[يونس : 16] قُل لَّوْ شَاء اللّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ
16 - (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم) أعلمكم (به) ولا نافية عطف على ما قبله ، وفي قراءة بلام جواب لو : أي لأعلمكم به على لسان غيري (فقد لبثت) مكثت (فيكم عمراً) سنيناً أربعين (من قبله) لا أحدثكم بشيء (أفلا تعقلون) أنه ليس من قِبَلي
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه، معرفه الحجة على هؤلاء المشركين الذين قالوا له: " ائت بقرآن غير هذا أو بدله "، " قل " لهم، يا محمد، " لو شاء الله ما تلوته عليكم "، أي: ما تلوت هذا القرآن عليكم، أيها الناس، بأن كان لا ينزله علي فيأمرني بتلاوته عليكم، " ولا أدراكم به "، يقول: ولا أعلمكم به، " فقد لبثت فيكم عمرا من قبله "، يقول: فقد مكثت فيكم أربعين سنة من قبل أن أتلوه عليكم، ومن قبل أن يوحيه إليه ربي، " أفلا تعقلون "، أني لو كنت منتحلاً ما ليس لي من القول، كنت قد انتحلته في أيام شبابي وحداثتي، وقبل الوقت الذي تلوته عليكم؟ فقد كان لي اليوم، لو لم يوح إلي وأومر بتلاوته عليكم، مندوحة عن معاداتكم، ومتسع، في الحال التي كنت بها منكم قبل أن يوحى إلي وأومر بتلاوته عليكم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ولا أدراكم به "، ولا أعلمكم.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله:" لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به "، يقول: لو شاء الله لم يعلمكموه.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال ابن عباس: " لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به "، يقول: ما حذرتكم به.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله "، وهو قول مشركي أهل مكة، للنبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمرا من قبله أفلا تعقلون "، لبث أربعين سنة.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به "، ولا أعلمكم به.
حدثني محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن الحسن ، أنه كان يقرأ: ((ولا أدرأتكم به))، يقول: ما أعلمتكم به.
حدثت عن الحسن بن الفرج قال، سمعت أبا معاذ يقول، أخبرنا عبيد قال، سمعت الضحاك يقول في قوله: " ولا أدراكم به "، يقول: ولا أشعركم الله به.
قال أبو جعفر: وهذا القراءة التي حكيت عن الحسن ، عن أهل العربية غلط.
وكان الفراء يقول في ذلك: قد ذكر عن الحسن أنه قال: ((ولا أدرأتكم به)). قال: فإن يكن فيها لغة سوى ((دريت)) و((أدريت))، فلعل الحسن ذهب إليها. وأما أن تصلح من ((دريت)) أو ((أدريت)) فلا، لأن الياء والواو إذا انفتح ما قبلهما وسكنتا، صحتا ولم تنقلبا إلى ألف، مثل ((قضيت)) أو((دعوت)). ولعل الحسن ذهب إلى طبيعته وفصاحته فهمزها، لأنها تضارع: ((درأت الحد))، وشبهه. وربما غلطت العرب في الحرف إذا ضارعه آخر من الهمز، فيهمزون غير المهموز. وسمعت امرأة من طي تقول: ((رثأت زوجي بأبيات))، ويقولون: ((لبأت بالحج)) و((حلأت السويق))، فيغلطون، لأن ((حلأت))، قد يقال في دفع العطاش من الإبل، و((لبأت)) ذهب به إلى ((اللبأ)) لبأ الشاء، و((رثأت زوجي))، ذهبت به إلى ((رثأت اللبن))، إذا أنت حلبت الحليب على الرائب فتلك ((الرثيئة)).
وكان بعض البصريين يقول: لا وجه لقراءة الحسن هذه، لأنها من ((أدريت)) مثل ((أعطيت))، إلا أن لغةً لبني عقيل: ((أعطات))، يريدون: أعطيت، تحول الياء ألفاً، قال الشاعر:
لقد آذنت أهل اليمامة طيىء بحرب كناصاة الأغر المشهر
يريد: كناصية، حكي ذلك عن المفضل، وقال زيد الخيل:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا على الأرض قيسي يسوق الأباعرا
فقال: ((بقا))، وقال الشاعر:
لزجرت قلباً لا يريع لزاجر إن الغوي إذانها لم يعتب
يريد: نهي. قال: وهذا كله على قراءة الحسن ، وهي مرغوب عنها، قال: وطيىء تصير كل ياء انكسر ما قبلها ألفاً، يقولون: ((هذه جاراة))، وفي ((الترقوة)) ((ترقاة)) و((العرقوة)) ((عرقاة)). قال: وقال بعض طيىء: (( قد لقت فزارة))، حذف الياء من ((لقيت)) لما لم يمكنه أن يحولها ألفاً، لسكون التاء، فيلتقي ساكنان. وقال: زعم يونس أن ((نسا)) و((رضا)) لغة معروفة، قال الشاعر:
وأنبئت بالأعراض ذا البطن خالداً نسا أو تناسى أن يعد المواليا
وروي عن ابن عباس في قراءة ذلك أيضاً رواية أخرى، وهي ما:
حدثنا به المثنى قال، حدثنا المعلى بن أسد قال، حدثنا خالد بن حنظلة، عن شهر بن حوشب، عن ابن عباس: أنه كان يقرأ: ((قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أنذرتكم به)).
