مماثلة لسورة من سوره، واستعينوا بمن شئتم من أهل هذه اللسان العربية على كثرتهم وتباين مساكنهم، أو من غيرهم من بني آدم، أو من الجن، أو من الأصنام، فإن فعلتم هذا بعد اللتيا والتي فأنتم صادقون فيما نسبتموه إلي وألصقتموه بي. فلم يأتوا عند سماع هذا الكلام المنصف والتنزل البالغ بكلمة ولا نطقوا ببنت شفة، بل كاعوا عن الجواب وتشبثوا بأذيال العناد البارد والمكابرة المجردة عن الحجة، وذلك مما لا يعجز عنه مبطل.
38-"أم يقولون"، قال أبو عبيدة: "أم" بمعنى الواو، أي: ويقولون، "افتراه"، اختلق محمد القرآن من قبل نفسه، " قل فاتوا بسورة مثله "، شبه القرآن " وادعوا من استطعتم "، ممن تعبدون، "من دون الله"، ليعينوكم على ذلك، "إن كنتم صادقين"، أن محمداً افتراه ثم قال:
38."أم يقولون"بل أيقولون."افتراه"محمد صلى الله عليه وسلم ومعنى الهمزة فيه للإنكار ." قل فاتوا بسورة مثله "في البلاغة وحسن النظم وقوة المعنى على وجه الافتراء فإنكم مثلي في العربية والفصاحة وأشد تمرناً في النظم والعبارة ."وادعوا من استطعتم"ومع ذلك فاستعينوا بمن أمكنكم أن تستعينوا به ."من دون الله"سوى الله تعالى فإنه وحده قادر على ذلك ."إن كنتم صادقين"أنه اختلقه.
38. Or say they: He hath invented it? Say: Then bring a surah like unto it, and call (for help) on all ye can besides Allah, if ye are truthful.
38 - Or do they say, he forged it? say: bring then a Sura like unto it, and call (to your aid) anyone you can, besides God, if it be ye speak the truth