قال أبو جعفر: والقراءة التي لا نستجيز أن نعدوها، هي القراءة التي عليها قرأة الأمصار: " قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به "، بمعنى: ولا أعلمكم به، ولا أشعركم به.
قوله تعالى: "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به" أي لو شاء الله ما أرسلني إليكم فتلوت عليكم القرآن، ولا أعلمكم الله ولا أخبركم به، يقال: دريت الشيء وأدراني الله به، ودريته ودريت به. وفي الدراية معنى الختل، ومنه دريت الرجل أي ختلته، ولهذا لا يطلق الداري في حق الله تعالى وأيضاً عدم فيه التوقيف. وقرأ ابن كثير: ولأدراكم به بغير ألف بين اللام والهمزة، والمعنى: لو شاء لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم، فهي لام التأكيد دخلت على ألف أفعل. وقرأ ابن عباس والحسن ولا أدراتكم به بتحويل الياء ألفاً، على لغة بني عقيل، قال الشاعر:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقي على الأرض قيسي يسوق الأباعرا
وقال آخر:
ألا آذنت أهل اليمامة طيء بحرب كناصات الأغر المشهر
قال أبو حاتم: سمعت الأصمعي يقول: سألت أبا عمرو بن العلاء: هل لقراءة الحسن ولا أدراتكم به وجه؟ فقال لا. وقال أبو عبيد: لا وجه لقراءة الحسن ولا أدراتكم به إلا الغلط. قال النحاس: معنى قول أبي عبيد: لا وجه، إن شاء الله على الغلط، لأنه يقال: دريت أي عملت، وأدريت غيري، ويقال: درأت أي دفعت، فيقع الغلط بين دريت ودرأت. قال أبو حاتم: يريد الحسن فيما أحسب ولا أدريتكم به فأبدل من الياء ألفاً على لغة بني الحارث بن كعب، يبدلون من الياء ألفاً إذا انفتح ما قبلها، مثل، "إن هذان لساحران" [طه:63]. قال المهدوي: ومن قرأ أدرأتكم فوجهه أن أصل الهمزة ياء، فأصله أدريتكم فقلبت الياء ألفاً وإن كانت ساكنة، كما قال: يابس في ييس وطائي في طيء، ثم قلبت الألف همزة على لغة من قال في العالم العألم وفي الخاتم الخأتم. قال النحاس: وهذا غلط، والرواية عن الحسن ولا أدرأتكم بالهمزة، وأبو حاتم وغيره تكلم أنه بغير همز، ويجوز أن يكون من درأت أي دفعت، أي ولا أمرتكم أن تدفعوا فتتركوا الكفر بالقرآن.
قوله تعالى: "فقد لبثت فيكم عمرا" ظرف، أي مقدراً من الزمان وهو أربعون سنة. "من قبله" أي من قبل القرآن، تعرفونني بالصدق والأمانة، لا أقرأ ولا أكتب، ثم جئتكم بالمعجزات. "أفلا تعقلون" أن هذا لا يكون إلا من عند الله لا من قبلي. وقيل: معنى "لبثت فيكم عمرا" أي لبثت فيكم مدة شبابي لم أعص الله، أفتريدون مني الآن وقد بلغت أربعين سنة أن أخالف أمر الله، وأغير ما ينزله علي. قال قتادة: لبث فيهم أربعين سنة، وأقام سنتين يرى رؤيا الأنبياء، وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن اثنتين وستين سنة.
يخبر تعالى عن تعنت الكفار من مشركي قريش الجاحدين المعرضين عنه أنهم إذا قرأ عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كتاب الله وحجته الواضحة قالوا له: ائت بقرآن غير هذا أي رد هذا وجئنا بغيره من نمط آخر أو بدله إلى وضع آخر قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: "قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي" أي ليس هذا إلي إنما أنا عبد مأمور ورسول مبلغ عن الله "إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم" ثم قال محتجاً عليهم في صحة ما جاءهم به: "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به" أي هذا إنما جئتكم به عن إذن الله لي في ذلك ومشيئته وإرادته, والدليل على أني لست أتقوله من عندي ولا افتريته أنكم عاجزون عن معارضته وأنكم تعلمون صدقي وأمانتي منذ نشأت بينكم إلى حين بعثني الله عز وجل لا تنتقدون علي شيئاً تغمصوني به ولهذا قال: "فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون" أي أفليس لكم عقول تعرفون بها الحق من الباطل ولهذا لما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان ومن معه فيما سأله من صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال هرقل لأبي سفيان: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال ؟ قال أبو سفيان فقلت لا, وكان أبو سفيان إذ ذاك رأس الكفرة وزعيم المشركين ومع هذا اعترف بالحق ـ والفضل ما شهدت به الأعداء ـ فقال له هرقل: فقد أعرف أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله وقال جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة: بعث الله فينا رسولاً نعرف صدقه ونسبه وأمانته, وقد كانت مدة مقامه عليه السلام بين أظهرنا قبل النبوة أربعين سنة, وعن سعيد بن المسيب ثلاثاً وأربعين سنة, والصحيح المشهور الأول .
ثم أكد سبحانه كون هذا القرآن من عند الله وأنه صلى الله عليه وسلم إنما يبلغ إليهم منه ما أمره الله بتبليغه لا يقدر على غير ذلك، فقال: 16- "قل لو شاء الله ما تلوته عليكم" أي أن هذا القرآن المتلو عليكم هو بمشيئة الله وإرادته ولو شاء الله أن لا أتلوه عليكم ولا أبلغكم إياه ما تلوته، فالأمر كله منوط بمشيئة الله ليس لي في ذلك شيء، قوله: "ولا أدراكم به" معطوف على ما تلوته، ولو شاء الله ما أدراكم بالقرآن: أي ما أعلمكم به على لساني يقال: دريت الشيء وأدراني الله به. هكذا قرأ الجمهور بالألف من أدراه يدريه أعلمه يعلمه. وقرأ ابن كثير " ولا أدراكم به " بغير ألف بين اللام والهمزة والمعنى: ولو شاء الله لأعلمكم به من غير أن أتلوه عليكم، فتكون اللام لام التأكيد دخلت على ألف أفعل. وقد قرئ أدرؤكم بالهمزة فقيل: هي منقلبة عن الألف لكونهما من واد واحد، ويحتمل أن يكون من درأته إذا دفعته، وأدرأته إذا جعلته دارياً. والمعنى: لأجعلكم بتلاوته خصماء تدرءونني بالجدال وتكذبونني. وقرأ ابن عباس والحسن " ولا أدراكم به " قال أبو حاتم: أصله ولا أدريتكم به، فأبدل من الياء ألفاً. قال النحاس: وهذا غلط. والرواية عن الحسن ولا أدرأتكم بالهمزة. قوله: "فقد لبثت فيكم عمراً من قبله" تعليل لكون ذلك بمشيئة الله ولم يكن من النبي صلى الله عليه وسلم إلا التبليغ: أي قد أقمت فيما بينكم عمراً من قبله: أي زماناً طويلاً، وهو أربعون سنة من قبل القرآن تعرفونني بالصدق والأمانة، لست ممن يقرأ ولا ممن يكتب "أفلا تعقلون" الهمزة للتقريع والتوبيخ: أي أفلا تجرون على ما يقتضيه العقل من عدم تكذيبي لما عرفتم من العادة المستمرة إلى المدة الطويلة بالصدق والأمانة، وعدم قراءتي للكتب المنزلة على الرسل وتعلمي لما عند أهلها من العلم، ولا طلبي لشيء من هذا الشأن ولا حرصي عليه، ثم جئتكم بهذا الكتاب الذي عجزتم عن الإتيان بسورة منه، وقصرتم عن معارضته وأنتم العرب المشهود لهم بكمال الفصاحة المعترف لهم بأنهم البالغون فيها إلى مبلغ لا يتعلق به غيركم؟.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: " ولو يعجل الله للناس الشر " الآية، قال: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب عليهم: اللهم لا تبارك فيه والعنه "لقضي إليهم أجلهم" قال: لأهلك من دعا عليه وأماته. وأخرج أبو الشيخ عن سعيد بن جبير في الآية قال: قول الرجل للرجل: اللهم العنه، اللهم اخزه، وهو يحب أن يستجاب له. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: هو دعاء الرجل على نفسه وما له بما يكره أن يستجاب له. وحكى القرطبي في تفسيره عن ابن إسحاق ومقاتل في الآية قالا: هو قول النضر بن الحارث: "اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء" فلو عجل لهم هذا لهلكوا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "دعانا لجنبه" قال: مضطجعاً. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة في قوله: "دعانا لجنبه أو قاعداً أو قائماً" قال: على كل حال. وأخرج أبو الشيخ عن أبي الدرداء قال: ادع الله يوم سرائك يستجاب لك يوم ضرائك.
وأقول أنا: أكثر من شكر الله على السراء يدفع عنك الضراء، فإن وعده للشاكرين بزيادة النعم مؤذن بدفعه عنهم النقم لذهاب حلاوة النعمة عند وجود مرارة النقمة: اللهم اجمع لنا بين جلب النعم وسلب النقم، فإنا نشكرك عدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان، ونحمدك عدد ما حمدك الحامدون بكل لسان في كل زمان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "ثم جعلناكم خلائف في الأرض" الآية، قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية فقال: صدق ربنا ما جعلنا خلائف في الأرض إلا لينظر إلى أعمالنا، فأروا الله خير أعمالكم بالليل والنهار والسر والعلانية. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج قال: "خلائف في الأرض" لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "ائت بقرآن غير هذا أو بدله" قال: هذا قول مشركي أهل مكة للنبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "ولا أدراكم به" أعلمكم به. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: "ولا أدراكم به" ولا أشعركم به. وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن ابن عباس أنه كان يقرأ: (ولا أنذرتكم به). وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: "فقد لبثت فيكم عمراً من قبله" قال: لم أتل عليكم ولم أذكر. وأخرجا عنه قال: لبث أربعين سنة قبل أن يوحى غليه ورأى الرؤيا سنتين، وأوحى الله إليه عشر سنين بمكة، وعشراً بالمدينة، وتوفي وهو ابن اثنتين وستين سنة. وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري والترمذي عن ابن عباس قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاثة عشر يوحى غليه، ثم أمر بالهجرة فهاجر عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
16-"قل لو شاء الله ما تلوته عليكم"، يعني: لو شاء الله ما أنزل القرآن علي. "ولا أدراكم به"، أي: ولا أعلمكم الله. قرأ البزي عن ابن كثير:" ولا أدراكم به " بالقصر به على الإيجاب، يريد: ولا علمكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس: " لأنذركم به " من الإنذار. "فقد لبثت فيكم عمرا"، حينا وهو أربعون سنة، "من قبله"، من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء. "أفلا تعقلون"، أنه ليس من قبلي، ولبث النبي صلى الله عليه وسلم فيهم قبل الوحي أربعين سنة ثم أوحى الله إليه فأقام بمكة بعد الوحي ثلاث عشرة سنة ثم هاجر فأقام بالمدينة عشر سنين وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة.
وروى أنس: أنه أقام بمكة بعد الوحي عشر سنين وبالمدينة عشر سنين، وتوفي وهو ابن ستين سنة.
والأول أشهر وأظهر.
16."قل لو شاء الله "غير ذلك ."ما تلوته عليكم ولا أدراكم به"ولا أعلمكم به على لساني ، وعن ابن كثير (ولأدراكم)بلام التأكيد أي لو شاء الله ما تلوته عليكم ولأعلمكم به على لساني غيري . والمعنى أنه الحق الذي لا محيص عنه لو لم أرسل به لأرسل به غيري.وقرئ (ولا أدرأكم)(ولا أدرأتكم) بالهمز فيهما على لغة من يقلب الألف المبدلة من الياء همزة ، أو على أنه من الدرء بمعنى الدفع أي ولا جعلتكم بتلاوته خصماء تدرؤنني بالجدال، والمعنى أن الأمر بمشيئة الله تعالى لا بمشيئتي حتى اجعله على نحو ما تشتهونه ثم قرر ذلك بقوله: "فقد لبثت فيكم عمراً"مقداراً عمر أربعين سنة."من قبله"من قبل القرآن لا أتلوه ولا أعلمه ، فإنه إشارة إلى أن القرآن معجز خارق للعادة فإن من عاش بين أظهرهم أربعين سنة لم يمارس فيها علماً ولم يشاهد عالماً ولم ينشئ قريضاً ولا خطبة ، ثم قرأ عليهم كتاباً بزت فصاحته فصاحة كل منطبق وعلا من كل منثور ومنظوم ، واحتوى على قواعد علمي الأصول والفروع وأعرب عن أقاصيص الأولين وأحاديث الآخرين على ما هين عليه علم أنه معلوم به من الله تعالى .ز"أفلا تعقلون"أين أفلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر فيه لتعلموا أنه ليس إلا من الله .
16. Say: If Allah had so willed I should not have recited it to you nor would He have made it known to you. I dwelt among you a whole lifetime before it (came to me). Have ye then no sense?
16 - Say: If God had to willed, I should not have rehearsed it to you, nor would he have made it known to you. a whole life time before this have I tarried amongst you: will ye not then understand?